عيّن سلطان عُمان السلطان قابوس بن سعيد في 2 آذار/مارس السيد أسعد بن طارق آل سعيد نائبًا لرئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي. ودفع هذا التعيين بالمراقبين الغربيين فورًا إلى التكهّن بأنه يتم تهيئة أسعد ليصبح خليفة قابوس. لم يكن أسعد يومًا، قبل تعيينه، عضوًا في الحكومة التي تعرف رسميًا باسم مجلس الوزراء. إلا أنه كان قد شغل في السابق منصب الممثل الشخصي للسلطان قابوس منذ العام 2002.
ويعتبر قابوس، البالغ من العمر 76 عامًا، والذي اعتلى عرش السلطنة لمدة 47 عامًا، الملك الذي حظي بأطول فترة حكم في العالم العربي، ومع ذلك فليس له أولاد أو ولي عهد.
ويأتي توقيت تعيين أسعد في أعقاب الزيارتين الأخيرتين اللتين قام بهما كل من الرئيس الإيراني حسن روحاني في 15 شباط/فبراير والأمير الكويتي صباح الأحمد الجابر الصباح في 23 شباط/فبراير لمسقط. فلو تم تعيين أسعد قبل الزيارتين، لكانت زادت التكهنات التي تفيد بأنه سيتمتع بالأفضلية في الاضطلاع بدور ولي عهد قابوس. ولعل الزيارات الرفيعة المستوى تهدف إلى التنويه بالتحسّن الملحوظ في وضع قابوس الصحي، أو على الأقل باستقرار حالته الصحية منذ عودته من ألمانيا في نيسان/أبريل 2016، حيث خضع لفحوصات طبية دامت شهرين بخصوص ما يُعتقد أنه الإصابة بمرض سرطان القولون. وفي تموز/يوليو 2014، سافر قابوس إلى ألمانيا وخضع لعلاج طبي استغرق ثمانية أشهر.
وما يزيد عملية انتقال السلطة في سلطنة عُمان غموضًا إلى حد ما، حقيقة أن منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي، الذي كان شاغرًا منذ وفاة عمّ قابوس السيد ثويني بن شهاب آل سعيد في العام 2010، بات مؤخرًا شاغلًا. أما آخر نائب لرئيس الوزراء العماني فكان قيس الزواوي، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ولم يحلّ أحد مكانه منذ وفاته في حادث سيارة في العام 1995.
ولعقود خلت استمرت التكهنات حول هوية من سيخلف قابوس، العاهل الذي تمتّع بالسلطة المطلقة منذ أن أطاح بوالده، السلطان سعيد بن تيمور آل سعيد، في انقلاب ملكي غير دموي في العام 1970. ومع ذلك، فإن الوضع الراهن للعداء السعودي الإيراني بشأن النفوذ الجيوسياسي قد لفت انتباه المجتمع الدولي مجددًا لعملية انتقال السلطة في سلطنة عُمان ولما يمكن أن يحدث لاحقًا.
عملية انتقال السلطة
لم يُعرف الكثير عن حيثيات عملية انتقال السلطة إلى أن أجرت المراسلة الصحفية الأمريكية جوديث ميلر، في العام 1997، مقابلة صحفية بارزة مع قابوس حول الشؤون الخارجية. وقبل عام من هذه المقابلة، كان قابوس قد وضع نظامًا أساسيًا لسلطنة عمان، عُرف بدستور السلطنة، ينص على أنه يتعين على أسرة آل سعيد الحاكمة أن تختار خليفة السلطان.
وقال قابوس لميلر إنه:” فيما يتعلق بانتقاء الخلف، فإن العملية واضحة بالنسبة لنا ولقد باتت مدرجة في النظام الأساسي. بعد وفاتي، ستجتمع عائلتي وإن لم تُجمع على مرشح فسيعود القرار لمجلس الدفاع، الذي سيختار الخلف بناءً على اسم أو أسماء يقدمها السلطان السابق. لقد دوّنت اسمين، وفقًا لترتيب تنازلي، ووضعتهما في ظرفين مختلفين وأودعتهما في منطقتين مختلفتين.”
