ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
مني الرئيس دونالد ترامب بهزيمة انتخابية مدوية، يُمكن اعتبارها مقدمة لهزائم قد تناله وحزبه الجمهوري في الانتخابات الأمريكية النصفية في 2018، بعد أن هُزم روي مور المرشح الجمهوري في الانتخابات الخاصة لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية ألاباما، على الرغم من وضع ترامب كل ثقله وراء هذا المرشح الذي له سجل سياسي متعصب ومحرج، وكان ينوء تحت ثقل اتهامات جدية بالتحرش الجنسي بقاصرات.
وانحدرت نسبة الأمريكيين الذين يوافقون على أداء ترامب الرئاسي إلى 32 بالمئة، وهي أدنى نسبة تأييد يحظى بها رئيس أمريكي مع اقتراب سنته الأولى في الحكم من نهايتها. وتعرض ترامب إلى انتقادات قاسية، وواجه دعوات من مشرعين ديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ للاستقالة من منصبه بعد أن نشر تغريدة فسرت على أنها إهانة وجهها إلى السيناتور الديمقراطية كيرستين جيليبراند، ملمحا فيها إلى عدم امتناعها عن فعل أي شيء مقابل حصولها على تبرعات مالية. إهانة ترامب للسيناتور جيليبراند جاءت بعد أن طالبته بالاستقالة، مع تجدد الاتهامات الموجهة لترامب بالتحرش الجنسي خلال مراحل مختلفة من حياته. هذه الاتهامات جاءت على خلفية الحراك النسائي الذي هز البلاد في الأسابيع الماضية عقب الكشف عن أعمال تحرش جنسي مقززة ارتكبها عدد من الرجال المتنفذين في الحقول السياسية والاعلامية والفنية وغيرها، وأدت إما إلى استقالاتهم أو إقالتهم بشكل سريع ومدوّي من مناصبهم.
وبعد أشهر من المناوشات السياسية والمساومات والوعود والضغوط اقترب ترامب والجمهوريون في الكونغرس من إقرار أول انجاز تشريعي هام للرئيس، يقضي باعتماد قانون جديد للضرائب يرى العديد من الخبراء أنه يخدم مصالح الأثرياء والشركات الكبيرة. ولكن عملية التصويت على مشروع القانون تعثرت في الأيام الأخيرة، مع بروز تحفظات ومطالب جديدة لبعض المشرعين الجمهوريين يمكن أن تؤجل إقرار القانون للسنة المقبلة، أو حتى تعطيله، نظرا للأقلية البسيطة للجمهوريين في مجلس الشيوخ، والتي انحسرت أكثر بعد انتخابات ولاية ألاباما.
وبينما كان الرئيس ترامب مشغولا بمشاكله الداخلية ومشاكساته الشخصية عبر شبكة تويتر، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجولة “انتصارية” سريعة في الشرق الأوسط اخذته في يوم واحد إلى سوريا ومصر وتركيا، أظهرت بشكل سافر توسع النفوذ الروسي على حساب النفوذ الأمريكي المتراجع في دول كانت تعتبر تقليديا صديقة أو حليفة للولايات المتحدة مثل مصر وتركيا. ومرة أخرى، تعاملت الولايات المتحدة بأكثر من صوت مع الأزمة المتفاقمة مع كوريا الشمالية، حين أعلن وزير الخارجية ريكس تيلرسون يوم الثلاثاء أن واشنطن مستعدة للتفاوض مع بيونغ يانغ دون أي شروط مسبقة. ولكن ما قاله تيلرسون الثلاثاء، محاه يوم الأربعاء مستشار الأمن القومي إتش آر ماكماستر الذي قال إن واشنطن لا تزال تصر على شروطها، ورفضها “ابتزازات” كوريا الشمالية، مشددا على أن الهدف الأمريكي الأساسي الذي لن يتغير هو تخلي كوريا الشمالية عن ترسانتها النووية. هذه التطورات المتسارعة هي حصيلة حصاد أسبوع واحد للرئيس ترامب مع اقتراب سنته الأولى في البيت الأبيض من نهايتها.
