خلال مأدبة غداء في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2021، سأل الشاعر السعودي حاتم الزهراني، “هل تعلمون كيف تعرّفت إلى العالم من خلال القرآن؟” كان الجلوس في مقهى اكوستك الرياض متاحاً للجميع دون أقسام محددة، وهو ما لم يكن واردًا قبل بضع سنوات فقط. فقد اختفت الحواجز التي كانت تفصل قسم الذكور غير المتزوجين عن قسم العائلات. وازدانت الأجواء بالموسيقى الكلاسيكية والنباتات الظليلة، وكذلك فعلت اللوحات التشكيلية الزاهية التي تزين الجدران الشبيهة بمعارض الفنون. وإلى جانب لوحات بابلو بيكاسو، برزت أعمال سعيد قمحاوي وغيره من الفنانين التشكيليين السعوديين البارزين.
للإجابة على سؤاله الذي أثار الفضول، ركز الزهراني بشكل فريد على الكثير من القصص القرآنية التي امتاز بها الإسلام، والموجودة كذلك في النصوص المقدسة المسيحية واليهودية. وكان الزهراني يتمتع بخلفية ممتازة تسمح له بمناقشة هذه القصص المقدسة، لأنه بالإضافة إلى ما يتمتع به من تأهيل أكاديمي شامل في حقول الدراسات العربية والإسلامية في بعض من أرقى الجامعات في العالم، فهو حافِظ للقرآن بالكامل عن ظهر قلب. من اللافت للنظر أن ذاكرة الزهراني التي احتوت القرآن قد فتحت عيونه على حقائق أعمق حول إيمانه، في حين تزيد هذه الذاكرة من وعيه بالقوى الثقافية والتاريخية واللاهوتية – التي يسميها الاستمرارية – والتي تربطه شخصيًا وإيمانه وأمته بالعالم المعاصر.
يتمتع الزهراني برؤية فريدة كرجل أكاديمي وفنان، حيث يمزج الشعر العربي الكلاسيكي والحديث مع الأفكار التي اكتسبها أثناء دراسته في الولايات المتحدة بين عامي 2010 و2019. خلال تلك الفترة، كان يتنقل بين لغات مختلفة وثقافات متباينة. لكنه افتُتن أيضًا بالكيفية التي يُسَخر بها الأفراد والمجتمعات الفنون: بتصويرهم الاستمرارية عبر الثقافات والتاريخ، والإفصاح عن “الماضي المبتكر” كإطار للتعريف بهوياتهم وموقعهم في التاريخ. في تحليله لهذه العملية، وجد أنه من الضروري التغلب على الثنائيات، خاصة إذا أردنا فهم أعماله وأعمال غيره من العرب. ومن الجدير بالذكر أن كلمة “مثنّى” التي ترمز للثنائيات، هي جزء من مجموعته الشعرية المسماة “أحتفلُ بالمثَنّى في ييل” لعام 2019 التي تدور حول تجاربه الدراسية في الولايات المتحدة. وأوضح الزهراني، “أرى أن شعري هو موقع للتفاوض بين الماضي والحاضر، والشرق والغرب، من خلال الإحالات الثقافية والأدبية”.
ابن مكة الجنوبي
بدأ الزهراني مسيرته الأدبية في سن مبكرة في مكة التي ولد وترعرع فيها. هناك، تَشكل عقله الصغير بفعل تعطش والده الذي لا يرتوي للمعرفة، وإصرار والدته على أن يصبح ابنها صاحب فكر. وكان لتراثه أثر كبير آخر على نظرته للعالم. حيث ينتمي إلى قبيلة زهران، إحدى أقدم القبائل في شبه الجزيرة العربية، وكثيرًا ما يتردّد على أراضي أسلافه في القبيلة في منطقة الباحة الجنوبية ليعيد تواصله بجذوره. اليوم، هناك موضوع متكرر في شعره يتمثل في الجزء الجنوبي من هويته التي تعد ثقافتها وتقاليدها جزءًا من شعر الحجاز وثقافتها.
