ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
بدأ الرئيس ترامب جولته الدولية الأولى في الشرق الأوسط وأوروبا بعد انهائه أسوأ أسبوع له في الحكم تعرض فيه لعدد من النكسات، معظمها من صنعه، وتسببت بزعزعة ولايته بعد أربعة أشهر من تنصيبه. ويأمل البيت الأبيض أن يؤدي الاستقبال الحار الذي سيلقاه ترامب ووفده في أول محطة له في السعودية، وبعدها إسرائيل، إلى تحويل الاهتمام الإعلامي والسياسي عن مشاكل وفضائح ترامب في واشنطن، إلى قضايا دولية ملحة وآنية، مثل مكافحة الإرهاب، والتصدي للسلوك الإيراني التخريبي في المنطقة، واحتمال تقليص التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين وربما إحياء الاتصالات، أن لم نقل المفاوضات بين الطرفين. ويضيف مسؤول سابق مطلع على مداولات المسؤولين في البيت الأبيض بشأن الجولة أن ترامب “الذي يدرك مدى استياء القادة العرب وقادة إسرائيل من سياسات الرئيس السابق أوباما تجاه إيران التي يعتبرونها وفاقية، ورفضه معاقبة النظام السوري، لكي يستعيد مكانة الولايات المتحدة القيادية في هذه المنطقة الحيوية “. ويضيف المسؤول السابق أن ترامب سوف يتحدث عن بدايات جديدة لأمريكا في المجالات السياسية والاستراتيجية والأمنية والاقتصادية. واشار هذا المصدر إلى أن قادة مصر وإسرائيل والأردن والسعودية وتركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة الذين زاروا ترامب في البيت الأبيض، كلهم تحدثوا بإيجابية عن احتمالات جديدة للتعاون مع واشنطن لخدمة المصالح المشتركة. وفي هذا السياق، قال مسؤول بارز في دولة خليجية عربية في حوار مع مجموعة من الصحافيين والباحثين في مراكز الأبحاث أن حكومته ترحب بطروحات ترامب بشأن ضرورة قيام حلفاء واشنطن القدامى إن كان في الشرق الأوسط أو في حلف الناتو بتحمل مسؤوليات دفاعية أكبر وزيادة حجم ميزانياتها العسكرية، ولكن بشرط أن تحافظ واشنطن على دورها القيادي. وكان ترامب قد تطرق قبل أيام في خطاب ألقاه أمام المتخرجين من كلية الحرس الوطني إلى جولته الدولية قائلا “وانطلاقا من أولوياتي، وهي سلامة وأمن ومصالح الشعب الأمريكي، سوف أعزز الصداقات القديمة، وأسعى إلى شركاء جدد، ولكن شركاء يساعدوننا أيضا، وليس شركاء يأخذون ويأخذون ويأخذون”.
حالة حصار
وخلال الأسابيع الماضية، ومع تفاقم الصدمات والمفاجآت السلبية شبه اليومية والناتجة بمعظمها عن سلسلة الفضائح التي تسبب بها التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة واحتمال ضلوع مقربين من ترامب في هذا التدخل، كان غضب الرئيس ترامب يزداد ضد خصومه الحقيقيين والوهميين، حيث بدا محاصرا على مختلف الجبهات، وعاجزا عن تحقيق أي إنجازات تشريعية حقيقية. قرارات ترامب المتهورة – مثل قراره إقالة مدير أف بي آي جيمس كومي دون الأخذ بعين الاعتبار ردود الفعل السلبية المتوقعة – والتناقضات الصارخة في مواقفه، ورفضه القاطع تحمل مسؤوليات وتبعات اجراءاته، إضافة إلى محاولاته الواضحة عرقلة التحقيق بالتدخل الروسي، كلها ساهمت في استحضار أجواء ووترغيت، وهي أم الفضائح الأمريكية التي دمرت ولاية الرئيس ريتشارد نيكسون في 1974. وهذا بدوره ادى إلى المطالبة بتعيين محقق مستقل لكشف الوقائع والحقائق المتعلقة بالتدخل الروسي، وإلى المقارنة بين نيكسون وترامب المعروفين بعدم ضبط مشاعر الغضب، واستهتارهما بالأعراف وميلهما لاعتماد الكذب كسلاح دفاع أولي، وكراهيتهما للصحافة الحرة والقضاء المستقل. وبما أن الجولات والقضايا الخارجية توفر دائما للرئيس الأمريكي الفرصة لتحويل الاهتمام عن المشاكل الداخلية، قارن البعض بين جولة ترامب الراهنة، وزيارة الرئيس نيكسون إلى مصر والسعودية وسوريا وإسرائيل والأردن في شهر يونيو 1974 لتحويل الأنظار عن آخر مراحل فضيحة ووترغيت. ولكن نيكسون اضطر للاستقالة من منصبه بعد شهرين من جولته في الشرق الأوسط.
