لم تمر أكثر من 10 أيام على فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية حتى بدا المشهد السياسي حافلا بإجراءات وتطورات مقلقة، وتعيينات مثيرة للجدل والمخاوف وخاصة للمسلمين. وأظهرت استطلاعات الرأي وجود انقسامات سياسية واجتماعية عميقة بين الحزبين، حول قضايا داخلية مثل توفير فرص العمالة، ومكافحة العنصرية وبناء البنية التحتية، وخارجية مثل مكافحة الإرهاب ومعالجة تحديات الهجرة غير الشرعية. وعكست نتائج الانتخابات الهوة الفسيحة بين ناخبي المدن وناخبي الريف والبلدات الصغيرة، وكأنهم يعيشون في كوكبين متوازيين. ومازالت المظاهرات المضادة للرئيس المنتخب مستمرة في عشرات المدن، حيث يندد المتظاهرون بمواقفه النابية والمتشددة تجاه الأقليات، وهي تظاهرات شكك ترامب بشرعيتها حين وصف المتظاهرين “بالمحترفين” الذين تحرضهم وسائل الإعلام.
وجاء انتخاب دونالد ترامب على خلفية ارتفاع ملحوظ ومقلق في أعمال العنف والحقد خلال حملة انتخابية اتسمت بالشراسة، خاصة وأن تصريحاته العدائية ضد الأقليات وتحديدا الأمريكيين من أصل لاتيني، والمسلمين والنساء والمهاجرين قد أعطت غطاء من الشرعية لمثل هذه المواقف والمشاعر المشينة. وأظهرت إحصائيات لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) أن الاعتداءات ضد المسلمين قد ازدادت بنسبة 67 بالمئة في 2015، وهناك تخوف من ازديادها بشكل كبير في 2016. ومنذ انتخاب ترامب تم تسجيل أكثر من 400 حادث تحرش أو اعتداء مرتبط بالانتخابات ضد الأقليات. وحتى الآن لم يقم الرئيس المنتخب بإصدار إدانة واسعة وعلنية لهذه الظاهرة الخطيرة، ولم يسع لطمأنة الشرائح الاجتماعية التي تشعر أنها مستهدفة من الجماعات العنصرية والمتطرفة التي شجعها انتخاب ترامب على التمادي في غلوها وعنصريتها وترجمة مشاعرها إلى أعمال تحرش واعتداء، طالت مسلمين أمريكيين لاتينيين وأمريكيين من أصل أفريقي والمثليين .
وقبل أيام قال كريس كوباك وهو مستشار شؤون الهجرة للفريق الانتقالي للرئيس المنتخب، أن الفريق يدرس إمكانية صياغة اقتراح يقدم للرئيس المنتخب ويقضي بإنشاء سجل خاص يشمل المعلومات الشخصية لكل مهاجر من الدول المسلمة. لاحقا، قال مسؤول في الفريق الانتقالي أن كوباك ليس عضوا في الفريق، وأن الرئيس المنتخب لم يدعو خلال حملته لإنشاء مثل هذا السجل. ولكن الواقع هو أن ترامب كان قد قال في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 أنه يدعو لإنشاء مثل هذا السجل “بالمطلق”.
العائلة الحاكمة
خلال حملته اعتمد دونالد ترامب على نجليه دونالد جونيور، وأريك، وابنته ايفانكا وصهره جاريد كوشنر بصفتهم أقرب وأهم مستشاريه. ومنذ انتخابه يتصرف ترامب وكأن الأمريكيين قد انتخبوا عائلة ترامب بكاملها. وعين ترامب أفراد عائلته كأعضاء في الفريق الانتقالي، وبحث الفريق الانتقالي إمكانية إعطاء أولاد الرئيس المنتخب تصاريح أمنية خاصة تسمح لهم بالاطلاع على معلومات أمنية في غاية السرية. وللرئيس المنتخب علاقة وثيقة وقوية مع صهره جاريد، الذي لعب دورا رئيسيا خلال الحملة. وبما أن القانون يمنع الرئيس من تعيين أفراد من عائلته في أي منصب رسمي، وبما أن ترامب يريد الاعتماد على صهره بما في ذلك أن يكون إلى جانبه خلال تلقيه للإيجازات الاستخباراتية اليومية، هناك احتمال بأن يقوم الصهر بدور المستشار غير الرسمي لترامب، دون الحصول على راتب. ولا يبالي الرئيس المنتخب بالأعراف والتقاليد المتعلقة بدور أفراد عائلة الرئيس الذين يفترض أن يبقوا في الخلفية، باستثناء السيدة الأولى. وخلال أول اجتماع أجراه ترامب مع زعيم أجنبي، هو رئيس وزراء اليابان شينزو آبي، سمح الرئيس المنتخب لابنته إيفانكا بحضور الاجتماع، على الرغم من أنها لا تحتل أي منصب رسمي. واجتماع ترامب-آبي كان محور اهتمام كبير نظرا لمكانة اليابان كأبرز حليف لأمريكا في شرق آسيا منذ الحرب العالمية الثانية، ونظرا لمواقف ترامب المشككة من اليابان (وكوريا الجنوبية) لأنهما برأيه لا يدفعان ما فيه الكفاية من المال مقابل استفادتهما من مظلة الحماية الأمريكية.