الإطار الزمني لانتقال السلطة
ينص النظام الأساسي على وجوب مراعاة الحداد لثلاثة أيام بعد وفاة السلطان. وفي خلال هذه الفترة، يتعيّن على مجلس الأمن الوطني، الذي يترأسه الجنرال سلطان بن محمد النعماني، وزير مكتب قصر السلطان، والذي يعتبر في الواقع نائب السلطان قابوس، أن يتحمّل مسؤولية التأكد من الالتزام بتطبيق القانون والنظام.
وما إن تنتهي فترة الحداد الرسمية، حتى يجتمع مجلس العائلة المالكة لينتخب سلطانًا جديدًا. وإن أجمع مجلس العائلة المالكة على خلف، يتم حرق الرسالتين. وإن لم يجمع على اسم، يفتح مجلس الأمن الوطني، الذي يعرف رسميًا باسم مجلس الدفاع، الرسالتين ثم يعلن عن اسم الخلف بناءً على خيار السلطان الصريح. وتضمّ الرسالتان خيارًا أولًا وثانيًا، إلا أن أحدًا لا يعلم بالإسمين المذكورين سوى قابوس.
ويترأس مجلس العائلة المالكة نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء السيد فهد آل سعيد، ابن عمٍ بعيد لقابوس، يعتبر أيضًا أكبر أعضاء العائلة المالكة سنًا. ويقال إن السيد فهد أكبر بشهر من قابوس، ما يجعله عمليًا غير مؤهل لأن يصبح حاكمًا. كما يقع على كاهل السيد فهد الدعوة إلى انعقاد مجلس الوزراء في غياب قابوس، الذي يترأس أربعة اجتماعات في السنة فحسب من اجتماعات مجلس الوزراء.
وتجدر الإشارة إلى أن العمانيين مطّلعون إلى حد كبير على البنية الانتقالية، ما قد يفسّر لمَ لم تصبح مسألة انتقال السلطة قضية وطنية مثيرة للجدل أو للنزاعات وإن باتت مسألة تثير اهتمام المجتمع الدولي.
المرشحون: هيثم، أسعد وشهاب
ينصّ النظام الأساسي على أن يكون السلطان القادم أحد أسلاف السيد تركي بن سعيد بن سلطان الذكور، الذي كان سلطان مسقط وسلطنة عُمان من العام 1871 إلى العام 1888، وأن يتجاوز الأربعين من العمر. ومن المؤهلين لهذا المنصب، أولاد عم قابوس الأمير طارق بن تيمور آل سعيد الثلاثة وهم السيد هيثم بن طارق آل سعيد (الذي ولد عام 1954) وأسعد طارق آل سعيد (الذي ولد أيضًا عام 1954) وشهاب بن طارق آل سعيد (الذي ولد عام 1955). تزوّج قابوس من ابنة طارق في العام 1976، السيدة نوال ابنة طارق آل سعيد (التي ولدت عام 1951)، وهي شقيقة أسعد وابنة عم قابوس ولها أشقاء. أقدم الزوجان على الطلاق عام 1979 وبعد عام، توفي طارق، وهو الوحيد الذي شغل منصب رئاسة مجلس الوزراء في عهد قابوس منذ العام 1970.
وينصّ النظام الأساسي أيضًا على أن السلطان القادم يجب أن يكون متحدرًا من أبوين عمانيين، ما يجعل من أولاد السيد فهد بن محمود آل سعيد، نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء ورئيس بعض جلسات مجلس الوزراء، غير مؤهلين للخلافة لأنه متزوج من سيدة من الجنسية الفرنسية.
