للتقاليد أهميةٌ كبرى في الخليج. فإلى جانب ناطحات السّحاب البرّاقة والمجمعات التجارية الفخمة، تغتني هذه المنطقة بمعالم تذكّرك بثقافةٍ نابعة من الماضي. وفي قلب مدينة الكويت، تتّخذ هذه المعالم شكل الديوانيات. وتعود بعض الديوانيات إلى ما قبل تاريخ الكويت التي نالت استقلالها عام 1961. وتملك هذه الديوانيات التاريخية روحًا كالمتاحف، بسقوفها المغطّاة بالعوارض الخشبية وجدرانها المزيّنة بصور ورسائل من الأرشيف. وما زالت الديوانيات تؤدّي دورًا مهمًا، ليس في النصوص الوطنية الكويتية فحسب، بل في نسيج الحياة اليومية أيضًا. إلّا أنّها تتنافس اليوم على هذا الدور مع أماكن عامة بديلة ومع التكنولوجيا التي تتمتع بشعبيةٍ جنونية.
مكانٌ ونمط حياة
الديوانية مكانٌ فعلي يلتقي فيه الكويتيون لبناء العلاقات الاجتماعية وتبادُل الأفكار. فهي في الواقع نسخةٌ متطوّرة لمفهوم المجلس المنتشر في باقي مناطق مجلس التعاون لدول الخليج، ومؤسسةٌ تستقبل عددًا كبيرًا من المحادثات حول الحكم والسياسة. وقد رشّح الشعب آل صباح (أي العائلة المالكة) لموقع القيادة داخل ديوانية، وغالبًا ما يلقي المرشحون لمقعدٍ في مجلس الأمة، وهو السلطة التشريعية في الكويت، خطابهم الترشحي في ديوانيةٍ يتنافسون فيها على التأثير في الناخبين. وبين جدران الديوانية أيضًا، تجري نقاشاتٌ سياسية ومنفتحة في معظم الأحيان، بمعنى أنّها تنتقد الحكومة وتشكك فيها. وهنا يظهر الاختلاف الواضح بين الكويتيين من جهة، والقطريين والإماراتيين الذين نادرًا ما يتكلّمون في السياسة بشكلٍ غير رسمي وصريح من جهةٍ أخرى.
وتستقبل هذه الديوانيات أيضًا حفلات الخطوبة والزفاف والمناسبات الحزينة، إذ إنّها تمثّل عائلةً أو شخصيةً بارزة. وتوفّر الديوانية بيئةً شاملة يتبادل فيها الكويتيون الأحاديث ويشاهدون مباريات كرة القدم ويناقشون السياسة بشراسة وكلّ ما بين الرياضة والسياسة من مواضيع. وفي حين تتميّز الديوانية بسياسة الباب المفتوح وغالبًا ما ترحّب بالاختلاط الحر بين مجموعاتٍ ديموغرافيةٍ متنوّعة، تشكّل مكانًا يقصده الرجال فقط. لا يخلو الأمر من بعض الاستثناءات، إلّأ أنّ فكرة الديوانيات النسائية لم تلقَ نجاحًا كبيرًا.
وقد صمدت الديوانية في فترةٍ من التغيير السريع والمفاجئ أحيانًا، إلّا أنّها لم تتخطّاها من دون أي ضرر. ففي حين ستبقى ركنًا من أركان نمط الحياة الكويتي في المستقبل القريب، تضاءلت أهميتها الحقيقية بسبب التوجهات الجديدة والتنافس المتزايد مع أماكن أخرى ومع مواقع التواصل الاجتماعي.
