من المرجح أن ينمو الاقتصاد السعودي بما يقارب 1.5% في عام 2024 مع توسع القطاع غير النفطي بنسبة 3 إلى 4%. علمًا بأن هناك حالة من عدم اليقين العالية في سوق النفط، والصراع في قطاع غزة، ومسار السياسة النقدية في الولايات المتحدة، وتأثير الإصلاحات الداخلية.
عندما تقوم الهيئة العامة للإحصاء في السعودية بنشر أول تقدير رسمي للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2023 في نهاية يناير/كانون الثاني، فمن المرجح أن يُظهر هذا التقدير انكماش الاقتصاد بنحو 0.5% مقارنة بعام 2022. ويرجع ذلك إلى الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للنفط، الذي من المرجح أنه قد انخفض بنحو 7% نظرًا للتخفيضات الكبيرة في إنتاج النفط الخام في مايو/أيار ويوليو/تموز من عام 2023. ومن المرجح أن يكون الاقتصاد غير النفطي قد نما بنسبة 4% بفعل الاستهلاك الخاص مع استمرار العائلات في الاستفادة من فرص الإنفاق الجديدة في قطاعات مثل الترفيه والسياحة. ومقترناً مع الإصلاحات الجارية في سوق العمل، فقد أفضى هذا النمو في القطاع غير النفطي إلى خلق الكثير من فرص العمل الجديدة، وانخفض معدل البطالة في السعودية ليصل إلى 8.6% في الربع الثالث من عام 2023 بعدما كان 9.9% قبل عام. ومع ذلك، يتضح من البيانات الأخيرة وجود هاجسين. الأول هو فقدان الاقتصاد غير النفطي للزخم مع مرور الوقت، حيث وصل النمو السنوي في الربع الثالث من عام 2023 لأدنى مستوياته منذ جائحة فيروس كورونا. ويتمثل الهاجس الثاني في التباطؤ الحاد في الإنفاق الاستثماري، الذي يشكل عنصرًا أساسيًا لتعزيز الإنتاجية، ودعم جهود التنويع الاقتصادي خلال عام 2023.
نمو أقوى متوقع في عام 2024
في حين يقوم الخبراء بطرح توقعاتهم للاقتصاد السعودي في 2024، يتعين عليهم تقييم ما إذا كان التباطؤ في النمو غير النفطي والإنفاق الاستثماري مؤقت أم طويل الأمد. كما يتعين عليهم أيضًا أن يقدروا حجم التأثير المحتمل للعديد من عوامل عدم اليقين العالمية والإقليمية والمحلية، والتي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد؛ والتي يتعلق أكبرها بسوق النفط العالمية، والصراع المستمر في قطاع غزة، والسياسة النقدية في الولايات المتحدة، وتأثير الإصلاحات الداخلية في السعودية.
التوقعات في سوق النفط العالمي
هنالك ارتفاع في إنتاج النفط خارج مجموعة أوبك بلس، حيث وصل إنتاج خام النفط الأمريكي إلى مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة. وقد أدت هذه الزيادة في الإنتاج إلى الضغط على أسعار النفط، ودفعت أوبك بلس، وخاصة السعودية، لتخفيض الإنتاج لدعم الأسعار. وأعلنت السعودية أنها ستمدد التخفيضات على إنتاج النفط حتى نهاية الربع الأول من عام 2024. ومن الصعب تحديد مسار إنتاج النفط بعد ذلك. وتتوقع منظمة أوبك زيادة طفيفة فقط في الطلب على خامها خلال عام 2024، لأن زيادة العرض من خارج منظمة أوبك تلبي معظم الزيادة المتوقعة في الطلب. وهذا يعني أن السيناريو الأرجح هو أن تتمكن السعودية من استعادة كمية ضئيلة فقط، وبصورة تدريجية، من الإنتاج الذي خفضته في عام 2023 دون تقويض أسعار النفط.
