ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
عاد التوتر العسكري مجددا إلى مياه الخليج ومضيق هرمز بالتحديد بعد محاولة زوارق بحرية تابعة للحرس الثوري الإيراني اعتراض ناقلة نفط بريطانية كانت تعبر المضيق يوم الخميس.
ولكن المحاولة أحبطت بعد تدخل فرقاطة بحرية بريطانية كانت توفر الحماية لناقلة النفط وتحذيرها للزوارق الإيرانية التي انسحبت. واعتبر هذا الإجراء الاستفزازي ردا إيرانيا على اعتراض البحرية البريطانية في الرابع من الشهر الجاري لناقلة نفط إيرانية كانت تبحر قرب جبل طارق الذي تسيطر عليه بريطانيا بعد أن تبين أنها تحمل النفط إلى سوريا، وذلك في انتهاك للعقوبات الدولية المفروضة على سوريا. الإيرانيون اتهموا واشنطن بتشجيع بريطانيا على اعتراض الناقلة الإيرانية، وتبع ذلك تهديدات من الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى بريطانيا التي أعلنت أنها ستوفر الحماية البحرية لناقلاتها في الخليج، بأنها سوف تتحمل عواقب قرارها. وحتى قبل محاولة اعتراض الناقلة البريطانية في مضيق هرمز، كانت واشنطن تدرس مع حلفائها إمكانية إرسال السفن الحربية لمواكبة ناقلات النفط في الممرات المؤدية إلى الخليج وفي مياهه، وهي السياسة التي اعتمدتها الولايات المتحدة خلال ولاية الرئيس رونالد ريغان في أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي خلال الحرب العراقية-الإيرانية. في ذلك الوقت واكبت البحرية الأمريكية ناقلات النفط الكويتية لحمايتها من الهجمات الإيرانية، فيما عرف آنذاك “بحرب الناقلات”، وهي الفترة التي قامت فيها البحرية الأمريكية بتدمير منصات نفط إيرانية والحاق نكسة كبيرة بالبحرية الإيرانية.
ويوم الخميس، أعلن الجنرال مارك ميلي المرشح لرئاسة هيئة الأركان العسكرية المشتركة أمام أعضاء لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ أن وزارة الدفاع تدرس مواكبة السفن التجارية في منطقة الخليج وممراتها المائية لضمان حرية الملاحة الدولية، مؤكدا أهمية حماية هذا المبدأ، وأن مسألة توفير هذه المواكبة، سوف تتضح أكثر خلال الأسابيع المقبلة. وجاء كلام الجنرال ميلي بعد ساعات من محاولة اعتراض الناقلة البريطانية في مضيق هرمز. ومع أن هذه المسألة هي قيد نقاش بين واشنطن وحلفائها الإقليميين والأوروبيين خلال الأسابيع الماضية، إلا أن اعتراض الناقلة البريطانية سوف يعجل من هذه المناقشات، على الرغم من الاجتهادات المختلفة بين واشنطن من جهة وحلفائها الأوروبيين الموقعين على الاتفاق النووي الدولي من جهة أخرى والذين ابدوا تحفظاتهم القوية على انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق وتضييقه للعقوبات الاقتصادية ضد إيران. وفي حال تم التوصل إلى صيغة لتوفير المواكبة العسكرية للناقلات والسفن التجارية، فإن البحرية الأمريكية ستوفر معظم هذه الحماية، ولكنها ستسعى إلى مساهمة أوروبية عسكرية وإلى مساهمات لوجستية ومادية من حلفائها في الخليج.
أنماط التصعيد الإيراني
بدأت العلاقات الأمريكية- الإيرانية بالانهيار البطيء بعد أن قرر الرئيس ترامب تنفيذ وعده خلال حملته الانتخابية بالانسحاب من الاتفاق النووي الدولي مع إيران، في السنة الماضية. ومنذ بداية الفصل الأخير في هذه المواجهة بين واشنطن وطهران في شهر أيار- مايو الماضي، بعد أن اعلنت واشنطن أنها لن تستثني أي من حلفائها من العقوبات في حال استيرادها للنفط والغاز من إيران، وهي خطوة كان لها تأثير جذري على تقويض صادرات إيران النفطية، والبلدان يواصلان صراعهما وفقا لأنماط وسياسات واضحة ولكن أيضا محفوفة بالمخاطر واحتمالات أن تفلت المناورات والاستفزازات من السيطرة وأن تؤدي إلى نزاع أوسع غير مقصود. ما يمكن قوله ببعض الثقة هو أنه لا إدارة الرئيس ترامب، ولا القيادة الإيرانية تسعيان إلى حرب مفتوحة.
