سجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (بعد احتساب معدل التضخم) نمواً بمعدل 1.3% في عام 2024 مقارنة بـ -0.8% في عام 2023. كما سجل القطاع غير النفطي نمواً بمعدل 3.9%، دون تحقيق تغيير كبير عن عام 2023، في حين انخفض الناتج المحلي الإجمالي من النفط بمعدل 4.5% (انخفض بمعدل 9% في عام 2023)، وهذا يعود لتخفيضات إنتاج النفط بموجب الاتفاق الذي أبرمه تحالف أوبك بلس. كما أن الاستهلاك الخاص، الذي كان أحد المحركات الرئيسية للنمو خلال عام 2023، قد تباطأ في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2024، لكن الاستثمار الخاص قد تعافى بعد تباطؤ كبير في النصف الثاني من عام 2023. كما ساهم الإنفاق الحكومي بقوة في في تحقيق النمو خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2024.
ومن المتوقع أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في عام 2025 أقوى مما كان عليه في عام 2024. وبالنظر إلى التوقعات الحالية لإنتاج النفط والإنفاق الحكومي، يبدو أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3٪ في عام 2025 هو توقع مركزي معقول. يستند هذا التوقع إلى افتراض أن الناتج المحلي الإجمالي النفطي الحقيقي سينمو بنحو 1.3٪، حيث سيتمكن تحالف أوبك بلس من استعادة جزء من الإنتاج الذي تم خفضه في السنوات الأخيرة، ولكن التحالف لن يتمكن من تحقيق جميع الزيادات المعلنة في الإنتاج. ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بمعدل 3.5٪، وذلك على افتراض أن الحكومة تبقى ملتزمة بخطتها الداعية لخفض الإنفاق هذا العام، كما هو موضح في ميزانية 2025، بينما يواصل صندوق الاستثمار العام الاستثمار بشكل قوي في الاقتصاد المحلي.
سياسات ترامب والاقتصاد السعودي
خلال أول أسبوعين من إدارة الرئيس ترامب، كان هناك العديد من الإعلانات السياسية وسلسلة من الأوامر التنفيذية، والعديد من التحديات القانونية، وتعليقات إعلامية متتابعة من الرئيس. ورغم صعوبة التنبؤ بتأثير هذه السياسات على الاقتصاد في هذه المرحلة المبكرة، فإن السياسات الأمريكية تخلق فرصاً ومخاطر محتملة على الاقتصاد السعودي. هناك ثلاث قضايا رئيسية ستؤثر بشكل خاص على الاقتصاد السعودي.
سوق النفط
ستنفذ إدارة ترامب سياسات تدعم صناعة النفط الأمريكية. وبمرور الوقت، من المرجح أن تعزز هذه السياسات إنتاج النفط الأمريكي، رغم اختلاف آراء الخبراء حول مقدار هذه الزيادة. كما يضغط الرئيس على السعودية ومنظمة أوبك لخفض أسعار النفط، حيث إنه يسعى إلى الالتزام بوعده بخفض تكلفة المعيشة في الولايات المتحدة. ومع ذلك، في الفترة القريبة، من المتوقع أن يكون لنهج إدارة ترامب بشأن العقوبات على إيران وروسيا التأثير الأكبر على سوق النفط العالمية، وفي نهاية المطاف على السعودية. وقد ارتفعت أسعار النفط خلال الأسابيع الأولى من العام مع تشديد إدارة الرئيس السابق جوزيف بايدن العقوبات على صادرات النفط الروسية، إلى جانب تأثير موجة البرد القارس التي ضربت الولايات المتحدة وأوروبا.
لا يبدو أن نهج ترامب تجاه إيران واضح تماماً في هذه المرحلة. ففي الوقت الذي أصدر البيت الأبيض مذكرة رئاسية تدعو لتنفيذ حملة “الضغوط القصوى” على إيران، بما في ذلك السعي إلى “إيقاف صادرات النفط الإيرانية تماماً”، قال الرئيس أيضاً إنه يريد التفاوض على “اتفاقية سلام نووي” مع إيران. ومن شأن تشديد العقوبات على صادرات النفط الإيرانية أن يقلل من المعروض في سوق النفط العالمية، ما يؤثر بشكل خاص على الصين، التي تعد الوجهة الرئيسية للنفط الإيراني. وسيؤدي انخفاض الإمدادات الإيرانية إلى تسهيل زيادة إنتاج تحالف أوبك بلس في عام 2025 كما هو مخطط له، الأمر الذي قد يعود بفوائد على النمو في السعودية والتوازنات المالية والخارجية. ولكن في غياب العقوبات، لا تبدو توقعات الطلب والعرض الأساسية في سوق النفط العالمية في صالح منتجي تحالف أوبك بلس. ويشير متوسط أحدث التوقعات من إدارة معلومات الطاقة ووكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك إلى أن زيادة المعروض من الدول غير الأعضاء في تحالف أوبك بلس ستكون كافية لتلبية نمو الطلب العالمي على النفط في عام 2025. وفي هذا الوضع، سيكون من الصعب على تحالف أوبك بلس زيادة الإنتاج دون المخاطرة بانخفاض حاد في الأسعار. وبالتالي، سيشكل هذا خطراً سلبياً على آفاق النمو في السعودية، وهو الخطر الذي قد يستفحل في حال أدت حرب تجارية إلى تباطؤ النمو العالمي والطلب على النفط.