ومع ذلك، فمن الممكن لميزان العرض والطلب في سوق النفط العالمية أن يتغير بسرعة. على سبيل المثال، في تقريره حول التوقعات الاقتصادية الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا في مايو/أيار 2023، توقع صندوق النقد الدولي وصول متوسط إنتاج النفط السعودي في عام 2023 إلى 10.5 مليون برميل يوميًا. ومن المرجح أن العدد الحقيقي هو 9.6 مليون برميل يوميًا، ما يوضح مدى سرعة تحول سوق النفط. في عام 2024، قد يكون الاقتصاد العالمي أقوى من المتوقع، أو يكون المعروض من النفط المُنتج خارج دول منظمة أوبك أقل من المتوقع، ما يعني زيادة الطلب على الخام السعودي، وبالتالي نمو أكبر في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من النفط. ومن المرجح أيضًا أن يؤدي ارتفاع عائدات النفط إلى زيادة الإنفاق الحكومي، الأمر الذي من شأنه أن يوفر انتعاشة قصيرة الأجل في نمو القطاع غير النفطي. من ناحية أخرى، فإن استمرار الزيادة الكبيرة في المعروض من النفط من خارج مجموعة أوبك بلس، أو فشل بعض دول أوبك بلس في الالتزام بتخفيضات الإنتاج المعلنة قد يدفع السعودية نحو فرض مزيد من القيود على الإنتاج أو ستواجه انخفاضًا في أسعار النفط، مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية على نمو القطاع النفطي وغير النفطي.
الصراع في قطاع غزة
قد يؤدي الصراع في قطاع غزة، وخاصة إذا تصاعد أو اتسع، إلى تقويض حالة الثقة لدى الشركات والعائلات السعودية، ما من شأنه أن يؤثر على الاستثمار والإنفاق الاستهلاكي، ويعرقل وصول السياح والاستثمار الأجنبي المباشر نظرًا لوجود حالة واسعة من عدم اليقين. ومن شأن العقبات التي تعترض سبيل شحنات النفط أن تفضي إلى ارتفاع أسعار النفط، ولو مؤقتًا على الأقل، ما من شأنه أن يؤثر سلبًا على الصادرات النفطية.
السياسة النقدية في الولايات المتحدة
من المتوقع أن يبدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتخفيض أسعار الفائدة الرسمية في عام 2024 مع استمرار التضخم في الانخفاض نحو هدفه المحدد، والمقدر بـ 2%. ومن شأن انخفاض أسعار الفائدة الرسمية في الولايات المتحدة أن يفضي إلى انخفاض في أسعار الفائدة في السعودية نظرًا لارتباط الريال بالدولار الأمريكي. وفي حين تجد الدراسات الامبريقية صعوبة كبيرة في إيجاد علاقة بين أسعار الفائدة والنمو في السعودية، لا سيما عندما تكون أسعار النفط مرتفعة نسبيًا، إلا أنه من المرجح أن تتعزز هذه العلاقة بمرور الوقت مع استمرار تطور القطاع المالي. وإذا لجأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة قبل المصارف المركزية الرئيسية الأخرى، فإن ذلك قد يضعف أيضًا الدولار الأمريكي (والريال)، ويوفر دعمًا متواضعًا للقدرة التنافسية للصادرات غير النفطية.
وفي حين تترسخ التوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيقوم بتخفيض أسعار الفائدة، إلا أن توقيت هذه التخفيضات ووتيرتها ما هما إلا مسألة تخمين، وسيحددهما في نهاية المطاف مسار التضخم. لن تقتصر أهمية التوقيت ونطاق تقليل القيود النقدية على الاقتصاد المحلي مباشرة فحسب، وإنما قد تكون أكثر أهمية للنمو العالمي والطلب على النفط.
