ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
الاعلان المفاجيء عن قمة أمريكية-كورية شمالية في نهاية شهر آيار-مايو المقبل، يؤكد من جديد ميل الرئيس دونالد ترامب للتصرف خارج الأعراف والتقاليد الدبلوماسية المعهودة. الانتقال من التهديد “بالتدمير الكامل” لكوريا الشمالية إلى الاجتماع وجها لوجه مع زعيمها، كان مدويا.
الموافقة السريعة لترامب للاجتماع بالزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون الذي وصفه في السابق “بالمجنون” و”السمين والقصير” و “الرجل الصاروخي”، والذي رد عليه كيم يونغ أون بوصف ترامب “بالرجل الخرفان”، تتناقض مع معظم مواقف ترامب المتعلقة بالأزمة الكورية، والتي وصلت إلى مستوى التوبيخ العلني لوزير خارجيته ريكس تيلرسون، لأنه تجرأ على الدعوة لحوار ديبلوماسي مع كوريا الشمالية. قبول ترامب السريع بلقاء كيم يونغ أون، قبل مناقشة الأمر مع وزير خارجيته ومع أقطاب الحزب الجمهوري، وقبل التحضير للقمة بلقاءات بين مسؤولين وخبراء من البلدين، وفقا للأعراف والتقاليد التي عهدناها في المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، أو حتى المفاوضات التي جرت بين أمريكا وكوريا الشمالية في السابق، يبين مرة أخرى أن ترامب كان منسجما مع نفسه ومع أسلوبه في العمل: الاندفاع والتسرع في اتخاذ القرارات، ثم التراجع عنها أو لوم الآخرين إذا لم تؤد إلى النتائج التي يسعى إليها. كما أن الموافقة على القمة المفاجأة، ينسجم مع اسلوب ترامب في استخدام القضايا الخارجية أو التحديات الأمنية للتغطية على مشاكله وتحدياته الداخلية. مفاجأة القمة الأمريكية-الكورية الشمالية جاءت في الوقت الذي يواجه فيه ترامب تمردا من حزبه الجمهوري في الكونغرس بسبب قراره المتهور والسريع بفرض تعريفات عالية على استيراد الصلب والالومنيوم ، دون استشارة مساعديه البارزين المعنيين بالاقتصاد والتجارة والأمن القومي، الأمر الذي دفع بغاري كوهين، وهو أبرز مستشار اقتصادي لترامب إلى الاستقالة . كما يأتي هذا القرار في الوقت الذي يوسع فيه المحقق الخاص روبرت مولر من تحقيقاته بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، حيث يقترب أكثر فأكثر من عائلة ترامب وبالتحديد من صهره جاريد كوشنير.
انتصار تكتيكي لترامب أم لكيم يونغ أون؟
وبغض النظر عن جدوى الإعلان عن القمة الكورية-الأمريكية، وبغض النظر عما يمكن أن تؤدي إليه، فإن هذه الزوبعة التي أثارها ترامب سوف تحظى باهتمام اعلامي واسع وسوف تقلص – لوقت محدود على الأقل- من التغطية الاعلامية المكثفة لمشاكل وكبوات ترامب في الأيام والأسابيع الأخيرة. وفور الاعلان عن القمة، بدأ النقاش بين المحللين والمسؤولين السابقين عما إذا كانت القمة نتيجة لضغوط وتهديدات ترامب باللجوء إلى الخيار العسكري ضد كوريا الشمالية، أو كما يقول آخرون، أن قبول ترامب للاجتماع بكيم يونغ أون، هو انتصار لزعيم كوريا الشمالية لأن مجرد اجتماعه بالرئيس الأمريكي، يعني الاعتراف بنديته وبأنه يرأس دولة نووية ، وبأن تجاربها الصاروخية والنووية قد جلبت له قمة مع رئيس أمريكي، وفتحت له مجال التفاوض مع الولايات المتحدة وربما مع حليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية للحصول على مساعدات اقتصادية، وخاصة بعد أن أدت العقوبات الاقتصادية الأمريكية والضغوط المماثلة من الصين إلى تأزيم الوضع الاقتصادي في كوريا الشمالية.
