ثمة ثلاث تغييرات كبيرة حدثت على مدار العاميين الماضيين، وتعمل على إعادة تشكيل قطاع الكهرباء في الخليج، وتمثل فرصة اقتصادية وبيئية وسياسية كبيرة. يكمن التغيير الأول في ظهور الطاقة المتجددة المقترنة باستخدام البطاريات. ويكمن التغيير الثاني في الزيادة الكبيرة في الطلب المحلي على الكهرباء. أما التغيير الثالث فيتمثل في الربط الكهربائي بين الدول المجاورة، ولا سيما الوضع العصيب الذي وجد العراق نفسه فيه أو تم دفعه إليه. لكن، وحتى الآن، وبينما تمضي بعض دول مجلس التعاون الخليجي قدماً، إلا أن انعدام الرؤية والتعاون الكبير يحول دون تحقيق تقدم ملموس في هذا المضمار.
في أسبوع أبوظبي للاستدامة في يناير/كانون الثاني، أعلنت شركة مياه وكهرباء الإمارات، وهي الشركة التي توفر الخدمات لأبوظبي، وهي الأكبر في الإمارات، أنها ستنشأ محطة للطاقة الشمسية بقدرة 5.2 جيجاواط، إلى جانب 19 جيجاواط بالساعة من البطاريات، والتي سيكون بمقدورها إنتاج 1 جيجاواط بشكل ثابت ليلاً ونهاراً، صيفاً وشتاءً. بناءً على الأرقام المعطاة، يمكن تقدير التكلفة بنحو ستة سنتات لكل كيلوواط/الساعة – بتكلفة أقل بكثير من الطاقة الذرية، ومشابهة للطاقة الناتجة عن احتراق الغاز الطبيعي، حتى داخل الإمارات التي تتمتع بأسعار منخفضة للغاز. في الشرق الأوسط، على الأقل، تحررت الطاقة الشمسية من الشكوى المعتادة بأنها متقطعة وتعتمد على ظروف النهار الصافي.
في الثامن عشر من فبراير/شباط، أعلنت هيئة كهرباء ومياه دبي عن التقدم الجاري في المرحلة السابعة من مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية. بسعة حالية قيد التنفيذ تبلغ 4.66 جيجاواط، وستضيف المرحلة السابعة 1.6 جيجاواط أخرى، ليتجاوز المجمع بذلك طاقته المخطط لها أصلاً، والبالغة 5 جيجاواط بحلول 2030. إن أكثر ما يثير الاهتمام، كما هو الحال في مشروع شركة مياه وكهرباء الإمارات، هو أن المرحلة السابعة تمتاز بقدة تخزين كبيرة للبطاريات – بقدرة 1 جيجاواط مع ست ساعات من التخزين.
من المتوقع أن تستكمل هيئة كهرباء ومياه دبي إنشاء محطة الضخ الكهرومائية بطاقة 250 ميجاواط في منطقة “حتا” الجبلية، التابعة لدبي، بحلول منتصف عام 2025، والتي من شأنها أن تسمح بالتخزين لفترة طويلة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كشفت شركة كهرباء فرنسا (EDF) أنها منخرطة في نقاشات لبناء محطة ضخ كهرومائية بقدرة 5 جيجاواط في إمارة رأس الخيمة الموجودة في شمال دولة الإمارات.
تتوقع شركة مياه وكهرباء الإمارات أن تصل لـ “ساعة الصفر” لأول مرة بحلول 2029، عندما تستغني عن استهلاك الغاز الطبيعي تماماً لتلبية الطلب على الكهرباء. من المرجح أن يحدث ذلك في بداية فصل الربيع، عندما تكون أحمال استخدام أنظمة التكييف منخفضة، والطاقة الشمسية الناتجة قوية، بما يسمح للطاقة النووية الحالية، التي تعمل بشكل شبه دائم، بتلبية ما تبقى من الطلب على الكهرباء. سيتطلب ذلك تحديث شبكات الكهرباء وأنظمة التحكم فيها، وبالإضافة إلى فصل تام بين إنتاج المياه وانتاج الكهرباء. في الوقت الراهن، لا تزال نسبة كبيرة من عملية تحلية المياه في الإمارات تعتمد على التوليد المشترك للطاقة الحرارية الناجمة عن احتراق الغاز.
