قد يساعد تعيين أمير الكويت للشيخ صباح الخالد الصباح - وهو سياسي غير مثير للجدل ودبلوماسي متمرس - وليًا للعهد في تجاوز الانقسامات الموجودة في دولة الكويت، ولكن الطريق لا يزال طويلا.
كان شهر مايو/آيار حافلاً بالأحداث في للكويت تحت قيادة الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح. في العاشر من مايو/أيار، أصدر الشيخ مشعل مرسومًا يقضي بتعليق مجلس الأمة، وتعليق العديد من المواد الدستورية المتعلقة بسلطته لمدة تصل إلى أربع سنوات. يعمل هذا الإجراء غير الدستوري على تجريد الكويت، ولو مؤقتًا على الأقل، من السلطة التشريعية والبرلمان الحازم– والذي قد يكون أحيانا مقيد وغير مجدٍ. كما أن هذا القرار يلقي بظلال من الشك على ما إذا كانت الكويت ستحتفظ بمجلسها المنتخب والقوي بشكل استثنائي، وبالحريات السياسية التي يتمتع بها مواطنوها، أم إذا كانت ستتحول إلى نظام أكثر مركزية وأوتوقراطي كما هو الحال في الملكيات الخليجية الأخرى.
بعد تحرره من الرقابة البرلمانية، اتخذ الشيخ مشعل قرارًا آخر في الأول من يونيو/حزيران، له تبعات كبيرة على مستقبل الكويت، حيث قام بتعيين الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً للعهد. جاء هذا التعيين، الذي من المفترض أنه تم بالتنسيق مع أعضاء بارزين في مجلس عائلة آل صباح، بمثابة مفاجأة نوعًا ما. منذ توليه السلطة في ديسمبر كانون الأول 2023، تزايدت التكهنات بين الكويتيين والمحللين بأن الأمير سوف يسعى لتعيين أحد أبنائه. وبدلاً من ذلك، لجأ إلى الشيخ صباح خالد الحمد الدبلوماسي الأكثر خبرة منذ فترة طويلة، والذي شغل منصب وزير الخارجية من عام 2011 إلى 2019، ومنصب رئيس الوزراء من عام 2019 إلى 2022.
تأتي هذه الخطوة بمثابة تحدٍ للتوجهات الخليجية من عدة جوانب بارزة، ما يشير إلى أنه على الرغم من تعليق عمل مجلس الأمة، فإن الكويت تعود مجددًا للتمسك بمسارها الخاص، على الأقل فيما يتعلق بعملية وراثة الحكم.
جميع أبناء الملوك
وفقًا للتقاليد، وبموجب الدستور، كان حكم الكويت يقتصر على نسل الشيخ مبارك الصباح، الذي شغل منصب أمير البلاد في الفترة من 1896 إلى 1915. لعدة عقود، تناوب على حكم البلاد اثنان من أبناء مبارك ونسلهما، من عترة [نسل] “جابر” و”سالم”. ولكن منذ عام 1977، وبعيداً عن تعيين الشيخ سعد العبد الله الصباح لفترة وجيزة في عام 2006 ثم عزله بسبب عدم قدرته على الحكم، كانت البلاد تخضع لحكم أبناء الشيخ أحمد الجابر. واستمر الأمر على هذا النحو على الرغم من تقدم هؤلاء الإخوة غير الأشقاء في السن. في الواقع، تم تداول الحكم بين ثلاثة في الثمانينيات من أعمارهم في تعاقب سريع في عملية خلافة الحكم من عام 2020 وحتى 2023.
