ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
خلال ثلاثة أيام، وعبر ثلاثة خطب، شاهد الأمريكيون الرئيس ترامب وهو يلقي خطابا يوم الأثنين حول استراتيجيته في أفغانستان تراجع فيه عن تعهداته بإنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، معتمدا إلى حد كبير نفس سياسة سلفه أوباما. ترامب قرأ نصا كتبه المسؤولون في مجلس الأمن القومي، وفعل ذلك بجدية عكست خطورة الحرب، خاصة وأنه ألقاه أمام جمهور من العسكريين. وفي اليوم التالي،ألقى ترامب خطابا مرتجلا استمر لساعة وربع، أمام جمهور متحمس من مؤيديه في مدينة فينيكس بولاية أريزونا، كان أبعد ما يكون عن أي خطاب يمكن لرئيس أمريكي أن يلقيه. ومع أن الرئيس الأمريكي معروف بعدائه السافر لكبريات الصحف وشبكات التلفزيون والإعلاميين الذين وصفهم في السابق “أعداء الشعب”، إلا أنه رفع من حدة هجومه ضد الصحفيين، وبدا وكأنه يحرض جمهوره ضدهم، حين اتهمهم بأنهم لا يحبون أمريكا، الأمر الذي أثار قلق بعض المراقبين من احتمال تعرض الصحفيين والمعلقين المعروفين بانتقاداتهم لترامب إلى أعمال انتقامية. ترامب لم يهاجم أعداءه المفترضين أو الذين يتخيلهم، ولكنه هاجم أقطاب بارزين في الحزب الجمهوري يحتاج إلى دعمهم في الكونغرس إذا أراد بالفعل إقرار أي قوانين جديدة. وتحدث ترامب باستخفاف عن الجمهوريين، مشيرا إلى أن مساعديه توسلوا إليه لكي يتجنب ذكرهم بالاسم، وقال ضاحكا أنه لن يفعل، وأن في الحقيقة أوضح بشكل لا لبس فيه من يعنيه: رئيس الأكثرية الجمهوري في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، الذي حمّله مسؤولية إخفاق مجلس الشيوخ بإقرار قانون رعاية بديل لقانون الرئيس أوباما، والسيناتور جون ماكين ( ولاية اريزونا) الذي يعالج من سرطان في الدماغ، لأنه صوت ضد مشروع القانون ذاته، والسيناتور جيف فليك ( ولاية اريزونا) لأنه تجرأ وانتقد ترامب أكثر من مرة. وألمح ترامب إلى أنه سيصدر عفوا قريبا عن جو آربيو، الشريف السابق في إحدى مقاطعات ولاية اريزونا بعد أن صدر حكم قضائي بحقه بسبب ممارساته العنصرية وتحديدا ضد المهاجرين المكسيكيين، لأن ترامب يعتبره صديقا، دعمه خلال حملته الانتخابية.
وهدد الرئيس ترامب بتعطيل أعمال الحكومة وخدماتها للمواطنين إذا رفض الكونغرس صرف الاعتمادات للبدء ببناء الجدار العازل على الحدود الجنوبية مع المكسيك. وكان بناء الجدار من أبرز شعارات المرشح ترامب، ولكنه كان دائما يؤكد وبثقة مطلقة أنه سيفرض على المكسيك دفع نفقات الجدار. ولكن في وجه رفض المكسيك المطلق قبول هذا الطلب التعجيزي، ولكي يحافظ على وعده الانتخابي، تراجع ترامب وطلب من الكونغرس تمويل بناء الجدار الذي يمكن أن تزيد نفقاته عن عشرين مليار دولار. ولم يحدث من قبل أن قام رئيس أمريكي يسيطر حزبه على مجلسي الكونغرس بالتهديد “بإغلاق الحكومة”. وفي اليوم الثالث، القى ترامب خطابا مكتوبا أمام جمعية المحاربين القدامى تحدث فيه عن ضرورة “بلسمة الجراح التي فرقتنا، والسعي لوحدة جديدة مبنية على القيم المشتركة التي تجمعنا”. ويبدو أن الرئيس الأمريكي قد نسي أنه قبل 24 ساعة كان يعمّق الجروح التي قال لاحقا إنه يسعى لبلسمتها.
