ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
مع اقتراب موعد انتقال السلطات الدستورية من الرئيس باراك أوباما إلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب في العشرين من الشهر المقبل، يزداد المشهد السياسي في واشنطن غرابة وسريالية بسبب السلوك غير الاعتيادي –والمقلق- للرئيس المنتخب الذي يتصرف وكأنه الرئيس الفعلي للبلاد قبل دخوله إلى البيت الأبيض. وخلال أيام قليلة أطلق ترامب تغريدات وتصريحات تتعلق بنظرته إلى العرب والمسلمين خرج فيها عن سياسات متعارف عليها بين الحزبين بشأن النزاع بين العرب وإسرائيل وخاصة مسألة معارضة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. وطالب ترامب الرئيس أوباما علنا، استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار كانت مصر تعتزم طرحه على مجلس الأمن يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان. وعاد ترامب من جديد إلى اقتراحه خلال الانتخابات الحزبية بشأن فرض قيود على دخول رعايا الدول المسلمة إلى الولايات المتحدة. وإذا لم تكن هذه التطورات مقلقة بما فيه الكفاية، لجأ ترامب إلى التغريد لاقتراح مبدأ نووي جديد يقضي بتعزيز القدرات النووية الأمريكية، يتعارض مرة أخرى مع سياسة أمريكية ثابتة اعتمدها رؤساء من الحزبين تقضي بتخفيض الترسانة النووية الأمريكية عبر اتفاقات ثنائية مع الاتحاد السوفيتي سابقا وروسيا الاتحادية لاحقا.على الصعيد الداخلي، واصل ترامب ومساعدوه حملاتهم للتشكيك بصدقية وسائل الإعلام التقليدية، ربما في محاولة استباقية لتحصين نفسه ضد الانتقادات الحتمية التي ستوجه إليه في المستقبل عندما يبدأ بممارسة صلاحياته الدستورية. ومع مرور كل يوم منذ فوزه بالانتخابات تتضح أكثر معالم مناخ الرعب الذي جلبه ترامب معه بأسلوبه الصدامي، حيث نجح إلى حد كبير في الضغط على منتقديه الجمهوريين للاصطفاف خلفه، وتجنب انتقاده خوفا من تعرضهم لهجمات شرسة يشنها عليهم مدونون في مواقع الكترونية يمينية، أو إعلاميون إذاعيون من الذين نصّبوا أنفسهم كخط الدفاع الأول عن ترامب.
امتحان القدس
يقول دبلوماسيون عرب معتمدون في واشنطن إنهم يتوقعون أن يواجه ترامب في أيامه وأسابيعه الأولى في البيت الأبيض امتحانات صعبة في منطقة الشرق الأوسط، يمكن أن تبقى تداعياتها لسنوات عديدة. من الواضح أن هناك ارتياح في بعض العواصم العربية الخليجية، من مواقف وتصريحات ترامب المتشددة تجاه إيران وتحديدا فيما يخص برنامجها النووي، وذلك على الرغم من أن ترامب خلال حملته الانتخابية اتخذ أكثر من موقف من ذلك الملف تراوحت بين الانسحاب من الاتفاقية وإعادة التفاوض بشأنها. ولكن هذه الدول، تدرك أن ترامب قد يضعها مع بقية الدول العربية والمسلمة في مأزق صعب إذا فرض بالفعل قيودا مشددة على دخول رعايا الدول الإسلامية إلى الولايات المتحدة، أو قام بتنفيذ تهديداته بإجبار المسلمين الأمريكيين والمهاجرين العرب بتسجيل أنفسهم في قوائم تسمح للسلطات بتعقب تحركاتهم واتصالاتهم، أو إذا قرر بالفعل تنفيذ وعده بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وهو موقف أصبح في حيز التطبيق بعد أن اختار ترامب محاميه ديفيد فريدمان المتشدد في صهيونيته سفيرا جديدا للولايات المتحدة لدى إسرائيل. ويعارض فريدمان مفهوم حل الدولتين للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، ويؤيد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية بغية ضمها إلى إسرائيل لاحقا. مواقف فريدمان المتشددة هذه تضعه على يمين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو. وفريدمان معروف بانتقاداته الشرسة لليهود الأمريكيين من مؤيدي حل الدولتين، وهو يصفهم بالخيانة ويشبههم باليهود الذين تعاونوا مع النازيين في الحرب العالمية الثانية في حربهم ضد اليهود. وبما أن دعم إسرائيل حتى في أعمالها الاستيطانية غير مكلف، انضم إلى جوقة المؤيدين كل من بول رايان رئيس مجلس النواب، الذي قال إن أي سعي أممي لمنع الاستيطان يهدف “إلى تشويه دولة إسرائيل ونزع صفة الديمقراطية والشرعية عنها”. ولكي لا يزايد عليه أحد في ما يتعلق بإسرائيل، سارع السيناتور تيد كروز من ولاية تكساس إلى القول إنه لا يحق لأحد أن ينتقد إسرائيل التي تقوم بأعمال البناء “فوق أرضها التي تتمتع بالسيادة عليها”.