ولكن حتى المشككين بترامب وحتى بعض أقسى منتقديه سوف يعترفون حتى قبل معرفة ما سيحدث في الأسابيع والأشهر المقبلة، بأن تهديداته باستخدام “النار والغضب” ضد كوريا الشمالية، بما في ذلك “تدميرها” كما قال في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، هي التي دفعت بالزعيم الكوري الشمالي للقول بأنه يرغب “بالاجتماع بالرئيس ترامب بأسرع وقت ممكن” كما قال تشونغ يو يونغ Chung Eui-yong مستشار الأمن القومي لكوريا الجنوبية الذي حمل هذه المشاعر للرئيس ترامب ومساعديه. ولكن نقاّد الرئيس ترامب يحذرون من أن المفاوضات مع كوريا الشمالية ستكون صعبة نظرا لغياب الطاقم الديبلوماسي ذو الخبرة الواسعة بشؤون الكوريتين، وخاصة بعد استقالة أو إقالة كفاءات ديبلوماسية هامة من وزارة الخارجية. وحتى بعد مرور أكثر من سنة على وجود ترامب في البيت الأبيض لا يوجد لواشنطن سفير في كوريا الجنوبية، ولا مساعد دائم لوزير الخارجية لشؤون آسيا. وما يقلق الخبراء والدبلوماسيين السابقين هو أن الرئيس ترامب يعتقد أنه مفاوض ذكي للغاية، وأنه لا يحتاج إلى الخبراء والأخصائيين. وحتى خلال الساعات القليلة التي عقبت الاعلان، حذّر البعض من أن كيم يونغ أون ينصب كمينا لترامب الذي يمكن أن يقدم تنازلات غير متوقعة بطريقته الاعتباطية، وخاصة إذا لعب الكوريون الشماليون على ضعف ترامب وتعلقه بالمديح والثناء ومظاهر الترحيب الاحتفالية. ترامب يطالب بنزع الأسلحة النووية من كوريا الشمالية، ولكن معظم الخبراء لا يتوقعون ذلك، ولذلك يحذرون من التسرع بقبول اجتماع قمة، قبل التحضير له على مستوى أدنى.
غضب ترامب دفعه لافتعال أزمة التعريفات
قرار ترامب الاعتباطي والمتسرع بفرض رسوم تعريفات عالية على استيراد الصلب والالومنيوم، والذي أثار سخط الحلفاء في أوروبا وكندا والمكسيك، والذي يرى العديد من الخبراء أنه سيضر بالاقتصاد الأمريكي في المدى البعيد، جاء نتيجة غضبه واحباطه لأسباب لا علاقة لها بالتعريفات. وقال أكثر من مسؤول في البيت الأبيض في تسريبات لوسائل الاعلام أنه عشية القرار كان ترامب في حالة غضب جياش، بسبب شهادة مسؤولة الاتصالات في البيت الأبيض هوب هيكس في الكونغرس والتي قالت فيها إنها كانت تقول “أكاذيب بيضاء” للدفاع عن ترامب، واستيائه من وزير العدل جيف سيشنز، وبسبب استيائه من قرار مدير المكتب الأبيض الجنرال جون كيلي تقليص قدرة صهره جاريد كوشنير على الاطلاع على المعلومات البالغة السرية. ووفقا للمسؤولين كان ترامب يفتش عن مواجهة، وقرر اختيار الحرب التجارية، بتشجيع من بعض مساعديه وضد المشورة التي تلقاها من مستشاره كوهين ووزير الخزانة ستيف مانوشن. وعندما أدرك ترامب مدى سلبية ردود الفعل الخارجية، والانتقادات الفورية الصادرة عن أقطاب الحزب الجمهوري وتهديد بعضهم بتعطيل القرار، والأثر السلبي للقرار على الأسواق المالية في نيويورك، قام بما يقوم به عادة، أي تصعيد المواجهة، وقال في استخفاف واضح لمنتقديه في الداخل والخارج “الحروب التجارية جيدة، ومن السهل الفوز فيها”. ترامب يريد إرضاء شريحة ضيقة جدا من العاملين في مصانع الصلب والألومنيوم في بعض الولايات التي فاز فيها، بحجة حماية وظائفهم، دون أن يدرك أن الثمن الآني الذي ستدفعه أمريكا هو خسارة أكثر من 146 ألف وظيفة، ناهيك عن تأزيم العلاقات مع معظم حلفاء الولايات المتحدة من الدول الصناعية. وبينما تقوم الصين واليابان بفتح آفاق جديدة في العلوم والتقنيات التي تؤهلها للتنافس التجاري في العقود المقبلة، يصر ترامب على حماية وظائف قليلة نسبيا في صناعات تقليدية مثل مصانع الصلب، وكأنه لا يزال يعيش في عقد الخمسينات من القرن الماضي وليس في اقتصاد معقد ومعولم لا يمكن صيانته إلا عبر التجارة المفتوحة.
ولعل أبرز مثال على كيفية استخدام ترامب لقضايا السياسة الخارجية لأغراض داخلية هو إصراره على بناء الجدار العازل على الحدود مع المكسيك، وادعائه أن المكسيك سوف تتحمل تكليفه. ترامب يبرر ذلك بأن يريد تنفيذ وعد قطعه لناخبيه قبل انتخابه.