مع تقدم الزهراني في السن، أخذ يحفظ القرآن في مساجد مكة، بما في ذلك الحرم الشريف. ودرس في فرع مدرسة الفلاح بمكة، وهي إحدى أعرق المدارس في المملكة، حيث افتتحت امتداداً لمدرسة الفلاح بجدة التي افتتحت في عام 1905 لتكون أول مدرسة حديثة في المملكة في مكة، تلقى أبناء أبرز العائلات المرموقة في المدينة تعليمهم في فرع مدرسة الفلاح، الأمر الذي أدى لبروز مفكرين مجددين وتكنوقراط بارعين، من أمثال وزير النفط السابق أحمد زكي اليماني. في عام 2004، حصل الزهراني على درجة البكالوريوس في الأدب العربي، وبدأ بالتدريس في جامعة أم القرى، وهي مؤسسة مكية عريقة أخرى قامت، على مدى عقود، بتعليم العديد من قيادات علماء المملكة والعالَـم في الدراسات العربية والإسلامية. وفي عام 2009، حصل الزهراني على درجة الماجستير في الآداب من الجامعة نفسها.
كان لتعليم الزهراني في مكة أثر كبير على شعره، حيث يتكرر فيه موضوع مكة المكرمة والقرآن. ومن الأمثلة المبكّرة على ذلك قصيدته “أعشاش للحمامة المكيّة” التي تنظر للمشاريع التنموية حول مكة من خلال منظور تاريخي وروحي. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك قصيدته المطوّلة عن جائحة فيروس كورونا، “أحتاج للعادي“، التي تنتهي بقصة أول نزول للقرآن في مكة. ومع ذلك، بالنسبة للزهراني، فإن أهم جوانب تأثير مكة هو الجانب الروحي. يقول إن هذه المدينة هي مكان “الوحي الأخير الذي جاء لغرض مخاطبة البشرية برمتها – إنها الوطن الأم لآخر الكلمات السماوية التي تربط الأرض بالسماء وبالبشرية معًا”. ربما كانت هذه الروح هي التي جعلته يسعى للبحث عن قواسم مشتركة مع الآخرين من مختلف الثقافات والتقاليد الكتابية.
من المتنبي إلى المعاصر
في عام 2010، نشرت المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت “الياء يائي“، وهي أول مجموعة شعرية للزهراني، و”شجاعة العقل: دراسة في الفكر الشعري والنسيج اللغوي عند المتنبي”. أشاد أحد النقاد بالكتاب الأخير باعتباره “الدراسة الأكثر شمولية” للمتنبي، الذي هو أحد شعراء القرن العاشر، ويُنظر إليه على نطاق واسع على أنه واحد من أكثر الكتاب العرب تأثيرًا على مر العصور. وأشار الزهراني إلى أن المتنبي شاعره المفضل، وقد مجده في شعره. ومن الأمثلة على ذلك قصيدته عام 2014 “أحتفلُ بالمثَنّى في ييل“:
محملةً بالرضا بالأماني
بتذكرة لا تسجِّلُ أسماءَ من ودعوكِ
لأنَّ ملامحهم في مرايا الغيوم
وأصواتهم بُـحةٌ في فراغ المكانِ
بلاميةٍ خانت المتنبي
بسوناتةٍ لم تُقَبل نيرودا
ببضع قصائدَ شعبيةٍ
وكلامٍ تبوس يديه الأغاني
يكشف كل من كتاب “شجاعة العقل” والإشارات للمتنبي في قصيدة “أحتفل بالمثنى في ييل” أهمية التقليد الشعري العربي الكلاسيكي للزهراني، وسبب اعتقاده بأن لذلك صلة وثيقة بالعالم المعاصر. يقدر الزهراني بشكل خاص البنية الثلاثية للتقاليد العربية في نَظم القصائد، والتي تدعو الشعراء للسفر بالخيال مجازيًا إلى مجتمعات جديدة. يوفر هذا الفرصة لخلق قواسم مشتركة جديدة مع الحفاظ على الوفاء للبنية الشعرية والتقاليد الثقافية لمجتمعاتهم. وأشار إلى أن الشعراء العرب قد استخدموا، على مدى قرون، هذه البنية الأدبية التقليدية بطريقة إبداعية كآلية لمعالجة المشاكل المعاصرة لمجتمعاتهم. ويشمل المشكلات التي تعصف بمجتمعات القرن الحادي: الثنائيات ووجود وجهات نظر عالمية متصارعة في مكان واحد.