أصبحت عملية تركيب بطاريات الدعم ظاهرة شائعة بشكل مطرد في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لا سيما في الدول الأخرى الرائدة في مجال الطاقة المتجددة في المنطقة: كالسعودية وسلطنة عُمان والأردن وإسرائيل ومصر. في فبراير/شباط، اعتمدت عُمان سياسة جديدة تسمح بالاستخدام المستقل لتخزين الكهرباء. ويكتسب هذا الأمر أهمية متزايدة مع ارتفاع حصص الطاقة المتجددة؛ من المتوقع أن تتضاعف حصة الطاقة المتجددة في السعودية هذا العام لتصل 12.7 جيجاواط من أصل 6.6 جيجاواط، وهى في طريقها للوصول إلى 130 جيجاواط كما هو مخطط، أي ما يعادل نصف انتاجها من الكهرباء بحلول عام 2030.
يُعدّ هذا التطور في مجال الطاقة الشمسية أمراً بالغ الأهمية، إذ شهد الطلب على الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي ارتفاعاً كبيراً بعد سنوات من الركود. وتبرز عُمان بنسبة نمو 7.5% في عام 2024، والسعودية بنسبة 6.1%، ودبي بنسبة 5.4%. وغالباً ما تعزى هذه الزيادة المفاجئة في الطلب إلى النمو الاقتصادي والسكاني الحاد، والذي تفاقم بسبب ارتفاع درجة حرارة المناخ. وتماشياً مع التوجه العالمي، ستصبح مراكز البيانات مصدر سريع لنمو الطلب على الكهرباء. وفي نهاية المطاف قد تساهم السيارات الكهربائية، التي تشكل حصة صغيرة في الوقت الحاضر، في زيادة الطلب بمقدار بضعة جيجاواطات.
تواكب منشآت الطاقة المتجددة هذا الطلب، ولكن الارتفاع السريع في الاستهلاك سيجعل تحقيق أهداف الطاقة المتجددة وإزالة الكربون أمراً في غاية الصعوبة. الكويت هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي تعاني من صعوبات في هذا السياق: فقد ارتفعت ذروة الطلب على الكهرباء بنسبة 4.1% في عام 2024، وهي نسبة أكثر اعتدالاً من الدول المجاورة، لكن القدرات الإنتاجية لم تواكب ذلك الارتفاع. منشآت الطاقة المتجددة صغيرة، وازداد الوضع سوءاً بعد الحريق الذي اندلع في محطة الشقايا للطاقة الشمسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وشهد عام 2024 انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي، ويبدو أن عام 2025 سيكون أسوأ.
تعمل هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي، التي تربط شبكات الكهرباء دول المجلس الست، وتسمح بالتبادل التجاري والمشاركة فيما بينها، على زيادة قدراتها الكهربائية الموجهة للكويت، لتصل إلى 3 آلاف ميجاواط. كما تخطط الهيئة لمشروعين كبيرين: الأول لزيادة القدرات الكهربائية إلى الإمارات من 2400 ميجاواط إلى 3500 ميجاواط، ومن المتوقع أن ينتهي العمل فيه بحلول الربع الأول من عام 2027. ويهدف المشروع الثاني لإنشاء خط ربط كهربائي مباشر مع عُمان بجهد يبلغ 400 كيلوفولت لاستكمال الربط الحالي عبر شبكة الإمارات بجهد يبلغ 220 كيلوفولت. ومن المتوقع أن يعزز هذا الربط القدرة الكهربائية ويقلل من الفاقد الكهربائي.
