ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
مع اقتراب يوم حسم إحدى أبشع وأغرب حملات الانتخابات الرئاسية في تاريخ الولايات المتحدة، لا يزال المشهد الانتخابي معقدا وغامضا ومن الصعب التنبؤ بنتائجه، خاصة وأن هذا السباق الطويل بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب – الأول بين امرأة لها تاريخ طويل في الحياة العامة، ورجل أعمال لا خبرة سياسية له على الاطلاق- تميز بكسره لكل الأنماط التقليدية المعهودة في الحملات الانتخابية الأمريكية السابقة. استطلاعات الرأي متضاربة وأحيانا متناقضة، ما يجعل من الصعب معرفة أي عدّاء سيبقى في المقدمة بنوع من اليقين، وإن كانت اكثريتها تبين أن المسافة تتقلص باستمرار بين المرشحين. وفي الأسابيع الماضية مني كل من ترامب وكلينتون بنكسات أثرت سلبا على حملتيهما. وتأكدت توقعات ومخاوف المحللين والمسؤولين في الحملتين، حين تعثر ترامب بسبب شريط فيديو عمره أكثر من 11 سنة بدا فيه وهو يتبجح بوقاحة حول تحرشاته الجنسية، تبع ذلك ترنح كلينتون بعد الإعلان عن استئناف تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ملف بريدها الالكتروني. لا احد يعرف بأي نوع من اليقين قبل الانتخابات إلى أي مدى سوف تتأثر اتجاهات الناخبين بأشرطة الفيديو الفضائحية لترامب، أو الرسائل الالكترونية لكلينتون المثيرة للجدل وربما أكثر من الجدل.
ومع تسارع وتيرة التطورات الانتخابية، برزت مخاوف محيطة بها لم تكن حاضرة في الدورات الانتخابية الماضية: احتمال حدوث أعمال عنف وشغب في بعض المدن، في ضوء ادعاءات واتهامات ترامب لحملة كلينتون بالتواطؤ مع المسؤولين المحليين عن الانتخابات لتزوير نتائجها وسرقتها منه، وإمكانية تعرض العملية الانتخابية برمتها، او اجزاء منها لهجمات الكترونية من جهات تابعة لدول معينة (روسيا في طليعة المشتبه بهم) أو من قبل منظمات ارهابية أو اجرامية دولية.
ولا تزال استطلاعات الرأي تؤكد بعض الحقائق المعروفة والمؤكدة حول الصفات الشخصية لكل من المرشحين، حيث تقول أكثرية الناخبين أنها لا تثق بترامب أو بكلينتون. الاستطلاعات الاخيرة اظهرت ايضا أن ترامب قد تعافى من الجراح التي مني بها في أعقاب الكشف عن شريط الفيديو الفضائحي، الأمر الذي ساعده على أحياء الحماس له في أوساط مؤيديه، وذلك في الوقت الذي انحسر فيه الحماس لكلينتون في أوساط مؤيديها بعد استئناف التحقيقات الفيدرالية ببريدها الالكتروني.
قلق ديمقراطي يقترب من الخوف
قبل أسابيع، كانت حملة كلينتون تتصرف بثقة متزايدة من أنها قادرة على اختراق بعض الولايات المحسوبة تاريخيا على الجمهوريين مثل نيفادا وجورجيا وأيوا، لضمان حصول كلينتون على حوالي 300 صوت في المجمع الانتخابي، أي أكثر بثلاثين صوتا من الأكثرية البسيطة المطلوبة للفوز، 270 صوتا. ولأن حملة كلينتون تدرك خطورة ادعاءات ترامب من أن نتائج الانتخابات قد تتعرض للتزوير، لذلك تحاول الحصول على أكثرية لن يكون من السهل التشكيك بصدقيتها. الحملة لا تزال تعتقد بأنها ستفوز بأصوات تفوق الأكثرية البسيطة، ولكنها تدرك أيضا أن النتائج ستكون متقاربة أكثر مما كانت تتوقع قبل أسابيع.
انحسار المسافة بين كلينتون وترامب في الأيام الأخيرة، والانضباط النسبي لترامب في نشاطاته الانتخابية، وابتعاده عن الشطحات الشخصية و الصبيانية التي تميزت بها خطبته الارتجالية في السابق، إضافة إلى استئناف التحقيقات بالبريد الالكتروني لكلينتون، كلها ساهمت في خلق مشاعر قلق جديدة في حملة كلينتون، من أن ترامب قد يحافظ على معظم أن لم يكن جميع الولايات التي فاز بها مت رومني مرشح الحزب الجمهوري في 2012، وأنه يمكن أن يضيف إليها ولايات هامة مثل فلوريدا وأوهايو التي خسرها رومني في 2012 بنسب ضئيلة، لكي يفوز بالبيت الأبيض.