ثمة أوجه شبه مع تاريخ ولاية العهد في السعودية، حيث تم تداول الحكم من خلال سلسلة طويلة من الأشقاء، أبناء مؤسس المملكة، محمد بن سعود. وعلى غرار عائلة آل سعود، حافظت عائلة الصباح على الاحترام الملكي المعتاد للأقدمية في السن، مقاومين التحول إلى الجيل التالي. يعد الشيخ مشعل الأحمد، البالغ من العمر الآن 83 عامًا، أصغر أبناءالراحل الشيخ أحمد الجابر الأحياء والفاعلين في الحياة العامة. وعلى هذا المنوال، كان من المتوقع أن ينتقل الحكم إلى الجيل القادم من شيوخ نسل “جابر”، وربما، كما هو الحال في السعودية، تتخطى السلطة كبار السن من الجيل اللاحق من آل الصباح لصالح نجل الأمير.
كانت هنالك أسباب أخرى لهذا التوقع. يعرف عن الشيخ مشعل إعجابه بالتحول نحو جيل الشباب في السعودية، وبطريقة ولي العهد السعودي الشاب في فرض التغيير في المملكة. في الواقع صور الشيخ مشعل قراره بتعليق عمل البرلمان باعتباره إجراءً ضروريًا؛ لإنهاء “تدخل” البرلمان في حق الأمير السيادي في تعيين الوزراء ومن يخلفه، ولوضع حد لما يعتبر إساءة استخدام البرلمان لحقه في استجواب الوزراء، ووضع حد لانتشار الفساد وهدر المال العام. ومن المفترض أن تعطيل البرلمان لمدة تصل إلى أربع سنوات سوف يمنح الأمير مساحة للحكم بما يراه مناسبًا، وربما تغيير القواعد الدستورية التي تحدد نموذج الكويت الفريد في تقاسم السلطة.
لقد عملت حكام الخليج الأخرين على تركيز الحكم في الهيئات الإدارية المسؤولة مباشرة أمام الحاكم، والتي كانت تتمتع أحيانًا بصلاحيات أعلى من الوزراء المعينين. ويستمر عدد المناصب الوزارية التي يتولاها أفراد الأسرة الحاكمة في التناقص لصالح التكنوقراط، الذين يتمتعون بقدرات أفضل على تنفيذ المهام المعقدة المطلوبة للحوكمة داخل هذه الدويلات المتنوعة والمعولمة. وهكذا عملت مركزية الحكومة على تعضيد السلطة، وإقامة دولة أكثر تكنوقراطية تعمل على تعزيز الحكم السيادي.
وثمة عنصر آخر لهذا التعضيد في الحكم: التوجه الملحوظ نحو الخلافة الأبوية المباشرة، أو قيام الآباء بتوريث الحكم لأبنائهم. لم يقتصر الأمر على السعودية، بل تعداها إلى سلطنة عمان بعد رحيل السلطان قابوس بن سعيد، الذي لم ينجب أبناء، وفي قطر حيث تنازل الأمير حمد بن خليفة آل ثاني عن الحكم لصالح ابنه، وفي الإمارات العربية المتحدة، حيث عين الرئيس محمد بن زايد آل نهيان ابنه خالد وريثًا للعرش بعد نحو عام من توليه الحكم رسميًا من أخيه. وبين الدول الخليجية، تنفرد البحرين بشرط دستوري يتعلق بأولوية الابن البكر بالوراثة، ولكن حتى هناك، لم يقم ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة إلا في وقت متأخر بتعضيد سلطات الحكم في منصب رئيس للوزراء، بعد رحيل عمه صاحب النفوذ الذي عاش طويلاً.
وخلال الفترة القصيرة التي أمضاها الشيخ مشعل في السلطة، كان يبدو وكأن الكويت تميل لتوجه مماثل. وقد تولى نجل مشعل الأكبر، الشيخ أحمد مشعل الأحمد الصباح، منصبًا عموميًا كرئيس لجهاز متابعة الأداء الحكومي. وقد لفت شقيقه الأصغر، الشيخ طلال، الأنظار خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، عندما خرج من الظل ليقوم بجولات إلى الديوانيات البارزة، أو التجمعات العامة. ومن اللافت للنظر أن مجلس الوزراء، الذي تم تعيينه بعد تعليق البرلمان، كان يضم عضوًا واحدًا فقط من عائلة الصباح عدا عن رئيس الوزراء، الذي جاء مباشرة من منصبه كمستشار في ديوان الشيخ مشعل.
