ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
بعد سنة واحدة منذ انتخاب دونالد ترامب رئيسا، وقبل سنة من الانتخابات النيابية النصفية، مُني الرئيس ترامب وحزبه بأول هزيمة انتخابية هامة حين اكتسح مرشحو الحزب الديمقراطي في الانتخابات الفرعية التي أجريت في بعض الولايات، وفازوا في ولايات لم يكن من المتوقع أن يفوزوا بها، وحققوا انتصاراتهم بمعدلات عالية فاجأتهم، مثلما صعقت الجمهوريين. فوز الديمقراطيين في معظم السباقات وخاصة حاكمية ولايتي فيرجينيا ونيوجرسي، فضلا عن انتخاب عدد ملحوظ من الديمقراطيين من النساء والأقليات، أعطى الحزب الديمقراطي زخما جديدا، ووضع احتمال سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب في 2018 في حيز الممكن. التطور المشجع للديمقراطيين، هو نسبة الإقبال العالية من الناخبين في الضواحي – من ذوي الدخل العالي نسبيا والتحصيل العلمي المتقدم الذين يميلون تقليديا للتصويت للمرشحين المحافظين- إلى التصويت هذه المرة للمرشحين الديمقراطيين، في تحول وصفه البعض “تمرد الضواحي” ضد الحزب الجمهوري ومرشحيه، والذي اختصر في استطلاعات الرأي بمعارضة شرائح اجتماعية من المستقلين وحتى الجمهوريين المعتدلين للرئيس ترامب وطروحاته وتقلباته وممارساته التي وصفت بالمتهورة وغير المسؤولة، والتي فسرت على أنها السبب الرئيسي لإخفاقه مع انتهاء الربع الأول تقريبا لولايته في تحقيق أي إنجاز تشريعي كان قد وعد به خلال حملته الانتخابية.
ومع أن الانتخابات أجريت في عدد من الولايات لملء مناصب محلية مختلفة من المجالس المحلية للولايات، الى رؤساء البلديات، إلى حكام الولايات ونوابهم، إلا أن ساحة المعركة الحقيقية التي اعتبرها الطرفان محورية للانتخابات النصفية في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، كانت ولاية فيرجينيا، وهي من أقدم الولايات وأعرقها، وأعطت البلاد ثمانية رؤساء، حيث استثمر فيها الحزبان طاقات مالية هامة ونشروا فيها آلاف المتطوعين. استطلاعات الرأي كانت تظهر أن المرشح الديمقراطي لحاكمية الولاية رالف نورثم بقي متقدما ضد منافسه الجمهوري أدوارد غيلسبي، ولكن مع اقتراب موعد الانتخابات انحسرت الهوة بين الطرفين لدرجة أن بعض المحللين توقعوا فوز المرشح الجمهوري. يوم الثلاثاء الماضي، تجمع الناخبون أمام مراكز الاقتراع في شمال الولاية حيث هطل مطرا غزيرا تسبب في قلق الديمقراطيين لأن الطقس السيء عادة ما يُبقي عددا من الناخبين في بيوتهم عدا المتحمسين منهم. ولكن المطر لم يمنع وقوف صفوف طويلة من الناخبين في الصباح قبل توجههم لأعمالهم. ولوحظت النسب العالية للنساء والأقليات الذين شاركوا في الاقتراع. وجاء فوز المرشح الديمقراطي نورثم بفارق تسع نقاط (نورثم 54 بالمئة مقابل غيلسبي 45 بالمئة) أعلى من توقعات حتى أكثر المتفائلين من الديمقراطيين.
ويرى الديمقراطي كريس لاباتينا، الخبير في شؤون الانتخابات واتجاهات الرأي العام، أن فوز المرشحين الديمقراطيين بمختلف المناصب في معظم الولايات التي أجريت فيها الانتخابات “والحماس الكبير الذي ابداه الناخبين والطاقة التي كانت وراء نشاطاتهم الانتخابية تبين بوضوح رفضهم لكل ما يمثله الرئيس ترامب: من مواقف سياسية، وتصرفات شخصية، وطروحات ثقافية”، في إشارة إلى عداء ترامب للمسلمين والمهاجرين، ودفاعه عن رموز الكونفيدرالية العنصرية خلال الحرب الأهلية. ولاحظ لاباتينا النسبة العالية لاقبال النساء والأقليات والمثليين على التصويت وقال إن توسيع هذا الائتلاف يقتضي طرح برامج اقتصادية لجذب الناخبين البيض من ذوي الدخل المحدود في المدن والأرياف لكي لا يبقى الحزب الديمقراطي محصورا بالنساء والأقليات والجماعات الصغيرة. ويحتاج الديمقراطيون للفوز بـ 24 مقعدا في مجلس النواب ليسيطروا على المجلس، الأمر الذي سيعطيهم صلاحيات وقدرات كبيرة في التأثير على قرارات وسياسات ترامب الداخلية والخارجية. لكن لاباتينا يضيف، في حوار خاص، أن محافظة الديمقراطيين على حماسهم حتى موعد الانتخابات النصفية لن يكون سهلا ، كما أن الخلافات بين أجنحة الحزب قد تحول دون تطوير طروحات تتخطى مجرد رفض ترامب وما يمثله .