ومع بداية الشوط الأخير في السباق جنّد الديمقراطيون قياداتهم الفعالة والشعبية وخاصة الرئيس أوباما والسيدة الأولى ميشيل أوباما. وفي نشاطات انتخابية مكثفة قام بها أوباما في الأسابيع الماضية في ولايات من بينها نورث كارولينا، لوحظ أن لهجته اتسمت بالثقة، وبدا مستمتعا بدوره في تعبئة الديمقراطيين للتصويت لكلينتون وخاصة الأمريكيين من أصل أفريقي، وعكست قناعته بأن ترامب سيخسر الانتخابات. ولكن خلال زيارته هذا الأسبوع للولاية ذاتها انحسرت الثقة واللهجة الساخرة، ليحل محلها نبرة أكثر حدة ونضحت بمشاعر الإحباط والقلق وحتى الغضب، من احتمال فوز ترامب بالرئاسة دفعته ليضرب المنبر بيده، وهو يقول لجمهوره ” هناك احتمال بخسارتنا للانتخابات إذا لم نفوز بنورث كارولينا. أكره أن أضغط عليكم قليلا، ولكن مصير الجمهورية يقع على اكتافكم” وكرر أوباما القول أن ترامب بطبعه وشخصيته وجهله غير مؤهل لأن يكون رئيسا للولايات المتحدة. وهنا انتقل أوباما إلى المضاعفات الخطيرة لبقاء سيطرة الجمهوريين على الكونغرس حين قال “بعض الجمهوريين في الكونغرس يتحدثون الآن عن احتمال محاكمة هيلاري، وهي حتى لم تنتخب بعد. الجمهوريون لا يعبأون بالأدلة وسوف يعثرون على شيء ما…” وكان أوباما في خطبه الأخيرة يركز ليس فقط على ضرورة انتخاب كلينتون للرئاسة بل إلحاق هزيمة تاريخية بالحزب الجمهوري واستعادة مجلسي الكونغرس منه، لكي تستطيع كلينتون أن تحكم بفعالية. (وحديث أوباما عن محاكمة هيلاري كلينتون في الكونغرس، ليس تكهنا نظريا، لأن بعض أعضاء مجلس النواب ورؤساء لجانه بدأوا يتحدثون علنا عن فتح تحقيقات جديدة بسلوك كلينتون وسجلها في وزارة الخارجية ودورها في جمعية كلينتون الخيرية). الصراع بين الطرفين في ولايات متأرجحة مثل نورث كارولينا (بأصواتها الخمسة عشرة في المجمع الانتخابي) يبين صعوبة التنبؤ بنتائج الانتخابات نظرا للتقارب الكبير بين المرشحين. وعلى سبيل المثال فاز أوباما بنورث كارولينا بفارق ضئيل في 2008، لكنه خسرها، أيضا بفارق ضئيل في 2012.
انتخابات وميليشيات
الخطاب السياسي المتشدد والمتعصب الذي اعتمده ترامب خلال حملته جذب إليه تنظيمات وتجمعات وميليشيات متطرفة وعنصرية، وتعتزم بعض هذه الفئات أن تنشر عناصرها مع أسلحتهم (في الولايات التي تسمح بحمل السلاح علنا) أمام مراكز الاقتراع لضمان “نزاهة” العملية الانتخابية، ومنع تزوير الانتخابات أو سرقتها من مرشحهم ترامب. وكان ترامب قد كرر هذه الادعاءات والمزاعم في الأشهر والأسابيع الماضية، وأثار خوف المسؤولين عن إدارة الانتخابات في الولايات عندما اتخذ موقفا غريبا ومقلقا حين رفض الالتزام المسبق بقبول نتائج الانتخابات، مدعيا أنه سيقبل بشرعيتها فقط إذا فاز فيها. انتشار عناصر الميليشيات والنازيين الجدد والذين يصفون أنفسهم بالقوميين البيض في مناطق تسكنها أكثرية من الأمريكيين من أصل أفريقي على سبيل المثال يمكن أن يؤدي إلى أعمال عنف قد تكون مقصودة أو غير مقصودة، وخاصة إذا كانت هناك تصرفات أو مواقف استفزازية من قبل هذه العناصر. وكان ترامب قد دعا أنصاره قبل اسابيع الى مراقبة مراكز الاقتراع في مدينة فيلادلفيا، التي تقطنها تجمعات كبيرة من الأمريكيين من أصل أفريقي، وذلك في تحريض ضمني ضد هذه الشريحة من المواطنين. ويعتزم أنصار ترامب مراقبة مراكز الاقتراع دون ترخيص، أو من خلال الادعاء بأنهم يمثلون حملة ترامب، وادعى بعض هؤلاء أنهم يعتزمون توزيع المشروبات الكحولية والمخدرات لإبقاء الأمريكيين من أصل أفريقي، والذين يصوتون بأكثريتهم للمرشحين الديمقراطيين، في بيوتهم لحرمان هيلاري كلينتون من أصوات هؤلاء الناخبين، لأن الدورات الانتخابية الأخيرة أظهرت أن الكثافة السكانية في فيلادلفيا ومحيطها (ومعظمها ديمقراطي) هي التي تقرر لمن تصوت هذه الولاية الهامة في المجمع الانتخابي.
