ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
مني الرئيس ترامب وحزبه الجمهوري بنكسة سياسية محرجة، عندما رفض مجلس الشيوخ الموافقة على مشروع قرار بإلغاء جزء كبير من قانون الرعاية الصحية المعروف باسم أوباما كير، وذلك عندما فاجأ السيناتور الجمهوري جون ماكين زملائه بالتصويت ضد مشروع القرار. جاء ذلك في أسوأ أسبوع للرئيس ترامب حفل بتطورات ومواقف مشينة عكست حالة التردي السياسي – وحتى المهني- داخل إدارة ترامب، حيث واصل الرئيس عبر تغريداته بالتلذذ بتعذيب وزير عدله جيف سيشنز وانتقاده بشكل محرج في محاولة لارغامه على الاستقالة، وذلك في الوقت الذي شنّ فيه مديره الجديد للاتصالات أنطوني سكاراموتشي، حملة تجريح علنية طعمّها بالشتائم والاهانات –التي لا يمكن نشرها- وطال فيها مدير البيت الأبيض راينس بريبوس، ومستشار الرئيس ستيفن بانون، وألمح فيها إلى أن أيام بريبوس كمدير للبيت الأبيض أصبحت معدودة. وبالفعل أعلن الرئيس ترامب في الخامسة مساء الجمعة – طبعا كالعادة عبر تغريدة- عن تعيين وزير الأمن الوطني (الجنرال المتقاعد) جون كيلي مديرا للبيت الأبيض بدلا من بريبوس، الذي حرم حتى من فرصة تقديم استقالته تحفظ ماء وجهه. إقالة بريبوس، جاءت بعد أسبوع من استقالة الناطق باسم البيت الأبيض شون سبايسر.
خلال الأشهر الستة الماضية، استخدم العديد من المعلقين عبارة “أسوأ أسبوع للرئيس ترامب” أكثر من مرة لوصف أسابيع اتسمت بالاضطرابات والفوضى السياسية والإدارية، ولكن حتى بالمقاييس المتدنية لإدارة ترامب، فإن الأسبوع المنصرم يستحق بالفعل هذا الوصف لأن أحداثه بالفعل كانت نقلة نوعية إلى الأسفل. بعد أكثر من سبع سنوات من محاولة تقويض أوباما كير واستبداله بقانون جمهوري، أخفق الجمهوريون بشكل ذريع وحرموا الرئيس ترامب من انتصار كان يحلم به، لكي يقول إنه حقق انجازا تشريعيا هاما خلال أول ستة أشهر له في البيت الأبيض، وللتبجح بأنه ألغى أبرز إنجاز لسلفه باراك أوباما. المفارقة أن ثلاثة أعضاء في مجلس الشيوخ هم الذين الحقوا بترامب هذه الهزيمة المحرجة. وبدلا من أن يمد ترامب يده للمشرعين الذين عبروا عن تحفظاتهم على مشروع القرار، كان ينتقدهم في تغريداته، أو يهددهم ضمنا – كما فعل مع السيناتور ليزا ميركاوسكي، من ولاية ألاسكا- بأنه سيعمل ضد ترشيحهم إذا لم يتعاونوا معه. تهديدات ترامب لم تنجح في ترهيب ميركاوسكي، التي انضمت إلى السيناتور سوزان كولينز والسيناتور ماكين في معارضة مشروع القرار.
بدايات تمرد جمهوري
مشاكل ترامب مع الجمهوريين تفاقمت في الأسبوع المنصرم عندما انضموا إلى الديمقراطيين ليصوتوا على قرار يفرض عقوبات اقتصادية إضافية ضد روسيا، حيث وافق يوم الثلاثاء على القرار 419 عضوا في مجلس النواب وعارضه ثلاثة أعضاء فقط، وتبعهم مجلس الشيوخ يوم الخميس بأكثرية 98 صوتا (من أصل مئة) وعارضه العضوين الآخرين. والتقى الجمهوريون مع الديموقراطيين على أن يكون التصويت بمثل هذه النسبة العالية، لحرمان ترامب من تنفيذ تهديده الضمني بأنه سوف يستخدم حق النقض (الفيتو) ضد القرار، لأن الكونغرس قادر على الغاء الفيتو الرئاسي إذا توفرت لديه ثلثي الأصوات. التصويت على قرار العقوبات لديه مناعة قوية ضد الفيتو الرئاسي. وهكذا، أرسل االمشرعوّن الجمهوريون إلى الرئيس ترامب رسالة تقول بقوة وببساطة أنهم لا يثقون به في ما يتعلق بالعلاقة مع روسيا، ولذلك فإنهم سيقيدون يديه ويمنعونه من تقليص أو حتى إلغاء العقوبات ضد روسيا، كما كان يأمل. ولن يكون هناك أي خيار أمام ترامب إلا التوقيع على مشروع القرار ليصبح قانونا نافذا.