وما هذه إلا مجرد خطوات تدريجية إلى حد ما. فقد وصلت ذروة الطلب في السعودية إلى 72.9 جيجاواط في عام 2024، وفي الإمارات بلغت الذروة حوالي 34 جيجاواط، وفي الكويت 17.64 جيجاواط، وفي عُمان 8.4 جيجاواط . أما في قطر فقد بلغت الذروة 9.81 جيجاواط، وفي البحرين 3.8 جيجاواط في عام 2023. في سياق سوق مجلس التعاون الخليجي التي تقترب ذروة الطلب فيها من 150 جيجاواط، فإن قدرات الربط البيني لهيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي لا تكاد تمثل سوى 2% من ذلك الطلب. فهي تعمل على تلبية حالات الطوارئ قصيرة الأمد، وتقليل كمية الطاقة الاحتياطية التي تحتاج الدول للاحتفاظ بها بشكل فردي، لكنها لا تعمل بشكل ممنهج على نقل كميات كبيرة من الكهرباء من منتج يتمتع بانخفاض التكلفة إلى مستهلك مستعد لدفع المزيد. لقد بلغت تجارة الكهرباء في دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2021 حوالي 0.15% فقط من إجمالي الكمية التي تم توليدها، في حين بلغت في سوق الاتحاد الأوروبي الأكثر تكاملاً حوالي 5%.
ولا يعمل الربط الكهربائي الذي تديره هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي وفق آلية السوق. فهناك دولة واحدة فقط من دول مجلس التعاون الخليجي حتى الآن، وهي عُمان، لديها سوق محلية للطاقة تسمح بالتبادل التجاري. لذلك، وعلى عكس سوق الطاقة المتكاملة بشكل وثيق في أوروبا على سبيل المثال، لا توجد مؤشرات تسعير آنية لتدفق الكهرباء من بلد إلى آخر. وبدلاً من تسويتها مالياً، تتم تسوية معظم صفقات الربط البيني لهيئة الربط الكهربائي على أساس الكمية، أي عن طريق تعويض كمية معينة من الميجاواط/ساعة المتدفقة في اتجاه ما بكمية مكافئة في الاتجاه الآخر. ومع زيادة صافي واردات الكويت، على وجه الخصوص، سيصبح من الضروري اللجوء إلى تسويات مالية أكبر.
تعتمد كل دول مجلس التعاون الخليجي على توليد الطاقة باستخدام الغاز، ومع وجود بعض الاعتماد على النفط في الكويت والسعودية – وها ما يتم التخلص من معظمه تدريجياً، كما يوجد اعتماد متزايد، وإن كان متقلباً، على الطاقة الشمسية. تتمثل الاستثناءات الهامة الوحيدة في تنامي حصة طاقة الرياح في السعودية وعُمان (وبدرجة أقل في الإمارات، مع بعض الخطط لإنشاء محطات بحرية لطاقة الرياح في البحرين)، بالإضافة إلى القدرات النووية في الإمارات، والتي قد تنضم لها السعودية في ثلاثينيات هذا القرن. تعد الظروف الجوية والموسمية والمناطق الزمنية متماثلة في جميع أنحاء الخليج. كل هذه العوامل سوف تحد من مكاسب التبادل التجاري.
لكن عمليات الربط الكهربائي الأوسع نطاقاً من شأنها أن تفتح الفرص لقيمة أكبر. فعلى سبيل المثال، يتأخر غروب الشمس في مصر بمقدار ساعتين تقريباً عن غروبها في الإمارات. وهذا من شأنه أن يسمح لمحطات الطاقة الشمسية الواقعة في أقصى الغرب بتغذية الاستهلاك الصيفي وقت ذروته في المساء المبكر، عندما يعود الناس إلى منازلهم من العمل، ويشغلون مكيفات الهواء والإنارة وأجهزة التلفاز، ويبدأون في الطهي. وفي المقابل، يمكن للمحطات النووية في الإمارات أن تلبي حاجة مصر المسائية عندما ينحسر الاستهلاك في الساعات المتأخرة.
