ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
خلال أسبوع واحد انتقلت الولايات المتحدة من موقف مهادن لنظام بشار الأسد في دمشق متناسية سجله الدموي، إلى شنّ أول ضربة عسكرية عقابية لنظام واصل هجماته الكيماوية ضد المدنيين السوريين. السبب المباشر للضربة هو القصف الكيماوي لبلدة خان شيخون في محافظة إدلب يوم الثلاثاء والذي أدى إلى مقتل وجرح المئات من المدنيين بمن فيهم عشرات الأطفال. واخيرا نفذ الرئيس دونالد ترامب التحذير الذي وجهه الرئيس السابق باراك أوباما للأسد بعدم تخطي الخط الأحمر الذي فرضه ضد استخدام الأسلحة الكيماوية في 2013.
وسارع المسؤولون الأمريكيون للقول إن الضربة شملت إطلاق 59 صاروخا من نوع توماهوك من سفينتين أمريكيتين متمركزتين في شرق البحر المتوسط ضد قاعدة الشعيرات في محافظة حمص والتي انطلقت منها الطائرات التي قصفت خان شيخون. الضربة العقابية، بغض النظر عن مضاعفاتها، غيرت الخطاب السياسي الراهن في واشنطن، والذي كان سلبيا بمعظمه تجاه الرئيس ترامب وإدارته بعد سلسلة من القرارات السياسية وتغريدات رئاسية محرجة ومكلفة، وتحقيقات جنائية من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) وأخرى تقوم بها لجان الكونغرس باحتمال ضلوع مسؤولين في حملة ترامب بالتدخل الروسي السافر في الانتخابات الرئاسية لصالح ترامب. وفجأة بدا أداء الرئيس ترامب “رئاسيا” وهو يخاطب الشعب الأمريكي شارحا الأسباب الأخلاقية والسياسية التي دعته لاستخدام القوة العسكرية، ليس فقط لصيانة الأمن القومي الأمريكي من خلال منع استخدام وانتشار أسلحة الدمار الشامل، ولكن أيضا حماية أرواح أطفال سوريا الذين شاهد بعضهم على شاشة التلفزيون وهم يحتضرون. كما ستفرض الضربة العسكرية على حلفاء وخصوم الولايات المتحدة إعادة النظر بمواقفهم الأولية من الرئيس الأمريكي الجديد، الذي استخدم القوة العسكرية، ولو بشكل محدود، خلال أول مئة يوم له في الحكم.
ضربة محدودة لهدف محدد
المسؤولون الأمريكيون أكدوا أن الهجوم عقابي ويهدف إلى ردع نظام الأسد ليتوقف عن استخدام الأسلحة الكيماوية، وهذا يفسر شن هجوم محدود ضد منشأة عسكرية محددة. ولا يوجد هناك أي دليل على أن قصف قاعدة الشعيرات يعكس تحولا سياسيا جذريا في موقف إدارة الرئيس ترامب من مستقبل بشار الأسد، أو أنه مقدمة لاعتماد سياسة تغيير النظام في دمشق، أو حتى تعاطفا جديدا مع المعارضة السورية غير الجهادية أو تسليحها. ومع ذلك سوف يفسر الهجوم في أكثر من مكان بأكثر من طريقة، بغض النظر عما سيقوله المسؤولون العسكريون والمدنيون. وبغض النظر عن الحسابات السياسية الداخلية التي انطوى عليها قرار ترامب، فإن الضربة العسكرية، إذا افترضنا أن مضاعفاتها سوف تبقى محدودة، سوف تفرض على إدارة الرئيس ترامب تعديل سياسته تجاه سوريا، والأهم من ذلك تجاه روسيا، لأن الضربة الأمريكية تمس مباشرة بمصالح موسكو التاريخية في سوريا. وكان دونالد ترامب قد وجه انتقادات قاسية للرئيس أوباما في 2013 و2014 حذره فيها من مغبة شن غارات جوية “غبية” ضد سوريا لمعاقبة نظام الأسد بعد الهجوم الكيماوي ضد الغوطة الشرقية وأدى إلى مقتل أكثر من 1400 مدني بينهم عدد كبير من الأطفال، أو التورط مرة أخرى في حرب في الشرق الأوسط.