وكانت الفئات المسلحة والميليشيات قد شاعت في البلاد خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، وخاصة في أعقاب مواجهات مسلحة بين هذه العناصر والشرطة في الأماكن الريفية في بعض الولايات الغربية والجنوبية التي تتواجد وتتدرب فيها هذه العناصر وتنشط في مناخ سياسي قديم ينتشر فيه اقتناء الأسلحة النارية ويتماشى مع المشاعر التقليدية المناوئة نظريا واحيانا عمليا للسلطات الفدرالية. المواجهات العنيفة بين السلطات الفدرالية وبعض المسلحين، وتحديدا الهجوم الذي استهدف جماعة دينية مسلحة في بلدة واكو، بولاية تكساس في 1993 وأدى إلى مقتل 76 شخصا بينهم نساء وأطفال، ساهمت في انتشار ظاهرة الميليشيات المسلحة وتعميق العداء للحكومة الفيدرالية. هذا الحادث المأساوي، ساهم في التسبب بالهجوم الإرهابي الذي قام به شخصان متعاطفان مع هذه الميليشيات ضد مبنى فيدرالي في مدينة أوكلاهوما سيتي في 1995 وأدى إلى مقتل 168 مدنيا. وكان ذلك التفجير أسوأ عمل إرهابي يحدث فوق الأراضي الأمريكية قبل هجمات 11 من سبتمبر 2001.
ولكن نشاط وأعداد هذه الميليشيات، التي تراقبها السلطات باستمرار، انحسر في السنوات التي سبقت انتخاب الرئيس أوباما في 2008. وساهمت مبالغات بعض قيادات الجمهوريين في الكونغرس وخارجه من أن أوباما يعتزم الاستيلاء على الأسلحة النارية من المواطنين (واقتناء الأسلحة الفردية هو حق يضمنه الدستور الأمريكي ولا يستطيع أي رئيس المس به دون تعديل الدستور، وهو أمر مستحيل وغير وارد اصلا). ومع بروز ظاهرة حزب الشاي، والتظاهرات المسلحة التي نظمت باسمه، عادت هذه الميليشيات إلى العمل العلني، وقامت بتحدي السلطات الفيدرالية في أكثر من ولاية، ما أدى إلى وقوع بعض أعمال العنف في بعض الولايات الغربية. وارتفع عدد هذه المجاميع من 42 في 2008 إلى 276 ميليشيا في 2015، بحسب أحد المراكز المتخصصة التي تراقبها عن قرب. وعلى الرغم من أن الكثير من تهديدات وادعاءات هذه الميليشيات لا يتسم بالجدية، إلاّ أن ذلك لا ينفي حقيقة أن بعضها تحولت إلى مواجهات دموية بين هذه الميليشيات والسلطات الفيدرالية في السنوات الماضية.
وبما أنه لم يحدث في التاريخ المعاصر أن أبدى مرشح لحزب رئيسي التعاطف الذي أبداه ترامب لمواقف هذه الفئات المتطرفة ولبعض طروحاتها، لا أحد يستطيع التكهن بردود أفعالها ضد السلطات أو الناخبين المناوئين لترامب. الثلاثاء المقبل، سوف يكون يوما مفصليا بالتأكيد، والرئيس المنتخب سوف يتحمل ارثا ثقيلا لا نعرف في هذا الوقت ما إذا كان سيبقى إرثا سياسيا، أم سيكون ايضا ملطخا بالدم. من هذا المنظور، المخاوف التي عبّر عنها البعض من أن البلاد قد تدخل يوم الثلاثاء في قلب الظلام، في حال فاز أو خسر ترامب، قد تكون في محلها.