ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
عندما يتحدث الرئيس ترامب عن حقول النفط السورية، وعن ضرورة “سيطرة” الولايات المتحدة عليها، وحتى التعاقد مع شركة نفط أمريكية لتطوير هذه الحقول، فإنه يثير الكثير من الأسئلة القانونية والشكوك السياسية حول طبيعة الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، وما إذا كانت “حماية” هذه الآبار قد تضع القوات الأمريكية في مواجهة محتملة مع قوات النظام في دمشق أو حلفائه الروس والإيرانيون. حقول النفط السورية في مخيلة الرئيس الأمريكي هي على غرار حقول النفط في الدول المجاورة مثل العراق والسعودية، كما أن النفط المستخرج منها هو ذات نوعية جيدة تسهل من عملية تصفيته وتكريره. الرئيس ترامب كان يعتزم سحب جميع القوات من سوريا، دون أن يبالي بمصير حلفاء الولايات المتحدة، وأقنع نفسه بأن مواصلة مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية” يجب أن تقوم بها تركيا وروسيا وقوات النظام في دمشق، لأن هذه الأطراف تكره هذا التنظيم الإرهابي أكثر مما تكرهه الولايات المتحدة، على حد زعمه. ولكن ترامب الذي يبني حساباته على الربح والخسارة وليس على أي اعتبار آخر، غيّر رأيه حول سوريا حين اقنعه السيناتور الجمهوري ليندزي غراهام وغيره من الجمهوريين بأهمية السيطرة على حقول النفط لمنع وقوعها في المستقبل بأيد عدوة، كما أن سيطرة القوات الأمريكية عليها يعني وضعها ووضع أي عائدات منها في أيدي “قوات سوريا الديمقراطية” الحليفة.
ولكن الرئيس ترامب لديه تصور مختلف للنفط السوري، فهو لم يتحدث عن تسليم الحقول للتنظيمات الكردية المتحالفة مع واشنطن، حين قال “سوف نحتفظ بالنفط، أذكروا ذلك. كنت دائما أقول سيطروا على النفط. 45 مليون دولار في الشهر؟ ابقو سيطرتكم على النفط.” الحقوقيون سارعوا للقول إن ترامب يقف فوق أرضية ضعيفة للغاية قانونيا، كما استبعد الخبراء موافقة أي شركة نفط أمريكية رئيسية على التنقيب عن النفط في منطقة متنازع عليها، خاصة وأن حقول النفط في حالة مزرية، والنفط هو من النوع الثقيل الذي يتطلب جهدا إضافيا لتصفيته.
تصريحات ترامب عن الاستيلاء على النفط السوري، واستخدام العسكريين لهذا الغرض وضع وزارة الدفاع في موقع صعب لأن الرئيس الأمريكي بدا وكأنه يؤكد شكوك وتهم الكثيرين في المنطقة من أن الوجود العسكري الأمريكي في الدول العربية يهدف للسيطرة على النفط. وللمرة الأولى تحدث الرئيس ترامب عن استعداده للقتال للحفاظ على النفط في سوريا، قائلا “سنبقي قواتنا هناك لضمان النفط، وقد نضطر للقتال من أجل النفط. حسنا، ربما أراد طرف آخر النفط، وفي هذه الحالة سوف يواجهون قتالا شرسا”.