الديوانية تدخل الشبكة العنكبوتية
وإذا كانت الديوانية المكان التاريخي الأصلي للتجمعات، فقد نشأ عددٌ من الفصائل الغزوية. فتتسنى للكويتيين اليوم فرصة التجمع في عالمٍ متوسّع من المجمعات التجارية والمقاهي ومقاهي الشيشة والشاليهات على الشواطئ وغيرها من الأماكن. وفي بعض الحالات، قد تضيع الديوانية مع ظهور جيلٍ جديدٍ من رجالٍ كويتيين يمكنهم الالتقاء في أماكن مختلطة أو تدخين الشيشة بعيدًا عن أنظار الآباء والعموم. لذلك لا يقصد هؤلاء الشبان الديوانيات إلّا عند الضرورة. وقد يلاحَظ هذا الانفصال عن الديوانيات لدى آلاف الكويتيين الذين يكملون دراستهم في الغرب. إلّأ أنّ عددًا كبيرًا من الكويتيين يحضرون ديوانيات أصدقائهم وينظمون ديوانياتٍ خاصّة بهم ويجلسون مع عائلاتهم في يوم الديوانية الرسمي.
وما من شيءٍ يعرقل العادات بقدر التكنولوجيا. ويستخدم الكويتيون مواقع التواصل الاجتماعي بنسبةٍ خيالية، على غرار غيرهم في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج. فكيف تدخل الديوانية في المعادلة وسط عالمٍ من مشاهير “سنابتشات” ونجوم “إنستاغرام”؟ قد تكمن إحدى الطرق في توسيع مفهوم الديوانية. فلدينا اليوم ما يسمّى بـ”ديوانيات افتراضية” تأتي على شكل محادثاتٍ جَماعية على تطبيق “واتسآب” يتمّ من خلالها التواصل مع دائرة الاصدقاء ومناقشة السياسة الخارجية إلكترونيًا وباستخدام طاقةٍ ضئيلة. وتجذب سهولة استخدام تطبيق “واتسآب” الشباب إلى اللجوء إليها، إذ يمكن إضافة أعضاءٍ إلى المجموعة أو إخراجهم منها من دون أي مجهودٍ فعلي. ونجهل اليوم مدى مراقبة الدولة لهذا النوع من التطبيقات، إلّا أنّ الكثيرين على يقينٍ من هذا الاحتمال.
قد يكون هذا بديلًا جيّدًا للديوانيات غير الرسمية، إلّا أنّه لا يضاهي حضور ديوانيةٍ شخصيًا، إذ لا تزال المشاركة في الديوانية الرسمية بلباسها وتراتبيتها تملك إيجابياتٍ كبيرة. وقد تكون عادةً قديمة، إلّا أنّ لقضاء ساعاتٍ في احتساء القهوة والشاي وتبادل النكات وتعزيز العلاقات الاجتماعية أهميةٌ كبرى. فإذا أراد الكويتي طلب خدمةٍ ما أو الاستفادة من نظام الواسطة، حيث تستخدَم المعارف لتسريع الإجراءات أو تسيير اتفاقية أعمالٍ ما، أو الحصول على معلوماتٍ حول سوق البترول المتزعزع من وزير النفط، فالديوانية هي المكان المناسب لتحقيق ذلك.
ويوازي كلّ ذلك أهميةً كون الديوانية مكانًا آمنًا ومحترمًا يؤمّن الكثير من الراحة والحماية للحاضرين. وفي حين ظهر عددٌ كبيرٌ من قضايا أصدرت فيها المحاكم أحكامًا قاسية بحقّ كويتيين عبّروا عن رأيهم عبر الإنترت، تتميّز الديوانية بأنّها تعطي من يدخلها حرية التعبير. وسوف تبقى الديوانية مقصد الكويتيين لمناقشة مواضيع وُضعت في خانة المحرّمات في أماكن أخرى والتعبير عن إحباطهم بسبب الوضع الراهن والتشكيك في الحكومة من دون أي أثرٍ إلكتروني يمكن للسلطات أن تراقبه. وبشكلٍ عام، هناك خطّان أحمران في الانتقاد: الإسلام والأمير، إلّا أنّ هذه المواضيع تُطرَح حتمًا في بعض الديوانيات.