الضربة سوف تفسر على أنها رسالة واضحة إلى جميع الأطراف المتحاربة في سوريا وفي طليعتها إيران وحلفائها بأن هناك شرطي جديد في البيت الأبيض لن يتردد في استخدام القوة العسكرية، حتى من جانب واحد إذا دعت الضرورة. اللافت أن اطلاق صواريخ توماهوك ضد قاعدة الشعيرات تزامن مع مأدبة عشاء أقامها الرئيس ترامب لضيفه الرئيس الصيني شي جين بينغ في منتجع مارا لاغو بفلوريدا الذي يحلو لترامب تسميته “البيت الأبيض الجنوبي”. ومن هنا يأتي تأكيد مسؤول أمريكي أن إطلاق 59 صاروخ توماهوك ضد هدف عسكري واحد في سوريا، هو رسالة صارخة إلى كوريا الشمالية، لكي لا تطور صواريخها الباليستية وقنابلها النووية بطريقة تجعلها قادرة، ولو نظريا، على تهديد أمن الولايات المتحدة، أو حليفتيها كوريا الجنوبية واليابان. ويأمل الرئيس ترامب إقناع ضيفه الصيني بفرض الضغوط الاقتصادية والسياسية لردع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ-أون، وإلا فإن الولايات المتحدة – كما قال ترامب في إحدى تغريداته الأخيرة- سوف تحقق ذلك بمفردها.
ومن الصعب في هذه المرحلة المبكرة التكهن بكيفية قراءة الأطراف المعنية للضربة الأمريكية وكيفية التعامل معها أو الرد عليها. هل سترد روسيا وإيران بطريقة مباشرة، أم بالوكالة؟ وهل سيأتي الرد في سوريا أو خارجها؟ وإلى أي مدى ستشجع الضربة الأمريكية المعارضة السورية غير الجهادية. رد الفعل الروسي الأولي جاء سلبيا، وهذا أمر متوقع، لأن الضربة العقابية لسوريا، هي ايضا ضربة للنفوذ الروسي في سوريا. التفاؤل الروسي الذي صاحب انتخاب ترامب، وآمال موسكو بتحسن ملحوظ في العلاقات مع واشنطن بعد انتخاب المرشح الذي أثنى بسخاء على مزايا الرئيس بوتين القيادية خلال حملته، واحتمال إلغاء العقوبات التي فرضتها واشنطن ضد موسكو عقب احتلالها وضمها لشبه جزيرة القرم في 2014، هذه الآمال تبخرت قبل الضربة الأمريكية لسوريا. الضربة العقابية لنظام الأسد، تعني أن العلاقات الأمريكية-الروسية لن تتحسن في أي وقت قريب.
ترامب يغير الخطاب السياسي
وجاءت الضربة العسكرية في نهاية أسبوع حفل بتغييرات وتطورات داخلية وخارجية مدويّة بعضها بدا للوهلة الأولى أكثر غرابة من الخيال. على صعيد السياسة الخارجية، استقبل ترامب خلال ثلاثة ايام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وناقش معهما سبل مكافحة الارهاب والحرب في سوريا، ومع الرئيس الصيني شي جينغ بينغ، الذي ناقش معه ايضا الحرب في سوريا، وايضا الخلافات بين الطرفين حول التجارة الدولية، حيث تشكو واشنطن من العجز التجاري مع الصين والبالغ 300 مليار دولار. على الصعيد الداخلي، قام الرئيس ترامب بإقصاء مستشاره المقرب ستيفن بانون من عضوية مجلس الأمن القومي، في خطوة اعتبرت تأكيدا لأهمية دور مستشار الأمن القومي إتش آر ماكماستر الذي يريد أن يدير مجلسه بطريقة تقليدية وعقلانية. كما تسبب التحقيق بالتدخل الروسي في الانتخابات بخلق ضحية جديدة، هذه المرة بشكل ديفين نونيز رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الذي اضطر للنأي بنفسه عن التحقيق في التدخل الروسي، بعد أن قام بزيارة سرية إلى البيت الأبيض واطلع على وثائق قال أولا إنها ليست من مسؤولين في البيت الأبيض، وهو أمر ثبت أنه غير صحيح وأوحى خطأ أن أجهزة الاستخبارات خلال ولاية الرئيس أوباما قد تجسست على أفراد في حملة ترامب. سلوك النائب نونيز الغريب، دفع السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام لتشبيهه بشخصية المفتش “كلوزو” Clouseau الكوميدية. ومما لا شك فيه، أن الرئيس ترامب بقرار واحد، نجح في تغيير الخطاب السياسي في واشنطن، وابعد الأنظار – ولو مؤقتا- عن مشاكله المحرجة. ولكن قراره يمكن أن يؤدي أيضا إلى تداعيات وتطورات قد لا يستطيع الإفلات من عواقبها.