ولذلك لم يكن مستغربا أن تسارع روسيا لوصف الموقف الأمريكي بأنه سرقة ترتكبها دولة وأن الاستيلاء على النفط السوري يتناقض مع كل القيم والمثل التي تنادي بها الولايات المتحدة. وامتنع المسؤولون في وزارة الدفاع وحتى في البيت الأبيض عن تأكيد أو تكرار مواقف ترامب حول اعتبار النفط السوري وكأنه نفط تملكه الولايات المتحدة. ووصف المسؤولون في وزارة الدفاع مهمتهم في حقول النفط بأنها تهدف إلى التصدي لأي محاولة للاستيلاء على النفط إن كان من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية” أو قوات النظام السوري وحلفائه، وأنهم يريدون حماية الحقول لكي تستغلها وتستفيد من عائداتها “قوات سوريا الديمقراطية”. وقال وزير الدفاع مارك إسبر “سوف نحمي حقول النفط لمنع تعرضها لهجمات قوات “الدولة الإسلامية” وغيرها من الأطراف في المنطقة وضمان استعمالها من قبل “قوات سوريا الديمقراطية” لأن عائدات هذه الحقول بالغة الأهمية “لحلفاء الولايات المتحدة. وحين سؤاله عما إذا كان ذلك يعني الاستيلاء على حقول النفط كما قال ترامب، أجاب إسبر أنه يفسر كلام الرئيس على أنه “حرمان الدولة الإسلامية من الوصول إلى الحقول”.
هل يستحق النفط السوري هذا الاهتمام؟
حجم احتياطي النفط السوري ونوعيته متدنية بمقاييس النفط العربي، ولكن عائدات النفط قبل الانتفاضة كانت مهمة لميزان المدفوعات السوري. ففي 2010 ساهم قطاع الطاقة بحوالي 35 بالمئة من عائدات تصدير النفط وحوالي 20 بالمئة من مدخول الدولة. وتبين احصائيات 2015 أن لدى سوريا 2.5 مليار برميل نفط في شرق وشمال شرق سوريا. أما احتياط الغاز الطبيعي فإنه يقدر بـ 241 مليار متر مكعب معظمها في وسط سوريا. وقبل الانتفاضة كانت سوريا تنتج حوالي 350,000 برميل في اليوم، تستهلك منه 100 ألف برميل، وتصّدر الباقي. ولكن الانتفاضة الشعبية، والمواجهات المسلحة التي عقبتها الحقت بمنشآت النفط التي كانت تفتقر إلى الصيانة أصلا، أضرارا كبيرة، حيث انحدر انتاج النفط في سوريا هذه السنة إلى 24,000 برميل في اليوم.
صحيح أن قطاع الطاقة في سوريا هو الآن في حالة مزرية، ولكن ذلك لم يمنع روسيا من التوصل إلى اتفاق مع نظام الأسد في بداية السنة الحالية لإعادة بناء القطاع بكامله وبشكل حصري. وهذا يشمل ليس فقط إعادة بناء البنية التحتية لإنتاج النفط والغاز في الأراضي السورية ولكن أيضا التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية. وهناك اهتمام إيراني بقطاع الطاقة السوري، خاصة وأن إيران هي التي عوضت على سوريا خسارتها لحقول النفط في شمال شرق البلاد. وفي شباط – فبراير الماضي حصلت إيران على حق ادارة مرفأ اللاذقية السوري، الامر الذي سيعزز نفوذ إيران في سوريا ولبنان، حيث سترسل إيران امدادات النفط إلى سوريا عبر اللاذقية. وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل وقبرص واليونان وتركيا بأعمال التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، والبدء بتصديره إلى الأسواق الأوروبية وذلك في غياب لبناني وسوري محرج.
قطاع الطاقة السوري محدود ونوعية النفط السوري متدنية، ولكن احتياط الغاز في سوريا هام وخاصة حين تبدأ عمليات التنقيب في المياه الإقليمية السورية، ولكن خضوع سوريا للنفوذ الروسي والإيراني، واهتمام تركيا بنفط شمال شرق سوريا حيث كان يتم تهريب النفط إلى تركيا خلال سيطرة “الدولة الإسلامية” على تلك المنطقة، إضافة إلى حقيقة أن أحد حقول الغاز السورية يقع في هضبة الجولان، التي بارك الرئيس ترامب هذه السنة “سيادة” إسرائيل عليها، كلها تبين أن هناك صراعا وتقاسما إقليميا ودوليا لقطاع الطاقة السوري، حتى في وضعه المتردي الراهن، لأن مستقبل هذا القطاع، وخاصة إنتاج الغاز، إذا تم تطويره بجدية، هو أفضل بكثير من ماضيه.