ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
التجارب السابقة خير دليل على أن إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للاقتصاد المصري ستمر في أوقات عصيبة. ويؤكد السيسي اليوم أن مسؤولية إجراء الإصلاحات الاقتصادية الهادفة تقع على الشعب المصري. وقال، في ما بدا أنه اعتراف بأن الأمور قد خرجت عن المسار المخطط إن:” المحارب لا يحارب وحيدًا، بل يتعين على نظام الدعم الخاص به، أي الشعب، أن يحارب معه.”
وتوصلت مصر أخيرًا إلى إبرام اتفاق اقتراض مع صندوق النقد الدولي بعد أشهر من الاعتقاد خطأ ً في أن تفي دول الخليج بما وعدته من هبات لسخية عام 2013 وأن تعززها بعد تولي السيسي السلطة وإنهاء ولاية محمد مرسي. لكن لم يعد الوضع على حاله منذ العام 2013 بالنسبة إلى دول الخليج ومصر. فلقد تدهورت أسعار النفط كثيرًا في أواخر العام 2014 ولم ترتفع منذ ذلك الحين، معرّضة دول “مجلس التعاون الخليجي” الست بأكملها للعجز المالي..
لم تنجح مصر في تطبيق إصلاحات هادفة لدعم الأسعار أو لجذب الاستثمار الأجنبي، كما لم تقدّم دول الخليج الاستثمار المخصص للعقارات السكنية والبنى التحتية ضمن وعودها التي أطلقتها في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي المتفائل الذي انعقد في أيار/مارس 2015. هذا وأدى الإرهاب إلى كساد القطاع السياحي، ولم يبصر العديد من الاستثمارات المقترحة في شرم الشيخ النور، بما في ذلك “خطة العاصمة الجديدة” الشاملة. ووفقًا لمجلة ذي ايكونوميست، يقدّر التضخم السنوي بنسبة 14 بالمئة ولا ينفك يزداد وتقدر نسبة البطالة في صفوف الشباب بنسبة 40 بالمئة.
تقترب مصر من نقطة الانهيار وقد يشير التغير الأخير في اعتمادها على الخليج أكثر من الولايات المتحدة والمقرضين المتعددي الأطراف إلى سوء تقدير خطير. فبعد العام 2013، اعتمدت مصر بشدة على الجهات المانحة الخليجية وأرجأت تقديم طلبات الحصول على قروض إلى المؤسسات المالية الدولية. وفي الواقع، لقد حلّت المساعدات والقروض التي يقدمها الخليج لمصر (والعديد من الدول الأخرى المستوردة للنفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) إلى حد كبير محل الدور التقليدي الذي كانت تضطلع به المؤسسات المالية الدولية. ولكن تكمن المشكلة في الاعتماد على دول الخليج في أن هذه الدول تعطي الأولوية إلى صحتها المالية في الأوقات التي تنخفض فيها العائدات المالية وليس إلى صحة مصر المالية، على خلاف البنوك وهيئات الإغاثة المتعددة الأطراف. وتحتاج مصر (ولاسيما السيسي) إلى تحسين علاقاتها بالجهات المانحة الغربية وبالمؤسسات المالية الدولية من جهة وأن تستمر في استرضاء الدول المانحة الخليجية وشركاء الاستثمار من جهة أخرى كي تخرج من وضعها الاقتصادي الحالي.
محاصرة بالمقرضين
تكمن إحدى المشاكل المطروحة في أن تأمين قرض صندوق النقد الدولي يتطلب من مصر أن تفاوض للحصول على أموال إضافية من مصادر ثنائية، أي دول الخليج على الأرجح. وتتجاوز احتياجات مصر المالية قدرة أي قرض منفرد. ولقد وسّع صندوق النقد الدولي من قدرته الإقراضية لئلا تكون مصر مؤهلة فقط لإبرام اتفاقية اعتمادات الدعم التقليدية، التي غالبًا ما تنص على تسديد الدفعات ضمن مهل زمنية قصيرة تتراوح ما بين ثلاث إلى خمس سنوات، بل لتستفيد أيضًا من “برنامج التسهيلات الموسّع” الذي يمنح مصر مهلة زمنية إضافية تصل إلى 10 سنوات لتسديد الدين، ويسمح لقيمة الدين أن تتخطى المخصصات العادية المنصوص عليها في أحكام حقوق سحب الأموال الخاصة بالصندوق. ووفقًا لتقرير صادر عن المجموعة المالية “هيرميس”، من المتوقع أن تبلغ قيمة القرض الذي سيمنحه صندوق النقد الدولي لمصر 12 مليار دولار، في حين تُقدّر احتياجات مصر المالية للسنوات الثلاث القادمة بحوالى 21 مليار دولار. ويتوقع أن يقدم البنك الدولي والبنك الافريقي للتنمية قرضًا يغطي جزءًا من الفجوة التمويلية المتبقية المقدرة بـ9 مليار دولار، إلا أنه سيُطلب من دول الخليج تقديم مبلغ قد يصل إلى 6 مليار دولار. واعتبارًا من 23 آب/أغسطس، أقرّت الإمارات العربية المتحدة علنًا بأنها ستقوم بإيداع وديعة بقيمة مليار دولار أميركي (على الرغم من أن البنك المركزي المصري لم يؤكد صحة هذا القول). ويعتبر هذا المبلغ ضئيلًا جدًا مقارنة بالودائع التي أودعتها دول الخليج في العام 2013 بالإضافة إلى الاستثمار المرتقب والمساعدات العينية المعلن عنها. ولم تقدّم الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية حتى هذه الساعة 4 مليارات دولار كانت قد تعهّدت بتسليمها منذ ثلاثة أعوام.