وهناك أسئلة عديدة حول تردد الرئيس المنتخب بوضع ثروته في حساب ائتماني خاص Blind Trust كما فعل أسلافه بحيث لا يكون خلال ولايته ملما بوضعه المالي من أجل تفادي بروز حالات تضارب في المصالح. وحتى الآن يقول ترامب أنه سينقل إدارة شركاته ومصالحه التجارية لأولاده، ولكن ذلك لا يعني امتناع أولاده عن اطلاعه على الأوضاع المالية لشركاته وممتلكاته.
تعيينات مقلقة ومخيفة
أعلن الرئيس المنتخب عن تعيينات أولية بعضها قوبل باستهجان قوي، وذلك على خلفية تسريبات صحفية حول خلافات داخل الفريق الذي يشرف على انتقال السلطة، ومع بروز أسماء مرشحين عديدين لمناصب رفيعة وحساسة في مجال الأمن القومي والسياسة الخارجية معظمهم مثير للجدل ولبعضهم سجلات ومواقف مشينة وبينهم عدد من المتشددين ومن خصوم ما يسمى بالمؤسسة التقليدية الجمهورية في واشنطن، وآخرون يمثلون هذه المؤسسة ويتمتعون بالخبرة السياسية والبيروقراطية الضرورية. قرار ترامب بتعيين راينس بريبوس رئيس الحزب الجمهوري والذي تربطه علاقة قوية برئيس مجلس النواب الجمهوري بول رايان وغيره من القيادات الجمهورية في الكونغرس قوبل بارتياح من الكونغرس لأن بريبوس هو جزء من المؤسسة الجمهورية التقليدية في واشنطن. واعتبر هذا التعيين بمثابة ترضية من ترامب لقادة الحزب في واشنطن، بمن فيهم الذين أبعدوا أنفسهم عن ترامب أو انتقدوه خلال سباقه الطويل إلى البيت الأبيض مثل بول رايان. ولكن تعيين ترامب لستيفن بانون مدير حملته الانتخابية كمستشار خاص له وكمخطط استراتيجي آثار تسونامي من الاحتجاجات والاستهجان من المعلقين، والديمقراطيين وحتى الجمهوريين. وكان بانون قبل الالتحاق بالحملة رئيس تحرير موقع بريتبارت الالكتروني اليمني، حيث ينشر فيه المدونون المتشددون ومن أصحاب نظريات المؤامرة مقالات تنضح بالعنصرية والتعصب والعداء للمسلمين واليهود والنساء والمهاجرين. التعيينات لوظائف البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي لا تخضع لتصديق من مجلس الشيوخ، كما هو الحال بالنسبة للمناصب الوزارية والوكالات الأمنية والاستخبارية الرئيسية، ولذلك لن تترجم الاحتجاجات إلى تصويت سلبي في الكونغرس.
وفي الأيام القليلة الماضية تم تداول أسماء عدد من المرشحين لملء المناصب الرفيعة مثل وزارتي الخارجية والدفاع والمالية ومنصب مستشار الأمن القومي، وهي المناصب التي يقوم الرئيس المنتخب عادة بملئها بأسرع وقت ممكن بعد انتخابه وقبل ادلائه قسم اليمين، لكي يرسل إشارات طمأنة للحلفاء. ومن بين هذه الأسماء المرشحة لوزارة الخارجية: رودي جولياني رئيس بلدية نيويورك السابق، المعروف بتشدد مواقفه وتصريحاته، وجون بولتون ممثل واشنطن السابق في الأمم المتحدة وهو من أبرز “المحافظين الجدد” والذي دعا قبل سنتين لقصف المنشآت النووية الإيرانية. ولكن فرص هذين المرشحين انحسرت مؤخرا لأن جولياني قام بتقديم خدمات المشورة إلى حكومات ومصالح أجنبية لقاء مبالغ مالية كبيرة من بينها قطر وفنزويلا ومن تنظيم “مجاهدي خلق” الإيراني المعارض للجمهورية الإسلامية والذي صنفته واشنطن في السابق كتنظيم إرهابي. أما بولتون، فيُعتقد أن مواقفه المتشددة التي تختلف عن مواقف ترامب أنهت فرصه بالحصول على هذا المنصب الهام. وفي اليومين الماضيين برز اسم حاكمة ولاية ساوث كارولينا نيكي هايلي المتحدرة لأبوين هاجرا من الهند، وصاحبة الشعبية العالية في أوساط الجمهوريين لمنصب وزيرة الخارجية على الرغم من أنها تفتقر إلى الخبرة الدبلوماسية. أما الاسم الذي أثار الكثير من الاستغراب فهو مت رومني مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة في 2012، والذي وجه ربما أقوى وأقسى الانتقادات لترامب خلال الحملة الانتخابية مثل وصفه لترامب بأنه مزور وفارغ ومهرج. من جهته كان ترامب لا يتعب من ترديد احتقاره لرومني والقول بأنه خاسر. وسوف يلتقي هذان الخصمان خلال الأيام المقبلة. ويعتقد أن ترامب بعد انتخابه قد أدرك أنه لا يستطيع تجاهل “المؤسسة التقليدية” للحزب الجمهوري وأنه يحتاجها لحكم البلاد.
