ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
خلال الأسبوع الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة أنها لم تعد تعتبر المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة غير شرعية، في تحول نوعي وتاريخي في موقفها التقليدي من هذا الاستيطان، وجه المدعي العام الإسرائيلي إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لائحة من التهم تشمل ارتكاب الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة العامة في فضيحة فساد تهيمن على نتنياهو وعائلته وعلى إسرائيل منذ أشهر، وسارع نتنياهو إلى وصفها بأنها “محاولة انقلاب”.
خلال الأسبوع ذاته راقب الرئيس ترامب على شاشات التلفزيون باستياء كبير، شاهدا تلو الآخر من مسؤولين حكوميين سابقين مثلوا أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب التي تحضر لمحاكمته، وهم يؤكدون، وإن بدرجات متفاوتة، تورط ترامب بفرض الضغوط على أوكرانيا لإجراء تحقيقات ضد منافسه الديمقراطي جوزيف بايدن ونجله هنتر الذي كان موظفا في شركة طاقة أوكرانيا بهدف الكشف عن أدلة محرجة، لاستغلالها انتخابيا ضد بايدن، الذي كان ترامب يتوقع أن يكون مرشح الحزب الديمقراطي في 2020. وكان ترامب قد وصف جلسات التحقيق بهذه الفضيحة على أنها “محاولة انقلاب” يعدها الحزب الديمقراطي، واعداء ترامب في ما يسميه “الدولة العميقة”، وخاصة أجهزة الإستخبارات. وفي الأشهر الماضية كان ترامب يردد يوميا تقريبا أن تحقيقات مجلس النواب هي “خدعة” ترددها وسائل الاعلام التي ” تلفق” الأخبار. وخلال الفترة ذاتها، كان بنيامين نتنياهو يردد ما يقوله ترامب: التحقيقات القضائية التي سبقت الادعاء ضده، هي “خدعة” توزعها وسائل الاعلام التي تمارس “تلفيق” الأخبار. وينفي كل من ترامب ونتنياهو التهم الموجهة إليهما.
منذ وصوله إلى البيت الأبيض والرئيس ترامب يقدم الهدية السياسية تلو الأخرى لنتنياهو لضمان بقائه رئيسا للحكومة الإسرائيلية، وللاستفادة من هذه العلاقة الشخصية، ودعم إسرائيل في قضم واستيعاب المزيد من الأراضي العربية المحتلة، في معركته الانتخابية في 2020. وهذا ما يفسر قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، وكذلك الاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان السورية التي احتلتها إسرائيل في 1967، وأخيرا قرار شرعنة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة في رفض سافر لرأي قانوني لوزارة الخارجية خلال ولاية الرئيس جيمي كارتر في 1978 وينص على أن إقامة مستوطنات إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ” ليس مطابقا للقانون الدولي”. ولا تزال الأمم المتحدة تعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية. وهذا الموقف كان الرأي السائد لدى المجتمع الدولي. ولكن مع مرور الزمن، بدأ الموقف الأمريكي – وحتى الدولي- من المستوطنات يضعف، وبدأ عندها استخدام عبارة “عقبة في وجه السلام” أو المفاوضات عند الحديث عن المستوطنات. وفي أعقاب الموقف الأخير الذي أعلنه وزير الخارجية مايك بومبيو، بدت الولايات المتحدة وكأن أسوأ ما يمكن أن تقوله عن المستوطنات هو أن منظرها قبيح. التفسير الذي أعطاه بعض المراقبين المخضرمين هو أن شرعنة الولايات المتحدة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية هو لمساعدة نتنياهو على ضم كتل المستوطنات الكبيرة رسميا إلى إسرائيل، كما حدث للجولان السوري. مقابل هذه المساعدات السخية لإسرائيل، قطعت الولايات المتحدة جميع مساعداتها المالية والاقتصادية والتعليمية المباشرة وغير المباشرة للفلسطينيين لأول مرة منذ بداية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في خطوات تدريجية اعتبرت عقابية للفلسطينيين وقيادتهم.
