ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
التطورات والأحداث التي شهدتها الولايات المتحدة خلال الأيام القليلة الماضية زادت من حدة الضغوط السياسية وحتى القضائية على الرئيس ترامب، والناجمة عن تحقيقات المحقق الخاص روبرت مولر وغيرها من التطورات القانونية، بما فيها الاتهامات ضد الرئيس وعائلته بقضايا فساد.
هذه التطورات أبرزت إلى السطح وبشكل ملح للغاية إشكالية العلاقات الأمريكية-السعودية المرشحة للدخول في أزمة في مطلع السنة الجديدة بسبب ضغوط الكونغرس المتفاقمة لوقف الدعم العسكري واللوجستي لقوى التحالف الذي تقوده السعودية في حرب اليمن، وحتى لفرض عقوبات إضافية ضد السعودية، أو شخصيات سعودية، بسبب جريمة قتل جمال خاشقجي.
وجاءت وفاة الرئيس الحادي والأربعين للولايات المتحدة جورج هيربرت ووكر بوش، والثناء الواسع الذي أُسبغ عليه، بسبب انجازاته ومنها إنهاء الاحتلال العراقي للكويت وتنظيم مؤتمر مدريد للسلام، لتفرض على الأمريكيين المقارنة بين الرئيس ترامب وعهده الحالي، و”الثقافة” السياسية المبتذلة التي جلبها معه إلى واشنطن، والرئيس بوش وصدقيته وثقافة الاعتدال والانفتاح التي مثلها خلال حياته العامة الطويلة. وخلال الجنازة الرسمية التي نظمت يوم الأربعاء في الكاتدرائية الوطنية في واشنطن، والتي حضرها أربعة رؤساء أمريكيين سابقين أحياء، بدا ترامب وحيدا وكأنه لا ينتمي إلى هذا النادي الاستثنائي، وكأنه حضر الجنازة لأنه مضطرا لذلك، ولذلك بدا في حالة ضجر، ولم يبال بالمشاركة في أي صلاة، وهو غير الملم بذلك، على الرغم من ادعاءاته بأنه مؤمن وملم بالتقاليد والشعائر المسيحية.
وفاة الرئيس بوش فرضت أيضا المقارنة بين علاقاته الشخصية الوثيقة والمتشعبة مع بعض قادة دول الخليج العربية، والتي كانت مبنية على قراءة سليمة وواقعية لمصالح سياسية واقتصادية وأمنية مشتركة، والتي كانت حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي أفضل تعبير عنها، وبين علاقات الرئيس ترامب ببعض قادة ورجال الأعمال في بعض الدول الخليجية، والمبنية على اعتبارات شخصية وتجارية ومنفعية، أكثر من أي اعتبارات أخرى، وإن كان ترامب وبعض القادة الخليجيين يحاولون تغطيتها بالاعتبارات والمصالح الوطنية. ومنذ الاغتيال المروع للصحفي خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، تركيا، والرئيس ترامب يتعرض لانتقادات لاذعة وواسعة من فئة كبيرة في الطبقة السياسية الأمريكية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بسبب دفاعه الشخصي عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بخصوص مستوى الضلوع السعودي الرسمي بجريمة مقتل خاشقجي. وكان ولي العهد قد تعرض لانتقادات واتهامات مباشرة وقوية من عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في الإسبوع الماضي عقب اجتماعهم مع جينا هاسبل، مديرة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي). وكانت هاسبل قد اضطرت للمثول أمام رؤساء اللجان المعنية بقضايا الاستخبارات والأمن والسياسة الخارجية، بعد أن منعها البيت الأبيض قبل إسبوعين من مشاركة وزيري الدفاع والخارجية جيمس ماتيس ومايك بومبيو خلال إفاداتهما لأعضاء مجلس الشيوخ لمجمل العلاقات الأمريكية-السعودية في جلسة مغلقة.
