ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
قبل ساعات من انعقاد قمة الدول الصناعية السبعة في كندا، والتي تضم حلفاء أمريكا التقليديين وجد الرئيس دونالد ترامب نفسه في حرب كلامية مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيس وزراء كندا جاستن ترودو وعلى خلاف جذري مع جميع المشاركين في القمة بشأن الرسوم التي فرضها ترامب، دون موافقة الكونغرس الأمريكي، على صناعات الألمنيوم والصلب في أوروبا وكندا (والمكسيك) الأمر الذي يهدد علاقات واشنطن مع حلفائها (السابقين؟) بشكل خطير وغير معهود. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ هذه المجموعة، يكون فيها الرئيس الأمريكي معزولا بهذا الشكل ويقف وحده ضد ست دول حليفة يوازي مجموع اقتصادياتها حجم الاقتصاد الأمريكي تقريبا. هذا السجال النابي العلني عبر شبكة تويتر هو آخر تعبير عن الضرر الذي ألحقه ترامب بالنظام العالمي الذي خلقته واشنطن مع حلفائها المنتصرين في الحرب العالمية الثانية. ومرة أخرى يثبت ترامب أنه لا يتصرف وفقا للأعراف الديبلوماسية، وينقض التقاليد السياسية التي التزم بها الرؤساء الأمريكيون من جمهوريين وديموقراطيين منذ 75 سنة، حيث يعامل الحلفاء القدامى وكأنهم خصوم، والخصوم والأعداء القدامى وكأنهم أصدقاء جدد أو أصدقاء محتملين. تزامنت إهانات ترامب للحلفاء مع ثنائه على زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، والغائه للعقوبات ضد شركة صينية عملاقة، على الرغم من معارضة الكونغرس لهذا القرار، بما في ذلك معارضة اقطاب جمهوريين سوف يحاولون منعه من تطبيق قراره. المواجهة مع الحلفاء في مجموعة الدول السبعة الصناعية، تزامنت أيضا مع مرور” 500 يوما من الانتصارات على المسرح العالمي” كما جاء في بيان صادر عن البيت الأبيض بمناسبة مرور 500 يوم على انتخاب الرئيس ترامب. وأي مراجعة سريعة لمضمون ونبرة ترامب في تغريداته ضد قادة مثل ماكرون وترودو، تبين أنه يتلذذ بمثل هذه المواجهات التي تسمح له بأن يبررها باسم الدفاع ليس فقط عن الاقتصاد الأمريكي والعمال والمزارعين، بل أيضا الدفاع عن الأمن القومي. ذريعة حماية الأمن القومي الأمريكي هي أكثر ما أغضب ماكرون وترودو.
حرب كلامية وحرب تجارية
تعتبر كندا أكبر سوق للصادرات الأمريكية التي تصل قيمتها إلى أكثر من 330 مليار دولار سنويا. وتعتبر الحدود الأمريكية-الكندية أطول حدود برية في العالم لا تحرسها وحدات عسكرية، بل فقط شرطة حدود. وكما ذّكر جاستن ترودو الأمريكيين مؤخرا، شاركت كندا في الحروب الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى حرب أفغانستان. ولهذه الأسباب تميز رد فعل رئيس الوزراء الكندي باستياء واضح.
وتخللت الاتصالات الأمريكية-الكندية في الأسابيع الأخيرة وخاصة الاتصالات الهاتفية بين ترامب وترودو، لحظات أقل ما يقال عنها أنها غريبة وحتى سريالية، عكست، مرة أخرى، ضعف الرئيس ترامب بالسياسة والتاريخ. وقبل أيام سرّب الكنديون مضمون اتصال هاتفي بين القائدين جرى في أواخر ايار-مايو اتسم بالحدة، بعد ان تساءل ترودو كيف يمكن لترامب أن يعتبر كندا مصدر خطر على الأمن القومي الأمريكي، فكان أن رد عليه ترامب قائلا ” ألستم انتم من أحرق البيت الأبيض؟”. وكان ترامب بذلك يشير إلى ما يسمى حرب 1812 بين بريطانيا والولايات المتحدة حين قامت القوات البريطانية بالاغارة على واشنطن واحتلالها وحرق البيت الأبيض في 1814. آنذاك الأراضي الكندية كانت مستعمرات بريطانية، ولم يتم تأسيس كندا كدولة مستقلة إلا بعد خمسين سنة على حرق البيت الأبيض.