في عام 2020، سلط الزهراني الضوء على هذه النقطة من خلال تحرير وكتابة مقدمة مطوّلة لنسخة جديدة ثنائية اللغة (العربية-الإنجليزية) من “المعلقات”، وهي مجموعة قصائد تمت الإشادة بها على نطاق واسع باعتبارها أفضل الأمثلة الشعرية في حقبة ما قبل الإسلام. الكتاب، الذي يحمل اسمًا جذابًا وعنوانًا ذا صياغة خلابة، “المُعلَّقات لجيل الألفية“، يستهدف الجيل الصاعد من الشباب والشابات في العالم.
في الوقت ذاته، يرى الزهراني أن الشعراء العرب المعاصرين، الذين لا يلتزم فنهم بالبنية الشعرية التي تميَّز بها المتنبي والمعلقات، ليسوا أقل أهمية بالنسبة لكل من الشعر والمجتمع المعاصر. وكان من بين أهم هؤلاء الشعراء السعودي محمد الثبيتي (1952-2011)، الذي أشعلت “صورته الذاتية الثقافية الجديدة” عن المملكة، في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، واحدة من أشد الأزمات الثقافية في تاريخ البلاد. خلال هذه الفترة، اتهم الإسلاميون المحافظون الثبيتي، وغيره من الكتاب السعوديين المجددين، بـ “إفساد” اللغة العربية، واستيراد أساليب أدبية معادية للدين، ووصل بهم الحد لاتهامهم بالخيانة. كانت هذه اتهامات خطيرة، وأثبتت الهجمات فاعليتها، حيث أبعدت الثبيتي وآخرين عن الحياة العامة في المملكة لسنوات.
ومع ذلك، فقد استخدم الزهراني أعمال الثبيتي في منحته الدراسية مرارًا وتكرارًا. وعلى وجه الخصوص، نجده يحتفي بالكيفية الإبداعية التي استخدم بها هذا الشاعر الحداثي السعودي الرائد الإحالات الثقافية واللغوية للشعر العربي ما قبل الإسلام لتأطير اقتراحاته الفنية الطليعية. يستحضر الشعر السعودي المجدد صورًا من عوالم ما قبل النفط في شبه الجزيرة العربية، بينما يقدّم في الوقت ذاته ابتكارات في الشكل الشعري. ومن الجدير ذكره أن الزهراني قد وجد مواضيع مماثلة في أعمال الشاعر البحريني قاسم حداد، وخاصة ما سمّاه البحريني “علاج المسافة”. يسعى حداد، ضمن هذا الإطار، لجسر الهوة بين التقاليد الشعرية العربية الكلاسيكية والمعاصرة، في توليفة إبداعية لأفكار مستمدّة من مختلف الأنواع الفنية وأشكال المعرفة.
لعل ما يميز شعر الثبيتي وحداد وغيرهما، بالنسبة للزهراني، هو في نهاية المطاف ارتباطهم الوثيق بتقاليد شبه الجزيرة العربية ما قبل الإسلام. وبالمقارنة، ركز المجددون في العراق وسوريا ومصر على أساطير الحضارات القديمة التي كانت قائمة في بلدانهم قبل أن يتم تعريبها وأسلمتها. وقد أطلق سعد البازعي، أحد أبرز المراجع العلمية حول الشعر في المملكة ومنطقة الخليج، على ذلك اسم “ثقافة الصحراء”.
شاعر سعودي في الخارج
في تغريدة نُشرت في يناير/كانون الثاني 2021، أشاد البازعي بالزهراني “لمثابرته ومواظبته الفريدتين” كباحث يحاضر ويترجم ويشارك ثقافة المملكة مع الطلبة الأمريكيين خلال الفترة التي قضاها في جامعة بنسلفانيا وجامعة ييل وجامعة جورج تاون ما بين عامي 2010 و2019. خلال هذا العقد، واجه الزهراني التحديات التي عصفت بعشرات الآلاف من السعوديين والأجانب الآخرين الذين درسوا في الكليات والجامعات الأمريكية: كيفية التنقل بنجاح بين اللغات والثقافات المختلفة، وكيفية التجاوب مع الفنون والنصوص، وغيرها من المخرجات الثقافية التي تنتجها البلاد التي احتضنته بترحيب غامر.
