ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
خلال أسبوع واحد، صعّد الرئيس دونالد ترامب من هجماته ضد الصحافة الأمريكية وشكك بصدقيتها في تغطية العالم، في ما اعتبر تحريضا سافرا يهدف إلى ترهيب المراسلين الأمريكيين، كما يحصل في الأنظمة السلطوية في العالم. وواصل ترامب تحقيره لشبكات التلفزيون الأمريكية، داعيا إلى مسابقة بينها – باستثناء شبكة فوكس نيوز المفضلة لديه- للحصول على جائزة “التغطية السياسية المضللة والفاسدة لرئيسكم المفضل: أنا”. وتابع ترامب في تغريدة أطلقها في السادسة صباح يوم الاثنين أن جميع هذه الشبكات سيئة، “والرابح سيحصل على جائزة الأخبار الملفقة”.
وفي اليوم التالي، استخدم ترامب وصفا مهينا للسكان الأصليين خلال احتفال في البيت الأبيض لتكريم ثلاثة محاربين قدامى. وصباح الأربعاء لجأ ترامب إلى وسيلته المفضلة للاتصال بمؤيديه: تويتر ليعيد نشر (ريتويت) ثلاثة أشرطة فيديو معادية للمسلمين قامت بنشرها أولا سياسية بريطانية عنصرية معروفة بعدائها للمسلمين، ما تسبب بأزمة وسجال علني محرج مع رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي التي وبخته علنا على فعلته. تغريدات ترامب التحريضية ضد المسلمين، جاءت بعد ساعات من إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ باليستي حلق لعلو غير مسبوق واعتبر تهديدا نوعيا للولايات المتحدة وحلفائها في شرق آسيا. وبدلا من أن يركز الرئيس ترامب على طمأنة الشعب الأمريكي أنه يعمل وينسق مع الحلفاء لمواجهة هذا الخطر الجديد، شارك بسخرية واستخفاف بالسجال الحاد الدائر في البلاد حول كيفية التعامل مع الآفة الاجتماعية المتمثلة بظاهرة التحرش الجنسي التي اقترفها رجال من المشاهير في هوليوود والإعلام، فضلا عن الكونغرس، كان آخرهم الصحفي مات لاور، مقدم برنامج “اليوم” الصباحي المشهور الذي تبثه شبكة “أن بي سي”، حيث أعلن عن إنهاء أعماله مع القناة صباح الأربعاء بعد توفر أدلة دامغة ضده. وأشار ترامب بتشف واضح لإقالة مات لاور “بسبب تصرفات جنسية غير لائقة “، وتساءل عن الوقت الذي سيتم فيه طرد كبار المسؤولين في الشبكة. ولاحظ المراقبون أن ترامب يسخر من المتورطين في التحرشات الجنسية متناسيا أن أكثر من 16 امرأة تقدمن بشكاوى ضده تتهمه بالتحرش الجنسي، ومتناسيا أيضا أنه قبل انتخابه ببضعة أسابيع بثت وسائل الاعلام شريطا سُجل قبل عقد من الزمن تحدث فيه ترامب باعتزاز عن غزواته الجنسية والأساليب النافرة التي كان يستخدمها في التحرش بالنساء عبر السنين.
وخلال الأسبوع نشرت كبريات الصحف الأمريكية مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز مقالات تطرقت فيها إلى التصرفات “غير الرئاسية” والغريبة للرئيس ترامب والتي دفعت بالعديد من المراقبين للتساؤل عن أهليته لقيادة البلاد. وكشفت هذه المقالات أن ترامب يعيش في واقع خاص به ومن صنعه ويصدق الأوهام التي يخلقها مثل قوله لزواره أن التحقيقات في قضية التدخل الروسي في الانتخابات سوف تنتهي قريبا وأنها تؤكد براءته، بينما الواقع مغاير لذلك ومعقد أكثر، وحتما لا أحد يتوقع انتهاء التحقيقات في أي وقت قريب. بعض أوهام ترامب تثير قلق مساعديه، ومنها أنه لا يزال يؤمن باتهاماته السابقة للرئيس السابق باراك أوباما بأنه لم يولد في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن رئاسته ليست شرعية، كما كشف عضو في مجلس الشيوخ أن ترامب قال له إن الشريط الذي بث حول تحرشاته الجنسية ليس صحيحا وأن الصوت في الشريط ليس صوته، متناسيا أيضا أنه عقب بث الشريط اعترف ترامب بأن الصوت هو صوته واعتذر عن سلوكه المشين في شريط تلفزيوني مسجل. مواقف ترامب هذه غير مستغربة لأن لديه سجل طويل يظهر ميله للمبالغة والتضليل والإيمان بنظرية المؤامرة.