كسوف كامل للحقائق
جاء هجوم ترامب ضد الصحافة الأمريكية، في سياق دفاعه – مرة أخرى – عن أدائه الذي أثار الاستهجان خلال أحداث مدينة شارلوتسفيل العنصرية الدموية، لأنه ساوى في البداية بين المتظاهرين النازيين والعنصريين الذين تسببوا بالعنف، والمتظاهرين المضادين لهم. وخصص ترامب وقتا طويلا لسرد وتكرار مواقفه في أعقاب أعمال الشغب، وتبريرها، متناسيا الإشارة إلى المواقف التي أثارت حتى غضب الجمهوريين في الكونغرس. ودعا ترامب إلى “فضح تضليلات الإعلام الملفق، وتحدي وسائل الإعلام في دورها الذي يعمق الانقسامات..معظم هؤلاء الناس هم غير صادقون”. ووصف ترامب الإعلاميين بأنهم “أناس مرضى، ولا يحبون بلادكم، ويحاولون أن يسرقوا منا تاريخنا وتراثنا”، مستخدما كلمات ذات مغزى سياسي محدد مثل “تراثنا” وهي كلمة يستخدمها مؤيدو الحفاظ على رموز الحرب الأهلية المتمثلة في تماثيل ونصب الجنرالات والمسؤولين في الكونفدرالية الجنوبية التي انفصلت عن الاتحاد الفيدرالي وتسببت بالحرب. قيام ترامب بتصعيد هجماته ضد الإعلاميين، وذكره لوسائل إعلامية وصحفيين بالاسم، والادعاء خلال كلمته –دون أي أساس من الصحة- أن وسائل إعلام مثل شبكة التلفزيون سي أن أن قد اوقفت البث الحي لخطابه، في هذا الوقت الذي لا تزال فيه التوترات العنصرية ساخنة، أثار مخاوف العديد من المعلقين والصحفيين مثل جيم فانديهاي المدير التنفيذي لموقع آكسيوس، ويوجين روبنسون المعلق في صحيفة واشنطن بوست من أن تؤدي تحريضات ترامب إلى التسبب بأعمال عنف ضد الإعلاميين على يد أنصاره.
وعقب خطاب ترامب مساء الثلاثاء رد العديد من المعلقين ومقدمي البرامج التلفزيونية وكأنهم في جوقة واحدة بكلمات جارحة ضد الرئيس يندر سماعها من هذه الشريحة، مثل اتهامه بـ”الكذب” و”التضليل” و”التحريض”. وقال دون ليمون، مقدم برنامج حواري في شبكة سي أن أن “ما رأيناه الآن هو كسوف كامل للحقائق. اعتلى رجل خشبة المسرح وكذّب بشكل سافر على الشعب الأمريكي…هذا أمر محرج ليس لنا كصحفيين أو لأنه هاجمنا، بل محرج للبلاد. هل هذا هو الرجل الذي انتخبناه كرئيس للولايات المتحدة؟”. وخلال البرنامج استضاف ليمون، جيمس كلابر، المدير السابق للاستخبارات الوطنية، الذي أعطى تقويما مقلقا للغاية للرئيس ترامب، يكاد يكون غير مسبوق بهذا المستوى، مشيرا إلى أن كلام ترامب “مخيف بالفعل ومقلق. أنا أشكك بالفعل، بأهليته للقيام بمهامه، وبدأت أتساءل عن دوافعه”. واستنكر كلابر “السلوك التقسيمي” لترامب “وافتقاره الكامل للمزايا الفكرية والأخلاقية”، وبعد أن تساءل إلى أي مدى يمكن للبلاد “أن تتحمل هذا الكابوس”؟ أعرب عن مخاوفه من احتمال قيام ترامب باستخدام السلاح النووي في حالة غضب ضد كوريا الشمالية . من جانبه، أعرب الجنرال المتقاعد مايك هايدن، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) عن مخاوف مماثلة، مشيرا إلى أن أجهزة الاستخبارات الأجنبية والحليفة سوف تتساءل الآن عن أهلية ترامب بالحكم، وبأي مسؤول أمريكي ستثق هذه الأجهزة من الآن فصاعدا.
الهاجس الروسي
الهجمات العلنية التي يشنها ترامب ضد القيادات الجمهورية في الكونغرس، عكست إحباطه العميق منهم ليس فقط لأنهم لم يحققوا له الإنجازات التشريعية التي يريدها، ولكن لسبب رئيسي آخر، وهو رفضهم مساعدته في طمس وتعطيل التحقيقات المختلفة من قبل لجان الكونغرس، وخاصة من قبل المحقق الخاص روبرت مولر في فضيحة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية. وهذه المسألة كانت محور مكالمات هاتفية، مع بعض القياديين ومن بينهم السيناتور ميتش ماكونيل، والسيناتور بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وتوم تيليس، واتسمت بالحدة ( وبالصراخ المتبادل بين ترامب والسيناتور ماكونيل). وقد شكى ترامب في هذه المكالمات لأن ماكونيل لم “يحميه” من التحقيقات بشأن التدخل الروسي في الانتخابات، ولأن كوركر لم يتصد للعقوبات الجديدة ضد روسيا، ولأن تيليس أصر على المضي بطرح مشروع قرار يمنع ترامب من إقالة المحقق مولر.