بتلوموني ليه؟
مرور سنة على انتخاب ترامب، و 10 أشهر على تنصيبه، كان مناسبة لتقييم أدائه، ومراجعة سجله ومدى التزامه بتنفيذ وعوده خلال الحملة الانتخابية. صحيح أن الرئيس ترامب يدعي دائما أنه حقق إنجازات كبيرة ووقّع على أكبر عدد من مشاريع القوانين، (التي يقرها الكونغرس) وليس فقط توقيع قرارات تنفيذية ( يمكن نقضها لاحقا)، إلا أن هذه الادعاءات ليست صحيحة. “في الواقع لم يحقق ترامب ولو انجاز تشريعي واحد”، كما يقول لاباتينا. وخلال حملته ركز ترامب على نيته في نقض كل سياسات وانجازات الرئيس السابق باراك أوباما، وخاصة استبدال قانون الرعاية الصحية لأوباما بقانون بديل “أفضل بكثير” كما كان ترامب يكرر في كل مهرجان انتخابي أو مقابلة. وبعد أكثر من محاولة لإلغاء قانون أوباما والتصويت على مشروع قانون بديل كان ترامب يتفادى تحمل المسؤولية ويوجه أصابع اللوم إما إلى الحزب الديمقراطي أو إلى قيادات الكونغرس من الجمهوريين. وهذا ينطبق على مشاريع القرارات الأخرى التي يريد الجمهوريون إقرارها، حيث نرى الرئيس ترامب عاجزا عن المبادرة بطرح الأفكار والحلول، ثم يسارع إلى مطالبة الجمهوريين بالتقدم بالمقترحات ويقول لهم توصلوا إلى أي اتفاق (إذا كان يؤدي إلى إلغاء قانون أوباما الصحي على سبيل المثال)، وأنه سيسارع إلى توقيعه. ولكن اخفاقات ترامب ورفضه تحمل أي مسؤولية “تبين سطحيته وعدم جديته كسياسي مطلع على كيفية صنع القرارات وعلى ديناميات العلاقة المتشعبة بين البيت الأبيض والكونغرس والقوى الأخرى الفاعلة في القرار السياسي”، كما قال لاباتينا، أو حتى إدراكه للأسس القانونية التي بنيت عليها الجمهورية الأمريكية وخاصة الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهذا ينعكس “في عدم اعترافه باستقلالية القضاء، ومحاولته عرقلة التحقيقات الجنائية حين حاول التأثير على تحقيقات مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) جيمس كومي، قبل أن يقيله ترامب”، كما قال باباتينا. بعد سنة على انتخابه أظهرت استطلاعات الرأي أن شعبية ترامب قد انحسرت في جميع الولايات، وأن أكثرية الأمريكيين لا توافق على أدائه.
وخلال حملاته الثقافية، ضد المسلمين والمهاجرين الآتين من دول أمريكا اللاتينية، كان ترامب يؤكد وبحماس كبير أنه سيبني جدارا “جميلا” و “عاليا” ليصد ما كان يدعيه بموجات من الهجرة غير الموثقة، وكان يؤكد بلغة مطلقة أن “المكسيك سوف تدفع نفقات الجدار، واستطيع أن أؤكد لكم ذلك”. ولكن المكسيك التي أصرت بوضوح مطلق أيضا أنها لن تدفع نفقات جدار من هذا النوع، أرغمت ترامب على أن يطلب من الكونغرس تخصيص دفعة أولى لتمويل نماذج من الجدار، ولكن بعد سنة على انتخابه وعشرة أشهر على وجوده في البيت الأبيض لا يبدو ترامب قريبا من البدء ببناء سياج بسيط ناهيك عن جدار كبير.
وعود نُفذت ووعود لم ولن تنفذ
المرشح ترامب وعد انصاره “بتجفيف المستنقع” السياسي في واشنطن من خلال كبح جماح جماعات المصالح الخاصة وقوى الضغط (اللوبي) ولكن السنة الأولى بعد انتخابه، تبين أن المستنقع لا يزال آسنا وتفوح منه الرائحة النتنة القديمة ذاتها. مفهوم تجفيف المستنقع كان يشمل تغيير الأنظمة الضرائبية، والعمل على إعادة بناء البنية التحتية، وخلق الوظائف للعمال. ولكن هذه الوعود لم تطبق. وفي هذا السياق ركز ترامب كثيرا على إعادة إحياء اقتصاد ولايات كانت تعتمد على إنتاج الفحم الحجري، مثل ويست فيرجينيا وكنتاكي. وبعد انتخابه بسنة، هذه الوظائف لم تعد، ولا توجد هناك مؤشرات بأنها سترجع في أي وقت، لأن الثورة التي حدثت في مجالات إنتاج الطاقة عبر التقنيات النظيفة (الطاقة الشمسية، واستغلال الرياح وانتاج البطاريات القوية الجديدة، وغيرها) تعني عمليا أن إنتاج الفحم الحجري، الذي يلوث البيئة، لم يعد خيارا يمكن اعتماده أو تبريره اقتصاديا أو لجهة حماية البيئة.
