ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
أخيرا، وبعد مرور سنة تقريبا على بدء ولايته، حقق الرئيس ترامب أول انجاز تشريعي هام له، عندما أقر مجلسا الكونغرس مشروع قرار يقضي بإدخال تغييرات جذرية على قانون الضرائب على الرغم من المعارضة الشاملة من الحزب الديمقراطي وأكثرية من الأمريكيين وفقا لاستطلاعات الرأي.
حتى الآن كانت انجازات ترامب محدودة جدا ومعظمها من خلال قرارات تنفيذية، وإن كانت تصريحاته توحي بأن إدارته خلال سنتها الأولى قد حققت بالفعل انتصارات سياسية وتشريعية غير معهودة. إقرار قانون الضرائب جاء في اعقاب نكسات تعرض لها ترامب وكان اخرها خسارة روي مور المرشح الجمهوري في ولاية ألاباما لعضوية مجلس الشيوخ بعد أن احتضنه ترامب ووفر له كامل الدعم. ومع تقدم المحقق الخاص بالتدخل الروسي في انتخابات الرئاسة روبرت مولر في استجوابه للمقربين من الرئيس ترامب، وذلك على خلفية انحسار كبير في شعبية ترامب الذي تقلصت قاعدته الضيقة أصلا إلى 32 بالمئة من الناخبين.
هل يقترب ترامب من إقالة المحقق مولر؟
وفي الأيام والأسابيع الماضية، ومع تقدم تحقيقات مولر وفريقه وتحديدا بعد انتزع مالر من مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين اعترافا بأنه ضلل وكّذب على محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)، بشأن اتصالاته مع مسؤولين روس، ومع ازدياد شراسة الحملة ضد مولر وفريقه الذي يقوم بها اليمين المتشدد والذي يطالب بوقف التحقيق وطرد مولر، المحت مصادر رسمية إلى أن ترامب يفكر جديا باقالة المحقق مولر. ويرى بعض الخبراء أن ترامب بعد انجازه التشريعي الهام قد يشعر أنه استعاد مناعته الأولية، وأنه أصبح قادرا الآن على المجازفة باقالة مولر وعلى استيعاب عاصفة الاستهجان الحتمية. ولم يؤد نفي الرئيس ترامب للشائعات والتكهنات حول مولر إلى تهدئة قلق الديمقراطيين. ووجه السيناتور الديمقراطي مارك وارنر عضو لجنة الاستخبارات تحذيرا قويا للرئيس ترامب من أن اقالة مولر سوف تعتبر “اساءة بالغة جدا لاستخدام السلطة”. وأشار وارنر إلى “نمو كورس الأصوات غير المسؤولة والمتهورة” الصادرة من مجلس النواب ووسائل الإعلام المحافظة التي تطالب الرئيس ترامب بوقف التحقيقات بالتدخل الروسي في الانتخابات واحتمال ضلوع مقربين من ترامب في هذا التدخل. وشدد وارنر على أن إقالة مولر، أو اصدار عفو عن أي شخص مقرب من ترامب صدر بحقه حكما قضائيا، فإن هذا يعني أن ترامب قد “اجتاز خطوطا حمراء، ونحن ببساطة لن نسمح باجتيازها”. قلق الديمقراطيين حول مصير المحقق مولر، دفع بالعديد من الناشطين إلى بدء التحضير للمظاهرات في مختلف المدن الأمريكية الكبيرة، التي ستعقب أي قرار باقالة مولر.