والأمر الذي زاد من تعقيد الأمور بالنسبة للزهراني هو السؤال الوجودي الذي واجهه في مجال دراسته الذي اختاره: ما إذا كان باستطاعته دراسة تقاليد بلاده الثقافية والدينية والاجتماعية باللغة الإنجليزية مع استخدام مجموعة من المصطلحات التحليلية الغريبة عن ثقافته. استجاب البعض لهذه التحديات والتناقضات المصاحبة لها برفض ثقافاتهم الأصلية لصالح الثقافة الأمريكية. ورفض آخرون المجتمع الأمريكي، وكان لذلك أحيانًا عواقب مأساوية.
في المقابل، تعامل الزهراني مع هذه التحديات بالتركيز على كيفية التغلب على الثنائيات والتناقضات التي كشفتها. وفتح نهجُه، الذي أسسه على “علاج المسافة”، عيونَ الزهراني على أعداد كبيرة من الروابط ضمن التقاليد وعبرها، الأمر الذي منحه رخصة فنية وعلمية ليعتمد بحرية على تقاليده الخاصة والأفكار والمفاهيم الجديدة التي جابهته في الولايات المتحدة. وجد أن أساتذته، الذين وظفوا بعض النظريات الأدبية التي أسفرت ذات مرة عن ردود فعل عنيفة ضد المجددين السعوديين، قد قدموا رؤى لا تقدر بثمن في الأدب العربي. إحدى النظريات التي تعلمها الزهراني من هؤلاء الأساتذة هي الاعتماد على دراسات ما بعد الاستعمار كجزء من أطروحة الدكتوراة التي كتبها في جامعة جورج تاون. ركزت أطروحته على كيفية صياغة الشعراء العرب الكلاسيكيين والمعاصرين للهويات الذاتية استجابة لكل من التقاليد العريقة ومتطلبات المرجعيات الاجتماعية والسياسية والثقافية المعاصرة. وتضمنت أطروحة الزهراني كلاً من المتنبي والثبيتي والشاعر السوري أدونيس والشاعر الفلسطيني محمود درويش وآخرين.
كما قام الزهراني باستكشاف قوى الثنائيات في القصائد التي كتبها أثناء وبعد العشر سنوات التي أمضاها في الولايات المتحدة. ومن أهم هذه القصائد “استعارات لفوات القطار”، التي نُشرت عام 2016 ثم صدرت ضمن مجموعة “أحتفل بالمثنى في ييل“. يهدف الزهراني في هذه القصيدة المطولة “لعلاج المسافة” بين تناقضات حياته من خلال استكشاف مجموعة متنوعة من الموضوعات، بما في ذلك البذاءة. كما يتخيل المتنبي وهو يحتسي القهوة مع الأستاذ الراحل والناقد الأدبي هارولد بلوم (Harold Bloom)، اليهودي، في جامعة ييل. يتخيل الزهراني المفكرين يناقشان أحد أصدقاء الزهراني اليهود حول الصفات المشتركة بين موسى والنبي محمد.
بعد أربع سنوات، وفي ذروة عمليات الإغلاق الناجمة عن فيروس كورونا في عام 2020، كتب الزهراني “أحتاج للعادي“، القصيدة ذات المطلع المؤثر: “أيها العادي، كم تبدو غريبًا حين تنكسر المرايا الواضحات، ويكثر الوقت القليل، ويُحيل على امتداد هذه القصيدة إلى التقاليد الثقافية الآسيوية والأوروبية والشرق أوسطية، مستخدمًا كلمات لاتينية إلى جانب إشارات إلى المهابهاراتا والبوذية والثقافة العربية قبل الإسلام والإسلام والشاعر العربي الكلاسيكي أبي نواس، وقصص “ألف ليلة وليلة” من الأدب العربي القديم. تُظهر إشاراته إلى مجمل هذه الأعمال سعة اطلاعه بعيدة المدى في الوقت الذي يستحضر فيه أعمال المؤلفين الأمريكيين المجددين، من أمثال روبرت دنكان (Robert Duncan)، الذي اشتهر بقوله عن نفسه بأنه “ليس مجربًا أو مخترعاً لأشياء جديدة… وإنما شاعر يشتق من الآخرين بصورة إبداعية”.