تطورات الأسابيع الماضية تبين أن إيران تنتهج سياسة تصعيدية مدروسة و تدريجية و تنشط على محورين: الأول التهديد بعرقلة الملاحة الدولية في مياه الخليج، عبر الاستهداف المباشر لناقلات النفط التابعة للسعودية ودولة الإمارات، والدول الأخرى التي تصدر نفط هاتين الدولتين. وقالت مصادر أمريكية وخليجية في واشنطن إنه لا يوجد لدى الولايات المتحدة والسعودية والإمارات أي شك بأن إيران هي المسؤولة عن التفجيرات التي طالت ناقلات النفط الستة في الأسابيع الماضية. الإيرانيون ينفذون تهديداتهم بأنه إذا حرمت إيران من تصدير نفطها، فإنها ستحرم الدول العربية في الخليج، وتحديدا السعودية والإمارات من تصدير نفطها أيضا. اللافت في هذا الأمر هو أن إيران، وفقا للمصادر في واشنطن، هي التي تقوم بهذه الهجمات عبر بحرية الحرس الثوري، وليس عبر وكلائها في المنطقة، لأن هذا النوع من الهجمات يتطلب قدرات عسكرية ولوجستية غير متوفرة لوكلاء إيران.
ولكن الشق الآخر لهذا التصعيد العسكري، هو الذي يقوم به وكلاء إيران، و هو لا يقل خطورة عن الهجمات الإيرانية المباشرة ضد ناقلات النفط. وفي الأشهر والأسابيع الماضية تعرضت أهداف مدنية واقتصادية سعودية إلى هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة انطلقت من اليمن والعراق واستهدفت مطار أبها المدني، ومنشأة لتصفية النفط وغيرها. الهجمات عكست تطورا نوعيا في قدرات الحوثيين في اليمن ووكلاء إيران في العراق في ضرب أهداف في العمق السعودي. ويؤكد المسؤولون الأمريكيون الآن أن هجوم الطائرات المسيرة التي تعرضت لها منشآت لضخ النفط غرب العاصمة الرياض في أيار- مايو الماضي جاء من الأراضي العراقية وليس من اليمن، على الرغم من ادعاء قيادات الحوثيين أنهم مسؤولون عن الهجوم. وينظر المسؤولون الأمريكيون والسعوديون الآن إلى هذا الهجوم على أنه مؤشر خطير للغاية وتصعيد نوعي وخاصة إذا تكرر في المستقبل. وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز قد ناقش الهجوم في اتصال هاتفي مع رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي في مطلع الشهر الجاري. وكان من اللافت أن رئيس الوزراء العراقي أعلن قبل أقل من أسبوعين أنه قرر دمج بعض وحدات الحشد الشعبي، وبعضها تمثل ميليشيات قريبة جدا من إيران أو موالية لها في القوات العراقية المسلحة. هذا القرار جاء نتيجة لضغوط أمريكية بعد أن تعرضت بعض المنشآت العسكرية التي ينتشر فيها عسكريون أمريكيون في العراق إلى هجمات لم يكشف عن هوية الذين قاموا بها، وبعد أن تأكد الأمريكيون من أن الهجوم الذي تعرضت له منشآت النفط السعودية جاء من العراق.
مقابل التصعيد الإيراني العسكري، هناك تصعيد إيراني نووي يهدف بالدرجة الأولى للضغط على الدول الأوروبية لكي تساعد إيران على مواجهة العقوبات الأمريكية من خلال استئناف التجارة معها. وفي الثامن من الشهر الجاري أعلنت إيران أنها زادت من مستويات اليورانيوم المخصب إلى ما هو أعلى من السقف المسموح به في اتفاق 2015، وهو أمر أكدته أيضا وكالة الطاقة النووية الدولية. ويُعد تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد عن نسبة 3.67 بالمئة خطوة تصعيدية مدروسة وموجهة للأوروبيين ولواشنطن. ومن الواضح أن إيران تريد من خلال هذه الخطوات التصعيدية والتدريجية أن تضغط على الغرب ولكن في الوقت ذاته عدم استفزاز رد فعل جذري أو عسكري. أي أن طهران تقول للأوروبيين ولواشنطن هذه أزمة ملحة تتطلب المعالجة، وليست تصعيدا لا يمكن الرجوع عنه. وتشمل ضغوط إيران إعطاء الأوروبيين مهلة 60 يوما للخروج بحلول تلائمها قبل أن تلجأ إلى انتهاكات جديدة للاتفاق النووي بعد انتهاء المهلة في الخامس من أيلول-سبتمبر المقبل. الاتصالات الفرنسية-الإيرانية مستمرة حيث تسعى باريس إلى إقناع إيران بالتراجع عن خطواتها النووية وتخفيف حدة التوتر في الخليج، مقابل محاولات فرنسية لإقناع واشنطن بالسماح للحلفاء بشراء كميات محدودة من النفط الإيراني. ولكن اصرار الرئيس ترامب على مواقفه يشير إلى أن مساعي فرنسا سوف تصل إلى طريق مسدود.
