ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
ما عادت مشاعر رئيس أقوى دولة في العالم، غضبا أو إحباطا، من أسرار الدولة التي عادة ما يحاول صاحبها اخفاءها عن الملأ. الرئيس دونالد ترامب يعبر عن مشاعره علنا، وكل يوم تقريبا، وبطزاجة نادرة، وهي في متناول الجميع، في تغريداته اليومية، التي لا تكل ولا تمل. ولنا أن نستنتج أنه غاضب ومحبط جدا هذه الأيام. غضبه من خصومه الحقيقيين والوهميين الكثر في الداخل، يدفعه عادة إلى التصعيد ضد خصومه في الخارج وتهديدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور بما في ذلك التلويح باستخدام الأسلحة النووية لتدمير دولة مثل كوريا الشمالية، والتهديد باستخدام سيف العقوبات الاقتصادية من جديد ضد إيران. ترامب غاضب لأن بعض كبار مساعديه الكبار من وزراء وعسكريين يعارضون مواقفه وسياساته المتشددة علنا، بعد أن اكتشفوا أن ترامب، عبر تغريداته، يتفاوض معهم، أو ينتقدهم علنا. وقبل أيام انتقد ترامب بحدة وسخريه محاولات وزير خارجيته ريكس تيلرسون التفاوض مع كوريا الشمالية. وقبل أيام من اتهامه المتوقع لإيران بأنها تنتهك روح الاتفاق النووي الدولي، فوجيء ترامب بأن وزير دفاعه الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس قال في جلسة علنية للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ إن مصلحة الأمن القومي الأمريكي تقضي بالحفاظ على الاتفاق، وتابع “وفي غياب أي مؤشرات عكسية، أعتقد أن الرئيس يجب أن يحافظ على الاتفاق”. وكان الوزير تيلرسون قد قال في نيويورك الشهر الماضي إن إيران “ملتزمة تقنيا” بالاتفاق، وتبعه بعد أسبوع رئيس هيئة الأركان العسكرية المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد الذي قال “إن المعلومات المتوفرة لي تبين أن إيران تطبق التزاماتها الواردة بالاتفاق النووي”. وحذّر دانفورد من أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق دون أدلة مقنعة تثبت انتهاك إيران للاتفاق سوف يضعف من قدرة الولايات المتحدة على التفاوض، وخاصة مع دولة نووية مثل كوريا الشمالية. وليس سرا أن وزيري الخارجية والدفاع والجنرال دانفورد لا يوافقون على التصريحات والتهديدات التي يطلقها الرئيس ترامب دوريا ضد كوريا الشمالية.
ترامب الغاضب
ترامب غاضب من المحقق الخاص روبرت مولر الذي يريد استجواب مسؤولين بارزين في البيت الأبيض في سياق تحقيقاته بالتدخل الروسي في الانتخابات. ترامب غاضب من وسائل الاعلام وما يسميه ” الأخبار الملفقة” ولا يفوت أي فرصة إلا ويشيطن فيها الصحفيين وصحفهم وشبكات تلفزيوناتهم و يذكرهم بالاسم ليحرض جمهوره ضدهم. غضبه دفعه قبل أيام لن يطالب لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ التحقيق في صحة بعض المقالات التي تنتقده. ترامب غاضب من وزير خارجيته ريكس تيلرسون الذي وصف الرئيس أمام مسؤولين بارزين بأنه “أحمق”، ولأنه لم ينف ذلك حين سئل عن ذلك خلال لقاء قصير مع الصحفيين. ترامب لم يتردد في تحطيم صدقية وزير خارجيته لأنه تجرأ على القول خلال زيارته للصين إن هناك “خطوط اتصال” بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وأنبه علنا في تغريدة نافرة وساخرة “لقد قلت لوزير خارجيتنا الرائع إنه يضيع وقته في التفاوض مع الرجل الصاروخي الصغير”. ولتأكيد استخفافه بوزير خارجيته تابع ترامب في تغريدة جديدة “احفظ طاقتك يا ريكس، سنقوم بما يجب علينا فعله”.
ترامب غاضب من رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الجمهوري روبرت كوركر الذي أيد وزير الخارجية وقال للصحفيين إن تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس ومدير البيت الأبيض جون كيلي “هم المسؤولون الذين ابقوا البلاد بعيدة عن الفوضى”، في إشارة واضحة إلى أنه كان يتحدث عن الفوضى الذي كان الرئيس ترامب قد تسبب بها لولا هؤلاء المسؤولين الحكماء. وكان كوركر قبل أسابيع قد شكك علنا “بالاستقرار” النفسي لترامب. ترامب غاضب من قيادات الحزب الجمهوري، وفي الأسابيع الماضية انتقدهم جميعا: رئيس مجلس النواب بول رايان، وزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، لأنهم لم يحققوا له أي إنجازات تشريعية هامة، مثل استبدال قانون أوباما للرعاية الصحية، ببرنامج جمهوري، أو العمل على إقرار قانون جديد للضرائب.