مستقبل الديوانية
واليوم، باتت الشحنة السياسية في جو الديوانيات أقلّ حدّةً، إذ بات بعيدًا كلّ البعد عن ذاك الذي كان يسود الديوانيات بين العامين 1989 و1990، عندما عمدت الحكومة بحادثةٍ دراميةٍ وعنيفة إلى إغلاق ديوانيات يوم الإثنين بالقوّة، حيث كانت المعارضة تعتصم احتجاجًا على حلّ البرلمان والدستور. وفي خطوةٍ لم يسبق لها مثيل، استخدم النظام شرطة مكافحة الشغب والكلاب والقنابل الصاعقة لردع المشاركين. وكانت نتيجة هذه التوترات التي شهدتها البلاد تنظيم انتخاباتٍ مبكرة برهنت مرّةً جديدة عن أهمية الديوانية في التعبير عن الرأي السياسي في الكويت. وشهدت المعارضة في الآونة الأخيرة تراجعًا في انتخابات عام 2012، إذ إنّ عددًا كبيرًا من الناشطين الشباب الذين كانوا يمثّلون المعارضة بشراسةٍ بعد العام 2011 ما عادوا مهتمّين أو مقتنعين بالقضية كما في السابق. وقد تمّ انتخاب أعضاء مجلس الأمة الحاليين بمقاطعة المعارضة وجميعهم من الموالين للنظام. إلّأ أنّ الوضع قد يتبدّل في المستقبل القريب، إذ لا يمكن التنبؤ بتطورات السياسة الكويتية.
ويملك جمهور الديوانية عددًا كبيرًا من المواضيع القابلة للنقاش بعيدًا عن السياسة الداخلية، كوضع مناطق الحرب المجاورة في سوريا واليمن. وليست المحادثات في الديوانية فكريّةً دائمًا، إذ قد تشبه الديوانيات أحيانًا ما يسميه الأمريكيون “كهف الرجال”، حيث يمضي الشبان ساعاتٍ في تبادُل أحاديث تافهة ولعب الورق وألعاب الفيديو ومشاهدة التلفاز. إلّا أنّ الديوانية ما زالت تعكس طبيعة الشعب الكويتي السياسية بشدّة.
وليست الديوانيات فصيلةً مهدّدة بالانقراض، لكنّها بكل بساطة ما عادت تحتكر الحياة الاجتماعية الكويتية كما في السابق. وعلى الرغم من تمرّد الكويتيين الشباب على التقاليد وابتعادهم عنها، سوف تبقى الديوانية جوهر الحياة الاجتماعية في البلاد. إليكم مثالًا عمليًا عن مسألةٍ تلقي بثقلها على ذهن كلّ أعزب: الزواج. عندما يقيّم أفراد عائلة امرأةٍ كويتية زوجًا محتملًا لها، يراقبون الديوانيات التي يرتادها هذا الأخير، إذا توافرت، إذ قد تدلّ الديوانيات التي يشارك فيها الرجل على طباعه ومعارفه وميوله السياسي أو الديني. وفي ثقافةٍ تشدّد على الإرث والروابط العائلية، تشكّل الديوانية حارسًا مترسخًا لهذه القيم. ولا تزال الديوانية مكانًا أساسيًا في تاريخ الكويت. وتكمن المشكلة الوحيدة في كثرة الهواتف الذكية.
Bayly Winder recently concluded a Fulbright Scholarship in Kuwait, where he researched the diwaniyya in affiliation with the American University of Kuwait. Prior to that, he studied at Johns Hopkins University as a political science major focusing on the Gulf and greater Middle East. He is currently interning with the Middle East practice at the Albright Stonebridge Group in Washington, DC.
سيقوم دونالد ترامب بعمل تحولات غير مسبوقة في السياسة الأمريكية بتحديه للأعراف الديمقراطية والتقاليد الدستورية والقانونية في المشهد السياسي الأمريكي، بما يؤثرعلى شكل ودعائم النظام السياسي الأمريكي.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.