ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
تتفاقم المشاكل والتحديات السياسية والقانونية التي يواجهها الرئيس دونالد ترامب في أول مئة يوم له في الحكم، وهي الفترة التي أراد خلالها أن يتخذ قرارات جذرية تؤدي إلى تغييرات تاريخية في علاقات السلطة الفيدرالية بالمواطن، وعلاقات الولايات المتحدة بدول العالم. وحتى الآن لم يحقق ترامب أي إنجازات تشريعية، والقرارات التنفيذية التي وقعها وسط أجواء إعلامية احتفالية كانت بمعظمها إجرائية ورمزية. وبدلا من أن يستغل ترامب طاقاته بالتركيز على إقناع المشرعين بجدوى مقترحاته، ومصارحة الأمريكيين بما يتطلبه تخطي التحديات البنيوية التي يواجهها الاقتصاد من تضحيات وصبر استراتيجي ووحدة وطنية بعد معركة انتخابية عمقت الاستقطابات السياسية، فإنه يواصل تقويض مكانته وسلطته عبر التسبب بمناوشات سياسية هامشية، ولكنها خطيرة، أصابت البيت الأبيض بالشلل. وخلال الأسبوعين الماضيين طغت اتهامات ترامب الخالية من أي صدقية أو أدلة للرئيس السابق باراك أوباما بأنه أمر بمراقبة مكالمات ترامب قبل وبعد انتخابه، طغت على الحياة السياسية ووضعته والبيت الأبيض في موقع دفاعي محرج ومكلف، وجعلته يبدو ضئيلا ومتهورا أكثر من أي شيء آخر قام به أو تفوه به منذ تنصيبه رئيسا للبلاد.
مناوشات على مختلف الجبهات
وفي الأيام الماضية مُني ترامب بثاني هزيمة قضائية، عندما علّق قاض فيدرالي في ولاية هاواي تطبيق القرار التنفيذي المعدّل لترامب والقاضي بحظر سفر رعايا ستة دول ذات أكثرية مسلمة لتسعين يوما، بحجة أنه يميز ضد المسلمين. كما وجد نفسه في مواجهة مع بعض قادة الحزب الجمهوري بسبب الجدل والاستياء اللذين آثارهما مشروع قرار استبدال قانون الرعاية الصحية للرئيس أوباما والمعروف باسم “أوباما كير”، وخاصة بعد الكشف عن أنه في حال تحول مشروع القرار إلى قانون، فأن عدد المحرومين من الضمان الصحي سيرتفع إلى 24 مليون مواطن بحلول عام 2026. وإذا لم تكن مشاكل ترامب كافية للأسبوع المنصرم، فإن “الميزانية النحيفة” التي قدمها إلى الكونغرس للسنة المالية 2018 تتضمن زيادة ضخمة في ميزانية وزارتي الدفاع والأمن الوطني تصل إلى حوالي 60 مليار دولار، وذلك على حساب اقتطاع وإلغاء برامج تعليمية وغذائية للأطفال والفقراء، وبرامج تدريبية للعاطلين عن العمل، اضافة إلى الغاء التمويل الحكومي للفنون. وهذه إجراءات سوف تواجه معارضة قوية من الحزبين. وسوف يشعر العالم بهذه التخفيضات لأنها ستشمل تخفيض ميزانية وزارة الخارجية بثمانية وعشرين بالمئة، وهو تخفيض غير مسبوق، وسوف يطال برنامج المساعدات الخارجية التي تشرف عليه الوزارة حيث تستفيد منه بشكل رئيسي دول مثل إسرائيل ومصر، وإلى حد أقل الأردن وتونس ولبنان.
وسوف تخفض واشنطن نسبة مساهمتها في الأمم المتحدة، وخاصة تخفيض ميزانية قوى حفظ السلام إلى 25 بالمئة، وكذلك تقليص مساهمتها بميزانية البنك الدولي. وكما هو متوقع قوبلت الميزانية بانتقادات متوقعة من الديمقراطيين، وأخرى غير متوقعة من الجمهوريين. وبغض النظر عن التعديلات التي سيتم إدخالها على الميزانية، وهذا أمر متوقع، لأن مجلس النواب هو الذي يقرر الحجم النهائي للميزانية، إلا أن طبيعة التخفيضات (في الخدمات التي تقدمها السلطات الفيدرالية للمواطنين)، والزيادات (في المجالات العسكرية والأمنية) يمثل خارطة الطريق التي يحاول ترامب شقها باتجاه راديكالي، بمساعدة وربما بإشراف مساعده للشؤون الإستراتيجية ستيفن بانون، الذي قال إنه يسعى إلى “تفكيك الدولة الإدارية”.