القاعدة المتقلصة
يمكن تفسير معظم قرارات الرئيس ترامب الداخلية وحتى الخارجية من منظور رغبته القوية بارضاء قاعدته الانتخابية الضيقة أصلا، وخاصة لجهة تطبيق الوعود التي أطلقها أمامها خلال حملته الانتخابية الطويلة، ومن بينها بناء الجدار العازل على الحدود مع المكسيك، والغاء قانون الرعاية الصحية الذي أقر في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وتعديل قوانين الضرائب، وتقييد حرية دخول المسلمين إلى البلاد، والانسحاب من اتفاقية باريس للبيئة، ومن اتفاقات التجارة الدولية، ونقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس وغيرها. وواجه ترامب عقبات سياسية أو قانونية في تنفيذ بعض هذه التعهدات، ولكنه عندما يجد أن صلاحياته تسمح له بتطبيق تعهدات أخرى ( مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل) فإنه يفعل ذلك عادة دون أن يبالي بالمضاعفات السلبية لقراراته، طالما لقيت هذه القرارات صدى ايجابيا في أوساط قاعدته المحدودة أصلا. وبعد مرور حوالي سنة على وجود ترامب في البيت الأبيض، تشعر أكثرية من الأمريكيين بالإرهاق والتعب جراء أداء الرئيس ترامب الرديء في الحكم، وأسلوبه “غير الرئاسي” أو الفظّ في التعامل مع أي نقد حتى ولو كان بناءً، وردود فعله الغاضبة لأي معارضة حتى ولو كانت قانونية وشرعية لمواقفه وطروحاته وقراراته. كما أثارت محاولات ترامب ومؤيديه في الكونغرس للتشكيك بشرعية القضاء الأمريكي، وكذلك صدقية وزارة العدل والمؤسسات التابعة لها مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)، وحربه المعلنة ضد الاعلام والاعلاميين الأمريكيين، استياء شريحة واسعة من الأمريكيين. كما أثارت تهديدات ترامب “بتدمير” كوريا الشمالية مخاوف الأمريكيين من احتمال التورط في حرب ثانية في شبه الجزيرة الكورية.
وتبين مختلف استطلاعات الرأي أن شعبية ترامب تنخفض باستمرار، على الرغم من استمرار نمو الاقتصاد الأمريكي وأسواق البورصة (وهي عملية مستمرة منذ ولاية الرئيس أوباما)، ويبدو أن أكثرية الأمريكيين غير مقتنعة بادعاءات ترامب من أنه هو المسؤول عن إنعاش وتطور الاقتصاد الأمريكي. استطلاعات الرأي الأخيرة مقلقة بشكل خاص للرئيس لأنها أظهرت أن شعبيته بدأت تنحسر حتى في أوساط قاعدته التي وقفت وراءه بقوة في السابق. وجاء في استطلاع نظمته جامعة سوفولك أن شعبية ترامب في أوساط الأمريكيين المحافظين الذين يراقبون شبكة التلفزيون فوكس التي تعكس ميولهم قد انحسرت من 90 بالمئة في حزيران إلى 58 بالمئة اليوم. وأظهرت استطلاعات أخرى أن شعبية ترامب تستمر بالانخفاض في أوساط الناخبين المستقلين وفي أوساط النساء. واظهر استطلاع لمركز بيو للأبحاث أن شعبية ترامب قد تدنت إلى 32 بالمئة، وأن 63 بالمئة من الأميركيين لا يوافقون على أدائه كرئيس، بينما قال 59 بالمئة منهم أنهم يعتقدون بأن اتصالات مشبوهة قد جرت بالفعل بين مقربين من الرئيس ترامب وروسيا.
معنى انتخابات ألاباما
خلال الأسابيع الماضية اكتسبت الانتخابات الخاصة في ولاية ألاباما لشغل المقعد الذي شغر بعد تعيين الرئيس ترامب للسيناتور الجمهوري جيف سيشنز وزيرا للعدل، أهمية تزيد عن أي انتخابات مماثلة لأسباب عديدة من أبرزها شخصية المرشح الجمهوري روي مور المعروف بمواقفه المتصلبة، وحتى العنصرية، مثل رفضه الاعتراف بحق أي مواطن مسلم الترشح للكونغرس، والذي تحول قبل ستة أسابيع إلى رمز للذكورية العدائية بعد أن كشفت صحيفة واشنطن بوست في تقرير مطول وموثق لها عن ثماني حالات تحرش جنسي ارتكبها مور في مراحل مختلفة من حياته، من بينها التحرش بقاصرات عندما كان في العقد الثالث من عمره. وكان لتقرير الصحيفة وشهادات النساء اللاتي تحرش مور بهن، وقع أخلاقي كبير على النقاش الذي عصف بالبلاد في الأشهر الماضية حول آفة التحرش الجنسي. وأدى ذلك إلى إعلان عدد من أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين ومن بينهم رئيس الأغلبية السيناتور ميتش ماكونيل عن رفضهم التعاون مع مور، ومطالبته الانسحاب من السباق. ولكن الرئيس ترامب بقي في معسكر مور، وزاد من دعمه العلني له مع اقتراب موعد الانتخابات بحجة أنه يريد عضوا جمهوريا في المجلس للتصويت على برامجه وطروحاته. ولم يبال ترامب بالانتقادات القوية الموجهة إليه وحزبه من قطاعات واسعة في المجتمع الأمريكي من أن الحزب الجمهوري لا يخجل من أن يكون في صفوفهم رجل تلاحقه تهم التحرش الجنسي بقاصرات. الاتهامات الموجهة للمرشح مور، نبشت أشباح التحرش الجنسي التي وجهتها 16 امرأة ضد دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية واستمرت حتى بعد انتخابه. وخلال التركيز الاعلامي على تحرشات المرشح مور، عادت شبكات التلفزيون الأمريكي إلى بث الشريط الذي تباهى فيه ترامب بالأساليب السافرة التي كان يستخدمها للتحرش بالنساء وتقبيلهم ولمسهم بشدة وادعائه بأن النساء يقبلن مثل هذه التحرشات إذا أتت من “نجم” مثله. وحتى الرئيس الأسبق بيل كلينتون، والذي له تاريخ من العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، والذي اتهم أيضا بالتحرش الجنسي، لم يسلم من الانتقادات التي عبر عنها حتى بعض الذين دافعوا عن كلينتون في تسعينات القرن الماضي، وذلك في مؤشر آخر حول عمق التحولات القيمية والأخلاقية التي شهدتها البلاد في العقود الماضية والمتعلقة بالعلاقات الجنسية.