عشية القمة، أصدر وزراء مالية الدول الستة الأخرى بيانا أدانوا فيه الرسوم (التعريفات) التي فرضها ترامب، ووصفها وزير التجارة البريطاني ليام فوكس بأنها “عبثية” واعتبرتها مستشارة ألمانيا انغيلا ميركل “غير شرعية” وقبلها بأيام قال رئيس وزراء كندا ترودو إنها “مهينة وغير مقبولة كليا”. وقبل ساعات من بدء أعمال القمة صباح الجمعة، لجأ الرئيس ماكرون إلى أسلوب ترامب في التعامل مع الرئيس الأمريكي حين غّرد قائلا ” قد لا يمانع الرئيس الأمريكي في أن يكون معزولا، ولكننا أيضا لا نمانع في التوقيع على اتفاق بين الدول الستة إذا دعت الضرورة” وأضاف ماكرون أن الدول الستة تمثل سوقا كبيرة وقوة دولية حقيقية. وسارع ترامب للرد عليه قائلا ” أرجو أن تقولوا لرئيس الوزراء ترودو، والرئيس ماكرون أنهما يفرضان على الولايات المتحدة تعريفات كبيرة…” ومشيرا إلى أنه لدى الاتحاد الأوروبى فائض في التجارة مع الولايات المتحدة يصل الى 151 مليار دولار. وأضاف في سخرية واضحة انه يتطلع قدما للاجتماع بهم. المفارقة هي أن ماكرون بذل جهدا كبيرا لاقامة علاقة عمل جيدة مع دونالد ترامب، ولكن حتى العلاقة “الجيدة” مع ترامب لم توفر أي مناعة لماكرون.
وقالت مصادر في البيت الابيض أن الرئيس ترامب الذي يدرك أنه سيواجه انتقادات قوية من الحلفاء في كندا، كان يميل إلى إلغاء مشاركته في القمة، والطلب من مسؤولين اخرين تمثيله في كندا، ولكن بعض أبرز مساعديه نصحوه بالمشاركة. ترامب قرر المشاركة ولكن بشكل جزئي، حيث اعلن البيت الابيض بعد ظهر الخميس ان ترامب سيشارك في اجتماعات اليوم الاول، وسوف يغادر كندا صباح السبت في طريقه إلى سنغافورة التي ستشهد أول قمة بين رئيس أمريكي وزعيم كوري شمالي.
بين إيران وكوريا الشمالية
ربط الرئيس ترامب بين قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، والمفاوضات النووية مع كوريا الشمالية. وبعد أن كرر القول إنه مستعد للخروج من القمة مع كوريا الشمالية ، ذّكر بأنه انسحب من الاتفاق “الرهيب” مع إيران، ونتيجة لذلك بدأت إيران “بالتصرف بطريقة مختلفة”. وأضاف في إشارة لافتة وأن مبهمة إلى أن إيران ” لم تعد مهتمة كما كانت في السابق في البحر المتوسط، ولا تنظر إلى سوريا كما كانت تفعل في الماضي ، أو ما يحدث في اليمن وفي أماكن اخرى”. ولم يقدم ترامب أي أدلة تؤكد ان هناك بالفعل تحول في مواقف إيران تجاه هذه النزاعات. وفي اشارة صادمة اضاف ترامب ” انها دولة مختلفة للغاية عما كانت عليه قبل 3 ثلاثة أشهر”. واضاف في اشارة الى قادة ايران ” هناك مجموعة مختلفة من القياديين ” في إيران. قادة إيران الذين وقعوا الاتفاق النووي، هم ذاتهم الذين بقوا في السلطة حين انسحب ترامب من الاتفاق، ولا يزالوا في السلطة، حين تحدث ترامب عن تحولهم الى قادة مختلفين.
وبغض النظر عن نتائج قمتي كندا وسنغافورة، فإنها تساهم كثيرا في قلب الموازين والمعايير التي كانت بموجبها الولايات المتحدة تتعامل مع خصومها كخصوم، ومع حلفائها كحلفاء، وهكذا أصبح الحلفاء القدامى في حقبة ترامب يعاملون وكأنهم عبء على الولايات المتحدة، إلا إذا نفذوا رغبات وسياسات ترامب، وليس لأن هناك روابط قيمية ومصالح استراتيجية تجمع هذه الدول والولايات المتحدة. وفي حقبة ترامب تتم معاملة الخصوم على انهم اصدقاء محتملون، ويصبح من الممكن للرئيس الأمريكي أن يدعو زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون، المسؤول عن أحد أبشع الأنظمة السياسية في العالم، إلى زيارة البيت الأبيض، كما قال الرئيس ترامب.