مجلس الأمة الكويتي السادس عشر: جمود سريع
بدت الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة الكويتي السادس عشر في 15 ديسمبر/كانون الأول 2020 كأنها مكررة. فكل ديناميكيات اجتماع كتلة المعارضة المعروفة قبل الجلسة الافتتاحية، لتحديد الأولويات وتنسيق الأصوات لانتخاب رئيس البرلمان قد فشلت في 2020 كما فشلت في 2016. وقد حدث هذا على الرغم من الاجتماعات العديدة للمعارضة، التي كانت تهدف لضمان عدم عودة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم إلى منصبه. ويُعدّ الغانم شخصيةً رئيسيةً في المواءمة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، التي تقودها الأسرة الحاكمة منذ 2013، وحتى الذهاب إلى حد معارضة قانون العفو عن أعضاء المعارضة البرلمانية المبعدين.
لم يحدث اختلاف في هذه الانتخابات التي انعقدت خلال الفترة الجديدة في الكويت، أو “العهد الجديد” وهي عبارة استُخدمت منذ وفاة صباح الأحمد الصباح في سبتمبر/أيلول 2020. وكانت هذه أول انتخابات في عهد الأمير نواف الأحمد الصباح، شقيق الأمير الراحل. ويرغب الأمير الجديد في الاحتفاظ برئيس الوزراء نفسه، صباح خالد الصباح، الذي عُين أولاً في منصبه في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وأعيد تعيينه في ديسمبر/كانون الأول 2020. لقد انتقدت المعارضة صباح الخالد في معالجة الحكومة لموضوع جائحة كورونا، وكذلك دعم حكومته لـ الغانم، والاحتفاظ، في البداية، بوزير الداخلية، أنس الصالح، في حكومته على الرغم من تحفظات بعض أعضاء البرلمان.
وتوقع الكثيرون أن يكون مجلس الأمة الجديد صعب الإدارة على القيادة الكويتية بما عُرف عنه من وجود شخصيات لها خطاب ناري ضد الحكومة. ومع ذلك لم تتوقع التحليلات أن تصل العلاقات التشريعية-التنفيذية إلى طريق مسدود بشكل فوري. وقد عبر 36 عضواً من مجلس الأمة عن دعمهم لاستجواب برلماني لرئيس الوزراء، مقدم من أعضاء المعارضة البارزين في البرلمان: بدر الداهوم ثامر السويط وخالد العتيبي. وقد ذكر الاستجواب بالتحديد الأحداث حول انتخاب رئيس مجلس الأمة، وعملية اختيار اللجان البرلمانية. وردا على ذلك، استقالت الحكومة يوم 13 يناير/كانون الثاني بعد الجلستين الافتتاحيتين لمجلس الأمة، ما جعل هذه الحكومة ثاني أقصر فترة حكومة في تاريخ الكويت.
مضت 7 أسابيع منذ استقالة الحكومة، واحتجّ الأمير بالمادة 160 من الدستور لتأجيل الجلسات العامة لمجلس الأمة لمدة شهر. ولتقديم جزء من المنظور التاريخي عن الأزمة البرلمانية الحالية، فإن المرة الوحيدة الأخرى التي حدث فيها ذلك كانت عام 2012. وقد تبع ذلك أمر من المحكمة الدستورية اعتبر انتخابات فبراير/شباط 2012 باطلةً، ما نتج عنه حل برلمان 2012 بحكم الأمر الواقع. كان ذلك المرة الثامنة في تاريخ الكويت التي يتم فيها حل مجلس الأمة منذ عام 1963 (تم حل 10 مجالس من أصل 18 مجلساً في تاريخ الكويت).