إنه عالم خطير
على الصعيد الخارجي أصدر الرئيس ترامب استراتيجية الأمن القومي، التي يقدمها كل رئيس جديد للكونغرس ويشرح فيها تصوراته للأخطار والتحديات التي تواجهها البلاد وكيفية التصدي لها. وجاء في النص الذي وضعه مستشار الأمن القومي إتش آر ماكماستر ومساعدوه، أن الصين وروسيا، الأولى بسبب نموها الاقتصادي وتوسع نفوذها العسكري في المحيط الهاديء، والثانية بسبب استخدامها للقوة العسكرية (احتلالها وضمها لجزيرة القرم في أوكرانيا) وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بما في ذلك محاولاتها تقويض الأنظمة الديمقراطية، تمثلان الخطر الأبرز الذي تواجهه الولايات المتحدة في المستقبل المنظور. المفارقة هي أن سياسات ومواقف الرئيس ترامب تجاه روسيا والرئيس فلاديمير بوتين تتناقض كليا مع ما جاء في استراتيجية الامن القومي، حيث لا يزال ترامب ينظر بايجابية واضحة وودية لا لبس فيها إلى الرئيس بوتين، ولا يزال يرفض تحميله شخصيا مسؤولية التدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو موقف جميع أجهزة الاستخبارات الأمريكية. وساوى نص استراتيجية الأمن القومي بين خطري الصين وروسيا، ولكن الواقع يبين أن الصين هي منافس اقتصادي كبير لأمريكا، ولكنها لم تحتل أراضي جيرانها ولم تتدخل لعرقلة الانتخابات في الدول الديمقراطية كما فعلت روسيا.
استراتيجية ترامب ترى العالم مسرحا خطيرا للغاية للنزاعات بين الدول، حيث تحقق الولايات المتحدة مكاسبها على حساب الآخرين، انطلاقا من المفهوم الضيق “أمريكا أولا”. وفي هذا التصور للعالم “فإن حماية المصالح الأمريكية يتطلب منا أن نتنافس بشكل مستمر وعلى مختلف المستويات في جميع مناطق العالم”. وخرجت استراتيجية ترامب عن الأولويات الأمريكية التقليدية، مثل تعزيز “حقوق الإنسان” وقيم ومبادئ الديمقراطية في العالم، ومكافحة الأوبئة العابرة للقارات. وكان هناك تجاهل تام لخطر التغيير البيئي الذي تعتبره وزارة الدفاع الأمريكية عادة خطرا استراتيجيا، لأن تغيير المناخ يساهم على سبيل المثال في زيادة عدد اللاجئين العابرين للحدود بسبب القحط في دولهم. وتجاهلت استراتيجية ترامب قضايا الشرق الأوسط ونزاعاته، ولم تتطرق إلى مساعي واشنطن التقليدية لتحقيق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. ولكن الاستراتيجية الجديدة وصفت إيران وكوريا الشمالية “بالدول المارقة”، وجددت انتقادات ترامب للاتفاق النووي مع إيران، كما كرر ترامب اتهام الرئيس السابق أوباما بتوقيع “اتفاق كارثي وضعيف (مع إيران) .. سمح للإرهابيين مثل تنظيم الدولة الإسلامية بالسيطرة على أراض واسعة في الشرق الأوسط”.
ووجدت الولايات المتحدة نفسها في مواجهة مع جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي، ولاحقا مع الأكثرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار يطالبها بالتراجع عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. قيام دول مثل مصر، التي تحصل على مساعدات أمريكية مالية وعسكرية سنوية تصل إلى 1.3 مليار دولار، برعاية مشروع القرار دفعت بالرئيس ترامب وادارته للتهديد بقطع أو تخفيض المساعدات الأمريكية لمثل هذه الدول، ولمنظمات الأمم المتحدة إذا واصلت تحديها لسياسات الولايات المتحدة. وقال الرئيس ترامب “لتلك الدول التي تحصل على أموالنا ثم تصوت ضدنا في مجلس الأمن، وربما في الجمعية العامة، أقول نحن سنراقب التصويت”. وتابع بإزدراء واضح “دعوهم يصوتون ضدنا، عندها سنوفر الكثير من المال. ولا يهمنا الأمر. ولكن الوضع الآن لم يعد كما كان في السابق حين كانوا يصوتون ضدنا، ثم ندفع لهم لاحقا مئات الملايين من الدولارات التي لا يعلم أحد كيف ينفقونها”.