اخطار التغريد
أثار الهجوم الأخير الذي شنه الرئيس ترامب ضد وسائل الاعلام الأمريكية وخاصة شبكة سي أن أن وتحديدا تغطيتها الدولية واتهامه لها بتضليل الرأي العام العالمي شكوك واستغراب الخبراء والمراقبين لأنه تزامن مع توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مرسوم يفرض على وسائل الاعلام الأجنبية العاملة في روسيا أن تسجل نفسها ككيانات تعمل لجهات أجنبية. ويمكن القول دون مبالغة أن الرئيس ترامب هو المسؤول الأول في العالم عن نشر مفهوم Fake news”الاخبار الملفقة” أو “المزورة”، الذي أصبح بعد سنتين من تكراره على لسان ترامب مفهوما تستخدمه الحكومات السلطوية كلما أرادت التشكيك بصدقية أي نقد موضوعي تتعرض له أو أي تغطية إعلامية لا تعجبها لسبب أو آخر. ولذلك لم يكن مستغربا أن تقوم مصر بعد يوم واحد على هجوم ترامب ضد الصحافة الأمريكية بمهاجمة الشبكة من خلال تغريدة للناطق باسم الخارجية المصرية ضد ما اسماه شبكة سي أن أن “البائسة” لأن تغطيتها للهجوم الإرهابي في سيناء لم يعجب الحكومة المصرية. بعد هجمات ترامب ضد الاعلام الأمريكي سرت مشاعر القلق والغضب والخوف في أوساط الإعلاميين الأمريكيين ومختلف المؤسسات المعنية بحرية الصحافة والتعبير، من أن تُستخدم هجمات واتهامات ترامب الباطلة ضد الاعلام لتبرير أي أعمال ترهيب ضد الإعلاميين الأمريكيين العاملين في دول مثل روسيا وتركيا ومصر التي اتخذت حكوماتها في السنوات الماضية إجراءات عقابية ضد الصحافيين والصحافة. وهناك مخاوف من أن تؤدي هجمات ترامب ضد الاعلاميين إلى خلق اجواء سامة ومعادية لهم يمكن أن تؤدي إلى أعمال عنف. وللتدليل على أن هجمات ترامب ليست دون إخطار، واجهت شبكة سي أن أن إشكالية صعبة في ليبيا. وكانت الشبكة قد بثت قبل أيام من هجمات ترامب تقريرا مروعا حول ممارسة العبودية في ليبيا، أظهرت فيه نوعا من المزاد العلني جرى فيه “بيع” شاب من نيجيريا لاستخدامهم في أعمال زراعية شاقة. ونشر موقع ليبي مقالا بعنوان “ماذا عن تقرير “العبودية” بليبيا؟ ترامب يكذّب CNN” حيث يشير المقال إلى أن الرئيس ترامب هو الذي فتح ما اسماه الكاتب الليبي”فجوة كبيرة” في جدار الاتهامات الدولية الموجهة ضد ليبيا باحياء الاتجار بالرق.
تغريدات الرئيس ترامب للأشرطة المعادية للمسلمين أثارت سخط البريطانيين وغيرهم من الأوروبيين لأن ترامب لم يحاول حتى التأكد من صحة الأشرطة، أو من سمعة الشخصية السياسية العنصرية التي ترأس حركة متعصبة صغيرة اسمها “بريطانيا أولا” التي قامت بتوزيع الأشرطة في الأصل. وتمت العملية من دون أية محاولة لشرح السياق الذي سجلت فيه وما معناها. الشريط الأول يظهر عراكا بين مراهقين في هولندا، و يدعّي أن مهاجرا مسلما يهاجم شابا هولنديا. ولكن السلطات الهولندية سارعت لنفي ذلك والقول إن الشابين هولنديين ولدا في هولندا. الشريط الثاني يظهر رجل ملتحي (وصفه الشريط بالمسلم) اسمه أبو عمر الغبرا ينتمي إلى تنظيم جبهة النصرة يحطم تمثالا صغيرا للسيدة مريم العذراء في سوريا في 2013. الشريط لم يتضمن هذه المعلومات وما قام به تنظيم جبهة النصرة المصنف بالإرهابي من انتهاكات ضد السوريين بغض النظر عن خلفياتهم. الشريط الثالث يشير إلى مجموعة من “الغوغاء المسلمين” يقذفون بشاب من سطح بناية ليلقى حتفه. الواقع هو أن الشريط المصور في 2013 في مصر يبين اشتباكات بين مؤيدي الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي ومعارضيه. أيضا هذه الخلفية كانت غائبة عن الشريط. السخط الكبير الذي تسبب به الرئيس ترامب في بريطانيا بسبب توزيعه لهذه الأشرطة التي أعطت التنظيم العنصري “بريطانيا أولا” نوعا من الشرعية، برأي المشرعين البريطانيين، يمكن أن يهدد زيارة الرئيس ترامب إلى بريطانيا المقررة في مطلع السنة الجديدة. السجال الحاد بين ترامب ورئيسة الوزراء ماي، خالف عقودا طويلة من العلاقات الودية والحارة بين البلدين.