الصدام بين السياسة والحكم
إن تاريخ العلاقات التشريعية-التنفيذية في الكويت ليس ذا تقدم خطي. إن محاولات السلطة التنفيذية لاحتواء المعارضة في المجلس قد سارت في مراحل بارزة، ابتداء من تلك المحاولات غير الدستورية الصارخة من 1963 حتى 1991. ومنذ إعادة البرلمان بتشجيع من الولايات المتحدة بعد تحرير الكويت عام 1991، فقد تجاوز قادة الدولة ذلك النهج. وبدلاً من ذلك استخدموا بشكل حر السلطات المستمدة من الدستور لحل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات جديدة. منذ 2009 تقوم الحكومة بشكل متزايد باستغلال بنود غامضة في الدستور والنظام الداخلي لمجلس الأمة لإعاقة أو تأجيل التشريعات والرقابة من مجلس الأمة، خالقةً معارك على تفسير المواد مع المعارضة. ثم تقوم المحكمة الدستورية بتسوية هذه المعارك لصالح الحكومة.
إن الأزمة الحالية هي تجسيد لهذه المرحلة الثالثة، والتي تجمع بين الصراع على السياسة والخلافات على قواعد اللعبة. وفوق ذلك، إن إحباط المعارضة بسبب عدم قدرتها على التشريع قد قادها إلى استغلال مفرط لأدوات الرقابة، مثل الاستجوابات المتكررة للوزراء، التي يعقبها التصويت على حجب الثقة، ما قد يؤدي إلى عزلهم. هذه الاستراتيجيات تهدد بقلب التوازن الهش الموجود بالفعل في الكويت.
إن كيفية توظيف هذه الديناميكية في مجلس الأمة الكويتي الخامس عشر، الذي انتُخب في 2016، وظل حتى نهاية مدته في 2020، تُقدم نظرة ثاقبة حول الجذور المحددة للأزمة الحالية.
لقد جرت انتخابات 2016 بعد قرار من أغلبية المعارضة بإنهاء مقاطعتها لمجلس الأمة، وقد نتج عن ذلك بروز معقول للمعارضة إضافة إلى مجموعة من المرشحين الشباب الذين مثلوا حركة “حراك” الإصلاحية. وهذا الظهور القوي ساعد المعارضة في السيطرة على بعض اللجان المهمة في مجلس الأمة بما فيها لجنة الشؤون التشريعية والقانونية القوية، والتي سيطرت عليها في عامي 2017 و2018. ومع ذلك، سرعان ما بدأ الإحباط يتولد لدى المعارضة من قدرتها المحدودة على التشريع خصوصاً في القضايا السياسية والحقوق المدنية.
إن المعارضة على سبيل المثال حاولت تقديم مقترح قانون عفو عام، من خلال لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في عام 2020 لمعالجة موضوع كل المُدانين باقتحام مجلس الأمة في عام 2011. وقد تم إحباط هذه المحاولة بدمج الاقتراح مع قضيتين للعفو مثيرتين للجدل: خلية العبدلي، وتلك التي عن عضو البرلمان الشيعي، عبد الحميد دشتي. في القضية الأولى، تمت إدانة 25 مواطناً كويتياً وإيراني واحد – كلهم من الشيعة – بتخزين الأسلحة والتجسس لصالح إيران وحزب الله اللبناني. وقد أدين دشتي بإهانة المملكة العربية السعودية والبحرين وانتقاد السلطة القضائية الكويتية.
لقد انهار قانون العفو هذا بسبب اختلاف التفسيرات حول النظام الداخلي لمجلس الأمة الذي يحكم مشاريع القانون. وهذا يوضح الديناميكية المعقدة المتزايدة في مجلس الأمة، حيث إن الصراع على قواعد اللعبة غالباً ما يتقاطع مع الصراع على السياسة. والأكثر من ذلك، تفسير القوانين – إما من خلال المحكمة الدستورية أو رئيس مجلس الأمة – الذي يميل لصالح الحكومة، التي تقودها الأسرة الحاكمة، وبالتالي يتم تعطيل عملية التشريع.