الاستياء الجمهوري من ترامب وأساليبه النافرة في التعامل مع المسؤولين في حكومته الذي يرى أنهم لا يخدمونه بشكل فعال، أو لا يخدمونه بولاء مطلق وأعمى، وصلت إلى تهديد بعضهم “بالتمرد” ضد ترامب إذا تجرأ على إقالة وزير العدل سيشنز. وكان ترامب قد اتهم سيشنز علنا “بالضعف” ونقل عنه مسؤولون في البيت الأبيض قوله إنه محبط لأن وزير عدله قد خذله، عندما نأى بنفسه عن التحقيق بفضيحة التدخل الروسي في الانتخابات. وعلى مدى أيام بدت ترامب، عبر تغريداته وكأنه يتلذذ بمعاقبة واذلال وزير عدله بشكل مقزز، الأمر الذي دفع بالسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام للقول إن مايفعله ترامب ينم عن ضعف وليس عن قوة، ثم أضاف أنه “إذا تم طرد سيشنز فإن أحدهم سيدفع ثمنا جحيميا”. وأضاف أن محاولات ترامب “تهميش واذلال وزير العدل مرفوضة في مجلس الشيوخ”. وفي موقف لافت صعّد غراهام من انتقاداته حين قال إنه إذا حاول ترامب إقالة المحقق الخاص روبرت مولر “فإن ذلك قد يكون بداية النهاية لرئاسة ترامب..” في تهديد ضمني بمحاكمة ترامب. وهذا كلام يصدر عن سيناتور جمهوري محافظ. وقال رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ تشارلز غراسلي أنه إذا طرد ترامب الوزير سيشنز فإن لجنته لن تعقد أي جلسة استماع للتصديق على أي وزير عدل جديد خلال السنة الحالية. كما قال رئيس الأكثرية الجمهورية السيناتور ميتش ماكونيل أنه إذا حاول ترامب تعيين وزير جديد للعدل خلال العطلة الصيفية، عندها لن تكون هناك عطلة صيفية للمجلس.
هذه المواقف الصادرة عن مشرّعين جمهوريين تعكس عمق استياء وإحباط عدد متزايد منهم، وعدم خوفهم من ترامب أو من احتمال قيامه بمعاقبتهم أو عزلهم. وهناك إصرار في الكونغرس، حتى في أوساط الجمهوريين على مواصلة التحقيق بفضيحة التدخل الروسي وحماية المحقق مولر، من سيف الإقالة الذي يلوح له ترامب. والجميع يدرك، أن ترامب يريد التخلص من سيشنز، لكي يعين وزير عدل جديد ليأمره بطرد المحقق مولر. وكان ترامب قد قال إنه إذا تجرأ مولر على التحقيق بالمعاملات المالية للرئيس ترامب ولعائلته –وهو أمر حتمي في مثل هذا التحقيق- فإن مولر سوف يتخطى عندها خطا أحمر لن يتسامح ترامب معه. من جهته، واصل الوزير سيشنز القول إنه لن يستقيل، ما يعني أنه إذا أراد ترامب التخلص منه فعليه أن يقيله، الأمر الذي سيتسبب بمضاعفات سلبية ضده . وأكثر ما ازعج ترامب في هذه المعضلة هو التأييد القوي الذي يحظى به سيشنز في الأوساط المحافظة التي سارعت للدفاع عنه ضد محاولات ترامب لتهميشه وإهانته. وهذه الأوساط تشكل جزءا هاما من القاعدة السياسية التي يعتمد عليها ترامب.
ومرة أخرى فاجأ ترامب الأمريكيين بتغريدة غريبة جاء فيها أنه لن يسمح بعد الآن للمتحولين جنسيا بالخدمة في القوات المسلحة، الأمر الذي يمس بآلاف الجنود، وذلك دون استشارة وزارة الدفاع وقادة القوات المسلحة كما ادعى ترامب. هذا الموقف التمييزي، جوبه برفض شامل من المشرعين من الحزبين، وباستغراب واضح من المسؤولين المدنيين (وزير الدفاع جيمس ماتيس في إجازة) والعسكريين، الذين سارعوا للقول أنهم لن يتخذوا أي قرار بهذا الشأن قبل الحصول على موقف رسمي محدد من البيت الأبيض. وإذا أراد ترامب من هذا الموقف، إرضاء الأوساط المحافظة جدا في قاعدته، كما فسر العديد من المراقبين تغريدته، فقد كان من اللافت أن بعض أكثر الجمهوريين المحافظين في الكونغرس كانوا من أول المعارضين له.
