ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
يزداد المشهد الانتخابي الأميركي غرابة وقسوة مع مرور كل يوم، في اليوم السادس والعشرين قبل موعد التصويت، شنّ الرئيس ترامب حملة قاسية وعشوائية، حتى بمقاييسه، ضد منافسه الديموقراطي جوزيف بايدن والرئيس السابق باراك أوباما، وطالب ترامب وزير العدل وليام بار بمحاكمة أوباما وبايدن بتهمة التجسس على حملته الانتخابية في 2016، وهي تهمة يوجهها ترامب مراراً دون أن يكون لها أساس من الصحة. وفي مؤشر حول مدى عزلة الرئيس واحباطه – بسبب اصابته بفيروس كورونا، ما أرغمه على البقاء لأكثر من أسبوع إما في المستشفى أو في البيت الأبيض بعيداً عن المهرجانات والنشاطات الانتخابية التي يحبها – وجه الرئيس انتقادات قاسية لكبار مساعديه، مثل الوزيرين وليام بار ومايك بومبيو وكريستوفر راي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)، لأنهم لم يساعدونه بما فيه الكفاية لمعاقبة بايدن وأوباما ومنافسته في 2016 هيلاري كلينتون. وحتى بعد وجوده في البيت الأبيض لحوالي 4 سنوات، لا يزال ترامب يخوض حملة ضارية ضد هيلاري كلينتون.
رفض ترامب بشدة قرار الهيئة التي تنظم المناظرات الرئاسية، اجراء المناظرة المقبلة بينه وبين بايدن الكترونياً وليس وجها لوجه، وقال خلال مقابلة طويلة مع شبكة فوكس إنه لن يشارك في مناظرة “سخيفة” من هذا النوع. ولا تزال الكثير من الاسئلة المحيطة بحالة الرئيس الصحية دون أجوبة، وذلك في اليوم الذي قال فيه شون كونلي، طبيب ترامب، أن الرئيس قادر على استئناف نشاطه الانتخابي يوم الأحد. جاءت هذه التطورات في الوقت الذي تواصل فيه استطلاعات الرأي على المستويات الوطنية والمحلية إظهار تقدم بايدن على ترامب.
وللتدليل على أن التوتر الذي يحيط بالسجال الانتخابي لم يعد مقتصراً على المواقف والتصريحات السياسية والتراشق بالوحل، كما هو معهود في كل موسم انتخابي، قامت السلطات الأمنية في ولاية ميتشغان بالتعاون والتنسيق مع الـ أف بي آي بتوجيه التهم ضد ستة أفراد ينتمون إلى ميليشيا محلية بالتخطيط لاختطاف حاكمة الولاية، الديموقراطية غريتشين ويتمور، التي فرضت قيودا قوية لمكافحة فيروس كورونا، ومحاكمتها بتهمة “الخيانة”. وشملت التهم التخطيط لاستخدام العنف ضد الشرطة المحلية، ونسف أحد الجسور للتمويه، وحتى تفجير حرب أهلية. هذه التحديات التي تواجه الحاكمة ويتمور لم تؤثر على الرئيس ترامب، الذي وصف الحاكمة الديموقراطية بأنها “ملكة سجن الناس”. سارع مسؤولون في البيت الأبيض باتهام ويتمور بتعميق الخلافات في البلاد، لأنها تجرأت على انتقاد تصريحات ترامب السابقة، التي أيد فيها افراد الميليشيات المتطرفة، ورفضه إدانة دعاة تفوق البيض. وكان ترامب في مطلع السنة قد أيد تظاهرات الميليشيات المسلحة ضد قرارات الحاكمة ويتمور لحماية المواطنين من فيروس كورونا. ورد ترامب آنذاك بسلسلة من التغريدات مناشداً أنصاره والميليشيات بـ ” تحرير ميتشغان” وغيرها من الولايات التي يحكمها ديموقراطيون.
السلوك الغريب والمضطرب للرئيس واتهاماته، التي لا اساس لها من الصحة ضد خصومه السياسيين خلال مقابلته مع شبكة فوكس، دفعت ببعض المراقبين والسياسيين للتساؤل حول أهليته للقيام بواجباته، خاصة وأنه لا يزال يتلقى منشطات الستيرويد التي تخلق لدى من يتلقاها الشعور بأنه يتمتع بمناعة قوية. وكشفت مصادر مقربة من رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي انها تسعى إلى طرح مشروع قرار في مجلس النواب حول كيفية تطبيق التعديل الخامس والعشرون للدستور، والمتعلق بعزل الرئيس من منصبه ونقل صلاحياته إلى نائب الرئيس. وسارع الرئيس ترامب للرد على “نانسي المجنونة، لأنها هي التي يجب أن تخضع للمراقبة”. ولاحقاً اتهم ترامب رئيس المجلس بيلوسي بأنها تنظم “انقلابا” ضده.
وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي يحضر فيه كل من الحزبين الجمهوري والديموقراطي بالتعاون مع عشرات الحقوقيين والمحامين للتعامل مع أي أزمة دستورية تنجم عن عدم التوصل الى انتخاب رئيس في الثالث من نوفمبر، ما يعني أن مجلس النواب سوف يضطر للتدخل لإنهاء الأزمة. كما يدرس الديموقراطيون خياراتهم في حال خسارة ترامب للانتخابات بنسبة ضئيلة، ورفضه الاعتراف بشرعيتها ونزاهتها، والاصرار على البقاء في البيت الأبيض. وفي حالة خسارة ترامب للانتخابات، فانه سيبقى رئيساً للفترة الممتدة من الرابع من نوفمبر إلى موعد تنصيب الرئيس الجديد في العشرين من يناير 2021.
وواصل الرئيس ترامب الذي لا يزال خاضعاً للعلاج من فيروس كورونا، التقليل من هذا الخطر، بل والاستخفاف به، مثل القول “إذا أُصبت بالفيروس، فإن وضعك سوف يتحسن”، وكأن الولايات المتحدة لم تخسر أكثر من 210 ألف مواطن.
هذه التطورات حدثت في يوم واحد يأخذ الانفاس، ويمكن أن تتحول مقابلة ترامب مع شبكة فوكس يوم الخميس إلى نقطة مفصلية في الانتخابات، وفي الحياة السياسية القصيرة للرئيس ترامب، لأنه لم يوفر احداً من سهامه السامة، التي ضربت العدو والصديق بعشوائية خطيرة. ما هو تقويم ترامب لعضوة مجلس الشيوخ كامالا هاريس، التي واجهت نائب الرئيس مايك بنس مساء الأربعاء في المناظرة الوحيدة بينهما، ووصفها ترامب دون تردد انها “وحش” و “شيوعية”.
الرئيس ترامب المحاصر يواصل لوم مساعديه لأنهم مترددون في استخدام وزاراتهم ومؤسساتهم كأدوات سياسية يستخدمها الرئيس ضد خصومه السياسيين. وحتى الوزير وليام بار لم يفلت من غضب ترامب، الذي قال إنه إذا لم يقم بار بمحاكمة الديموقراطيين البارزين فانه سيدخل التاريخ “في حالة حزينة”. وشكى من وزير خارجيته مايك بومبيو لأنه لا يزال متردداً بالكشف عن الرسائل الالكترونية لهيلاري كلينتون عندما كانت في الوزارة: “لست مرتاحاً منه لهذا السبب”. ورأى أن كريستوفر راي، مدير الـ أف بي آي، “مخيب للأمال”، لآنه يواصل تقويض ادعاءات تزوير الانتخابات لصالح الديموقراطيين، كما يدعي ترامب.
استطلاعات الرأي الأخيرة ترسم صورة قاتمة لاحتمالات خروج ترامب من مأزقه الانتخابي. أدائه الرديء في المناظرة الأولى، واصابته بفيروس كورونا، أضرت به في أوساط الناخبين الذين يفترض أن يقنعهم بإلقاء نظرة جديدة عليه. وأظهر استطلاع على الصعيد الوطني لشبكة سي إن إن أن بايدن متقدم على ترامب بستة عشر نقطة، بينما أظهر استطلاع لشبكة إن بي سي وصحيفة وال ستريت جورنال أن بايدن متقدم بنسبة 14٪. الصورة قاتمة أكثر في بعض الولايات المحورية، وفقا لاستطلاع لصحيفة نيويورك تايمز فان بايدن متقدم على ترامب بـ 13 نقطة في ولاية بنسلفانيا الهامة، وتسعة نقاط في ولاية أريزونا. وأظهر استطلاع لجامعة كوينيبياك أن بايدن متقدم على ترامب في ولاية فلوريدا المحورية بإحدى عشرة نقطة. هذه الأرقام تفسر حالة الوجوم التي تهيمن على البيت الأبيض وحملة ترامب، وتفسر رغبة ترامب الجامحة بخلق ما يسمى “مفاجئة أكتوبر” لقلب المعادلة الانتخابية لصالحه.
يواجه الحزب الجمهوري انحساراً ملحوظاً في التبرعات المالية، الأمر الذي أرغم حملة الرئيس ترامب على تعليق دعاياتها الانتخابية في عدد من الولايات الهامة. ويتحدث المسؤولون في الحزب وحملة ترامب عن مشاعر الاحباط والوجوم، التي تهيمن على مداولات واجتماعات القيادات الجمهورية، والتي ترى أن احتمالات خروج الرئيس ترامب من مأزقه الانتخابي تتضاءل مع اقتراب موعد التصويت.