ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
قيل أن المحامي السيء الصيت روي كوهين، الذي ساعد السيناتور جو مكارثي في حملته الشرسة لترهيب كل من كان يُشتبه بأن له ميول يسارية أو ماركسية خلال خمسينات القرن الماضي، والذي أصبح جزءا من الحقبة المكارثية الممقوتة، كان له تأثير عميق على شخصية دونالد ترامب. وفي عقد السبعينات، حين تحول كوهين إلى محامي النجوم ورجال عصابات المافيا، نمت صداقة قوية بين كوهين ورجل الأعمال الشاب ترامب. وقيل أن كوهين هو الذي علّم ترامب كيفية استخدام واستغلال الاعلام وتحديدا صحف التابلويد والتلفزيون. ولكن أهم ما علمه كوهين لترامب هو “لا تعتذر أبدا، ولا تتراجع أبدا، ولا تعترف أبدا أنك مخطيء، واستخدم كل وسيلة ممكنة من أجل تحقيق أهدافك”، وفقا لما قاله المحامي المعروف آلان ديرشوفيتز. تعاليم كوهين لترامب هي نافذة إلى عقله، وتلخص أكثر من أي وصف آخر شخصية ترامب وكيفية تعامله مع العالم. هذه المقدمة ضرورية لفهم بعض تطورات هذا الأسبوع في واشنطن.
خمس ساعات يمكن أن تقوض رئاسة ترامب
يوم الاثنين الماضي شهد الكونغرس جلسة استماع تاريخية. وللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة يدحض مسؤول بارز باسم وزارة العدل أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب ادعاءات واتهامات رئيس أمريكي جديد لسلفه الذي غادر البيت الأبيض قبل شهرين، أنه أمر اجهزة الاستخبارات بالتنصت على مكالماته الهاتفية قبل وبعد الانتخابات وهي تهمة في حال ثبوتها تشكل عملا جنائيا. وعلى مدى أكثر من خمسة ساعات، قام مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) جيمس كومي ومدير وكالة الأمن القومي الأميرال مايكل روجرز بتفنيد مبالغات وأكاذيب البيت الأبيض المتعلقة بالتدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية، وهي الأخبار التي يرفض ترامب تصديقها ويصفها “بالاخبار الملفقة”. وللمرة الأولى يؤكد كومي رسميا، ما كانت قد تحدثت عنه وسائل الاعلام الأمريكية حول وجود تحقيق يقوم به مكتب التحقيقات الفيدرالي بدور روسيا في الانتخابات.
وكشف كومي أن تحقيقاته شاملة وتضمن إضافة إلى التحقيق بجهود روسيا للتدخل في الانتخابات الرئاسية، احتمال وجود علاقات بين أفراد لهم علاقة بحملة ترامب والحكومة الروسية، وما إذا كان هناك تعاون بين الحملة والجهود الروسية، وتابع “ومثل أي تحقيق مضاد للاستخبارات سوف يشمل تحقيقنا إمكانية حدوث أعمال جنائية”. وحول اتهامات ترامب لأوباما بالتنصت على مكالماته الهاتفية، والتي أطلقها في سلسلة من التغريدات قبل ثلاثة أسابيع، قال كومي “ليس لدي معلومات أي معلومات تدعم هذه التغريدات، وحققنا بالأمر بدقة داخل أف بي آي”، مضيفا أن جميع الأقسام في وزارة العدل لم تجد أي شيء يدعم تغريدات ترامب. كما شدد كومي على أن الرئيس الأمريكي غير قادر لوحده على إصدار أمر بالتنصت إلى مكالمات أي أمريكي. ومع أن كومي لم يتهم ترامب بالكذب، إلا أن الجميع قرأوا كلامه على أنه اتهام ضمني لرئيسه بأنه يمارس الكذب. وحول تلميحات البيت الأبيض بأن الاستخبارات البريطانية تجسست على ترامب بطلب من أوباما، نفى الاميرال روجرز وجود أي أدلة في وكالته تؤكد ذلك.
الجمهوريون في اللجنة، تجاهلوا جوهر ما كشفه كومي: التحقيق بالتدخل الروسي وعدم صحة اتهامات ترامب لأوباما، وركزوا بدلا عن ذلك على قضية التسريبات من مصادر حكومية واستخباراتية والتي هي في جوهر ما كشفته وسائل الاعلام حول الاتصالات السرية بين أعضاء في حملة ترامب ومسؤولين أو شخصيات روسية مقربة من الحكومة، مثل الاتصالات التي أجراها مستشار الأمن القومي الأول للرئيس ترامب والذي اضطر لإقالته لأنه لم يكشف كل حقيقة هذه الاتصالات.