البلد |
2011 |
2012 |
2013 |
2014 |
2015 |
2016 |
الإمارات العربية المتحدة |
3 مليارات دولار: (بما في ذلك ١٬٥ مليار دولار من صندوق خليفة بن زايد للإسكان ولدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة)
المساعدات الخاصة: ٢٢٬٨ مليون دولار |
3 مليارات دولار: (بما في ذلك ١٬٥ مليار دولار من صندوق خليفة بن زايد للإسكان ولدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة)
المساعدات الخاصة: ٢٢٬٨ مليون دولار |
هبة بقيمة مليار دولار ووديعة إضافية بقيمة ملياري دولار في البنك المركزي المصري ومساعدة عينية (للنفط والغاز( بقيمة 225 دولار |
٣٬٢١ مليار دولار على هيئة استثمار في تطوير البنى التحتية وقطاعي النفط والزراعة. |
مجموعة من المساعدات بقيمة 4 مليارات دولار مقدمة إلى مصر: ملياري دولار للبنك المركزي المصري وملياري دولار لتمويل المشاريع |
إعادة تعهد بدعم/لم يقدم بعد: 4 مليارات دولار- نصف المبلغ على هيئة استثمار أجنبي مباشر ونصفه وديعة في البنك المركزي، وأُعلن عن إيداع وديعة في البنك المركزي المصري بقيمة مليار دولار في شهر آب/أغسطس |
المملكة العربية السعودية |
|
|
مجموعة من المساعدات بقيمة 5 مليار دولار: هبة نقدية بقيمة مليار دولار وملياري دولار مساعدة عينية (للنفط والغاز) ووديعة بقيمة ملياري دولار في البنك المركزي المصري |
|
تعهد بتقديم مليار دولار للبنك المركزي المصري وتعهد بالاستثمار بقيمة 3 مليارات دولار، يُعتقد أنه يشمل المشاريع الخاصة والعامة على الرغم من أنها غير محددة في تقارير وسائل الإعلام وغير مدرجة في إعلانات الوزارة الرسمية |
ورد أن مصر حصلت على هبة نقدية بقيمة 500 مليون دولار كدفعة أولى من قرض بقيمة ١٬٥ مليار دولار من السعودية، كجزء من حزمة أكبر تبلغ 25 مليار دولار تشمل صندوقًا للاستثمار ومشاريع استثمارية |
قطر |
هبة نقدية بقيمة 500 دولار ووديعة بقيمة ملياري دولار في البنك المركزي المصري |
هبة نقدية بقيمة مليار دولار وحوالى 4 مليارات دولار للبنك المركزي المصري |
|
|
|
|
الكويت |
|
|
هبة نقدية بقيمة مليار دولار، وديعة في البنك المركزي المصري بقيمة ملياري دولار أميركي) |
|
تعهّد باستثمار بقيمة 4 مليارات دولار |
|
لو وفت الدول الخليجية بوعودها وقدمت إلى مصر كافة المساعدات التي وعدتها بها بين العامين 2013 و 2016، فهل كانت مصر لتغرق في أزمتها المالية الحالية؟ الإجابة المحتملة هي نعم ولذلك لم تقم دول الخليج بتسليم الودائع والاستثمارات التي تعهّدت بها. إذ اعتبرت أن هذه المساعدات هي هدرًا لأموالها (هذا بالإضافة ما ترتب عن ميزانياتها من طلبات داخلية على الإنفاق). وحتى إن أنجزت مشاريع الاستثمار العقاري، بما في ذلك البناء و”خطة العاصمة الجديدة”، كما هو مقرر، ما من دليل قاطع على أنها كانت تعالج مشكلة بطالة الشباب وطلبات الإسكان لذوي الدخل المحدود. فلم يتم أبدًا التوفيق بشكل تام بين المستثمر وأولويات السياسة العامة. ناهيك عن أن الحكومة غير مهتمة بالقضاء على قطاع عام متضخم وعلى المصالح التجارية الخاصة به. بالتالي، حُكم على جدول الأعمال الإصلاحية بالفشل. وبحسب ما قاله السيسي فإن الجيش والهيئة الهندسية التابعة له يديرون أعمال 2000 شركة خاصة وعامة تنفذ مشاريع بناء ضخمة وأخرى متعلقة بالاستثمار في البنى التحتية. ولا يزال عجز الدولة والقوات المسلحة عن التخلي عن التحكم بقوى السوق الكبيرة والصغيرة، بما في ذلك أسعار اللحوم وتسليم المواد الغذائية، يعيق الانتعاش الاقتصادي.
