الرئيس ترامب غاضب. غاضب لأنه مني بنكسات عديدة خلال شهر يونيو/حزيران، ما يجعله الشهر الأسوأ للرئيس منذ وصوله إلى البيت الأبيض. ترامب غاضب لأن استطلاعات الرأي على المستويين الوطني ومستوى الولايات تبين أن منافسه الديموقراطي جوزيف بايدن متقدم عليه بنسب ملحوظة، حتى في بعض الولايات التي فاز فيها ترامب بنسب عالية في 2016، مثل ميزوري وميتشغان وويسكونسن وبنسلفانيا وفلوريدا ونورث كارولينا وأريزونا.
ترامب غاضب لأنه يخسر أصوات الرجال البيض، الذين لم يتخرجوا من الجامعات. ترامب غاضب لأن بعض قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس ينتقدون إدارته الكارثية لجائحة كورونا، ولإصراره على التمسك بالأوهام ونبذ الحقائق الطبية والعلمية، ومنها قوله الغريب في بداية يوليو/تموز، أي في الوقت الذي وصلت فيه معدلات الاصابات بأعراض فيروس كورونا إلى حوالي 55 ألف حالة يومياً، أن الفيروس “سوف يختفي”.
ترامب غاضب لأن التظاهرات الاحتجاجية التي عمت جميع الولايات وكبريات المدن الأميركية، تحت شعار “أرواح السود لها قيمة”، والتي تهدف إلى إجراء اصلاحات جذرية في كيفية تعامل مراكز الشرطة مع الشباب السود، لا تزال مستمرة وحققت انجازات ملموسة. الرئيس ترامب غاضب، لأنه أخفق في استخدام القضاء لمنع مستشاره السابق لشؤون الأمن القومي جون بولتون، وأبنة شقيقه من نشر كتابين تضمنا معلومات سياسية وشخصية محرجة له.
الرئيس ترامب غاضب لأن تقارير صحفية عديدة، مبنية على مصادر رسمية، أكدت أن روسيا دفعت مكافآت مالية لعناصر في حركة طالبان لقتل جنود أميركيين أو تابعين لحلف شمال الاطلسي (الناتو) في أفغانستان، وأن المعلومات المتوفرة حتى الآن أظهرت أن ترامب لم يتخذ أي اجراء عقابي بحق روسيا، بل وصف هذه التقارير بأنها خدعة. الرئيس ترامب غاضب، ولذلك وصف نفسه يوم الثلاثاء في تغريدة موجزة وبأحرف كبيرة أنه “المحارب الوحيد”.
قبل جائحة كورونا، كان الرئيس ترامب وأركان حملته وأقطاب الحزب الجمهوري يقولون إن النمو الاقتصادي المضطرد، وانحسار معدلات البطالة إلى أرقام تاريخية، سوف تضمن بقاء قاعدته الانتخابية المحدودة أصلاً، متحدة ورائه. حتى تلك الأصوات الجمهورية، التي تنبذ أسلوبه الفظ، وتتحمل فساد عائلته، تقبل على مضض إعادة انتخابه لأربعة سنوات إضافية، لأنه سيصون المصالح المالية لهذه الجماعات. هذه القناعات تبدو الآن وكأنها كانت موجودة قبل سنوات، وليس بضعة أشهر فقط.
اتجاهات الرأي العام تبين من خلال الاستطلاعات وغيرها من الأدلة، أن أكثرية الأميركيين توافق على أن اداء ترامب في معالجة جائحة كورونا يتراوح بين الرديء والكارثي. ترامب عمليا نكر وصول الفيروس إلى الولايات المتحدة في مطلع السنة، ولا يزال، بعد وفاة حوالي 130 ألف مواطن أميركي، وإصابة مليونين ونصف أميركي بأعراض الفيروس، يتعلق بالأوهام حول اختفاء الفيروس بأعجوبة. ووصل الأمر بترامب إلى نصيحة الأميركيين بشرب المطهرات وغيرها من المواد الكيماوية السامة.
إدارة ترامب الكارثية للجائحة لم تؤد فقط إلى عواقب صحية وإنسانية، بل إلى أزمة اقتصادية خانقة لم تكن حتمية لو جلب ترامب إلى مواجهة الفيروس قيادة حكيمة وبصيرة. ترامب أراد عودة النشاطات الاقتصادية والاجتماعية مع حلول عيد الفصح، ولكنه اضطر تحت الضغوط إلى تأجيل العودة إلى “الحياة الطبيعية”. رفض الرئيس ترامب تغطية وجهه من خلال استخدام القناع الواقي، وسخريته من الذي يلبسونه، شجع الكثير من أنصاره على رفض استخدام القناع، أو ممارسة “الفصل الاجتماعي” وغيرها من الاجراءات الاحترازية، ما ساهم في انتشار الفيروس في ولايات كبيرة وذات كثافة بشرية صوتت للرئيس ترامب في 2016 مثل تكساس وفلوريدا. وعندما استأنفت هذه الولايات نشاطاتها الاقتصادية بشكل مبكر، وحين تجاهلت نصائح المسؤولين عن الصحة العامة، وفتحت مطاعمها وباراتها، عاد فيروس كورونا بشكل انتقامي. في هذا الوقت بدأ ترامب يتحدث عن الجائحة بصيغة الماضي، وبممارسة اسلوبه المفضل في التعامل مع التحديات الكبيرة: النكران.