ثقافة التحاور باللكمات
بدأ ترامب أسبوع بخطاب تضمن جميع العوامل السلبية التي يمثلها أو التي حملها معه من عالمه الغريب في نيويورك إلى البيت الأبيض، عندما تحدث أمام حوالي 40 ألف كشاف وكشافة دون الثامنة عشرة في ولاية ويست فيرجينيا يوم الاثنين، وخرق التقليد القديم للكشافة الذين يدعون كل سنة رئيس البلاد لمخاطبتهم، بعد اقحام السياسة بحياة الكشافة. وكعادته تبجح ترامب بفوزه في الانتخابات، ضد هيلاري كلينتون التي كرر انتقادها، كما انتقد الرئيس أوباما، والصحافة التي تنشر “الأخبار الملفقة”. ولكن ردود الفعل السلبية السريعة التي جاءت من عائلات الكشافة، أرغمت رئيس منظمة الكشافة مايكل سوربو إلى إصدار بيان اعتذر فيه من الذين احتجوا “على اقحام الخطاب السياسي في الحفل”.
الاسبوع المنصرم، أظهر مرة أخرى عمق الاستقطابات السياسية في البلاد، وحالة الإرهاق التي تعيشها البلاد بسبب إخفاق الكونغرس بحزبيه في التوصل إلى خطة مقبولة من الحزبين –وهذا كان من أبرز مطالب السيناتور الجمهوري جون ماكين، الذي أوقف علاجه من سرطان الدماغ في ولاية اريزونا مؤقتا ليأتي إلى واشنطن – للعناية الطبية. ولكن الدراما الرخيصة والمبتذلة التي شهدها البيت الأبيض هذا الأسبوع، والاقتتال الداخلي والعلني بين المسؤولين في البيت الأبيض، يظهر إلى أي مدى نجح ترامب في جلب ثقافة التحاور باللكمات الموجعة، وليس التحاور بالكلمات إلى واشنطن ومحاولة جعلها الثقافة السائدة. كل ما أراده ترامب هذا الأسبوع هو موافقة الكونغرس على خطته للعناية الصحية، وهي الخطة التي يقول مشرعون جمهوريون أن ترامب ليس ملما بتفاصيلها، لكي تتوفر له الفرصة لأن يقول للأمريكيين أنه حقق انجازا تشريعيا ضخما خلال أول ستة أشهر له في الحكم. ومرة أخرى، تعامل ترامب مع الحزب الجمهوري في الكونغرس، وكأنه لا ينتمي اليه، وهو بالفعل يتصرف وكأنه أعلى من الحزبين. عدم إقرار قانون جديد للرعاية الصحية، يساهم في تأزيم أوضاع العديد من المواطنين الأمريكيين الذين سيجدون صعوبة متزايدة في تحمل نفقات الرعاية الصحية، لأن القانون الحالي يحتاج إلى إصلاح وتطوير.
الاستقطاب الراهن في الكونغرس سوف يزيد من صعوبة التوصل إلى مشاريع قوانين جديدة بشأن الضرائب، أو تمويل البنية التحتية، وغيرها. وأكثر ما يقلق، ويخيف الأوساط المعنية بالقضايا الخارجية والأمنية، هو أن الرئيس الأمريكي المنشغل بالتغريد بشأن نزاعات وخلافات داخلية معظمها خلافات شخصية ومن أجل تصفية الحسابات، قد يجد نفسه فجأة في مواجهة تحدي خارجي خطير، مثل ذلك الذي تمثله التجارب الصاروخية الاستفزازية لكوريا الشمالية، وغيرها من التحديات التي لا يمكن التنبؤ بها، مثل الهجمات الإرهابية وغيرها. وهناك نقص كبير في هيئة موظفي وزارة الخارجية، وخاصة موظفي الصف الثاني والثالث، أي البيروقراطيين الذين يديرون وزارة الخارجية ويوفرون لأمريكا الخبرة الدبلوماسية لخدمة مصالحها. حتى الآن لم تواجه الولايات المتحدة في عهد ترامب أزمة خارجية أو أمنية خطيرة وملحة تمتحن بقوة صلابة وحكمة الإدارة الأمريكية الجديدة في التعامل الفعال معها. هذا الحظ الأمريكي لن يستمر لوقت طويل…