وقبل يومين من مغادرة ترامب لواشنطن دخل التحقيق في التدخل الروسي، مرحلة نوعية جديدة بعد إعلان وزارة العدل عن تعيين محقق خاص ليشرف على التحقيق بشكل مستقل. ويمكن اعتبار تعيين روبرت مولر، المدير السابق للأف بي آي كمحقق خاص نتيجة مباشرة لقرار الرئيس ترامب إقالة جيمس كومي من منصبه كمدير للأف بي آي بسبب إصراره على مواصلة التحقيق بالتدخل الروسي. وجاء تعيين المحقق مالر، بعد أن كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن أن ترامب كان قد طلب من كومي في شهر فبراير الماضي وقف التحقيق بعلاقات واتصالات مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين بالمسؤولين الروس بمن فيهم سفير موسكو في واشنطن، وذلك بعد يوم واحد من إقالة فلين من منصبه. وتبين أن كومي المعروف بتوثيقه لوقائع اجتماعاته، قام فور انتهاء لقائه الموجز بترامب بكتابة مذكرة حول طلب ترامب أرسلها إلى بعض زملائه في أف بي آي. ورأى بعض الحقوقيين والمعلقين أن طلب ترامب هذا يرقى أو يمكن أن يرقى إلى مستوى انتهاك القانون لأنه يقترب كثيرا من مفهوم “عرقلة العدالة” وهي تهمة جنائية. هذا الخبر الذي هز الأوساط السياسية في واشنطن، جاء بعد يوم واحد من كشف صحيفة واشنطن بوست عن حادثة محرجة لترامب الذي ناقش مع وزير خارجية روسيا وسفيرها في واشنطن خطة إرهابية لتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) لنسف طائرات ركاب مدنية سربتها دولة حليفة لأمريكا (إسرائيل) للاستخبارات الأمريكية التي سارعت إلى احتواء مضاعفات الخبر، لأنه يمكن أن يكشف كيفية جمع إسرائيل لهذه المعلومات ويهدد حياة أي جواسيس لها اخترقوا هذا التنظيم الإرهابي. هذه التطورات صدمت حتى القيادات الجمهورية في الكونغرس، التي أعربت بدرجات متفاوتة عن قلقها جراء تهور الرئيس ترامب، حيث وصف السناتور بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أن البيت الأبيض في دوامة. من جهته قال السناتور جون ماكين أن فضائح ترامب “أصبحت بحجم ومدى ووترغيت”.
ترامب والعالم
الاضطرابات السياسية المتلاحقة في واشنطن، أثارت الأسئلة في واشنطن وأوروبا حول قدرة ترامب ومساعديه على التركيز على تفاصيل القضايا والتحديات التي سيواجهها ترامب في جولته الدولية الأولى، أم أن فضائح واشنطن ستلقي بظلالها الثقيلة على محادثاته في الشرق الأوسط وأوروبا. وهناك تخوف من احتمال ارتكاب الرئيس ترامب لهفوات لفظية، أو تقديم وعود غير واقعية أو الإعلان عن التزامات ارتجالية، أو التصرف بطرق غير ديبلوماسية وهو المعروف بعدم اهتمامه بمناقشة التفاصيل الدقيقة أو الاستماع إلى الخطب الطويلة، خاصة وأنه سيشارك للمرة الأولى في مؤتمرات دولية يشارك فيها عدد كبير نسبيا من القادة الاجانب.