وما زاد مسألة الهرمية داخل العائلة المالكة العمانية تعقيدًا، إلى أن تم تعيين أسعد، هو أنه لطالما اعُتبر هيثم (الذي يُعتقد أنه يكبر أخاه غير الشقيق أسعد بشهر) المرشح الأوفر حظًا لخلافة قابوس نظرًا إلى خبرته الطويلة في الحكومة. ففي الواقع، اعتاد هيثم، في غياب نائب رئيس الوزراء السيد فهد، أن يترأس اجتماعات مجلس الوزراء. وتعتبر ترقية أسعد إلى منصب نائب لرئيس الوزراء، علمًا أنه من المحتمل ألا يشغله بعد اليوم، تغييرًا مدروسًا سيُدرس عن كثب للعثور على دليل حسي يدل على المرشح الذي تزداد حظوظه في الفوز.
وقبل أن يشغل هيثم منصبه الحالي كوزير للتراث والثقافة، عمل كوكيل لوزارة الشؤون الخارجية للشؤون السياسية وقبل ذلك، كان أمينًا عامًا لوزارة الشؤون الخارجية، ولعل هذه الخبرة هي التي زوّدته بالوقار السياسي وبالخبرة في مجال السياسة الخارجية اللازمين للمساهمة في تولي إدارة سلطنة عمان في عهد ما بعد قابوس.
ولد أسعد عام 1954 وتخرج من أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا. وبعد 20 سنة من الخدمة العسكرية، أصبح قائدًا للجيش في التسعينات، وشغل منصب الممثل الشخصي للسلطان منذ العام 2002. وشغل منصب رئيس مجلس أمناء جامعة نزوى، أول جامعة خاصة في السلطنة. وهو يدير شركته الخاصة، شركة الأسعد للاستثمار، التي يقال إنها تدير أصولًا بقيمة مليار دولار تقريبًا.
وفيما يزال شهاب أيضًا مستشارًا لقابوس وهو الذي كان قائدًا للبحرية السلطانية العمانية حتى العام 2004، يبدو في هذه الأثناء مرشحًا في المركز الثالث بعيدًا عن العرش نظرًا إلى أنه ليس عضوًا في مجلس الوزراء.
وإن حصل ما لم يكن في الحسبان ولم يتم تعيين هيثم أو أسعد أو شهاب سلطانًا مقبلًا، فقد يقع الاختيار على أحد أبنائهم (شرط أن يتحدروا من أبوين عمانيين).
سياق سياسة سلطنة عُمان الخارجية
في عهد قابوس، صبّت السلطنة اهتمامها على المحافظة على علاقات ودية مع أقرب الدول المجاورة لها، بما فيها المملكة العربية السعودية وإيران، في حين تجنبت التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة كانت. ولم تحمِ هذه الاستراتيجية السلطنة من الاضطرابات الإقليمية فحسب، بل سمحت لها أن تركّز على تقدمها الاقتصادي. وعلى مرّ السنوات الأربعين الماضية، تحولّت البلاد من دولة فقيرة إلى دولة ذات اقتصاد حديث. وترى السلطات العمانية أن حماية اقتصاد البلاد الذي يبلغ 80 مليار دولار والمحافظة على نموّها، الذي تطلّب جهودًا حثيثة، خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار السياسي.
وتعتبر المحافظة على هذه المكاسب بالإضافة إلى التزام قابوس الشخصي بتحقيق مصالحة سلميّة بين العديد من الأطراف المتناحرة في المنطقة، بما في ذلك في دولة اليمن المجاورة، أركانًا رئيسية يقوم عليها نهج السياسة الخارجية العمانية السلمية والمحايدة.
ويتراوح إرث قابوس السياسي من استضافته لرئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين في صلالة في العام 1996، في مسعى لإظهار الدعم العربي لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، إلى تقديمه الدعم الدبلوماسي الفعال للتنسيق السري بين إدارة أوباما وإيران، الذي أدّى إلى إبرام الاتفاق النووي المؤقت في العام 2013، الذي تقوم عليه “خطة العمل المشتركة الشاملة” التاريخية التي وضعت في شهر تموز/يوليو والتي تتناول موضوع برنامج طهران النووي المثير للجدل.