كما أن المؤسسات المالية الدولية والجهات المانحة لا تجيد التصرف دائمًا. فلقد بات “مجلس التعاون الخليجي” يضطلع بالدور الذي كانت تؤديه المؤسسات المالية الدولية في مصر في السنوات الثلاث الماضية. فقد بات جليًا أنه ثمة نقص في الشروط المفروضة على المساعدات والقروض وأن الدعم متفاوت. وعلاوة على ذلك، قد لا تتماشى مصالح دول الخليج في تعزيز جداول أعمالها الإنمائية والتعاقد مع هيئات تابعة لدول خليجية لتنفيذ مشاريع بناء وبنى تحتية في مصر، مع احتياجات المصريين الإنمائية على المدى البعيد. وعندما تعتبر هذه المشاريع غير مربحة، أو عندما تعاني الشركات عينها من صعوبات، يصبح جدول الأعمال الإنمائي ثانويًا بالنسبة إلى دول الخليج ومطالب الشركات.
معلوم أن الحسابات تتغير وأن العلاقات تتطور. فلا تزال مصر تحظى بأهمية لدى دول الخليج إلا أن هذه الأخيرة لا تستطيع أن تدعم مصر ماليًا في حالة الثورة أو الانهيار الاقتصادي. وإذ تندمج دول الخليج أكثر فأكثر في الاقتصادين الإقليمي والدولي، تحتاج أيضًا إلى أن تتعافى مصر. وها إن استقرار مصر على المحك، ومرتبط بمطلبين رئيسيين: عليها أن تجمع مبلغًا من المال يصل إلى 5 مليارات دولار من دول الخليج كما يتعين على حكومة السيسي أن تضمن عبر البرلمان الشروط المتبقية في ما يخص السياسات من أجل وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق صندوق النقد الدولي. فيجب إيلاء الأولوية لوضع حد لانهيار الجنيه المصري، الذي تشهد قيمته انخفاضًا مستمرًا. ويتوقع المصرفيون أن يشهدوا تعويمًا في العملة أو انهيارها في الأسابيع القادمة. ثم يتعين على الحكومة أن تتمكن من توليد الإيرادات على النطاق الداخلي عبر نظام ضريبي فعّال وخصخصة البنوك وشركات النفط التابعة للدولة. ولم تفلح حكومة السيسي حتى هذه الساعة في إجراء إصلاحات هادفة وذات قيمة على الضريبة أو ضريبة الدخل، لا من ناحية السياسة ولا من ناحية التنفيذ. ولا يزال قطاع السياحة في حالة يرثى لها ولاسيما أن الرحلات الجوية لا تزال محظورة بين روسيا ومصر. كما تتراجع الحوالات المالية من الخليج لأن موجة تسريح العمال قد اجتاحت العمال المصريين العاملين في شركات البناء.
تعهدت دول الخليج، ولاسيما الإمارات العربية المتحدة، بالاستمرار في دعم مصر، ولكن ليس على القدر عينه من الدعم المعلن عام 2013. فلقد تغيرت أولوياتها ومواردها أيضًا. إلا أن المنطقة عينها قد أصبحت أكثر ترابطًا ومن المؤكد أنه سيكون لاستقرار مصر تداعيات على دول الخليج. فمن مصلحة الدول الخليجية أن تستثمر في سلام مصر واستقرارها. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: بم تقدّر تكلفة هذا الاستقرار وهل يتمتع السيسي بالمصداقية اللازمة لإدارة هذا الاستثمار؟ وها إن الفرصة سانحة أيضًا أمام دول الخليج للدخول في شراكة مع المؤسسات المالية الدولية على غرار الدور الذي يضطلع به صندوق النقد الدولي في إنعاش مصر. ويمكن اعتبار هذا الأمر درسًا مهمًا في التسليم والشفافية وفي مأسسة المساعدات الخليجية والاستثمار الأجنبي المباشر وقد يحث على زيادة التنسيق بين دول “مجلس التعاون الخليجي” في ما يتعلق بالأهداف التي تتوخاها كل منها من الحوكمة الاقتصادية.