ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
الأمريكيون الذين اعتقدوا أو أكدوا أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب سوف يغير من سلوكه وتصرفاته بعد انتخابه، وأنه سيعتمد حلولا قانونية لمعالجة مسألة “تضارب المصالح” بين ترامب رجل الأعمال الذي يملك عقارات وأسهم وشركات في أمريكا والعالم، وترامب الرئيس الأمريكي، يجب أن يدركوا بعد شهر من انتخابه، أن ترامب المرشح، هو نفسه ترامب الرئيس. الرئيس المنتخب الذي قاد حملة غير تقليدية أوصلته إلى البيت الأبيض، أصبح أكثر قناعة بأن متابعة أسلوبه القيادي غير التقليدي سوف يجلب له النجاح عندما يدخل البيت الأبيض في العشرين من الشهر المقبل. وهو أوضح في أكثر من مناسبة أنه لن يتوقف عن التغريد لأنه يريد ارضاء قاعدته الواسعة –حوالي 17 مليون متابع لحسابه على التويتر- واطلاعها على نشاطاته ومواقفه، وتوظيف التغريد ضد منتقديه بغض النظر عما إذا كانوا معلقين أو صحفيين، أو مدراء لشركات ضخمة، أو نقابيين، وتعبئة القاعدة ضدهم لاسكاتهم.
الأمر النافر في سلوك ترامب وافراد عائلته، هو أنهم لا يحاولون حتى إخفاء مظاهر “تضارب المصالح” في نشاطاتهم، كما تبين من مشاركة ايفانكا ترامب ابنة الرئيس المنتخب في الإجتماع الذي عقده فور انتخابه مع رئيس وزراء اليابان شينزو آبي، حيث لايفانكا مصالح مالية في اليابان. اللافت أيضا هو أن فوز ترامب بالانتخابات قد أنهى التحفظات والتساؤلات التي كانت تصدر بين وقت وآخر عن أعضاء جمهوريين في الكونغرس حول سلوك وتصرفات ترامب، وقول بعضهم قبل الانتخابات أنه على ترامب ان يحترم التقاليد ويعمل بالأعراف والمقاييس المعمول بها تاريخيا مثل وضع أملاكه واسهمه وأمواله في صندوق مالي تحت عهدة خبراء ماليين يشرفون على استثماراته، بغرض ابقائه في الظلام بشأن ثروته وممتلكاته طالما بقي في البيت الأبيض. ما هو واضح حتى الآن هو أن ترامب سوف يتنازل عن الاشراف المباشر على استثماراته لأولاده، ولكن هذا يختلف كليا عن وضع استثماراته في صناديق مالية مفتوحة لأبنائه. الجمهوريون في الكونغرس أما يبررون تصرفات ترامب أو يواجهونها بالصمت. ونظرا لأن الحزب الجمهوري يسيطر على مجلسي الكونغرس، سوف يكون من المستحيل على الديمقراطيين التحقيق بممارسات ترامب وأولاده دون موافقة الجمهوريين.
تعيينات مقلقة ولكن غير مستبعدة
أكثر ما كان يجلب المتعة لترامب خلال حملته الانتخابية هو التحدث إلى جمهور كبير وحماسي من الناخبين، حيث كان ينتشي بهتافاتهم وتصفيقهم، وكان يتفنن بتحريك مشاعرهم بين وقت وآخر حتى بتحريضهم أحيانا ضد منتقديه الذين كانوا يتجرأون على حضور مهرجاناته والاحتجاج على ترشيحه. ولا يزال ترامب يتصرف وكأن الحملة الانتخابية لم تنته بعد، ولذلك قرر القيام بما وصفه نشاطات انتخابية لشكر الولايات التي صوتت له في الانتخابات. ويقوم ترامب باستغلال هذه المناسبات للإعلان عن تعييناته الوزارية وغيرها من الوظائف الرئيسية. وحتى الآن تعيينات ترامب تبين اعتماده الكبير على الجنرالات المتقاعدين، وعلى أصدقائه أو معارفه الأثرياء الذين يعيشون ويعملون في “مستنقع واشنطن” الذي كان يردد ترامب في نشاطاته الانتخابية أنه آت لواشنطن لتجفيفه. وعين ترامب ثلاثة جنرالات متقاعدين في مناصب بارزة: مايكل فلين مستشارا لشؤون الأمن القومي وهو منصب لا يتطلب مصادقة الكونغرس. ويعتبر تعيين فلين من أكثر التعيينات إثارة للجدل، بسبب مواقفه العدائية ضد الدين الإسلامي وإيمانه بنظريات المؤامرة ومشاركته بنشر أخبار ملفقة حول هيلاري كلينتون وادعائه أن ولاية تكساس مثلا تفرض الشريعة الإسلامية، وغيرها من الادعاءات السريالية. كما عين ترامب الجنرال جون كيلي وزيرا للأمن الداخلي، والذي ليس من المتوقع ان يواجه معارضة كبيرة في الكونغرس. كما عين الجنرال جيمس ماتيس وزيرا للدفاع. وهذه هي المرة الأولى منذ 66 سنة التي يعين فيها جنرالا متقاعدا وزيرا للدفاع قبل مرور سبع سنوات على تقاعده، كما يقضي القانون، لأن مسألة سيطرة المدنيين على المؤسسة العسكرية هي مسألة بالغة الأهمية في الديمقراطية والتقاليد السياسية الأمريكية. وكان الرئيس هاري ترومان في 1950 قد طلب من الكونغرس إعطائه إذنا خاصا لتعيين الجنرال جورج مارشال وزيرا للدفاع. ومن المتوقع أن يوافق الكونغرس على تعليق القانون من أجل التصديق على ماتيس، نظرا للسمعة الجيدة التي يحظى بها في أوساط الحزبين، بسبب أدائه العسكري الجيد في أفغانستان والعراق وإدارته للقيادة المركزية التي تشرف على القوات الأمريكية المنتشرة في الشرق الأوسط. وحتى أعضاء الكونغرس الذين يقولون أنهم سيصدقون على تعيين الجنرالين كيلي وماتيس، يعربون عن تحفظهم المبدئي لتعيين ثلاثة جنرالات في مثل هذه المناصب الحساسة.