أسعد أو هيثم يمثلان الاستمرارية
عزز قابوس، في خلال فترة حكمه، موقف السلطنة كحليف ضروري للغرب، ما قلّص، أو بالأحرى بدّد، أي احتمالية واقعية بإجبار إيران للسلطان الجديد على أن يخطو خطوة باتجاهها وإن حاولت القيام بذلك. فكما تشير زيارة روحاني الأخيرة لمسقط، يمكن القول إن طهران تحضّر نفسها للاستفادة من الوضع الراهن ولضمان أن السلطنة ستبقى طرفًا محاديًا. فقد يختار السلطان القادم بالتالي أن يبني على إرث قابوس كوسيط إقليمي.
ولقد كان واضحًا أن السلطنة تولي الأولوية لتوطيد علاقاتها مع المملكة العربية السعودية عندما اختارت في شهر كانون الأول/ديسمبر أن تنضمّ إلى تحالف الدول الإسلامية بقيادة المملكة العربية السعودية الذي يهدف إلى مكافحة الإرهاب. ولم يكن قرار السلطنة القاضي بالانضمام إلى صفوف التحالف في الذكرى السنوية الأولى على تشكيله رمزيًا بطبيعته فحسب، بل لمّح أيضًا إلى الرياض بأن السلطنة لن تعرقل المبادرة السعودية في مثل هذا الوقت الذي كثرت فيه الاضطرابات الإقليمية غير المسبوقة.
تجدر الإشارة إلى أن سلطنة عمان هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي انسحبت من حملة المملكة العربية السعودية المستمرة على المتمردين الحوثيين في اليمن خشية أن تطال الحرب حدودها الجنوبية، إما عبر هجوم إرهابي، ولاسيما من تنظيم “القاعدة في شبه جزيرة العرب”، أو عبر تدفق أعداد هائلة من اللاجئين الفارين من الحرب. إلا أن السلطنة تعتبر الاستقرار في اليمن مصلحة وطنية جوهرية، وحثّت منذ اندلاع حرب المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين، بشكل فعال على استئناف عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة لحل الصراع في اليمن.
في حين يُعتبر العمانيون بشكل عام ممتنين من قابوس لأنه ترأس حقبة من السلام والازدهار، يبدو أن سياسته الخارجية القائمة على الحياد تحظى بالقدر عينه من التأييد الشعبي نظرًا إلى أنها تشكل جزءًا لا يتجزأ مما سمّي “بالتفرد العماني”، الذي يعني أن مسقط ليست مجبرة على الالتحاق بالتيارات العابرة للحدود القائمة على الطائفية أو بالمنافسة التي يبدو أنها لن تنتهي بين المملكة العربية السعودية وإيران.
وفي هذا السياق، يشير تعيين أسعد نائبًا لرئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي إلى أن استمرار عمان في اعتماد عقيدة سياستها الخارجية القائمة على الحياد سيبقى من أولوياته نظرًا إلى أنه من المتوقع أن يطبّق إرشادات قابوس في المستقبل المنظور. وقد يتوقف قرار اختياره في نهاية المطاف ليكون سلطان سلطنة عُمان القادم على إذا ما كان سيطبّق هذه الإرشادات فعليًا.
وفي الوقت عينه، يرجح أن المراقبين العمانيين والمتتبعين الإقليميين يترقبون ما إذا كان أسعد سيمثل السلطان في قمم مجلس التعاون الخليجي أو سيجتمع بالقادة الزائرين. وسواء أكان تعيين أسعد سيؤدي إلى زيادة الاهتمام الدولي أم لا، فإن المراقبين الإقليميين سيبحثون حتمًا عن أدلة تدلهم على ما إذا كان يتم تحضيره فعلًا ليخلف قابوس في نهاية المطاف.
لكن حتى هذه الساعة، تبقى عملية انتقال السلطة في السلطنة مبهمة أكثر من أي وقت مضى.