التضخم وأسعار الفائدة
إن ثلاث سياسات لترامب – الرسوم الجمركية والإجراءات المتشددة بشأن الهجرة غير الموثوقة والتخفضيات الضريبية – قد تفرض ضغوطاً تصاعدية على معدل التضخم في الولايات المتحدة. فقد أشار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مؤخراً في بيان أصدره بعد اجتماعه بشأن سياساته العامة في يناير/كانون الثاني إلى أن “التضخم لا يزال مرتفعاً إلى حد ما” وأبقى الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة الأساسي دون تغيير (وبذلك أنهى ثلاثة اجتماعات متعاقبة شهدت خفضاً لأسعار الفائدة). إن ارتفاع التضخم سيقلل من قدرة الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة، وقد يستدعي هذا الأمر تشديد السياسة النقدية في وقت لاحق من هذا العام. وهذا من شأنه أن يضع رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول (Jerome Powell) وزملاءه في موقف صعب للغاية، خاصة في ظل ضغوط ترامب المستمرة لخفض أسعار الفائدة.
إن أي زيادة في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة من شأنها أن ترفع من تكلفة الاقتراض في الوقت الذي يواصل فيه القطاع العام السعودي الاقتراض بكثافة لتمويل المشاريع الطموحة لرؤية 2030. كما أن ارتفاع أسعار الفائدة من شأنه أن يرفع تكاليف الاقتراض للأفراد والشركات، ما قد يؤدي إلى تباطؤ الاستهلاك والاستثمار الخاص، على الرغم من صعوبة تحديد هذه الروابط بشكل تجريبي دقيق في السعودية ودول الخليج. وأخيراً، في ظل بيئة ذات أسعار فائدة مرتفعة، قد يواصل الدولار ارتفاعه، نظراً لارتباط الريال السعودي به، ما يؤثر سلباً على القدرة التنافسية للقطاعات السعودية الناشئة، مثل السياحة.
التجارة الخارجية والاستثمار
لا تزال نتائج تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة على شركائه التجاريين غير معروفة حتى الآن. فقد تم تأجيل فرض الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك لمدة 30 يوماً، في حين أن الرسوم الجمركية المفروضة على الصين ما تزال سارية. كما قال الرئيس إن الرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبي “هي أمر مؤكد”، وأي رسوم جمركية تفرضها الولايات المتحدة سوف تستدعي ردود أفعال من البلدان المتضررة، وسوف تزيد من خطر تصعيد الحرب التجارية مع تداعيات سلبية على النمو العالمي. حتى حالة الغموض الناتجة عن هذه السياسات الحالية قد تؤثر سلباً على الاستثمار والتوظيف والنمو.
قد تخلق هذه التطورات فرصاً جديدة أمام السعودية، لكنها قد تفرض أيضاً بعض التحديات. على سبيل المثال، تعد كندا من أكبر مصدري المنتجات الكيميائية إلى الولايات المتحدة، وبالتالي فإن الرسوم الجمركية على الواردات الكندية قد توفر فرصاً لشركات المنتجات الكيميائية السعودية لتوسيع حصتها في السوق الأمريكية. أما الرسوم الجمركية على واردات النفط من كندا سترفع تكلفة الطاقة في الولايات المتحدة، ولكن يبدو هذا الأمر من غير المرجح، على الأقل في الفترة القريبة، أن تؤدي إلى أي تحول في مصادر الإمداد نظراً للبنية التحتية الحالية لخطوط الأنابيب والنقل بالسكك الحديدية واحتياجات المصافي. ومع ذلك، فإن التعريفات الجمركية المرتفعة قد تقلل من الحوافز التي تدفع الشركات إلى الإنتاج في الخارج، وبالتالي سيكون هناك تأثير سلبي على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر التي تحاول السعودية جذبه للمساعدة في عملية تنويع اقتصادها.
كما يسعى ترامب إلى أن تقوم السعودية بزيادة استثماراتها ومشترياتها لدعم الاقتصاد الأمريكي. وقد أعلن ولي العهد السعودي مؤخراً زيادة حجم التجارة والاستثمار مع الولايات المتحدة بما يصل إلى 600 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة. ورغم أن هذا الرقم يبدو مبالغاً فيه إلى حد كبير، إلا أن تعميق العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين أمر مرجح، ولكن تمويل ذلك لا يزال غير واضح. إن التركيز المتزايد على الاستثمارات في الولايات المتحدة قد يجلب عوائد جيدة على المدى الطويل، ولكن قد يكون ذلك على حساب استثمار أقل في الاقتصاد المحلي في الفترة القريبة مما قد يؤثر على النمو. علاوة على ذلك، فإن إصرار الرئيس على خفض أسعار النفط سيجعل من الصعب على السعودية زيادة تجارتها واستثماراتها مع الولايات المتحدة، لما لذلك من تداعيات على إيرادات النفط والتوازنات المالية والحساب الجاري.
عام من الغموض
دخل الاقتصاد السعودي عام 2025 وهو في حالة جيدة، فالاقتصاد غير النفطي ينمو بقوة، والتضخم تحت السيطرة، ومعدل البطالة يقترب من مستوى قياسي منخفض. ومع ذلك، هناك حالة من الغموض نابعة من الولايات المتحدة قد تؤثر على الاقتصاد السعودي هذا العام. ومن بين أهم هذه العوامل تأثير السياسات الأميركية على سوق النفط العالمية، والتضخم والسياسة النقدية، والتجارة والاستثمار. أكثر من أي وقت مضى، سيكون لما يحدث في الولايات المتحدة تأثير جوهري على الاقتصاد السعودي خلال هذا العام.