ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في عيد ميلاده الواحد والسبعين وجد الرئيس دونالد ترامب نفسه في المكان الذي كان يسعى لتفاديه بأي طريقة ممكنة. وبعد أشهر طويلة من التحقيقات بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية اكتشف ترامب ما كان يخاف منه، وما أدت إليه مواقفه الغاضبه وإجراءاته المتهورة: أي أنه شخصيا يخضع الآن لتحقيقات المحقق الخاص روبرت مولر لاحتمال تورطه في “عرقلة العدالة” وهي تهمة جزائية يمكن نظريا أن تؤدي إلى محاكمته في الكونغرس. قرار المحقق مولر استجواب دان كوتس مدير الاستخبارات الوطنية، والأميرال مايكل روجرز مدير وكالة الأمن القومي، للتحقيق فيما إذا كان ترامب قد طلب منهما التدخل لدى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) السابق جيمس كومي لوقف أو تعليق التحقيق في اتصالات وعلاقة مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين بالمسؤولين الروس. وكان كومي قد قال للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ إن الرئيس ترامب “تمنى” عليه ذلك. وحفلت الأيام الأخيرة بتقارير صحفية تؤكد أن ترامب قد قام بالفعل بمثل هذه الاتصالات مع قادة الاستخبارات لهذا الهدف. كما تم الكشف عن أن المحقق مولر سوف يحقق بالتعاملات المالية الخاصة بجاريد كوشنر، صهر الرئيس، في سياق التحقيقات بالتدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية. ويعتبر كوشنر الذي أناط به ترامب مسؤوليات كبيرة، داخلية وخارجية، من أقرب المستشارين اليه. وفي مؤشر آخر في أن التحقيق سوف يطال شخصيات بارزة أخرى في البيت الأبيض عيّن نائب الرئيس مايك بنس محام خاص به لتمثيله في التحقيقات التي يقوم بها مولر.
مأزق ترامب الراهن يبدو وكأنه مشهد مستعار من مسرحية إغريقية: ترامب المحبط والغاضب يتخذ قرارا اعتباطيا بطرد كومي من منصبه كمدير للـ (أف بي آي) ليتخلص من الغيوم الداكنة التي يمثلها التحقيق بالتدخل الروسي أو ما وصفه ترامب باضطهاد أعدائه لفريقه الانتخابي وللمقربين منه. ولكن هذا القرار، وتبجح ترامب أنه طرد كومي من منصبه للتخلص من التحقيق بالتدخل الروسي، ساهم إلى حد كبير في قرار وزارة العدل تعيين المحقق الخاص مولر، الذي يحقق الآن -وبعد أقل من شهر على تعيينه- باحتمال ضلوع ترامب في عرقلة العدالة حين طرد كومي من منصبه لأنه لم يلب طلبه بوقف التحقيق بنشاطات مستشار الأمن القومي السابق فلين. وكأن القدر والقوى الغيبية الأخرى الخارجة عن سيطرة ترامب تعاقبه -كما يحدث في المسرحيات الإغريقية- لأنه لم يتصرف بعقلانية.
وقبل الكشف عن أن تحقيقات مولر سوف تطاله شخصيا، كان ترامب يفكر جديا بطرده من منصبه، وهو قرار اعتبره بعض المسؤولين في البيت الأبيض خطوة انتحارية. ويقول حقوقيون إن طرد مولر من منصبه سوف يكون دليلا إضافيا يدعم اتهامات عرقلة العدالة التي يواجهها ترامب حاليا. ولكن هذه الاعتبارات لم تمنع ترامب ومؤيديه من شّن حملة تشهير بمصداقية ونزاهة المحقق مولر. ولكن هذه المهمة ازدادت صعوبة بعد الكشف أن الرئيس ترامب كان قد التقى مولر في البيت الأبيض ليناقش معه امكانية تعيينه مديرا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وذلك قبل يوم من تعيين وزارة العدل له محققا خاصا. ومع ذلك استمرت المعركة المباشرة والضمنية ضد مولر. وقاد حملة التشهير بمولر، رئيس مجلس النواب الأسبق نيوت غينغريتش الذي أدعى أن مولر “هو رأس الحربة الساعية إلى تدميره، أو على الأقل تقويض وشل رئاسة ترامب”. ويبدو أن غينغريتش نسي أنه قبل أسابيع قليلة أثنى بسخاء على مولر واصفا تعيينه محققا خاصا “خيارا رائعا”، مادحا سمعته “التي لا يمكن المس بها”. اللافت أن الطبقة السياسية بشقيها الديمقراطي والجمهوري سارعت إلى تأييد مولر وبقائه في منصبه بما في ذلك أقطاب الحزب الجمهوري في الكونغرس ومن بينهم رئيس مجلس النواب بول رايان ورئيس الأكثرية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل.