وعندما امتنع كومي عن الإجابة على سؤال حول ما إذا كان التحقيق يشمل شخصيات في إدارة الرئيس ترامب للاشتباه بعلاقتهم بروسيا، قال رئيس اللجنة النائب الجمهوري ديفين نونيز “هذه غيمة ضبابية كبيرة تضعها فوق رؤوس أولئك الذين يقودون البلاد، وكلما اسرعت بالوصول إلى القعر لكان الوضع أفضل لجميع الأمريكيين” ورد كومي باقتضاب “أفهم ذلك”.
نكران وتمويه وتضليل
وسارع البيت الأبيض للقول إن جلسة التحقيق لم تغير أي شيء فيما يتعلق بما قاله الرئيس ترامب بشأن سلفه أوباما أو بالدور الروسي، ولكن الناطق شون سبايسر سارع فور انتهاء الجلسة إلى إبعاد البيت الأبيض عن أولئك المسؤولين السابقين في الحملة التي تحيط حولهم الشبهات، بمن فيهم رئيسها السابق بول مانافورت “الذي لعب دورا محدودا لفترة صغيرة للغاية” في الحملة. وهذا موقف يتناقض مع الواقع لأن مانافورت قاد حملة ترامب من مارس إلى آب/أغسطس 2016، وهي الفترة الحساسة التي ضمن فيها ترامب حصوله على ترشيح حزبه. وكان مانافورت قد استقال من الحملة بسبب علاقاته المتشعبة وغير الواضحة مع رجال أعمال روس ولأنه كان يعمل كمستشار للنظام الأوكراني الذي أطاحت به الانتفاضة الشعبية في 2014.
ويوم الأربعاء أجرت مجلة تايم مقابلة بالغة الأهمية بعنوان الحقيقة والأكاذيب في حياة دونالد ترامب، تمسك فيها ترامب بجميع مواقفه وتصريحاته التي وصفت أما مبالغات أو أكاذيب سافرة. وتبرع ترامب بالقول قبل الإجابة على الأسئلة أن لديه سجل ممتاز بالتنبؤ بحدوث أشياء معينة، مثل حدوث تظاهرات واحتجاجات في السويد، كما ادعى أنه تنبأ بأن حلف الناتو قد عفى عنه الزمن، لأنه لا يواجه الإرهاب (هذا غير صحيح لأن الناتو يفعل ذلك منذ عام 1980 ويكافح الإرهاب مع أمريكا في أفغانستان). وسرعان ما يدرك قارئ هذه المقابلة أن ترامب بعكس جميع أسلافه يفسر الواقع كما يريده أن يكون وليس كما هو، حيث تبدو الحقائق انتقائية وشخصانية ومطاطة. كيف يفسر اتهامه لأوباما بالتنصت عليه في برج ترامب؟ يقول إنه وضع كلمة تنصت بين مزدوجين، وهذا يعني أكثر من التنصت. ثم يتذرع بقول رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب ديفين نونيز، إن هناك احتمال حدوث حالات تنصت على اتصالات ترامب خلال حملته الانتخابية حصلت بشكل غير مقصود، وفي سياق تحقيقات أخرى. ماذا عن ادعائه بأن ثلاثة ملايين نسمة من غير المواطنين شاركوا في الانتخابات؟، جواب ترامب “سوف تثبت صحة كلامي”، وماذا عن المسلمين الذين احتفلوا بتفجيرات سبتمبر 2001 ؟ جوابه : هناك رواية بهذا الشأن في صحيفة واشنطن بوست.
ويبرر ترامب ادعائه بأن والد منافسه السابق السيناتور تيد كروز، قد شارك في اغتيال الرئيس جون كينيدي، أو أن الاستخبارات البريطانية تجسست عليه بطلب من أوباما، وغيرها من الاتهامات الشائنة بالقول: كنت اقتبس من مطبوعات. وفي نهاية المقابلة قال ترامب للصحفي مايكل شيرير “أعتقد، أنني أقوم بعمل جيد، لأنني أنا الرئيس وليس أنت”.
يواصل ترامب باعماله وتصريحاته تعامله المطاط مع الحقيقة والوقائع، كما يواصل هجماته ضد وكالات الاستخبارات الأمريكية، والتشكيك بجدوى وصدق تقاريرها وتحليلاتها ومواصلة تشويه سمعة وسائل الاعلام. وأكثر ما يتخوف منه الدبلوماسيون والمحللون في البلاد وخارجها، هو حدوث أزمة سياسية-عسكرية مع دول مثل كوريا الشمالية أو إيران، وتضطر فيها واشنطن إلى الاعتماد على تقويم الاستخبارات لآخر مستجدات الأخطار، هل سيصدق ترامب مضمون تقارير الاستخبارات؟ والأهم من ذلك هل سيصدق العالم أي تأكيدات ينطق بها ترامب؟
لو تسنى للمحامي روي كوهين، أن يراقب تلميذه دونالد ترامب، لكان شعر بارتياح عارم.