ترامب غاضب ومحبط لأن استطلاعات الرأي في الأيام والأسابيع الأخيرة تظهر استمرار انحسار شعبيته، بما في ذلك في أوساط الجمهوريين المتشددين الذين يشكلون قاعدته الانتخابية. أحد الاستطلاعات لشبكة فوكس نيوز المتعاطفة سياسيا مع ترامب، أظهر أن 56 بالمئة من الأمريكيين يتهمون رئيسهم بأنه “يمزق البلاد”، بينما رأى 33 بالمئة فقط أنه يوحد البلاد. ووصف 73 بالمئة منهم ترامب بأنه “بلطجي”، ويقول كل ما يخطر على باله. وقبل يومين، أظهر معدل لخمسة استطلاعات رأي أخيرة أن نسبة الأمريكيين الذين يوافقون على أداء الرئيس ترامب هي 38 بالمئة، بينما الذين لا يوافقون على أدائه تزيد عن 55 بالمئة.
التصعيد ضد إيران
يوم الخميس أكد مسؤولون حكوميون في تسريبات صحفية أن ترامب سوف يعلن الأسبوع المقبل أنه لن يصدق في تقريره الدوري حول إيران على التزامها بنص وروح الاتفاق النووي الدولي، على عكس ما فعله في مرتين منذ استلامه للسلطة. بعد ساعات من نشر هذه التقارير، أقترب ترامب رسميا من تأكيد مضمونها حين قال للعسكريين الأمريكيين، “لن نسمح لإيران بالحصول على الأسلحة النووية. النظام الإيراني يدعم الإرهاب ويصدّر العنف وسفك الدماء والفوضى عبر منطقة الشرق الأوسط. ولذلك يجب أن نوقف العدوان الإيراني المستمر وطموحاتهم النووية”. وأضاف في إشارة إلى قراره الأسبوع المقبل أن الإيرانيين “لم يلتزموا بروح الاتفاق”. وحول كوريا الشمالية كان موقف ترامب متشددا كالعادة، وقال إنه لن يسمح لهذه الديكتاتورية بتهديد الولايات المتحدة وحلفائها، وتابع “وسوف نقوم بما يجب علينا فعله، لمنع حدوث ذلك..”.
عدم تصديق الرئيس ترامب على التزام إيران “بروح” الاتفاق النووي، يعني أنه سيرمي هذه الجمرة الحامية إلى أيدي قادة الكونغرس من الحزبين غير المتحمسين لإعادة فتح ملفات العقوبات الاقتصادية ضد إيران، والتي ليس من المتوقع أن تحظى بتأييد حلفاء واشنطن في الاتفاق مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا. ويأمل ترامب من عدم تصديقه على الالتزام الإيراني بروح الاتفاق، إلى طمأنة قاعدته الشعبية التي تنحسر باستمرار أنه خطى خطوة هامة على طريق تمزيق الاتفاق “الكارثي” مع إيران، ولكنه ارتأى في هذه اللحظة على البقاء داخل الاتفاق بأمل تعزيزه وتضييق الخناق الاقتصادي ضد طهران…إذا كان ذلك ممكنا. ومنذ أن بدأ ترامب حملته الانتخابية ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض، وهو يهدد كوريا الشمالية مؤكدا حق الولايات المتحدة استخدام كل الوسائل المتوفرة لديها لوقف برامجها النووية والصاروخية.
ازدياد التوتر المتوقع بين الولايات المتحدة وإيران، سوف تكون له انعكاسات سلبية على الأوضاع في العراق وسوريا في الوقت الذي لم تنته فيه المواجهة العسكرية الأمريكية (والدولية) مع تنظيم الدولة الإسلامية في البلدين، وفي الوقت الذي يتنامى فيه النفوذ الروسي في سوريا، حيث يبدو التحالف الثلاثي المؤلف من نظام الأسد وروسيا وإيران في طريقه للهيمنة على سوريا أكثر من أي وقت مضى منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد طغيان نظام الأسد، وفي ظل التوتر داخل العراق بعد الاستفتاء الكردي على الاستقلال، والذي قرّب بغداد من تركيا وإيران في تحالف منفعي لقمع حلم الأكراد بالاستقلال. المواجهة الأمريكية مع إيران ستفتح مجالات جديدة لروسيا لتعزيز نفوذها في شرق المتوسط وتركيا وإيران، كما أنها ستتسبب بخلافات بين واشنطن والدول الأخرى المعنية مباشرة بالاتفاق النووي مع إيران. هذه المرة عزل إيران دوليا لن يكون بالسهولة التي تم فيها عزلها اقتصاديا وسياسيا قبل بدء المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق النووي في 2015. وبدلا من أن يركز الرئيس ترامب على عملية سياسية قد تؤدي في النهاية إلى تقويض اتفاق وقع عليه سلفه باراك أوباما، وهو المدفوع بتلك الرغبة العميقة بدحض أي إنجازات حققها أوباما، أن يبقي على الاتفاق النووي، وأن يبدأ عمليا بالتنسيق مع حلفاء واشنطن في المنطقة وفي العالم على تحدي النفوذ الإيراني السلبي في الدول العربية وتحديدا سياسات الجمهورية الإسلامية التخريبية في سوريا والعراق واليمن ولبنان، (والتي وصلت الآن إلى كردستان العراق) لأن هذه الممارسات الخطيرة هي التي تهدد هذه المجتمعات، أكثر من برنامج نووي تم تحجيمه على الأقل لعقد من الزمن.