رغبة الرئيس ترامب بتوجيه ضربة عسكرية عقابية لنظام بشار الأسد، ترجمها وزير الدفاع جيمس ماتيس والمستشار ماكماستر بهجوم محدود – جرى بعد إبلاغ ضباط سلاح الجو الأمريكي نظرائهم الروس بأن نظام الأسد سوف يتلقى ضربة عسكرية – ولأن الضربة جاءت بسرعة نسبية وفي الوقت الذي لا يزال فيه الغضب العالمي في أوجه، من المتوقع أن تكون ردود الفعل الدولية ايجابية وخاصة من الدول الأوروبية والشرق أوسطية. ردود الفعل الأولية من قبل قادة الكونغرس وخاصة الجمهوريين كانت ايجابية. عضوا مجلس الشيوخ الجمهوريان السيناتور جون ماكين والسيناتور ليندسي غراهام اثنيا في بيان مشترك على قرار ترامب أن الولايات المتحدة قد بعثت “برسالة هامة تقول إنها لن تقف متفرجة بعد الآن بينما يواصل الأسد ذبح السوريين الأبرياء بالأسلحة الكيماوية، مدعوما من حاكم روسيا، بوتين.” ولكن ماكين وغراهام يريدان أكثر من هجوم محدود، وهما وبدعم من أعضاء آخرين في المجلس سيدعون إلى إقامة مناطق آمنة على الحدود مع الأردن أو تركيا، وكذلك إلى مواصلة العمليات الجوية ضد قوات النظام. وفي المقابل هناك السيناتور الجمهوري راند بول الذي ذّكر بأن الرئيس يحتاج لتفويض من الكونغرس للقيام بعمليات عسكرية. وسيجد الديمقراطيون في الكونغرس صعوبة في تحدي قرار ترامب باستثناء الدعوة للحصول على تفويض من الكونغرس لاستخدام القوة العسكرية. وكانت هيلاري كلينتون قبل وصول صواريخ توماهوك إلى أهدافها قد دعت إلى التصدي العسكري لبشار الأسد.
يوم الخميس الماضي قالت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي أن “أولوياتنا لم تعد الجلوس والتركيز على التخلص من الأسد”. وعكس وزير الخارجية ريكس تيليرسون موقفا مماثلا حين قال إن مستقبل بشار الأسد “سيقرره الشعب السوري”. بعد أسبوع واحد، حملت المندوبة هايلي صور أطفال بلدة شيخون الذين قتلهم الغاز السام، بينما تحدث تيليرسون علنا عن احتمالات التخلص من بشار الأسد … أسبوع اكتشف فيه الرئيس ترامب أنه سيضطر إلى اتخاذ قرارات تتعلق بالحرب والسلم، وتؤدي إلى مقتل الآخرين من أمريكيين وغير أمريكيين، وأيضا إنقاذ أرواح مدنيين وأبرياء، مثل الأطفال السوريين الذين شاهد بعضهم وهم يحتضرون.