بعد مرور خمسة أشهر على وجوده في البيت الأبيض، يمكن وصف سياسة الرئيس ترامب الخارجية بعنوانها العريض “أمريكا أولا”، بأنها مزيج من المواقف الانعزالية، والانقلابية ( تهدف إلى تقويض المواقف التقليدية) والمواقف الاعتباطية والتجريبية، إضافة إلى استمرارية في بعض السياسات المعهودة.
بعد مرور خمسة أشهر على وجوده في البيت الأبيض، يمكن وصف سياسة الرئيس ترامب الخارجية بعنوانها العريض “أمريكا أولا”، بأنها مزيج من المواقف الانعزالية، والانقلابية ( تهدف إلى تقويض المواقف التقليدية) والمواقف الاعتباطية والتجريبية، إضافة إلى استمرارية في بعض السياسات المعهودة. وإذا لم يكن مضمون بعض هذه السياسات مصدرا كافيا لإغضاب أو إحباط الحلفاء والأصدقاء أو إرباك الخصوم، فإن النبرة الفظة وحتى العدائية التي يتم فيها التعبير عن هذه السياسات، وخاصة عبر تصريحات وتغريدات الرئيس ترامب، ترغم الحلفاء والخصوم على التأقلم مع سلوك متقلب، عصي على الفهم، أو حتى غير عقلاني أو مع ما لا يمكن التنبؤ به. وتعاني سياسة ترامب الخارجية من مشاكل أخرى، أبرزها انعدام خبرة الرئيس ترامب بالسياسة الخارجية وتعقيدات الأزمات الدولية، وإصراره على أن يحتكر البيت الأبيض رسم وشرح السياسة الخارجية، بعد تخفيض ميزانية وزارة الخارجية بحوالي 30 بالمئة، وضعف بيروقراطية هذه الوزارة التي لا تزال المراكز البارزة فيها (وكيل الوزارة للشؤون السياسية ونائب الوزير ومساعديه) شاغرة. وللتدليل على فداحة الفراغ الدبلوماسي، عّين الرئيس ترامب 15 سفيرا جديدا لملء أكثر من 190 منصبا في العالم تصبح متوفرة للرئيس الجديد، وحتى الآن صادق مجلس الشيوخ على ستة منهم فقط، ناهيك عن تعيين وزير خارجية يفتقر إلى الخبرة الدبلوماسية والسياسية. خلفية ريكس تيلرسون العملية كرئيس سابق لشركة طاقة عالمية عملاقة، سمحت له بإقامة علاقات مفيدة مع قادة دول مصدرة للنفط والغاز في روسيا ومنطقة الخليج، ولكنها ليست بديلا كافيا عن الخبرة السياسية والدبلوماسية. ولذلك لم يكن مستغربا في أعقاب انفجار الأزمة بين السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى أن تبرز “اجتهادات” وتفسيرات ومواقف متباينة بين ترامب ووزير خارجيته تيلرسون، ساهمت في إرباك الأطراف المتنازعة، وكلها تعتبرها واشنطن ضمن صنف الحلفاء التقليديين.