الجنرال الذي سيهمس في أذن ترامب
وقبل نهاية الاسبوع أكدت التقارير الصحفية، ما كان يتخوف منه الكثيرون، أي تعيين ترامب للجنرال المتقاعد مايكل فلين المدير السابق لوكالة استخبارات وزارة الدفاع، كمستشار لشؤون الأمن القومي، وهو من أهم وأبرز المناصب في الإدارة، لأن وظيفته تقضي بتقديم الخيارات الأمنية للرئيس بعد استشارة وزيري الدفاع والخارجية وقادة أجهزة الاستخبارات. وكان فلين قد أقيل من منصبه بسبب خلافات بينه وبين مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر. وأثار التحاق فلين (كان ينتمي إلى الحزب الديمقراطي) بحملة ترامب دهشة زملائه العسكريين المتقاعدين، خصوصا أن مواقفه بعد تقاعده تميزت بالدعوة العلنية إلى محاربة “التطرف الإسلامي”، وشملت انتقادات حادة للرئيس أوباما.
وبدا فلين أكثر غرابة عندما بدأ بالتعاون مع التلفزيون الروسي RT الذي دعاه إلى موسكو لإجراء عدد من المقابلات، أثنى فيها على روسيا، ودعا إلى تحسين العلاقات الثنائية الأمريكية-الروسية، وقال أنه نصح الرئيس أوباما من خطأ الإطاحة بالرئيس الأسد لأن الإسلاميين المتشددين سيخلفونه، وفعل ذلك مقابل مكافآت مالية. وحين سؤاله عن أسباب قبوله لمكافآت مالية من تلفزيون تابع للحكومة الروسية، قال فلين إن لا فارق بين التلفزيون الروسي وشبكة سي أن أن الأمريكية، ما أثار مزيدا من الدهشة.
ولكن الخطورة التي يمثلها الجنرال فلين، هي في عدائه الصارخ والعميق للإسلام كدين، وليس فقط للحركات والتنظيمات الإسلامية المتطرفة والإرهابية. وقال فلين في خطاب ألقاه في قبل الانتخابات أن “الإسلام هو سرطان” واعتبره “ايديولوجية سياسية، تختبيء بالتأكيد وراء ادعائها بأنها دين”. ونشر فلين تغريدة تشمل رابطا لشريط فيديو يقول إن جميع الإرهابيين في العالم هم من المسلمين جاء فيها أن ” الخوف من المسلمين عقلاني: أرجو إرسال هذا الرابط لشريط الفيديو لكي يطلع الناس على حقائق الإسلام”.
ويبدو أن فلين لا يكترث كثيرا عن مصدر المال المكتسب. ومؤخرا وقّع فلين عقدا مع مؤسسة تعمل لصالح الحكومة التركية، ثم شن هجوما على عدو تركيا في الولايات المتحدة: المعارض التركي فتح الله غولن. وجاء في مقال نشره فلين أن الشبكة الدولية الواسعة التي يملكها غولن “تملك الخصائص التي تجعلها تنسجم مع الوصف القائل بأنها شبكة إرهابية سرية وخطيرة”.
هذا هو المستشار الذي سيحتل المنصب الذي سبقته اليه شخصيات جدية وبعضها تاريخي مثل زبيغنف بريجينسكي الديمقراطي، وبرنت سكوكروفت الجمهوري. هذا هو فلين، الرجل الذي سيهمس في أذن الرئيس الجديد النصائح والحلول لأزمات العالم المتعددة…أهلا بكم إلى حقبة الرئيس ترامب…