ترامب في الشرق الأوسط
في تعامله مع إيران، يلجأ ترامب إلى استخدام لهجة قوية ضد طهران وسياساتها المتعلقة برنامجها النووي، وإجراءاتها التخريبية التي تهدد مصالحها ومصالح اصدقائها في دول مثل سوريا ولبنان واليمن وتحديدا العراق. وهو في ذلك يتوجه إلى شريحة دعمت مواقفه المتشددة من طهران خلال الحملة الانتخابية. ومع أنه رفض التصديق على التزام إيران بتعهداتها وفقا للاتفاق النووي، إلا أنه طلب من الكونغرس والدول الأوروبية البحث عن وسائل ضغط جديدة على إيران لتعديل الاتفاق النووي، ولكنه لم ينسحب من الاتفاق كما ألزم نفسه خلال الحملة. وحول هذه النقطة يلتقي أصدقاء واشنطن في المنطقة، ومن بينهم دول خليجية عربية وإسرائيل على القول إن ترامب يكتفي بالتهديدات اللفظية، ولكنه غير مستعد على ترجمة تهديداته إلى سياسة عملية تزيد من الضغوط الفعلية على إيران، لأن كل ما قاله ترامب ومساعديه لم يؤد إلى إرغام إيران على تخفيف دعمها لنظام الأسد في سوريا، على الرغم من المأساة الإنسانية التي يشهدها العالم في الغوطة الشرقية التي تدقها قنابل وصواريخ نظام الأسد وحلفائه، بما في ذلك القنابل والصواريخ المزودة بمادة الكلورين القاتلة. وحتى الآن ليس من الواضح ما إذا كان للرئيس ترامب سياسة تجاه سوريا. البيت الأبيض أعلن أن القوات الخاصة الأمريكية المتعاونة مع قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الأكراد عصبها العسكري سوف تبقى في شمال شرق سوريا، لمنع عودة إرهابيي تنظيم “الدولة الإسلامية” وكذلك قوات النظام السوري. هذه السياسة تتعرض للتهديد الآن لأن عناصر كردية عديدة انسحبت من مراكز انتشارها مع الأمريكيين للمشاركة مع أكراد عفرين في صد الاجتياح التركي، كما أن واشنطن لا تريد لعب أي دور سياسي في سوريا، وتركت هذه المهمة لروسيا.
ولا شك أن أسوأ قرار في مجال السياسة الخارجية اتخذه ترامب ويرتبط كليا بحساباته الداخلية، هو قراره في نهاية السنة الماضية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس مع احتفال إسرائيل بالذكرى الخمسين لتأسيسها. ترامب برر قراره بأنه تنفيذ قطعه لأنصاره من المسيحيين الإنجيليين المتشددين وغلاة اليهود الأمريكيين خلال الحملة الانتخابية. ويتصرف ترامب وممثلته لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، وكأن “سحب مسألة القدس من على طاولة المفاوضات” هو عمل شجاع وسوف يؤدي وفق معاييرهم المختلة إلى تحسين فرص السلام، وهو أمر لا تستطيع أي قيادة فلسطينية القبول به. القرار حظي برضى هذه الفئات الداخلية، وهذا ما يهم ترامب، وليس ما اذا كان القرار سيحسن من فرص السلام أم لا.
الأثر الآني لقرار ترامب قبول عقد قمة مع خصمه كيم يونغ أون، سيكون ايجابيا لأنه سيخفف التوتر بين واشنطن وحليفتيها، اليابان وكوريا الجنوبية من جهة، وكوريا الشمالية من جهة أخرى. ولكن الطريقة غير التقليدية والمتسرعة التي تم فيها التوصل إلى هذا القرار يمكن أن تؤدي إلى تقويض القمة لأن كلا من الرئيس الأمريكي وزعيم كوريا الشمالية معروفان بتسرعهما وتهورهما ونرجسيتهما، ما يعني أن العالم يتعامل مع قائدين لا يمكن التنبؤ بسلوكهما. بعد أكثر من سنة في الحكم، لم تطور إدارة الرئيس ترامب استراتيجية واضحة لكيفية تعاملها مع العالم الخارجي، وأبرز السمات التي تميز سياسات ترامب الخارجية – إذا كان بالإمكان الحديث عن سياسة خارجية واضحة- هو أنه نجح في “تغريب” الحلفاء التقليديين من كندا والمكسيك، إلى أوروبا الغربية، وركز على الثناء على الحكام المتسلطين والأوتوقراطيين الأقوياء الذين يحكمون روسيا والصين وتركيا ومصر والفيليبين. قد يكون هناك ناحية إيجابية في الحوار الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وخاصة إذا استمر بجدية لبضعة أشهر، على مستوى الخبراء والاخصائيين، وهي أن انحسار القلق من مواجهة في شرق آسيا، سوف يفتح المجال نظريا على الأقل، لواشنطن لأن تركز اهتمامها أكثر على الخطر الذي تمثله سياسات إيران في المنطقة، واحتمال التصدي الجدي – سياسيا واقتصاديا وحتى أمنيا- لدورها السلبي في الدول العربية.