في الشهر الماضي نظمت حملة ترامب مهرجاناً انتخابياً في مدينة تالسا بولاية أوكلاهوما، وكأن البلاد خرجت من قبضة الجائحة، حيث لم يفرض على الحضور وضع الأقنعة على وجوههم. المهرجان الذي كان يتمناه ترامب أن يطلق حملته لفصل الصيف ألحق بالرئيس نكسة مهينة. قاعة المهرجان تتسع لتسعة عشر ألف مقعد، ولكن عدد الحضور لم يتجاوز الستة آلاف. هذه النكسة ساهمت في تأجيج الخلافات داخل حملته الانتخابية، خاصة بين مدير الحملة براد بارسكال وصهر الرئيس جاريد كوشنر. هذا الوضع شجّع بعض المقربين من ترامب على حضه على ضرورة إعادة هيكلة حملته، ولكن آخرون قالوا إن ترامب هو المدير الحقيقي لحملته، وأنه إذا لم يغير من أساليبه، فإن أي تغييرات في الحملة سوف تبقى سطحية.
اخفاق السلطات الأميركية في احتواء جائحة كورونا، كما فعلت دول صناعية أخرى من أوروبا إلى اليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلاند، واندلاع التظاهرات الاحتجاجية – التي كشفت إلى أي مدى لا يزال الارث العنصري للبلاد ماثلا في حاضرها – أدى إلى ملاحظة بعض المحللين لظاهرة غريبة، أي مشاعر “الشفقة” التي يبديها المعلقون والسياسيون في الدول الحليفة للولايات المتحدة. في السابق كانت مشاعر العالم تجاه الولايات المتحدة تتراوح بين الاعجاب والاستياء، ولكن مشاعر الشفقة لم تكن بينها. وللتدليل على انحسار مكانة الولايات المتحدة حتى في الدول الحليفة تقليدياً، قررت دول الاتحاد الاوروبي وضع الولايات على قائمة الدول التي لن يتم السماح لرعاياها بزيارة دول الاتحاد بسبب اخفاق الولايات المتحدة في احتواء انتشار فيروس كورونا. وجاء في استطلاع في كندا أن 24% فقط من سكان منطقة كيبيك Quebecالناطقة بالفرنسية يرحبون بالسياح الأميركيين، ولكن 6% فقط من سكان منطقة British Columbia قالوا أنهم يرحبون بالزوار الأميركيين.
خلال مقابلة ودية اجرتها معه شبكة فوكس، أخفق ترامب بشكل محرج في الإجابة على سؤال بسيط حول رؤيته لما يريد تحقيقه في ولايته الثانية. وبدلاً من اعطاء جواب محدد وواضح، يبين أنه فكر بهذه المسألة، تحدث ترامب بلغة مفككة حول واشنطن، وكيف أنه عندما انتخب لم يعرف العديد من الناس في واشنطن. ولكن هذا الجواب السطحي يعكس معضلة ترامب المرشح لولاية ثانية. لماذا يستحق ترامب ولاية ثانية؟ كيف سيقود البلاد إلى العافية الصحية وبعدها إلى العافية الاقتصادية؟ كيف سيعمل على بلسمة الجراح التي كشفتها الحركة الاحتجاجية؟
في الواقع، ما فعله ترامب في الشهر الماضي هو نقيض للقائد الذي يبلسم جراح مجتمع مصدوم. فقد استغل كل فرصة لتأجيج المشاعر العنصرية، من خلال اتهام حركة “أرواح السود لها قيمة” بنشر الكراهية، أو بإعادة تغريد شريط لعنصريين من البيض يهتفون فيه “القوة البيضاء”، وهم يستفزون جمهوراً من السود. خلال الشهر الماضي تصرف ترامب وكأن دفاعه عن رموز الكونفدرالية الجنوبية، التي هُزم مشروعها الانفصالي في حرب أهلية مؤلمة، هو التحدي الأساسي الذي تواجهه البلاد اليوم. وحتى الآن فشلت مساعي بعض الشخصيات الجمهورية، التي لا تريد أن يتعرض الحزب إلى هزيمة، تشمل خسارة البيت الابيض ومجلس الشيوخ، لإقناع الرئيس العنيد بتغيير أسلوبه وتعديل أولوياته. وتبين مختلف المؤشرات أن ترامب سوف يواصل المشي على مسيرته المعروفة خارج المكان والزمان، محارباً وحيداً، سوف تزداد وحدته وعزلته مع اقترابه من هزيمته.