يبدو أن التأخير في كل من افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة وتعيين ولي العهد يشير إلى صعوبة المفاوضات داخل مجلس الحكم. وهكذا فإن الدلائل داخل كل من الكويت والبيئة الإقليمية تشير إلى أن الانتقال الجيلي المثير للجدل، عند الضرورة، داخل أسرة آل صباح كان على وشك الحدوث: حيث سيعين الشيخ مشعل أحد أبنائه ليرث الحكم من بعده.
توسيع عملية وراثة الحكم
لم يحدث ذلك، ومع تعيين الشيخ صباح الخالد وليًا للعهد، من الطبيعي أن تتوسع بشكل ملموس مجموعة الحكام المستقبليين المحتملين داخل عائلة الصباح.
الشيخ صباح الخالد ليس ابن أمير ولا حتى حفيدًا لأمير. فهو ينحدر من نسل مختلف تمامًا، منفصل عن نسل كل من “سالم” و”جابر” اللذين تقاسما الحكم. وكان الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة أن هذا النسب يمثل عقبة أمام فرص توليه الحكم، وأن تجاوز كبار أفراد نسل “جابر” ذات النفوذ الأقوى سيكون أمرًا شائكًا للغاية. وفي الحقيقة، فإنه من خلال تعيينه للشيخ صباح الخالد خلفًا له، لم يتجاوز الشيخ مشعل ولديه أحمد (53 عامًا) وطلال (37 عامًا) فقط، بل تخطى أيضًا العديد من المنافسين الآخرين من بين أحفاد الشيخ أحمد الجابر، أبناء العمومة ذوي الأعمار والخبرات المتنوعة. ومن بين هؤلاء رئيسا الوزراء السابقان – الشيخ ناصر المحمد (84 عامًا) والشيخ أحمد النواف (68 عامًا) – إضافة إلى وزير الدفاع الأخير الشيخ أحمد الفهد (60 عامًا).
ومع ذلك، كانت كل هذه خيارات شائكة. وأصبح وصف “الفساد” مرتبطًا بفترة وجودهم في الحكم، سواء من خلال انكشافه والاحتجاج الشعبي أو من خلال إعلان من الأمير نفسه. إن ما خرجت به مشاورات الشيخ مشعل مع أفراد بارزين من عائلة آل صباح لم يكن عودة إلى الأقدمية في السن، أو تعيين أحد أبناء الشيخ مشعل على نحو مخالف للأعراف، وإنما كان نوعًا من التسوية. ومع ذلك، فإن تعيين الشيخ صباح الخالد يعد إلتزامًا بأحد الأعراف الأخرى المهمة جدًا من معايير الاختيار الأميري، وهي: الصلاحية للحكم.
رجل دولة متمرس
يأتي الشيخ صباح الخالد إلى عملية وراثة الحكم بخبرة كبيرة في الحياة العامة ستكون في غاية الأهمية بالنسبة للشيخ مشعل، الذي تقتصر خبرته على الملف الأمني. حيث إن المناصب القيادية التي شغلها الشيخ صباح الخالد تشمل حقائب متنوعة في إدارة السياسات الاجتماعية والطاقة والأمن القومي. ويتمتع بتاريخ مهني طويل في السلك الدبلوماسي، بلغ ذروته عند تعيينه وزيرًا للخارجية في عام 2011. وتضمن ذلك مناصب رئيسية مثل مسؤول بعثة الكويت الدائمة لدى الأمم المتحدة في الفترة من 1983 إلى 1989 وسفيرًا لبلاده لدى السعودية في الفترة من 1995 إلى 1998. ويبدو أن هذا الجار الخليجي القوي يحتل مكانة مرموقة بين أولويات الشيخ مشعل. فقد كانت السعودية الوجهة الأولى في زيارات الأمير الخارجية في يناير/كانون الثاني، وستكون وجهة الزيارة الأولى لولي العهد أيضًا، ما يُظهر أن الأمير سيكون مستعدًا للاستفادة بفاعلية من خبرة ولي العهد في السياسة الخارجية.