وكانت جريمة قتل خاشقجي قد أبرزت إلى السطح أكثر من أي وقت مضى مشاعر الاستياء في الكونغرس من حرب اليمن التي تسببت بأسوأ أزمة انسانية في القرن الحادي والعشرين. وتركزت هذه المشاعر على الدور الأمريكي الداعم عسكريا ولوجستيا واستخباراتيا للتحالف الذي تقوده السعودية، وسبل وقف أو إنهاء هذا الدور. وفي الإسبوع الماضي، وفي خطوة إجرائية صوّت 63 عضوا في مجلس الشيوخ على مناقشة مشروع قرار خلال أيام ويقضي بوقف هذا الدعم، كخطة ضغط أولى لإنهاء القتال. وليس من الواضح ما إذا كان مشروع القرار سيحظى بأكثرية الثلثين التي تبطل مفعول الفيتو الرئاسي، ولكن مجرد تصويت أكثرية من أعضاء المجلس الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري، هو مؤشر رمزي لا يمكن تجاهله حول اتجاهات المشرعين الأمريكيين. وإضافة إلى مشروع القرار المتعلق بوقف الدعم الأمريكي لحرب اليمن، هناك مشروع قرار آخر طرحه عدد من المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين، يتهم ولي العهد السعودي “بالتواطؤ” في جريمة قتل خاشقجي. ويناقض مشروع القرار المواقف الرسمية لإدارة الرئيس ترامب والتي نفت باسم وزيري الخارجية والدفاع وجود أدلة تثبت تورط ولي العهد بجريمة قتل خاشقجي. ويتضمن مشروع القرار مطالب أخرى من بينها وقف حرب اليمن وإنهاء حصار قطر. اللافت أن مشروع القرار هذا يقف ورائه عدد من المشرعين الجمهوريين بعضهم مقرب من ترامب مثل السيناتور ليندزي غراهام.
وبرزت العلاقات المالية غير المباشرة بين السعودية وشركة دونالد ترامب بشكل محرج لترامب، حين كشفت قبل أيام صحيفة واشنطن بوست في تحقيق استقصائي لها أن إحدى شركات اللوبي واسمها Qorvis التي تعمل لصالح السعودية منذ سنوات حجزت 500 غرفة في الفندق الفخم الذي تملكه شركة ترامب في واشنطن العاصمة بعد انتخابه في خريف 2016، وذلك في محاولة غير مباشرة ولكن واضحة لدفع أكثر من 270 ألف دولار لشركة ترامب. وقامت شركة اللوبي بدعوة عدد كبير من الجنود المتقاعدين لقضاء بضعة أيام في هذا الفندق الفخم وليقوموا خلال وجودهم في واشنطن بإقناع المشرعين الأمريكيين بمعارضة مشروع قانون وافق عليه الكونغرس بأغلبية ساحقة، والمعروف باسم “قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب” والذي يسمح لعائلات ضحايا هجمات أيلول/سبتمبر الإرهابية بمقاضاة الحكومة السعودية. تحقيق الواشنطن بوست، جاء في سياق دعاوى رفعتها ولايات أمريكية تتهم الرئيس ترامب وعائلته باستغلال منصب الرئاسة لجني الأرباح الخاصة.
تزامنت هذه التطورات، مع تقدم تحقيقات المحقق مالر، بما في ذلك اعترافات محامي ترامب السابق مايكل كوهين والتي أكد فيها أن الرئيس ترامب، وخلافا لادعاءاته المتكررة بأنه لم يكن يسعى لبناء فندق في موسكو، كان في الواقع يفاوض رجال أعمال روس مقربين من الرئيس بوتين لبناء برج كبير في موسكو، وأن المفاوضات استمرت حتى بعد أن بدأ حملته الانتخابية، الأمر الذي يضع التدخل الروسي في الانتخابات لصالح المرشح ترامب في سياق جديد وخطير للرئيس ترامب. تحقيقات مولر تقترب من مرحلة مفصلية قد تؤدي إلى إحالة بعض مساعدي الرئيس ترامب وبعض المقربين منه، وربما من بينهم نجله دونالد ترامب جونيور إلى القضاء بسبب تورطهم في التدخل الروسي في الانتخابات. وسوف تتفاقم مشاكل ترامب مع مجلس النواب الديمقراطي في الشهر المقبل حين تبدأ لجان المجلس المختصة بإجراء التحقيقات بكل ما له صلة باعمال ترامب، مع ما يحمله ذلك من الكشف عن سجلاته الضرائبية، والتحقيق بكل ما له صلة بالتدخل الروسي في الانتخابات. وسوف تقوم لجان الاستخبارات والقوات المسلحة في المجلس بتنظيم جلسات استماع يمثل فيها مسؤولون مدنيون وعسكريون لمناقشة حرب اليمن وابعاد الدور الأمريكي فيها، كما ستنظم جلسات استماع للتحقيق بجريمة قتل خاشقجي، لأنه كان حاصلا على اقامة دائمة في الولايات المتحدة وينشر مقالاته في صحيفة واشنطن بوست. هذه التطورات ستعمق من الخلافات بين ترامب والمشرعين في الكونغرس من الحزبين، وسوف تضع علاقات واشنطن مع الرياض، وأيضا مع دول الخليج الأخرى تحت المجهر بشكل غير مسبوق.