ومن المتوقع الآن أن يتم تشغيل خط الكهرباء، الذي طال انتظاره بقدرة ثلاثة جيجاواط، بين السعودية ومصر بحلول يونيو/حزيران 2025، وتدرس هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي في الوقت ذاته عملية الربط مع مصر والأردن. ومن شأن خطوط الربط الكهربائي المخطط لها، والتي تمتد بين مصر وقبرص واليونان من جهة وإسرائيل وقبرص واليونان من جهة أخرى، أن تسهم في ربط أنظمة دول مجلس التعاون الخليجي وشرق البحر الأبيض المتوسط والاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، يعد مشروع الربط الكهربائي الأبرز لهيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي هو ذلك الموجه نحو العراق. ففي الثامن من مارس/آذار، رفضت إدارة الرئيس دونالد ترامب تجديد الإعفاء الممنوح للعراق لشراء الكهرباء من إيران. ولا يزال بإمكان العراق الحصول على الغاز من إيران، ولكنه يواجه صعوبات عملية في سداد المدفوعات بسبب العقوبات المصرفية. وفي الوقت الذي تواجه فيه إيران صعوبات من أجل تلبية احتياجاتها المحلية، أصبحت صادراتها من الغاز والطاقة محدودة بشكل متزايد وغير موثوقة. فقد انخفضت الإمدادات من متوسط سنوي يقارب 900 ميجاواط تقريباً كمعدل سنوي إلى العراق في عام 2020 إلى حوالي 350 ميجاواط في عام 2023.
يعاني العراق أصلاً من نقص في الكهرباء، حيث يواجه عجزاً يقدر بما بين 5 آلاف ميجاواط إلى 12 ألف ميجاواط في الصيف. وعلى الرغم من تحسّن عمليات استخلاص الغاز من عمليات استخراج النفط، وبدء عملية إنشاء محطة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال – يُتوقع أن تُزودها قطر – فإن مشكلة تأمين إمدادات الوقود لا تزال قائمة. كما بدأت أعمال بناء أول محطة كبرى للطاقة الشمسية في البلاد. ولكن، حتى لو تم تنفيذ هذه المشاريع بكفاءة، فإنها ستستغرق سنوات حتى تتمكن من التأثير على المشكلة بشكل إيجابي.
سعت بغداد للقيام بالربط الكهربائي مع الأردن وتركيا وإقليم كردستان، الذي يتمتع بما يشبه الحكم الذاتي، إلا أن هذه الروابط لا توفر سوى بضع مئات من الميجاواطات فقط. يعد مجلس التعاون الخليجي الخيار الأفضل للعراق لاستيراد كميات كبيرة من الطاقة. وأخيراً، في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2024، وقعت بغداد اتفاقية لشراء 3.94 تيراواط/الساعة من الكهرباء سنوياً من هيئة الربط الكهربائي لمجلس التعاون الخليجي، أي ما يعادل 450 ميغاواط في المتوسط.
سيتكون مشروع الربط الكهربائي بقدرة 400 كيلوفولت، وتبلغ سعته الأولية 500 ميجاواط، ويتكون من خطين يمتدان من محطة الوفرة في الكويت إلى محطة الفاو في البصرة بالعراق. بعد العديد من التأخيرات، من المتوقع أن يدخل المشروع حيز التشغيل بحلول شهر مايو/أيار. ومن الممكن زيادة القدرة في وقت لاحق لتصل إلى 1800 ميجاواط. وهناك خطط للربط المباشر مع السعودية بمقدار 1000 ميجاواط.
ومع ذلك، تبقى هذه المشاريع صغيرة نسبياً مقارنة باحتياجات العراق أو بنقص الإمدادات الإيرانية. فجزء من التحدي يكمن في ضرورة تلبية الطلب الصيفي في الكويت، ما يحد من كمية الكهرباء التي يمكن توجيهها إلى العراق. كما أن هذه الإمدادات الإضافية لن ترتقي كثيراً بالتأثير السياسي لمجلس التعاون الخليجي على بغداد مقارنة بالنفوذ الإيراني متعدد الأوجه، والذي لا يقتصر فقط على توفير الغاز والكهرباء.
إن التوقعات الحالية لتجارة الكهرباء ضمن هيئة الربط الكهربائي لمجلس التعاون الخليجي مع العراق ومصر والأردن لا تزال أقل بكثير من الإمكانات المتاحة. يمكن أن تتحول صادرات الطاقة من قطاع الطاقة المتجددة والبطاريات المزدهر في الخليج لتصبح محركاً رئيسياً للاقتصاد والاستدامة. وقد آن الأوان لأن ينتقل تبنّي دول الخليج للتطورات التقنية في مجالي الطاقة الشمسية والتخزين إلى مستوى استراتيجي.