كان رد الفعل على هذه الديناميكية هو الاستخدام المفرط لأدوات الرقابة، ولا سيما استجواب الوزراء. ومن السهل طرح عملية الاستجواب في مجلس الأمة مع وجود عضو واحد فقط يحتاج للاحتجاج بهذا الحق. وخلال المجلس الخامس عشر كان هناك 32 استجواباً بمعدل 8 في السنة، وقُدمت معظمها من المعارضة. وقد وصف أحد رموز المعارضة في المجلس الخامس عشر، الحميدي السبيعي، تلك الديناميكية قائلاً: “عندما لا تتوفر لك الأغلبية في المجلس، ويتم إحباط محاولاتك في التشريع… فليس لك خيار آخر غير الاستجواب، والاستجواب، والاستجواب”. وبالإضافة إلى كون الاستجوابات تعبيراً عن الإحباط بسبب عدم القدرة على التشريع، فقد يتم اللجوء إليها بسبب خصومات شخصية، أو كابتزاز للانتقام من أعداء سياسيين، أو لتبادل خدمات شخصية، أو حتى لإظهار القوة لمجموعات معينة.
إن الاستجوابات وتحديداً الموجهة لرئيس الحكومة لها وقع خاص. وبالنظر إلى كيفية الاستجوابات اللاحقة، تكون الحكومة بارعةً في استغلال المناطق الرمادية في الدستور الكويتي والنظام الداخلي لمجلس الأمة لإضعاف تلك الاستجوابات أو إلغائها. والمثال الواضح على ذلك هو إحالة استجواب رئيس الحكومة للجنة الشؤون التشريعية والقانونية عام 2018.
لقد قادت هذه العوامل مجتمعةً إلى وضع أصبح فيه الجمود التشريعي والقانوني متوطنا في الكويت.
وعلاوة على ذلك، تعاني المعارضة من عجز مزمن في التنسيق حول التشريع والرقابة. ويعود جزء من أسباب عدم التنسيق إلى النظام الانتخابي الكويتي، الذي يعتمد على الصوت الوحيد غير القابل للتحويل. وهذا يشجع المنافسة الفردية ويخلق حواجز واضحةً أمام تشكيل التحالفات. وعلى الرغم من كون اسمها يشير إلى وجود كتلة، إلا أن المعارضة يمكن وصفها بشكل أفضل كتحالف رخو لمرشحين قبليين وإسلاميين ونشطاء مناصرين للديمقراطية، يتوافقون على بعض القضايا ويختلفون على أخرى. وإضافة لذلك، فإن حقيقة عدم وجود أحزاب سياسية في الكويت تعزز من تعقيد تنسيق الجهود داخل ما يظهر في نهاية الأمر أنه كتل برلمانية وسياسية رخوة. ومن الأمثلة الكثيرة على افتقار المعارضة للتنسيق هو الانشقاق على قانون العفو، المذكور سابقاً، وعدم القدرة على التنسيق لإقالة وزيرة الاقتصاد والشؤون الاجتماعية هند الصبيح في يناير/كانون الثاني 2018.
سُبل تجنب الفشل
إن النزاعات على الأحكام والفشل في التنسيق كانت حاضرةً في الأيام الأولى للمجلس الجديد، لترسم صورة محبطة لعلاقات تشريعية-تنفيذية مثمرة. وتتهم المعارضة الحكومة بالتدخل لصالح الغانم في محاولته الناجحة لرئاسة مجلس الأمة، مع بعض الادعاء بتدخله في الانتخابات الداخلية للجان مجلس الأمة، ما حجّم قيادة المعارضة وتمثيلها على الرغم من حضورها المسؤول.
في هذه الأثناء، فقد انقسمت المعارضة إلى جماعتين. تتكون الجماعة الأكثر تطرفًا من حوالي 8 إلى 11 عضواً، ويقودها العضو القبلي القيادي بدر الداهوم. ويقود الجماعة الثانية حسن جوهر، وتشمل 16 عضواً من الكتلة الوطنية وحدس، وتحالف قبيلة مطير. وتقوم استراتيجية الحكومة، حتى الآن، على التفاوض مع الجماعة الثانية. وبينما قادت هذه المفاوضات إلى تشكيل حكومة مشتركة من أعضاء اللجنة البرلمانية، فإن هذه الحركة قد قادت إلى انشقاق داخل المعارضة أدى إلى نزاع ساخن على وسائل التواصل الاجتماعي بين الجماعتين.