ولكن على الرغم من جميع محاولات ترامب مساعدة نتنياهو سياسيا، إلا أنه ليس من المبالغة القول إن ” حقبة” نتنياهو الطويلة والتي اتسمت بجنوح إسرائيل إلى اليمين المتطرف والعنصرية السافرة ضد الفلسطينيين، وتكثيف عمليات الاستيطان، قد انتهت عمليا، وإن كان ضررها على الفلسطينيين – وعلى الإسرائيليين- عميقا وبعيد المدى. ولكي يفلت نتنياهو من قبضة القانون، عليه البقاء في الحكم. ولكن نتنياهو فشل في تشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان في نيسان الماضي، كما اخفق مؤخرا هو ومنافسه بيني غانتس في تشكيل حكومة بعد انتخابات ثانية في أيلول. وهذا يعني أن اسرائيل، التي تعاني من استقطابات سياسية وايديولوجية عميقة، قد تشهد ثلاثة انتخابات برلمانية خلال سنة واحدة. وهذا يعني من جملة ما يعنيه أن خطة السلام التي يعدها “فريق السلام” الأمريكي الذي يرأسه مستشار وصهر الرئيس ترامب جاريد كوشنر، وهو الفريق المعروف بتأييده الفضائحي لإسرائيل سوف تبقى في الأدراج.
جلسات الاستماع العلنية التي نظمتها لجنة الاستخبارات في مجلس النواب التي تحضر الادلة لمحاكمة الرئيس ترامب في مجلس النواب، كمقدمة للطلب من مجلس الشيوخ اصدار الحكم ضده، او تبرئته، تعني أن مشاكل ترامب القانونية سوف تبقى مسلطة كالسيف فوق رأسه في المستقبل المنظور، تماما كما ستبقى لائحة التهم الموجهة ضد نتنياهو مسلطة كالسيف فوق رأسه في المستقبل المنظور.
مبدأ ترامب: سوف نرى ماذا سيحدث
يكرر الرئيس ترامب عبارة : سوف نرى ماذا سيحدث، احيانا لاكثر من مرة في اليوم، وخاصة عندما يطلب منه تحديد موقف معين، أو مناقشة معضلة معقدة، ويلجأ ترامب لهذه العبارة للتهرب من الاجابة على الاسئلة، او للتهرب من معالجة قضايا معقدة ليس ملما بها أو معرفته بها ضئيلة للغاية، بما فيها قضايا السياسة الخارجية. ويمكن تخيل استخدام ترامب لهذه العبارة إذا كان السؤال يتعلق بالانتفاضات الشعبية في العراق ولبنان وأخيرا إيران، أو بمضاعفات الاجتياح التركي لشمال سوريا.
بعد المكالمة الهاتفية للرئيس ترامب مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، وموافقته الضمنية على الاحتلال التركي لاراض في شمال سوريا، الأمر الذي أثار عاصفة من الاحتجاجات في الولايات المتحدة، تعامل الرئيس الأمريكي مع المضاعفات الكارثية لقراره بشكل مباشر لايام معدودة بما في ذلك استقباله لأردوغان في واشنطن، ولكنه استأنف صمته وغيابه عن محاولة التأثير على الانتفاضات التي تعصف بالعراق ولبنان وإيران، والتي يمكن أن تغير وجه المنطقة ومعه بعض المسلمات والسياسات الأمريكية. بعد اندلاع الانتفاضة العراقية منذ شهرين تقريبا، التزمت واشنطن الرسمية بالصمت، كما تعاملت مع الانتفاضة اللبنانية بطريقة مماثلة. ولكن في الاسابيع والايام الاخيرة أصدرت وزارة الخارجية بيانات تأييد لحق المواطنين في الدول الثلاثة بالتظاهر السلمي ودعوتهم للاصلاح، كما حذرت من عواقب استخدام العنف ضد المدنيين من قوى الأمن أو الميليشيات الإسلامية وهددت بمعاقبة المسؤولين الذين يأمرون باستخدام العنف ضد المتظاهرين في العراق وإيران. الرئيس ترامب ترك لوزارتي الخارجية والدفاع متابعة انتفاضات العراق ولبنان وإيران، ولكنه ارتأى اعتماد الصمت، حتى في ما يتعلق بإيران، الدولة التي فرض ضدها عقوبات اقتصادية مسؤولة إلى حد كبير عن أزمتها المالية الخانقة خلال الأيام الستة الاولى من انتفاضتها. وفي اليوم السابع “غّرد” ترامب للمرة الأولى ليقول إن إيران شهدت اضطرابات ارغمت النظام “على اغلاق شبكة الانترنيت بكاملها، لمنع الشعب الإيراني العظيم من الحديث عن العنف الضخم الذي يمارس داخل البلاد” . واضاف أن المسؤولين الإيراني يرفضون أي شفافية ويعتقدون أن العالم لن يدرك مدى مدى الكوارث التي يتسبب بها النظام الإيراني.