يمكن رؤية المواقف والسياسات الانعزالية بانسحاب حكومة ترامب من اتفاقية الشراكة التجارية لدول المحيط الهادئ واتفاقية باريس للبيئة، والموقف السلبي والنابي ضد تقاليد الولايات المتحدة في استيعاب اللاجئين وخاصة من مناطق النزاعات، أو توفير الفرص للمهاجرين. أما السياسات الانقلابية فهي واضحة في تشكيك ترامب في جدوى الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وميله إلى تحسين العلاقات مع روسيا وعدم اعتبارها خصما عنيدا، حتى بعد تأكيد جميع أجهزة الإستخبارات الأمريكية تورط روسيا، و بأوامر من أعلى المستويات، في التدخل في الانتخابات الرئاسية. ومقابل فتور علاقات ترامب مع الحلفاء التقليديين والديمقراطيين مثل ألمانيا وكندا، يبرز إعجابه وحماسه وارتياحه لدعم الزعماء الأوتوقراطيين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، اضافة الى زعماء شرق أوسطيين مثل الرئيسين التركي والمصري رجب طيب أردوغان وعبد الفتاح السيسي. ويتماشى مع هذا الموقف الوفاقي تجاه الأنظمة المتسلطة، إبعاد قيم حقوق الإنسان من السياسة الخارجية، وهذا ما قاله وزير الخارجية تيلرسون لموظفي وزارته في شهر أيار/مايو الماضي حين ذّكرهم أن وظيفتهم الأساسية هي صيانة المصالح الأمريكية وعدم السماح لقيم حقوق الإنسان بأن تتحول إلى “عقبة” في وجه المصالح القومية. صحيح، أن الولايات المتحدة مثلها مثل جميع الدول تعتمد سياسات خارجية لخدمة مصالحها القومية، ولكن واشنطن كانت دائما تدعو لاحترام حقوق الإنسان في العالم، حتى في الدول الأوتوقراطية والمتسلطة التي كانت تتعاون معها في السابق ضد الاتحاد السوفياتي أو اليوم ضد الإرهاب. جميع الرؤساء الأمريكيون من جمهوريين وديمقراطيين، وخاصة منذ الحرب العالمية الثانية، تصرفوا في سياساتهم الخارجية، ضمنا أو مباشرة، انطلاقا من مبدأ أن الولايات المتحدة هي قوة ايجابية في العالم، أو الدولة الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها في العالم. الرئيس دونالد ترامب، هو أول رئيس لا يبالي بهذا المبدأ.
أما استمرارية المواقف فهي تنعكس في عدم تنفيذ ترامب لتعهداته خلال الحملة الانتخابية بالخروج من الاتفاقية النووية (الدولية) مع إيران، واعتماد سياسة سلفيه، الجمهوري جورج بوش والديمقراطي باراك أوباما، في التصدي السياسي لكوريا الشمالية عبر التعاون مع الصين من جهة والحلفاء، وتحديدا اليابان وكوريا الجنوبية من جهة أخرى. ويمكن في هذا السياق أيضا وضع سياسات وعلاقات واشنطن الوثيقة مع حلفائها في الشرق الأوسط، والتي تشمل دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر وإسرائيل.
تحديات الداخل وتدخلات الخارج
حتى الآن لم يواجه الرئيس ترامب أزمة خارجية خطيرة تتطلب اهتمامه الكامل واهتمام الأجهزة المعنية مباشرة بالسياسة الخارجية والأمنية، وتفرض عليه خيارات صعبة تمتحن قدراته الذهنية والسياسية على معالجتها بحكمة وفعالية. ولكن بروز مثل هذه الأزمة هو فقط مسألة وقت. ويمكن أن تبرز هذه الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، أو في منطقة الخليج، (مواجهة بين البحرية الأمريكية وقوات إيرانية) أو في هجوم إرهابي كبير ضد أهداف أمريكية في الخارج. وبما أن ترامب يواجه تحديات سياسية داخلية منعته حتى الآن من إقرار أي إنجازات تشريعية هامة، ونظرا للتحقيقات العديدة التي تجريها لجان الكونغرس، والمحقق الخاص روبرت مولر بالتدخل الروسي في انتخابات الرئاسة والتي تشمل الرئيس ذاته الآن، ومع استمرار انحسار شعبية الرئيس التي وصلت وفق آخر استطلاع لشبكة التلفزيون سي بي أس إلى 36 بالمئة، برزت مخاوف من أن يلجأ ترامب إلى تصعيد خارجي لإبعاد الأنظار عن مشاكله الداخلية.