“حرية جديدة” وفصل جديد
في أبريل/نيسان، وخلال محاضرة أُلقيت عبر زوم على الطلبة في جامعة ولاية تينيسي الوسطى، تحدث الزهراني بإسهاب عن عمله ومسيرته، ولا سيما عن الوقت الذي أمضاه في الدراسة في الولايات المتحدة. على امتداد ذلك العقد من السنوات، كان يهدف “لخلق الاستمرارية والتواصل” بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة – حيث تمثل الدولتان ثقافتين لا ترغبان في أن تصبحا “ضحية للصراع التاريخي بين الموالين لهما”. وأضاف أن أعماله خلال تلك الفترة وما بعدها تمثل “تأملاته” في الرحلات الفكرية التي يعتقد أنه يجب علينا جميعًا القيام بها للبقاء على قيد الحياة في عالم يمتاز بالحداثة “التي تُنسى دائمًا”.
بالنسبة للزهراني، الشاعر المكي المعاصر، ابن المدينة التاريخية الغارقة في التقاليد، فإن التذكر أو “الرحيل” إلى الماضي مرتبط بالحاضر والمستقبل بقدر ارتباطه بالماضي. التاريخ هنا ليس “هراء” ولا تجسيدًا “للتقاليد”، كما قال هنري فورد (Henry Ford) ذات مرة، بأنه يسجن المجتمع في الماضي، وإنما يمكن للماضي، عند استحضاره في الشعر أو النثر، أن يعمل بمثابة قوة محررة يمكن أن تلهم الأفراد للنظر إلى أنفسهم ومجتمعاتهم وتحدياتهم المستعصية بطرق جديدة. بشكل عام، هذا النهج في الكتابة يردد أصداء ما عبر عنه الشاعر الأمريكي مايكل مكلور (Michael McClure)، وهو شخصية بارزة في حركة بيتس ((Beats الأدبية. لاحظ مكلور في مقال له صدر عام 1962 بعنوان “Phi Upsilon Kappa” أن “الكتابة هي نوع من الألم، كما أنها متعة ضمن فرصة لصناعة حرية جديدة”.
بعد ستة عقود من كتابة مكلور لتلك الكلمات، أصبحت “الحرية الجديدة” في شعر الزهراني أكثر أهمية من أي وقت مضى. تعكس قصائده صدى القوى التكتونية، وتتأملها وهي تعيد تشكيل المجتمع السعودي، خاصة منذ إطلاق رؤية السعودية 2030، التي تركز بشكل كبير على الثقافة في أجندة التنمية الوطنية للمملكة. لكنها تسعى كذلك للتغلب على بعض الثنائيات -بين الشرق والغرب، وبين الماضي والحاضر- التي تتحدى العلاقات الأمريكية-السعودية منذ عقود. إن الانخراط في شعره يمكن أن يوفر تصورات جديدة حول نقاش مثير للجدل يراه الكثيرون في صورة حدية: هل تستطيع إدارة الرئيس جوزيف بايدن أن توازن بين المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة مع السعودية وبين التزامها بمبادئها الأخلاقية؟
وفي حين يجادل البعض بأن هذا مستحيل، يؤكد آخرون، بما في ذلك جون ألترمان (Jon Alterman) من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أنه قد آن الأوان لواشنطن للتعامل مع الرياض بشكل جاد، والتأكيد على فوائد الحوار الصريح مع دولة تنبض بالحياة في المجال الثقافي، وأنها “لم تعد أبيض وأسود”. ونظرًا لأن ألترمان وآخرين يهدفون إلى لعب “أدوار بناءة” في إعادة تحديد العلاقات الأمريكية-السعودية، فسيكون من الحكمة إشراك شخصيات سعودية مبدعة مثل الزهراني. وعلى الرغم من أنه ليس دبلوماسيًا ولا سياسيًا، إلا أن الزهراني بعمله يجسد الازدهار الثقافي في المملكة، ويعرض سُبلاً جديدة أكثر دقة للانخراط مع مجتمعها. إن مثل هذا النوع من المشاركة يمكن في الحقيقة أن يساعد، على المدى الطويل، في إنشاء فصل جديد من العلاقات و”علاج المسافة” التي تفصل بين البلدين.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.