كما شغل الشيخ صباح الخالد منصب رئيس الوزراء خلال السنوات الصعبة من جائحة فيروس كورونا. إن هذه الخبرة في قيادة الحكومة والعمل مع البرلمان لا تقدر بثمن. ومن اللافت للاهتمام، يبدو أن الشيخ صباح الخالد لم يتسبب في إثارة الدرجة نفسها من ردود الفعل السياسية أو الاستقطاب الشعبي التي عانى منها الكثيرون أثناء توليهم لمناصبهم الحكومية.
وفي عرض أولي للوحدة، أفادت وكالة الأنباء الكويتية “كونا” أن أفراد الأسرة الحاكمة البارزين قد رحبوا بالتعيين، وذكرت على وجه التحديد كبار المسؤولين من نسل كلٍ من سالم وجابر، مثل الشيخ علي السالم والشيخ ناصر المحمد، ومن أبرزهم أيضاً رئيس الوزراء السابق ونجل الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد، والذي قام ولداه في وقت لاحق بزيارة لولي العهد الجديد.
خطوة للأمام
في حين أن تعليق الأمير للبرلمان قد وجه اللوم للسلطة التشريعية، إلا أن الوحدة داخل الأسرة الحاكمة في الكويت كانت مفقودة؛ وهي تبقى شرطًا مسبقًا ضروريًا للاستقرار السياسي، وللتقدم في التنمية الاقتصادية في الكويت. تعد عملية تعيين ولي العهد دون صراع طويل خطوة مهمة للأمام.
هناك حاجة لمزيد من الوقت لإثبات أنه من الممكن الحفاظ على هذا المظاهر الأولية للوحدة. في كلا الخطابين الأميريين -عندما وصل الشيخ مشعل إلى السلطة للمرة الأولى، ومرة أخرى عندما قام بتعليق عمل البرلمان– وجّه انتقادات شديدة اللهجة لتصرفات الحكومة السابقة، مستنكرًا ضمنيًا تنسيق رئيس الوزراء الشيخ أحمد نواف مع الشيخ أحمد الفهد الذي كان مبعدًا ذات يوم. بل إن هناك تقارير، لم يتم التحقق من صحتها، تفيد بأن أعضاء الحكومة السابقة قيد التحقيق، وقد يتعرضون للملاحقة القضائية.
لا يزال الطريق طويلاً أمام تجاوز الانقسامات التي حدثت داخل عائلة الصباح، عدا عن انقسامات الرأي الحادة داخل المجتمع، وكل ذلك في أثناء عملية مراجعة دستور الكويت، الميثاق السياسي للنظام الكويتي. إن عملية تعيين ولي عهدٍ ورجل سياسة متمرس هو أمر محمود وسيكون مفيدًا للانطلاق قدمًا.
تصحيح: ذكرت هذه المقالة في الأصل أن رئيس الوزراء الشيخ أحمد العبد الله ليس من نسل مبارك الصباح، وبالتالي فهو غير مؤهل لتولي منصب الأمير. الشيخ أحمد العبد الله من نسل الشيخ مبارك الصباح.
سيقوم دونالد ترامب بعمل تحولات غير مسبوقة في السياسة الأمريكية بتحديه للأعراف الديمقراطية والتقاليد الدستورية والقانونية في المشهد السياسي الأمريكي، بما يؤثرعلى شكل ودعائم النظام السياسي الأمريكي.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.