ويشير المراقبون إلى أنه خلال فضيحة ووترغيت (1973-1974) والتحقيقات التي أجريت فيها، اتخذ الرئيس ريتشارد نيكسون قرارات خارجية هامة من بينها إعطاء الضوء الأخضر للانقلاب العسكري ضد حكم الرئيس سلفادور اليندي في تشيلي، وإقامة الجسر الجوي العسكري لدعم إسرائيل خلال حرب تشرين 1973، وربما كانت جولته في الشرق الأوسط في 1974 قبل أشهر من استقالته ربما أكثر قراراته الخارجية المصممة خصيصا لتحويل الأنظار عن مشاكله الداخلية. ويرى بعض الخبراء في الشؤون السورية، أن تسارع التطورات العسكرية، بما في ذلك المواجهات العسكرية بين القوات الأمريكية وتلك المتحالفة معها، وقوات النظام السوري والقوات المتحالفة معه، واقتراب معركة تحرير الرقة من تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) كلها قد تؤدي إلى تصعيد عسكري نوعي يمكن أن يغير جذريا من طبيعة الدور الأمريكي في سوريا، وطبيعة النزاع السوري.
امتحان التوتر في الخليج
فور اندلاع الأزمة بين قطر والتحالف الرباعي المناهض لها، اتخذ الرئيس ترامب موقفا نقديا قويا وعلنيا من قطر، تحديدا التهم الموجهة إليها من الدول الأربعة بشأن وقف تمويل الإرهاب “من أعلى المستويات” ودعم الحركات الإسلامية المتشددة، وطالب ترامب في أكثر من مناسبة علنية قيادة قطر وقف هذا التمويل الذي اعتبره من بين أهم أولوياته في مكافحة الإرهاب. ولوحظ غياب الحديث عن الحلول الدبلوماسية أو اقتراح وساطة أمريكية عن تصريحات أو تغريدات ترامب. في المقابل، دعا وزير الخارجية تيلرسون إلى تخفيف الإجراءات العقابية التي اتخذتها السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين، مشددا على ضرورة إجراء مفاوضات لحل النزاع، مع أنه كرر دعوة قطر لوقف تمويل الإرهاب.
ومساء الاثنين الماضي قام وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، خلال لقائه بنظيره الأمريكي تيلرسون بتقديم مذكرة “المتطلبات الجماعية من قطر” والتي تشمل 13 مطلبا أو شرطا لحل الأزمة (اقرأ ادناه النسخة المسربة لمطالب الدول الأربعة المقاطعة لدولة قطر)، وهي تتراوح بين تخفيض مستوى العلاقات مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التي تبنيها تركيا في قطر، وقطع قطر لعلاقاتها مع “كافة التنظيمات الإرهابية والطائفية والايديولوجية وعلى رأسها الإخوان المسلمين، وداعش، والقاعدة وفتح الشام، وحزب الله”، وأيضا “إغلاق قنوات الجزيرة والقنوات التابعة لها”، والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأربعة وغيرها من المطالب.
ويوم الثلاثاء خرجت وزارة الخارجية بموقف نقدي أعربت فيه عن دهشتها وارتباكها لموقف الدول الأربعة التي قاطعت قطر، وقالت الناطقة باسم الخارجية في أكثر موقف سلبي حتى الآن من مطالب الدول الأربعة “في هذا الوقت، نجد أن لدينا سؤال واحد وبسيط: هل الاجراءات المتخذة تعكس قلق الدول بشأن ما يسمى بدعم قطر للإرهاب، أم أن الموقف نابع من الخلافات القديمة بين دول مجلس التعاون الخليجي”. وأضافت الناطقة أن الخارجية تتساءل لماذا لم تقم الدول الأربعة بتقديم الأدلة والتفاصيل لدعم اتهاماتها للدوحة. وتابعت الناطقة “لقد قلنا للأطراف المعنية: دعونا ننهي هذه القضية.” وكررت الخارجية دعوتها لحوار بناء لإنهاء الأزمة. ويوم الأربعاء أصدر تيلرسون بيانا موجزا أشار فيه إلى قائمة مطالب الدول الأربعة التي أعرب عن أمله بأن تكون إيجابية وقابلة للتطبيق. وكرر تيلرسون دعمه لجهود الوساطة التي تقوم بها الكويت.