ترامب يواصل التغريد خارج السرب
ومرة أخرى، تحدى الرئيس ترامب المألوف والمعهود، وتجاهل نصائح مستشاريه ومحاميه الذين نصحوه بعدم مهاجمة التحقيق بتغريداته الغاضبة لأنها يمكن أن تستخدم ضده في ما يسمى “محكمة الرأي العام” أو في المحاكم القضائية. وصباح الخميس أطلق ترامب سلسلة من التغريدات التي عكست شعوره بأنه ضحية بريئة تستهدفها قوى الظلام قائلا إنه تعرض:”إلى أعظم حملة اضطهادية في التاريخ السياسي الأمريكي، يقودها بعض الافراد السيئين جدا”، وصباح الجمعة وصل إحباط ترامب إلى أعلى مستوياته حين هاجم وزارة العدل ممثلة بشخص نائب الوزير رود روزنشتاين (الذي عيّن مولر، بعد أن نأى الوزير جيف سيشنز بنفسه عن المشاركة في أي قرار يتعلق بالتحقيق في التدخل الروسي بعد تبين أنه لم يكشف عن اتصالاته بالمسؤولين الروس خلال جلسة التصديق عليه في مجلس الشيوخ). وللمرة الأولى أكد ترامب أن تحقيقات مولر ستطاله شخصيا حن غرّد بغضب واضح “أنا أخضع للتحقيق بسبب اقالتي لمدير (أف بي آي) من قبل الرجل الذي قال لي إنه يجب طرده. هذا اضطهاد”. واعتبرت هذه التغريدة هجوما مباشرا ضد روزنشتاين، الذي كتب مذكرة انتقد فيها أداء كومي قبل صدور قرار إقالته، بناء على طلب البيت الأبيض. واستخدم وزير العدل سيشنز هذه المذكرة للدعوة إلى طرد كومي في رسالة بعثها لترامب بهذا الشأن. ومرة أخرى يناقض ترامب نفسه حين أنتقد ضمنا روزنشتاين، متناسيا أنه أكد في مقابلة تلفزيونية قبل أسابيع أنه كان قد قرر طرد كومي من منصبه بغض النظر عن توصيات وزارة العدل.
تأتي هذه التطورات في الوقت الذي أظهر فيه آخر استطلاع لوكالة الأنباء أسوشيتد بريس أن 65 بالمئة من الأمريكيين يقولون إن الرئيس ترامب “لا يحترم المؤسسات والتقاليد الديمقراطية الأمريكية”، ويوافق حوالي ثلث الجمهوريين على هذا الرأي. ووجد الاستطلاع أن 35 بالمئة فقط من الأمريكيين يوافقون على أداء ترامب في الحكم، بينما لم يوافق 64 بالمئة – وربع الجمهوريين- على أداء ترامب كرئيس. وأظهر استطلاع سابق أجرته المؤسسة ذاتها في آذار/مارس الماضي أن 42 بالمئة من الأمريكيين يوافقون على أداء ترامب.
مشاكل ترامب، والمضاعفات السلبية لاستمرار التحقيقات بالتدخل الروسي بالانتخابات، بما في ذلك تحييد قدرات الرئيس على إقرار برامجه في الكونغرس، والأهم من ذلك الانحسار الملحوظ في شعبيته، كلها عوامل تفسر ازدياد التململ في أوساط الجمهوريين في الكونغرس. ويرى الخبير في شؤون الكونغرس جاي غزال، أنه إذا استمر ترامب على مواقفه بما في ذلك انتقاد الجمهوريين لاتخاذهم قرارات باركها الرئيس شخصيا، كما فعل قبل أيام عندما وصف مشروع الرعاية الصحية الذي اقره مجلس النواب قبل أسابيع ورفعه إلى مجلس الشيوخ، بمباركة من ترامب، بأنه مشروع قرار “قاس” ضد ذوي الدخل المحدود، “فإن ذلك سيزيد من انعدام الثقة بين الطرفين”. ويرى غزال أنه إذا قرر ترامب إقالة مولر”فإنه سيمنى بنكسة كبيرة لأن قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس سوف يضطرون إلى انتقاده علنا وتوسيع المسافة بينهم وبينه”. ويشير غزال إلى أن قادة الحزب الجمهوري يعبرون في مواقفهم العلنية، ولكن بطرق غير مباشرة أو فظة، عن قلقهم من أن يتسبب ترامب نتيجة مواقفه الارتجالية والمتهورة في انهيار الأكثرية الجمهورية في الكونغرس، مضيفا أن “ولاء الجمهوريين لترامب غير مطلق ومرتبط بتقلبات التطورات السياسية، وتطورات التحقيقات التي تقوم بها لجان الكونغرس والمحقق الخاص مولر. القادة الجمهوريون يتخوفون من أن تؤدي تصريحات وتغريدات ترامب إلى تقويض رئاسته لأنها يمكن أن تستخدم ضده سياسيا أو حتى قضائيا”. ويضيف غزال الذي عمل لسنوات مستشارا في مجلس الشيوخ في حوار خاص معه أنه إذا استمرت تحقيقات مولر في تقويض مصداقية ترامب ومكانته، واستحوذت على كامل وقته بدلا من الاهتمام بطروحاته وبرامجه التشريعية، وإذا استمرت شعبية ترامب بالتدهور مع اقتراب الانتخابات النصفية في نوفمبر 2018 ”عندها سيبتعد الجمهوريون عنه، لحماية أنفسهم ومحاولة الاحتفاظ بأكثريتهم في مجلس النواب بالتحديد.”