أنماط التصعيد الأمريكي
تواصل إدارة الرئيس ترامب تضييق الخناق الاقتصادي على إيران ووكلائها الإقليميين، وتعزيز وجودها العسكري في منطقة الخليج. وعاد الرئيس ترامب للتهديد بفرض عقوبات اقتصادية جديدة، وإن كان من الصعب إيجاد أي قطاع أو كيان إيراني لم تستهدفه العقوبات الأمريكية حتى الآن. وبعد تصنيف الحرس الثوري الإيراني كتنظيم إرهابي دولي واستهداف عشرات الشركات في العالم التي كانت تتعامل مع التنظيم، فرضت واشنطن عقوبات على ثلاث شركات عراقية كانت تحاول مساعدة التنظيم على تفادي العقوبات الأمريكية، والضغط على الحكومة العراقية لاحتواء نشاطات قوات الحشد الشعبي. وقبل أيام صعدت واشنطن من ضغوطها على حزب الله اللبناني بشكل غير مسبوق. وللمرة الأولى وضعت وزارة الخزانة على اللائحة السوداء للأفراد المصنفين كإرهابيين نائبين في البرلمان اللبناني ينتميان إلى حزب الله هما محمد رعد وأمين شرّي، إضافة إلى المسؤول الأمني البارز في الحزب وفيق صفا “بسبب استغلالهم لمناصبهم لتسهيل أجندة الحزب المؤذية، وتقديم الخدمات لإيران”. البيان الصادر عن الوزارة وصف وفيق صفا بأنه “ضابط الاتصال بين حزب الله والقوات الأمنية اللبنانية” وهي عبارة تشمل الجيش اللبناني. استهداف نائبين لحزب الله يمثل تصعيدا نوعيا في المواجهة التاريخية بين الولايات المتحدة وحزب الله التي بدأت في ثمانينات القرن الماضي في بيروت. ونظرا لوجود حزب الله في الحكومة اللبنانية وتحالفه مع “التيار الوطني الحر” الذي كان يقوده الرئيس ميشال عون، فإن استهداف نواب حزب الله هو رسالة لجميع السياسيين اللبنانيين الذين يواصلون التعامل والتعاون مع حزب الله، بأن العقوبات الأمريكية يمكن أن تطالهم في المستقبل. وقال مسؤولون أمريكيون أن قرار واشنطن يهدف إيضا إلى تشجيع الدول الأوروبية على أن تحذو حذو بريطانيا التي أنهت سياسة الاعتراف بوجود جناحين سياسي وعسكري للحزب، والتعامل معه كتنظيم إرهابي ويخدم مصالح إيران. وفي إيجاز صحفي، استخدم مسؤول أمريكي بارز، من دون الكشف عن اسمه، لغة قاسية وغير معهودة في وصف سلوك نواب حزب الله، حين أشار إلى تهديدات وجهها النائب شرّي لمصارف لبنانية لأنها حاولت اقفال حسابات تابعة لأفراد في حزب الله. المسؤول الأمريكي قال إن شرّي وزملائه يتصرفون “كقطاع طرق” وليس كممثلين شرعيين للشعب في البرلمان.
تطورات الأيام الماضية من جبل طارق إلى مضيق هرمز والضغوط المتبادلة بين واشنطن وطهران، واقتراب واشنطن من المواكبة العسكرية للسفن التجارية في الخليج، كلها تزيد من احتمال اقتراب المنطقة من صيف حار تزداد فيه فرص واحتمالات وقوع حوادث أمنية قد تكون مصممة لخلق تداعيات محدودة، ولكنها يمكن أن تفلت من السيطرة وتؤدي إلى عواقب وخيمة.