وتقول مصادر أمريكية مسؤولة إن هناك قلق متزايد في أوساط الدبلوماسيين الأمريكيين في وزارة الخارجية، وفي السفارات الأمريكية في الدول العربية والإسلامية، من احتمال حدوث أعمال عنف ضد مصالح أمريكية أو مواطنين أمريكيين في دول عربية وإسلامية في حال تم نقل السفارة إلى القدس. وتتحدث المصادر عن أن مثل هذه الخطوة سوف تكون بمثابة هدية مجانية ضخمة لإيران التي تقود محورا يُطلق على نفسه زورا بـ “الممانعة” وللحركات الإسلامية المتطرفة التي ستقوم في هذه الحالة بما هو أكثر من مجرد تأجيج مشاعر الرأي العام ضد الغرب. وستستثمر إيران وحلفاؤها هذا الأمر بهدف إحراج الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة مثل دول مجلس التعاون الخليجي والأردن والمغرب. وإذا أخفق ترامب في امتحان القدس، فإنه لن يكون قادرا على إقامة علاقات ثابتة مع الدول العربية التي بدأت جديا بالتخطيط للتعاون مع إدارته في أكثر من مجال.
اللافت والنافر في موقف ترامب من الاستيطان الإسرائيلي، هو مطالبته العلنية للرئيس أوباما باستخدام الفيتو ضد مشروع القرار الأممي، وهو أمر يخالف الأعراف حيث أن الرئيس المنتخب لا يعلن عن أي مواقف كي لا يحرج الرئيس الدستوري، انطلاقا من مبدأ: هناك رئيس واحد. وجاء موقف ترامب بعد أن ناشدت إسرائيل الحكومة الأمريكية بنقض مشروع القرار، وعلى خلفية تسريب اخبار عن اتصالات بين الحكومة الإسرائيلية وفريق ترامب الإنتقالي لتنسيق المواقف، لأن إسرائيل كانت تدرك أن إدارة الرئيس أوباما قررت، لو لم تسحب مصر مشروع قرارها، أن تمتنع عن التصويت، الأمر الذي يعني أن مجلس الأمن كان سيقوم بإقرار المشروع الذي يطالب إسرائيل بشكل مباشر بوقف الاستيطان.
المسلمون قادمون
أثار الهجوم الإرهابي في ألمانيا من جديد المخاوف من احتمال تعرض الولايات المتحدة لهجمات مماثلة، كما أثار مرة أخرى دعوة ترامب لفرض حظر على دخول الرعايا المسلمين إلى الولايات المتحدة. رد الفعل الأولي لفريق ترامب الانتقالي هو إصدار بيان مكتوب جاء فيه أن الهجوم الإرهابي موجه ضد المسيحيين. وحين سؤال ترامب عن البيان بدا وكأنه لم يطلع عليه، وقال إن الهجوم موجه ضد الإنسانية. ولكن ترامب، وربما عن قصد، لم يوضح موقفه من مسألة الحظر الكامل على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، قائلا للصحفيين “أنتم تعرفون ما هي خططي.. ومنذ البداية كنت محقا، مئة بالمئة”. من جهته سارع الرئيس أوباما إلى تفكيك نظام الرقابة الذي وضعته إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش في أعقاب هجمات أيلول/سبتمبر 2001. ويقضي هذا النظام بتسجيل دخول وخروج كل مسلم من وإلى الولايات المتحدة، ومراقبة تحركاتهم داخل البلاد. ويهدف تفكيك هذا النظام إلى تأخير أي محاولة جدية لإحياء نظام مماثل في المستقبل.
إنها حقبة ترامب، الرجل الذي قاد حملة انتخابية غير تقليدية، والذي يفرض على الطبقة السياسية في واشنطن أن تتأقلم مع أسلوبه الخشن في تعامله مع السياسيين ومع القضايا التي تهمه، وأن تقبل طروحاته وطريقته في التواصل مع العالم عبر تغريداته. وكل ما يفعله ترامب تقريبا يتعارض مع ما فعله أسلافه من الرؤساء. فهو يواصل التشكيك بصدقية أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وهو أمر لم يفعله أي رئيس سابق، ويواصل تفادي اتخاذ الإجراءات القانونية لضمان عدم وجود أي تضارب بين مصالحه الاقتصادية ومسؤولياته كرئيس للبلاد، ويتوقع العديد من الخبراء القانونيين أن يتورط ترامب في انتهاك الدستور الأمريكي فور دخوله إلى البيت الأبيض، لأنه يملك مصالح اقتصادية وأعمال عديدة لن يضعها في “ائتمان أعمى” لكي تدار دون معرفته طالما بقي رئيسا للبلاد، وبالتالي سوف يواصل جني الأرباح منها، وهو أمر يحرمه الدستور.
ولعل أخطر ما يفعله ترامب دستوريا هو التشكيك بصدقية الإعلام التقليدي، وتأجيج مشاعر أنصاره ضد الصحفيين كما كان يفعل خلال مهرجاناته الحزبية، والتلويح بأنه سيعاقب وسائل الإعلام إذا نشرت تحقيقات يعتبرها غير دقيقة. وحتى الآن لم يعقد ترامب أي مؤتمر صحفي منذ انتخابه، كما يرفض أن يصاحبه الصحفيون على طائرته الخاصة، ويصر على إطلاق تغريداته اليومية فوق رؤوس الإعلاميين دون أية مساءلة أو طلب توضيح. ويلجأ ترامب إلى هذا الأسلوب الارتجالي والمتهور لطرح سياساته بما فيها تلك المتعلقة بالترسانة النووية، أو بالعرب والمسلمين من خلال استغلاله وسائل الاتصال الاجتماعي وتهميشه للإعلام التقليدي. إنها حقبة ترامب بكل تعقيداتها وغرابتها وسرياليتها وهي تتطلب أكثر من أي وقت مضى أن يكون المواطن الأمريكي متيقظا لأي محاولات لانتهاك الدستور الذي يمثل خط الدفاع الأول والأخير.