فوز المرشح الديمقراطي دوغلاس جونز ضد المرشح مور الجمهوري في انتخابات ألاباما كان تطورا مذهلا لأنها من أكثر الولايات محافظة، وكانت قد صوتت بأكثرية كبيرة للمرشح ترامب في انتخابات الرئاسة، وكان آخر ديمقراطي يفوز عن هذه الولاية في 1992. إخفاق مور في السباق فسر وعن حق على أنه نكسة كبيرة لترامب، الذي اخفق في مساعدة مرشحه في الوصول إلى مجلس الشيوخ. هذا الاخفاق يعكس انحسار شعبية ترامب في الولاية، كما يعكس استياء شريحة من الجمهوريين في ألاباما رفضوا أن يرتبط اسم ولايتهم بشخص مثل روي مور. الانتخابات أظهرت أن بعض الجمهوريين يمكن أن يصوتوا لمرشح ديمقراطي نزيه مثل دوغلاس جونز كما أظهرت تصويت نسبة عالية من النساء في الضواحي والمستقلين للمرشح الديمقراطي. وكانت النسبة العالية جدا للناخبين من أصل أفريقي من أبرز الأسباب التي أدت إلى فوز المرشح الديمقراطي. وجاء هذا الفوز بعد فوز مرشحي الحزب الديمقراطي في الانتخابات الخاصة التي جرت قبل أسابيع في ولايتي نيوجيرسي وفيرجينيا.
انحسار الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ إلى 51 عضوا فقط، يعني أن فرص الديمقراطيين في السيطرة على مجلس الشيوخ في الانتخابات النصفية في 2018 قد تحسنت وأصبحت في حيز الممكن، كما يمكن للحزب الديمقراطي أن يقلص من أكثرية الجمهوريين في مجلس النواب، وربما استعادة السيطرة على المجلس، وإن كان ذلك أصعب من السيطرة على مجلس الشيوخ. وإذا سيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ، فإن أول مضاعفات ذلك سوف تتركز على قدرتهم آنذاك – بعد السيطرة على رئاسة جميع اللجان المختصة- استدعاء أي مسؤول حكومي للمثول أمام هذه اللجان في جلسات الاستماع العامة والخاصة، ما يعني أن تحقيقات اللجان بأي انتهاكات ارتكبها مقربون من المرشح أو الرئيس ترامب سوف تكتسب أهمية قانونية وسياسية إضافية. هذا من بين معاني انتخابات ولاية ألاباما.
ويمكن لمعركة الانتخابات النصفية أن تكون مصيرية بالنسبة لمستقبل الرئيس ترامب وعائلته، إذا قرر الرئيس، كما يتوقع ويتخوف الكثيرون، إقالة المحقق الخاص روبرت مولر الذي بدأ في الأسابيع الماضية باستجواب شخصيات مقربة من ترامب بمن فيهم صهره جاريد كوشنير باحتمال ضلوعهم في التدخل الروسي في الانتخابات، أو في أي عرقلة للتحقيق القضائي بعد الانتخابات. وإذا قام ترامب بالفعل بإقالة مولر، وهو أمر سوف يلقى معارضة كبيرة في الكونغرس، حتى من قبل قيادات جمهورية، فإن ذلك سيفسر على أنه بمثابة اعتراف ضمني بالذنب من الرئيس ترامب. مثل هذا التطور الجذري والخطير، سيغير من طبيعة الانتخابات النصفية المقبلة وسوف يعزز كثيرا من فرص الحزب الديمقراطي بالسيطرة على مجلسي الكونغرس، حيث سترتفع عندها أصوات ديمقراطية عديدة تدعو إلى محاكمة الرئيس ترامب في مجلس النواب.