وقالت لنا مصادر معنية بهذه الاتصالات أن تيلرسون سوف يدعم الجهود الكويتية بقوة “ولكن من الوراء”، لأن الدول المتنازعة تفضل “وجها عربيا” للوساطة بدلا من دور أمريكي مباشر يسعى لحل خلاف عربي-عربي. ولم تتوقع المصادر هذه قيام تيلرسون بأي جولة قريبة في الخليج لدعم الجهود الكويتية.
النسخة المسربة لقائمة مطالب الدول الأربعة المقاطعة لدولة قطر والتي قامت الكويت بتسليمها للدوحة مؤخراالازمة بين قطر والدول الأربعة، مرشحة للاستمرار لوقت طويل، إذا لم تنجح جهود الوساطة وبسرعة، لأنها نتيجة تراكمات تعود لسنوات عديدة وخاصة بين قطر من جهة ودولة الإمارات والسعودية من جهة أخرى. وللازمة أكثر من سبب سياسي وإيديولوجي، وهي تعكس من جملة ما تعكسه تصورات متناقضة أو رؤى مختلفة للدور الإقليمي وحتى الدولي لكل من قطر ودولة الامارات بالتحديد. وترى قطر أن مستقبلها ونفوذها مرتبطان بمنظومة التنظيمات الإسلامية – بمن فيها التنظيمات المتشددة – في المنطقة، من حماس، إلى الإخوان المسلمين، إلى فتح الشام، ومن ورائها تركيا، كركيزة سنية أساسية في المنطقة، وحتى إيران القريبة جغرافيا من قطر والتي تربطها بها علاقات اقتصادية (يتشاركان في أكبر حقل للغاز في العالم) حيث تسعى قطر لموازنة السعودية بعلاقات جيدة مع إيران وتركيا. في المقابل لدولة الإمارات العربية المتحدة رؤية مختلفة كليا لرؤية قطر، حيث ترى أبوظبي أن مستقبلها يتطلب إقامة سلسلة من التحالفات السياسية والعسكرية – بما فيها نشر قواتها في بعض المناطق الاستراتيجية الحساسة لحماية مصالحها وصادراتها، والتصدي للتنظيمات الإسلامية التي تشكل قوى معارضة سلبية على صعيد المنطقة بأكملها، والقوى الإقليمية التي تدعمها وفي طليعتها تركيا. كما تلتقي دولة الإمارات مع السعودية، على رفض العيش ” في ظل إيران” في الخليج، أو تجاهل الدور الإيراني السلبي وتدخلها السافر في الشؤون الداخلية للعراق وسوريا ولبنان، حيث تسعى عمليا مع حلفائها المحليين على تحديد مستقبل هذه الدول، إضافة إلى دورها السلبي في حرب اليمن.
أزمة الخليج، ليست الأزمة الخطيرة التي يمكن أن تزج الولايات الولايات المتحدة في نزاع خارجي كبير، ولكنها مع ذلك تمثل امتحانا لقدرة وفعالية إدارة الرئيس ترامب في التعامل مع أزمة بين عدد من حلفائها. وحتى الآن يمكن اعتبار التباين المتزايد بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، عاملا سلبيا لن يعجل بالضرورة في حسم النزاع في أي وقت قريب. وإذا لم تتقدم واشنطن قريبا، بتصور أوضح وأشمل لما تراه الحل الأفضل الذي يعالج بعض أبرز جذور المشكلة بين الطرفين، ويجعلها ربما الطرف الضامن لأي اتفاق جديد، فإن الأزمة الخليجية مرشحة للاستمرار لوقت طويل، وسوف يغذيها ايضا استمرار غموض وتناقضات الموقف الأمريكي.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.