اللافت هو أن ادارة الرئيس ترامب التي اعتمدت سياسة “الضغوط القصوى” ضد إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي واستئناف العقوبات، لم تعتمد سياسة يمكن أن تساعدها على التأثير الايجابي على الاوضاع داخل إيران في حال اندلاع أي حركة احتجاجية كان يفترض أن تتوقعها واشنطن بسبب عقوباتها. ولذلك لا يزال الموقف الأمريكي مبني على ردود الفعل والدعم المعنوي واللفظي الذي يعبر عنه في البيانات والتغريدات. غياب موقف سياسي واضح وتنسيق مع الحلفاء في اوروبا مؤسف لأن التظاهرات الإيرانية انتشرت مثل النيران في عشرات المدن والبلدات الإيرانية، وفاقت بكثافتها وقوتها التظاهرات التي جرت في السنتين الماضيتين، ما ادى الى رد فعل عنيف من السلطات التي قمعت التظاهرات وقتلت أكثر من 100 متظاهر وفقا لمنظمة العفو الدولية. ولجأت السلطات الإيرانية الى فرض تعتيم شامل على ما يجري في إيران عبر قطع شبكة الانترنت، وهو الأسلوب ذاته الذي اعتمدته السلطات العراقية.
ولا تزال الانتفاضة مستمرة في العراق على الرغم من وحشية قمعها، ما ادى الى قتل اكثر من 320 قتيل، ولكن الرقم الحقيقي اعلى بكثير لأن السلطات منعت المستشفيات والمشارح من إعطاء أي معلومات جديدة عن القتلى. عندما بدأت الانتفاضة العراقية الموجهة ضد نظام فاسد سياسيا واقتصاديا بقادته السياسيين والدينيين الذين تدعمهم طهران، لم يحسب النظام الإيراني، أن تندلع انتفاضة ثانية في لبنان، موجهة أيضا ضد نظام سياسي مهتريء وفاسد سياسيا واقتصاديا، مثله مثل النظام العراقي مبني على المحاصصة الدينية. في العراق وجهت الانتفاضة غضبها العارم ضد الشخصيات السياسية والدينية التي تمارس إيران نفوذها في العراق عبرها. في لبنان ، تركز غضب الانتفاضة على النظام السياسي-الطائفي بمجمله، ولكن كان لحزب الله، الذي يمثل قوة الردع والترهيب الإيرانية في لبنان، حصة كبيرة من هذا الغضب، وخاصة بعد أن أيد الحزب القوى التي تريد الانتفاضة محاسبتها والتخلص منها.
في الأسبوع الذي اقترب فيه ترامب من محاكمته في مجلس النواب، والذي اتهم فيه نتنياهو رسميا بالفساد والاحتيال، نشرت صحيفة نيويورك تايمز، وموقع Intercept مقالا طويلا مبنيا على مئات الوثائق الاستخباراتية الإيرانية التي حصل عليها مصدر استخباراتي عراقي اوصلها لموقع Intercept ، والتي تكشف مدى تغلغل الاستخبارات الإيرانية في اجهزة الاستخبارات العراقية وفي الجسم السياسي والديني العراقي، وخاصة الشيعي، وإيضا إلى حد أقل السنّي. الوثائق أظهرت أن شخصيات عراقية بارزة في الحكم وخارجه اما مرهونة كليا لإيران أو تدور في الفلك الإيراني، أو تلقت هبات مالية من الاجهزة الإيرانية. صحيفة نيويورك تايمز اقتبست عبارة وجيزة من التاريخ الجديد الرسمي الذي وضعه الجيش الأمريكي عن غزو العراق الذي ادى الى مقتل مئات الآلاف من العراقيين، و4500 جندي أمريكي، وكلف الولايات المتحدة ترليونين من الدولارات، لخصت مأزق أمريكا بهذه العبارة ” وحدها إيران التوسعية والتي ازدادت جرأة هي المنتصر الوحيد” في العراق. سوف نرى ماذا سيحدث.