إن تشكيل حكومة جديدة برئاسة صباح الخالد في 2 مارس/آذار قد تم النظر إليه كنتيجة إيجابية لهذا التنسيق، نظراً لتشكيلها قبل نهاية مدة الشهر لتعليق الجلسات العامة لمجلس الأمة المذكورة أعلاه. ومع ذلك فإن نجاح مجلس الأمة الحالي سيعتمد بشكل كبير على النوايا الحسنة للحكومة واستعداد المعارضة لإيقاف وابل الاستجوابات. اذا اختارت الحكومة إحباط محاولات المعارضة للتشريع باستخدام ثغرات في النظام الداخلي، مدعومة من رئيس مجلس الأمة، فإن الصراعات المستعصية حول السياسة والأحكام يمكن أن تستمر. وقد هدد بعض أعضاء البرلمان المشاركين في جماعة الـ16 صراحةً بالعودة إلى الاستجوابات إذا فشلت الحكومة في سن تشريعات متفق عليها.
إضافة لذلك، وفي عرض للقوة من المعارضة، فقد أعلن جوهر وعضو آخر من جماعة الـ16 عن رغبتهما في استجواب باسل الصباح، وزير الصحة، حول تعامله مع جائحة كورونا والقرار بفرض منع تجوال له علاقة بالصحة العامة لمدة شهر يبدأ في 7 مارس/آذار، كما أن الداهوم وعضواً آخر من الجماعة الأكثر تطرفًا قدما استجواباً لرئيس الحكومة حول قرار وزارة الداخلية الإبلاغ عن المشاركين في مسيرة نظمها داهوم إلى مكتب النائب العام، بأن المسيرة قد انتهكت القواعد الصحية لفيروس كورونا.
إن حالة الجمود التي تجسد تطور السياسة الكويتية، لا يتوقع حلها إلا إذا بدأت الدولة في إجراء إصلاحات جادة. أولاً، النظام الداخلي لمجلس الأمة يجب تعديله ليكون أكثر وضوحاً وتفصيلاً مع التعلم من الأزمات الدستورية السابقة. إن الثغرات في الأحكام التي تستغلها الحكومة وتؤدي الى أزمات دستورية خطيرة تقوض شرعية كل من مجلس الأمة والمحكمة الدستورية. ويجب ألا يتوقف التشريع فقط على الرغبة والإرادة الحسنة للسلطة التنفيذية. ثانياً، هناك حاجة ماسة لإصلاح المحكمة الدستورية لتشمل أعضاء يتم تعيينهم بالتشاور مع، أو بموافقة، مجلس الأمة. وبهذه الكيفية فإن الصراع بين مجلس الأمة والسلطة التنفيذية على الدستور والنظام الداخلي سيتم حله عن طريق محكمة دستورية محايدة ومستقلة ومتوازنة، بدلاً من الأحكام التي تصب دائماً في صالح السلطة التنفيذية، وتفتقر إلى الشرعية المطلوبة للمساعدة في حل هذه النزاعات. أخيراً، فإن قانون الانتخابات في الكويت يجب تعديله لتشجيع ديناميكيات الجماعة المؤثرة وكبح الميول الفردية بين أعضاء البرلمان. وبينما يمكن لذلك خلق كتلة معارضة موحدة لعرقلة مبادرات تشريعية حكومية محددة، فإنه يمكن تحديد الدوائر الانتخابية بشكل أفضل، والتي يمكن للحكومة أن تتفاوض معها بشكل ناجع لتحقيق الأهداف التشريعية والتقدم.