السياسة النقدية السعودية
تشير الميزانية السعودية إلى أن السياسة المالية ستقلل من دعمها للاقتصاد في عام 2024 عما كان عليه خلال العامين السابقين اللذين زاد الإنفاق الحكومي خلالهما لأكثر من 20%. وحتى لو تم السماح بزيادة إنفاق صندوق الاستثمارات العامة أكثر في عام 2024، فإن مستويات إنفاق الحكومة المركزية قد تجاوز ما هو معلن في الميزانية، والتباطؤ الذي يمكن أن يؤثر من خلاله الإنفاق الحكومي على النمو، فمن المرجح أن يكون دعم السياسة المالية للاقتصاد غير النفطي في عام 2024 أقل من نصف ما كان عليه في عام 2023.
تأثير الإصلاحات
لقد أجرت السعودية إصلاحات كبيرة لتعزيز الأطر القانونية والتنظيمية، وتطوير قطاعات جديدة في الاقتصاد، وتنمية الأسواق المالية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وزيادة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل. ويشير التحليل الذي أجراه صندوق النقد الدولي إلى أن هذه الإصلاحات من شأنها أن تعزز النمو في القطاع غير النفطي. ويبدو أنه من المنطقي الافتراض بأن هذه الإصلاحات ستفضي إلى بعض التأثيرات الإيجابية في عام 2024، ولكن من الصعب التنبؤ بحجم هذا التأثير. ويجري أيضًا، في عام 2024، تنفيذ إصلاحات جديدة، مثل برنامج المقرات الإقليمية، وإن كان تأثيرها لا يزال غير مؤكد.
يعد نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.5% في عام 2024 أحد السيناريوهات المركزية المنطقية. وإذا ارتفع إنتاج النفط إلى 9.5 مليون برميل يوميًا بحلول نهاية هذا العام، فإن ذلك يتماشى مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للنفط بنحو 2%. وإذا تم تخفيض القيود على السياسة النقدية وأثمرت جهود الإصلاح البنيوية، بما في ذلك زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر ووصول السياح، فإنه من الممكن للقطاع غير النفطي أن يتوسع بنسبة تتراوح ما بين 3% و4% على الرغم من انخفاض الدعم من السياسة المالية، وإمكانية انخفاض أسعار النفط (كان متوسط سعر برنت 83 دولارا للبرميل الواحد في عام 2023؛ ويبلغ حاليًا سعر العقد الآجل لبرنت في ديسمبر/كانون الأول 2024 حوالي 74 دولارًا للبرميل).
تحقيق طموحات النمو
في حين أنه من غير المرجح أن يشهد عام 2024 ذلك النمو الكبير الذي يجري السعي إلى تحقيقه في القطاع غير النفطي في إطار رؤية 2030، فإن التوسع بنسبة تتراوح ما بين 3% و4% لا يزال يمثل نتيجة مواتية، ولا سيما إذا رافقه انخفاض آخر في البطالة نظرًا للظروف العالمية الصعبة، والحاجة إلى كبح جماح الإنفاق الحكومي.
والحقيقة أنه من الأهمية بمكان أن نكون واقعيين فيما يتعلق بنسبة النمو المستدام في القطاع غير النفطي. وقد أشار صندوق النقد الدولي مؤخرًا إلى أن النمو متوسط الأجل “المحتمل” للقطاع غير النفطي، أي نسبة النمو المتوافقة مع التضخم المستقر، يبلغ 4%. ومن المرجح أن تؤدي محاولة زيادة النمو بصورة ممنهجة لتتجاوز هذه النسبة إلى زيادة التضخم، أو إلى تدهور وضع الحساب الجاري. إن تحقيق نمو أقوى للقطاع غير النفطي سوف يعتمد في نهاية المطاف على زيادة إنتاجية الاقتصاد السعودي، من خلال الاستثمارات الفعالة في رأس المال البشري، والبنية التحتية التقليدية والرقمية، والصناعات التقنية العالية، والاستمرار في الجهود المتواصلة لزيادة مشاركة المواطنين السعوديين، وخاصة النساء، في سوق العمل.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.