ولكن تعيينات ترامب لوزراء ومسؤولين مدنيين أثارت جدلا فاق بكثير الجدل الذي أثاره تعيين الجنرالات. وعلى سبيل المثال فإن تعيين ترامب رجل الأعمال الثري آندرو بازدر وزيرا للعمل أثار انتقادات كثيرة من الديمقراطيين والمراقبين، لأنه من أبرز منتقدي قانون الرعاية الصحية الذي طرحه الرئيس أوباما، ولأنه يعارض إجراءات حماية العمال التي أقرها الرئيس أوباما، كما أنه يعارض رفع الحد الأدنى للرواتب، ويدعو لاستخدام أوسع للعمال الآليين لأنهم أفضل من العمال البشر. وعين ترامب بيتسي ديفوس وهي من الأثرياء الذين يتبرعون للحزب الجمهوري، وزيرة للتعليم، وهي المعروفة بدعوتها إلى توسيع ودعم التعليم الخاص على حساب المدارس العامة. وأثار تعيينها اعتراضات واحتجاجات من منظمات المعلمين وغيرهم. وتسبب تعيين ترامب للمدعي العام لولاية أوكلاهوما سكوت برويت مديرا لوكالة حماية البيئة بعاصفة من الاحتجاجات من المعنيين بشؤون البيئة والتغير المناخي بسبب انتقاداته الحادة لهذه الوكالة ولانه لا يعترف بهذه الظاهرة. وشارك برويت بصفته المدعي العام لولاية أوكلاهوما بمقاضاة وكالة حماية البيئة، لإلغاء إجراءات فدرالية مصممة لحماية البيئة.
مكافحة الإرهاب: أي رؤية؟
في آخر خطاب له حول الأمن القومي ألقاه في قاعدة ماكديل لسلاح الجو في ولاية فلوريدا، وجه الرئيس أوباما رسائل –ومناشدات- عديدة للرئيس المنتخب ترامب، دون أن يذكره بالاسم، لكي يحافظ على تركة أوباما في مكافحة الإرهاب والاستخدام المحدود للقوة العسكرية، وعدم الوقوع في فخ العداء للإسلام والمسلمين. وشدد أوباما على أن الحرب المستدامة ضد إرهاب الجماعات المتطرفة مثل القاعدة و”داعش” تتطلب التمسك بالقيم الأمريكية الديمقراطية التي ترفض التعذيب أو الإفراط باستخدام القوة العسكرية. وهذه المواقف تمثل انتقادا ضمنيا للرئيس المنتخب الذي كان يدعو خلال الحملة الانتخابية إلى استخدام القوة العسكرية الأمريكية بشكل مكثف للغاية لاستئصال تنظيمات مثل داعش والقاعدة. وأضاف أوباما “وبدلا من التقدم بوعود خاطئة بأننا قادرون على إلغاء الإرهاب من خلال قصف المزيد من القنابل أو نشر قوات إضافية، أو بناء جدران تعزلنا عن العالم، علينا أن نأخذ نظرة طويلة الأمد للخطر الإرهابي، وعلينا اعتماد استراتيجية مستدامة”.
وفي اليوم ذاته، أعلن الرئيس المنتخب ترامب رسميا عن تعيين الجنرال جيمس ماتيس، وزيرا للدفاع، والذي يتلذذ ترامب باستخدام اسم التحبب الذي أطلقه عليه جنوده بسبب شجاعته، وهو “الكلب المسعور”. ومع أن ترامب تعهد خلال حملته بأنه سيدمر داعش، وأنه سيواجه “الإسلام الراديكالي” دون تردد، إلا أنه لم يقدم أي خطة أو تصور عملي لكيفية تحقيق هذه الأهداف. ويأمل أوباما أن لا يحاول ترامب تفكيك استراتيجيته لمكافحة الإرهاب، وأن يعمل من خلال ذلك على تقويض تركة أوباما في الشرق الأوسط والتي تشمل إضافة إلى مكافحة إرهاب التنظيمات المغالية بالتطرف، الاتفاق النووي مع إيران، وعدم التورط في الحروب البرية كبيرة التي تنشب في دول المنطقة.
يوم الثلاثاء الماضي كان يوم تنافس بين رؤيتين لمستقبل الأمن القومي الأمريكي، وأسلوبين مختلفين لرجلين ينتميان إلى جيلين متناقضين: أوباما المتأني والدقيق الذي يتحدث كأستاذ جامعي مميز، وترامب الصاخب والصدامي والميال للمبالغات. ولكن يمكن القول إن تحفظ أوباما العميق على استخدام القوة العسكرية النظامية، ورفضه تطبيق التزامه بقصف النظام السوري في صيف 2013 ساهم في انخفاض مكانة الولايات المتحدة في المنطقة وفي العالم. ولكن إذا ترجم ترامب وعوده وتهديداته باستخدام القوة المفرطة والتصرف بشكل متهور، فإن عهده سوف يؤدي إلى “الكوارث” ذاتها التي كان ترامب يتهم أوباما بالتسبب بها لأنه لم يوفر القيادة القوية والذكية.