أي مراجعة لمواقف ترامب حول السياسة الخارجية تبين بشكل صارخ أنه منذ وصوله إلى البيت الأبيض تراجع أو عدّل من طروحاته ومسلماته حول السياسة الخارجية التي أعلنها كمرشح. استخفاف ترامب الأولي بالسياسة الأمريكية المعتمدة منذ سبعينات القرن الماضي والتي تعترف رسميا بالصين، وليس بتايوان، أدى إلى نتائج عكسية سريعة عندما أعلنت بكين أنها لن تتعامل معه إذا لم يتخل عن هذا الموقف. كما تراجع ترامب عن موقفه كمرشح بأنه سيعلن أن الصين تتلاعب بعملتها لضرب الدولار، وبرر تراجعه بالقول أن الصين توقفت عن مثل هذا التلاعب، وبأنه يحتاج إلى الصين للضغط على كوريا الشمالية لوقف تجاربها الصاروخية. وكمرشح أعلن ترامب أنه سينقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ولكنه اكتشف بعد انتخابه أن تنفيذ هذا الوعد ستكون له مضاعفات جسيمة، ولذلك لم ينفذه حتى الآن. وقبل أيام، وافق ترامب، دون أي ضجيج إعلامي، على تمديد إعفاء إيران من العقوبات التي فرضت عليها بسبب برنامجها النووي، على الرغم من أنه ندد بالاتفاق وبقوة خلال حملته الانتخابية. ومع أن ترامب انتقد خلال حملته بحلف الناتو معتبرا أن الزمن قد عفا عنه، إلا أنه قال بحضور مستشارة ألمانيا انغيلا ميركل أنه لا يزال حلفا صالحا. وبينما يرى البعض أن تعديل ترامب لمواقفه يعكس نضجا سياسيا أو إدراكا لتعقيدات السياسية، يرى آخرون أن تناقضات ترامب تعكس جهله بتعقيدات القضايا الخارجية.
ترامب العرب
خلال حملته الانتخابية، أعرب ترامب عن أسفه لأن الولايات المتحدة لم تستول على نفط العراق، لتمويل وجودها العسكري هناك، وادّعى أن السعودية التي تجني مليار دولار في اليوم من مبيعات النفط يجب أن تدفع للولايات المتحدة أموال الحماية. كما أن مواقف ترامب ومساعديه الحاليين والسابقين مثل مايكل فلين وستيفن بانون ستيفن ميلر سلبية وحتى عدائية ضد الإسلام “الذي يكرهنا” كما ادّعى في السابق. ولذلك كان من المستغرب أن يحذو ترامب حذو سلفه الرئيس أوباما وأن يلقي خطابا عن الإسلام والدعوات الراديكالية خلال وجوده في السعودية، كما فعل أوباما في القاهرة في 2009. واستهجن بعض المراقبين قيام ستيفن ميلر مستشار ترامب مع آخرين بصياغة خطاب ترامب حول الإسلام، خاصة وأن له تاريخ طويل حافل بالمواقف المناوئة للإسلام والمسلمين. وهناك من يتخوف من أن يكبو ترامب لفظيا، خلال مناقشته لجوهر الدين الإسلامي في السعودية، والدين اليهودي في إسرائيل والدين المسيحي في الفاتيكان.
وقبل أيام قالت صحيفة واشنطن بوست أن الرئيس ترامب سيناقش خلال زيارته للسعودية، ما يسميه المسؤولون الأمريكيون الأسس الرئيسية لائتلاف موحد من الدول السنية يحضر الأرضية لإعلان رسمي في وقت لاحق لإقامة تحالف مشابه للناتو لمواجهة الإرهاب والتصدي لإيران. ونسبت الصحيفة إلى مسؤول أمريكي قوله “لدينا جميعنا العدو ذاته، وجميعنا نريد الأشياء ذاتها”. ولكن تنظيم ائتلاف سنّي برعاية أمريكية ضد إيران الشيعية والميليشيات الشيعية التابعة لها أو المتعاونة معها، سوف يؤدي إلى تعميق النزاعات المذهبية في المنطقة، كما نرى في العراق وسوريا ولبنان واليمن. النزاع بين إيران وبعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي هو في جوهره نزاعا سياسيا وليس نزاعا مذهبيا. وأسوأ ما يمكن أن يفعله ترامب خلال جولته هو المساهمة في تعميق الاستقطاب السني-الشيعي في المنطقة.