هل يتمتع ترامب بمناعة مطلقة؟
رد فعل ترامب غير المبالي بالانتقادات الأمريكية والعالمية الموجهة إليه، وسلوكه وكأن الأمر لا يعنيه وامتناعه عن الاعتذار أو حتى الإجابة على الأسئلة المطروحة عليه بشأن تغريداته، يبين مرة أخرى أن ترامب يتصرف وكأن الدعم القوي الذي لا يزال يتمتع به في أوساط قاعدته الضيقة، التي لا تزيد عن 30 بالمئة من الناخبين، تجعله يتصرف وكأنه يتمتع بمناعة مطلقة تحميه من خصومه الكثيرين. ويتوقع بعض المراقبين أن عدم مبالاة ترامب وحتى غطرسته في رفض الانتقادات الدولية قد تصبح سافرة أكثر إذا أفلح خلال الأيام القليلة المقبلة مع حزبه الجمهوري بتمرير قانون مثير للجدل يتعلق بالضرائب، والذي سيكون بمثابة أول إنجاز تشريعي للرئيس خلال سنته الأولى في الحكم.
يوم الأربعاء سافر ترامب إلى ولاية ميزوري ليلقي خطابا يشرح فيه فوائد خطته لما يسميه مشروع قانون تخفيض الضرائب (الخبراء المحايدون يقولون إن الخطة مصممة لخدمة الأثرياء والشركات). خطاب ترامب، الذي قوبل بترحيب حار من جمهوره الذي كان يقاطعه بالتصفيق والهتافات، كان مزيجا غريبا من التبجح بسجله الفريد من نوعه في البيت الأبيض، ونكران الواقع، والغلو الشخصي والنرجسية المفرطة، مثل قوله لجمهوره “انظروا اليّ، أنا الرئيس. لا يهمني الأمر. لا يهمني الأمر بعد الآن”. وباستثناء حفنة صغيرة من المشرعين الجمهوريين، لا يزال ترامب يحظى بتأييد أكثرية الجمهوريين في الكونغرس. بعض هؤلاء ينتقدون ترامب في مجالسهم الخاصة، ويوافقون على أن تصرفاته محرجة وحتى مشينة وخطيرة، ولكنهم يبررون تساهلهم معه برغبتهم بتمرير مشاريع القرارات والخطط التي تهمهم كجمهوريين. بعض هؤلاء قد يتخذون مواقف متشددة أكثر تجاه ترامب بعد إقرار خططهم في الكونغرس، أو إذا تبين بعد الانتخابات النصفية بعد سنة أن الحزب قد خسر سيطرته على مجلس النواب، عندها ينقلب بعضهم ضد ترامب، لأن أنظارهم آنذاك سوف تكون مركزة على الانتخابات العامة في 2020.
ويغالي بعض المشرعين الأمريكيين في مديحهم للرئيس ترامب لأنهم يدركون أن الثناء المفرط عليه هو مفتاح قلبه. السيناتور أورين هاتش أثار الاستغراب حين قال إن ترامب “هو من أفضل الرؤساء الذين خدمت معهم”. ولكن لم يصل أي من المشرعين في مجلس الشيوخ إلى مستوى التزلف الرخيص الذي وصل إليه السيناتور ليندسي غراهام الذي ارتكب الخطأ الكلاسيكي الذي يرتكبه العديد من السياسيين الذين لا يتمتعون بذاكرة جيدة. ويوم الخميس شكى غراهام في مقابلة مع شبكة سي أن أن من الصحفيين الذين يحاولون بإصرار واستمرار وصف ترامب بأنه “مجنون وغير مؤهل لكي يكون رئيسا” وأضاف أنه يشعر بالاحباط جراء هذه الهجمات المزعجة. وفور بث المقابلة، سارع صحفيون إلى إعادة بث مقابلة للسيناتور غراهام مع شبكة فوكس نيوز في بداية 2016 حين كان السيناتور غراهام من أنصار المرشح الجمهوري جيب بوش، وصف فيها ترامب بأنه “مجنون”، كما قال غراهام في تغريدة له في ذلك الوقت أن ترامب “ليس مؤهلا لأن يكون رئيسا للولايات المتحدة”.
هذه تطورات أسبوع آخر من الغرابة والسريالية السياسية في نهاية السنة الأولى من حقبة الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة : دونالد ج. ترامب.