ما عجز ترامب عن تحقيقه عبر الكونغرس، حاول أن يفعله من خلال توقيعه على عدد كبير من القرارات التنفيذية التي لا ترقى إلى مستوى القوانين الملزمة، ولكنها تبقى مهمة. خلال حملته الانتخابية دعا ترامب إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، وحين أدرك استحالة تحقيق ذلك لأسباب قانونية، أصدر قرارا بحظر دخول رعايا سبعة دول بشكل مؤقت ولأسباب أمنية، ولكن النظام القضائي الأمريكي تحدى سلطة الرئيس على اتخاذ مثل هذه القرارات، ولا يزال قراره هذا الذي عدله لأكثر من مرة قيد المراجعة القضائية. ولكن ترامب نجح في إلغاء بعض قرارات سلفه أوباما، مثل السماح بإكمال بناء أنبوب لنقل النفط من كندا عبر الولايات المتحدة إلى المرافئ الواقعة على خليج المكسيك، كما نفذ وعده بالانسحاب من “اتفاقية باريس” حول التغير البيئي، وكذلك الانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة لدول المحيط الهادئ، في قرار اعتبره العديد من الخبراء تراجعا أمريكا لصالح النفوذ الاقتصادي والتجاري والسياسي للصين.
أحد أبرز الوعود التي قطعها على نفسه المرشح ترامب، كانت في التخلص من الاتفاق النووي الدولي مع إيران والتي كانت الولايات المتحدة الطرف الرئيسي الذي فاوض للتوصل إليه. ترامب تعهد بالانسحاب منه وحتى تمزيقه. ولكن تأكيدات أجهزة الاستخبارات الأمريكية وفرق التفتيش الدولية التابعة للأمم المتحدة أن إيران تنفذ الاتفاق، ارغمه على التصديق مرتين بأن إيران بالفعل تطبق تعهداتها وفقا للاتفاق. ولكنه رفض التصديق في المرة الثالث، ولكنه لم ينسحب من الاتفاق، وأعاد الموضوع إلى الكونغرس لتقرير مسألة احتمال فرض عقوبات اقتصادية جديدة ضد إيران، في مؤشر آخر بأن ترامب يتفادى تحمل مسؤولية تقرير مصير اتفاق نووي وقعت عليه دول أخرى من بينها فرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا.
في مجال السياسة الخارجية تميزت سنة ترامب الأولى بلغة التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور والتي وجهها بالدرجة الأولى ضد كوريا الشمالية كما إلى إيران. ولكن تهديدات ترامب لم تترجم في إجراءات محددة. ويمكن القول أن حديث ترامب وغيره من المسؤولين عن ضرورة بناء جبهة مناوئة لإيران في المنطقة، أيضا بقي في حيز التمنيات. وبما أن بناء مثل هذه الجبهة المناوئة لإيران وتحديدا لدورها الإقليمي السلبي، يقتضي حل النزاع بين قطر وشقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي، عبر وساطة أمريكية ثابتة ومستمرة يقوم بها مسؤول بارز مثل وزير الخارجية أو مبعوث خاص، رأينا أن إدارة ترامب تعاملت مع الأزمة عبر مواقف متضاربة ومتناقضة، ما يعني أن الأزمة باقية وغير مرشحة للحل في أي وقت قريب. في سوريا ساهمت القوات الأمريكية الخاصة في التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية في تحرير مدينة الرقة من احتلال إرهابيي “الدولة الإسلامية”، وذلك في الوقت الذي كانت فيه القوات الإيرانية وحلفائها والجيش التابع لنظام الأسد بدعم جوي من روسيا يستعيد السيطرة على المدن السورية الكبيرة وخاصة حلب، وهذا الائتلاف يواصل سيطرته على شرق سوريا. سياسيا، هناك تسليم من إدارة ترامب بأن روسيا هي الطرف الرئيسي في سوريا، سياسيا وعسكريا. في العراق، رفض إدارة ترامب للاستفتاء الكردي والذي تم التعبير عنه دون الأخذ بعين الاعتبار العلاقة القديمة بين الأكراد والولايات المتحدة، ساهم في إلحاق هزيمة تكتيكية ولكن هامة جدا بالأكراد، على أيدي قوات الحشد الشعبي الشيعية التي تسيطر عليها قيادات عراقية موالية لإيران، حيث انتهت العمليات العسكرية بإعلان هذه القوى الموالية لإيران عن انتصارها.
في السنة الأولى منذ انتخاب ترامب، لم نر أي جهود جدية وثابتة لإحياء المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، بينما استمر الوضع الإنساني في اليمن بالانهيار، على خلفية حرب دخلت سنتها الثالثة، واشنطن مترددة أو عاجزة عن التأثير الإيجابي على إنهاء النزاع. حصاد السنة الأولى لحقبة ترامب في العالم :ضوضاء لفظية، والتلويح بسيف القوة العسكرية الأمريكية، ولكن دون استعماله.