وفي تطور جديد يمكن أن يعمق من معضلة ترامب وعلاقاته مع روسيا، مَثل غلين سيمبسون، مؤسسة مكتب تحقيقات خاص اسمه فيوشن جي.بي.إس، قام بتجميع الدوسيه السيء الصيت حول علاقات ترامب بروسيا، والذي تضمن ادعاءات حول ممارسات شخصية محرجة، وعلاقات ترامب المالية مع الروس، مَثل أمام اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ لمدة 10 ساعات أجاب خلالها على اسئلتهم، وأكد لهم صحة المعلومات في الدوسيه. وكان مكتب فيوشن جي.بي.إس قد طلب من كريستوفر ستيل المسؤول السابق في الاستخبارات البريطانية والذي له خبرة في الشؤون الروسية تجميع أي معلومات سلبية عن ترامب وعلاقاته مع الروس. وأظهرت المعلومات التي جمعها ستيل أن ترامب بالفعل قد تواطأ مع الروس لهزيمة مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، إضافة إلى معلومات محرجة لترامب يملكها الروس ويمكن أن يستخدمونها لابتزازه. وهناك احتمال كبير بأن تطلب اللجنة من مؤسس مكتب فيوشن جي.بي.إس أن يدلي بشهادة علنية أمام اللجنة، أو أن تنشر اللجنة نص تحقيقها المغلق معه، مع ما يعنيه ذلك من إحراج للرئيس ترامب، إذا تبين بالفعل أن الدوسيه يحتوي على معلومات تؤكد ضلوع ترامب في الجهود الروسية للتدخل في الانتخابات، أو أي معلومات أخرى مالية وغير مالية تكون محرجة له.
ترامب وشجون الشرق الاوسط
ومع أن الأسبوع المنصرم، حفل بتحديات داخلية بامتياز للرئيس ترامب، إلا أن حكومته اتخذت مواقف ابرزت من جديد أنها تتحدث بأكثر من صوت حول علاقاتها مع أصدقائها في الشرق الاوسط. ففي الوقت الذي قام به مستشار الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر بجولة في الشرق الأوسط على رأس وفد أمريكي لإحياء مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، جددت وزارة الخارجية الأمريكية رفضها إعادة تأكيد التزام واشنطن بالحل المبني على الدولتين للنزاع بين الطرفين، وهو الموقف الأمريكي الرسمي منذ سنوات. الناطقة باسم وزارة الخارجية هيذر ناورت قالت كلاما عاما مفاده أنه على الطرفين التوصل إلى حل مقبول. ولكن الوفد الأمريكي بعد محادثاته في الأردن وافق في بيان مشترك على اعتماد الحل المبني على الدولتين.
وفي خطوة أخرى لافتة، فاجأت المسؤولين في مصر، فقد أعلنت الخارجية الأمريكية عن تعليق تسليم مصر مساعدات عسكرية بقيمة 195 مليون دولار إلى حين قبول الحكومة المصرية بشروط أمريكية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وتحديدا القانون المصري الجديد الذي يقيد عمل المنظمات غير الحكومية. الخطوة تعكس أيضا استياء واشنطن من التعاون العسكري بين مصر وكوريا الشمالية. كما ألغت الحكومة الأمريكية تسليم 65 مليون دولار كمساعدات عسكرية للأسباب ذاتها، و30 مليون دولار كمساعدات اقتصادية بسبب رفض مصر التعاون مع واشنطن بشأن حقوق الإنسان. وهناك دعوات في واشنطن لتقديم هذه المساعدات المعلقة والتي كانت مخصصة لمصر إلى تونس.
وليس من المتوقع أن تؤدي المكالمة التي أجراها الرئيس ترامب مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي يوم الخميس إلى تعديل جذري في الموقف الأمريكي، في مؤشر آخر، على أن الإعجاب المتبادل بين ترامب والسيسي، لن يغير من مواقف الكونغرس السلبية تجاه الحكومة المصرية، وهي مواقف تعكس أيضا الانحسار التدريجي في أهمية مصر كلاعب إقليمي هام.