التغريد الصباحي وآلامه
قبل أسبوعين فاجأ –وربما الأصح صدم- ترامب الأمريكيين بإطلاق أربعة تغريدات نابية ومهينة ضد الرئيس أوباما اتهمه فيها بالتجسس عليه، وتساءل فيها عما إذا كان سلفه مريضا أم فقط رجل سيء. طبعا الرئيس الأمريكي قادر على أن يطلب من وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي وأجهزة الاستخبارات أن توضح له ما إذا كان هناك بالفعل أمر قضائي يسمح بأعمال التنصت ومراقبة تحركات أي مواطن. وهناك محكمة خاصة تصدر مثل هذه القرارات إذا تقدمت الحكومة بطلب من هذا النوع مدعوما بالوثائق التي تبرر شكوك السلطات بالشخص المستهدف. ولكن ترامب رفض ذلك، وطلب من لجان الاستخبارات في الكونغرس أن تجري التحقيقات بالتهم. ومع أن الناطق باسم البيت الأبيض شون سبايسر حاول في الأيام الماضية الإيحاء بأن ترامب لم يتهم أوباما بالتجسس عليه بالمعنى التقليدي، إلا أن ترامب وبعد صمت استمر لاحدى عشر يوما، جدد اتهامه لأوباما مدعيا أن ما قاله لا يعني التنصت على مكالماته الهاتفية، بل يشمل أنواع أخرى من الرصد. وحاول مرة أخرى التملص من الإجابة على السؤال البسيط : لماذا لا تطلب من مكتب التحقيقات الفيدرالية (أف بي أي) أن تعطيك الأدلة، إذا كانت هناك بالفعل أدلة. وكان قادة لجان الاستخبارات الجمهوريون قد طلبوا معلومات بهذا الشأن من وزارة العدل وحددوا موعدا لذلك. وبعد أن أخفقت الوزارة بتقديم الأدلة في الموعد المحدد، وطلبت اعطائها وقتا إضافيا، بدأت الانتقادات لترامب تتفاقم. ويوم الأربعاء قال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب ديفين نونيز، الذي كان من قادة فريق ترامب الانتقالي، أنه لم ير أي أدلة تثبت أن الرئيس أوباما قد تجسس على ترامب. ويوم الخميس قال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الجمهوري ريتشارد بور Burr وأبرز عضو ديمقراطي فيها السيناتور مارك وارنر في بيان مشترك “وفقا للمعلومات المتوفرة لنا فإننا لم نر أي مؤشرات بأن برج ترامب قد تعرض للرصد من قبل أي عناصر حكومية أمريكية لا قبل ولا بعد يوم الانتخابات ..”. وأكد رئيس مجلس النواب الجمهوري بول رايان أنه لم ير أي دليل يثبت اتهامات ترامب للرئيس أوباما، مضيفا “لم يكن هناك أي تنصت”. هذه الانتقادات الصادرة عن قيادات جمهورية في الكونغرس تصل إلى مستوى اتهام الرئيس ترامب ضمنا بالكذب. وهذه ليست المرة الأولى التي يورط فيها الرئيس ترامب القيادات الجمهورية في معارك وهمية وهامشية، كما فعل بعد انتخابه حين ادعى أن هناك حوالي 3 ملايين ناخب غير شرعي ساهموا في انتخاب هيلاري كلينتون وهم المسؤولون عن حصولها على حوالي 3 ملايين صوت إضافي في الاقتراع الشعبي. وكالعادة دعا ترامب إلى تحقيق في الكونغرس بهذا الشأن. وطبعا لم يكن هناك أي دليل يبين صحة هذا الادعاء الذي رفضه المسؤولون عن الانتخابات على مستوى الولايات، ومعظمهم من الجمهوريين.
الغريب في الأمر، أن ترامب برر خلال مقابلة أجرتها معه شبكة فوكس نيوز يوم الأربعاء اتهاماته لأوباما بالقول إنه قرأ تقارير صحفية (وذكر بالتحديد تقريرا لصحيفة نيويورك تايمز لا يتطرق إلى ما يدعيه ترامب) تحدثت عن تنصت ورصد من بينها مواقف الإعلامي التلفزيوني اليميني والمنحاز لترامب شون هانيتي في شبكة فوكس نيوز، ولمذيع آخر في الشبكة ذاتها وغيرهم. وكان مشهد ترامب الدفاعي هزيلا، وهو يبرر اتهاماته لأوباما بتقارير صحفية صدقيتها غير مضمونة، وهو رئيس للولايات المتحدة، ويملك صلاحيات كبيرة للتحقق مما إذا كان أوباما بالفعل قد تجسس عليه. وكان مشهد الناطق باسمه شون سبايسر يوم الخميس مؤلما، وهو يقرأ مقتطفات من مطبوعات ومواقع يمينية من بينها حسب ادعائه كلام للمعلق في شبكة فوكس نيوز القاضي أندرو نابوليتانو أدعى فيه أن الاستخبارات البريطانية قامت بمساعدة أوباما في التنصت على ترامب. وأصدر جهاز الاستخبارات البريطاني المعروف ب GCHQ بيانا نفى فيه هذه الادعاءات، قائلا “الاتهامات الأخيرة الصادرة عن الإعلامي القاضي أندرو نابوليتانو حول الطلب من GCHQ التنصت على الرئيس المنتخب (ترامب) هي هراء. هذه تهم سخيفة للغاية ويجب تجاهلها”.