ضرائب وتزلف
إقرار قانون الضرائب، أبرز إلى السطح عمق الاستقطابات السياسية في البلاد لأن الجمهوريين قاموا بصياغة مئات الصفحات لوحدهم ودون اشراك أو اطلاع الديمقراطيين على ما يقومون به، والأهم من ذلك أن كل هذه المداولات جرت في الظلام والغرف المغلقة دون تنظيم جلسات استماع يشارك فيها الخبراء كما هي العادة، الأمر الذي عمّق من غضب الديمقراطيين، خاصة وأن الجمهوريين، الذين يفترض أن يمثلوا الحزب المعارض تقليديا لزيادة العجز في الخزينة، لم يخفوا حقيقة أن قانون الضرائب الجديد سوف يزيد العجز المالي الفدرالي بـ 1.5 ترليون دولار خلال العقد المقبل. الجمهوريون ادعوا خلال الأشهر الماضية أن قانون الضرائب الذي يقترحونه مصمم في الأصل لتخفيض ضرائب الطبقة الوسطى، بينما كان الديمقراطيون يقولون إن الهدف الرئيسي للقانون الجديد هو تخفيض ضرائب الشركات الكبيرة وأصحاب الدخل العالي. ويبدو أن الرئيس ترامب، وخلال لحظة حماسية وافق ضمنا على انتقادات الحزب الديمقراطي لطروحات الجمهوريين خلال جلسة حكومية عندما تطرق إلى تخفيض ضرائب الشركات من 35 بالمئة إلى 21 بالمئة قائلا “هذا ربما العامل الأكبر في خطتنا” الضرائبية.
بعد موافقة مجلسي الكونغرس على مشروع القرار (الذي يصبح قانونا ملزما بعد أن يوقع عليه الرئيس) استقل المشرعون الباصات إلى البيت الأبيض للمشاركة في مهرجان احتفالي مع الرئيس ترامب لتبادل التهاني على الإنجاز الذي وصفه ترامب خطأ “أكبر تخفيض ضرائبي في تاريخ البلاد”. وبعكس الإحتفالات التقليدية التي تنظم بعد إنجازات تشريعية وتبقى ضمن الأعراف والتقاليد الجدية المعروفة، تحول هذا الاحتفال إلى طقس سياسي ممجوج تسابق فيه قادة الحزب الجمهوري على التملق العلني للرئيس ترامب والثناء عليه بشكل رخيص غير معهود في الولايات المتحدة، لأنهم يدركون، كما يدرك قادة العالم الآن، على أن مفتاح قلب ترامب هو الثناء المسرف عليه وعلى دغدغة نرجسيته المفرطة.
المفارقة الصارخة، هي أن بعض الذين تزلفوا لترامب كانوا قد انتقدوه بشدة في السابق. رئيس الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل قال “هذه سنة تمت فيها إنجازات غير اعتيادية لإدارة الرئيس ترامب”. وسارع رئيس مجلس النواب بول رايان للمزايدة على ماكونيل قائلا إن الإنجازات تمت “بفضل القيادة الرئاسية الرائعة”. من جهته أعرب نائب الرئيس مايك بينس، المعروف بتملقه المفرط لترامب، عن شكره للرئيس بسبب “ايمانه اللامحدود بالشعب الأمريكي”، وأضاف “الرئيس ترامب يصنع التاريخ منذ اليوم الأول لحكومته”. النائبة دايان بلاك رفعت من مستوى تبجيل ترامب حين قالت بنوع من التضرع “شكرا الرئيس ترامب لأنك سمحت لنا أن تكون رئيسنا”. ولو كانت هناك جائزة للمتملق الأول لكانت اعطيت للسيناتور أورين هاتش الذي قال لترامب بصوت متهدج “أنت رئيس فريد من نوعه”. ولكن هاتش قرر أن يزايد على نفسه، وأن يرفع التزلف إلى مستويات غير معهودة حين أضاف “هذا رئيس موجود في الحكم لأقل من سنة، وانظروا إلى الأشياء التي استطاع أن يحققها. وهذا يعود في أحيان كثيرة إلى صلابة إرادته.” واستمر هاتش في تمجيده لترامب الذي بدا منتشيا للمديح، قائلا إنه إذا استمرت الأوضاع على حالها فإن رئاسة ترامب لن تكون عظيمة فحسب “بل ربما أعظم رئاسة في تاريخ البلاد”.