بارانويا
تؤكد إدارة الرئيس ترامب مع مرور كل يوم أنها تختلف عن سابقاتها الجمهورية والديمقراطية، فهي أولا تحكم الولايات المتحدة بواسطة مسؤولين يفتقرون جميعا إلى الخبرة السياسية والإلمام بالشؤون البيروقراطية والإدارية وكيفية سن القوانين في الكونغرس وغيرها من الخبرات السياسية والإدارية الضرورية لحكم دولة ذات مؤسسات معقدة مثل الولايات المتحدة. الافتقار للخبرة السياسية كان واضحا في كيفية صياغة القرار التنفيذي الأول حول حظر سفر مواطني الدول الستة ( كانت سبعة في المرة الأولى) ذات الأكثرية المسلمة، وتنفيذه الاعتباطي والفوضوي. بعض مساعدي الرئيس مثل ستيفن بانون، ومساعده ستيفن ميلر لديهم رؤية متصلبة لمستقبل أمريكا كدولة قومية تريد الحد من هجرة غير الأوروبيين والمسلمين واللاتينيين، ولكن هذا لا يعني أن لديهم خبرة في صنع القرار السياسي.
واللافت هو أنه بعد مرور شهرين تقريبا على تنصيب ترامب، فإن حوالي 500 منصب رئيسي في الإدارة، تتطلب التصديق عليها من الكونغرس لا تزال شاغرة، لأسباب عديد من بينها إصرار البيت الأبيض على توظيف مسؤولين مؤيدين لترامب، ورفض تعيين أي جمهوري كان قد عارض ترامب خلال الانتخابات التمهيدية. ويتدخل البيت الأبيض من خلال بانون، أو صهر الرئيس ترامب، جاريد كوشنر. وحتى الآن رفض البيت الأبيض السماح لوزير الخارجية ريكس تيليرسون تعيين المسؤول السابق اليوت ابرامز نائبا له، لأن ابرامز أبدى معارضة أولية لترامب. كما رفض البيت الأبيض قرار وزير الدفاع جيمس ماتيس تعيين ميشيل فلورنيو ( عملت في الوزارة خلال ولاية أوباما) نائبة له، كما احتجوا على رغبته بتعيين السفيرة السابقة في القاهرة، آن باترسون وكيلة الوزارة للشؤون السياسية، بحجة أنها لم تكن قوية بما فيه الكفاية ضد حكم الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي.
وجاء في تقرير لموقع بوليتيكو قبل أيام أن هناك “حالة بارانويا” قد خيمت على البيت الأبيض، وخلقت جوا مشحونا بالتوتر والخوف، دفعت ببعض الموظفين الشباب إلى عدم استخدام أجهزتهم الهاتفية النقالة الرسمية خوفا من أن يتم التنصت عليهم، وقناعتهم بأن هناك “دولة عميقة” مؤلفة من أنصار أوباما في البيروقراطية من الذين يحاولون تقويض رئاسة ترامب. ثقافة البارانويا هذه، تفسر من جملة ما تفسره، العدائية التي تتسم فيها مواقف إدارة ترامب ضد الجهاز القضائي، ووسائل الاعلام المستقلة والصحفيين المحترفين. وآخر تجليات هذه العدائية هي رفض وزير الخارجية ريكس تيليرسون اصطحاب بعض المراسلين المعتمدين لدى الخارجية على طائرته في جولته الآسيوية الراهنة. هذا الأمر أرغم مراسلي شبكات التلفزيون، وكبريات الصحف على السفر بمفردهم إلى العواصم التي سيزورها وزير الخارجية. وصدم المراسلون المخضرمون الذين رفض طلبهم اصطحاب تيليرسون عندما علموا أن وزير الخارجية اصطحب معه مراسلة موقع يميني ليس لها خبرة في تغطية القضايا السياسية المعقدة في شرق آسيا. وحتى الآن لم يلتق تيليرسون بالمراسلين المعتمدين في وزارته. خلال الشهرين الماضيين دخل ترامب في معارك حقيقية ووهمية ضد القضاء الأمريكي، ووسائل الاعلام المهنية والمستقلة، وتلاعب بمخاوف انصاره واستغلها في معاركه الوهمية ونظريات المؤامرة التي يعشقها. ولا توجد هناك أي مؤشرات بأن ترامب ومساعديه سوف يغيرون من مواقفهم وقناعاتهم ، وسوف يواصلون دون كلل، معاركهم الدونكيشوتية والحقيقية لوقت طويل.