ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
تحتل نساء الأسر الحاكمة في دول الخليج العربية موقعًا مناسبًا لقيادة أي تغيير قد يطال النساء في مجتماعاتهن من ناحية اكتساب مزيد من الحريات أو حتى تضييقها. فمن جهة، تتبوّأ هؤلاء النساء مركزا للنفوذ بسبب قربهنّ الشديد من السلطة السياسية. ويمنحهن ذلك مدخلا لا مثيل له للنقاشات السياسية والاستفادة من الفرص لاقتراح التغيير. غير أن إعادة تشكيل الوضع الراهن مهمة صعبة، إذ تخضع النساء الملكيات لقيود سياسية مماثلة لتلك التي تخضع لها زميلاتهنّ المواطنات أو حتى تفوقها، بما أن المناصب التي تشغلها النساء الملكيات عليها أن تعكس دائمًا التوقعات الملوكية والذكورية منهنّ. لذلك فليس مفاجئأ أن أغلبية الأدوار التي تتبناها هؤلاء النساء مصممة لتعزيز السلطة السياسية القائمة. ومع ذلك، عملت قلّة من النساء الملكيات على توسيع الحدود المفروضة على مَن يحتللن مواقعهنّ، وعلى تبني أدوار غير مسبوقة تتطلب مهارات وخصائص نادرًا ما تملكها النساء صاحبات الامتيازات. لكن، بغضّ النظر عن الأدوار التي تعتنقها النساء في الأسر الحاكمة، فإن الاعتراف بالأسرة الملكية كراعية لدورهن القيادي هو أمر يجب توضيحه دائما.
مسببات التغيير في أدوار النساء الملكيات
في السنوات القليلة الماضية، بدأ يبرز دور جديد للنساء الملكيات – كمناصرات للنساء في مجتمعاتهن. ودفعت الحملات الشعبية المدافعة عن حقوق المرأة المزيد من النساء الملكيات إلى الظهور وكأنهن يملكن هذا الدور بصورة حصرية. وعادة ما تستخدم النساء الملكيات نفوذهنّ السياسي لإلغاء الحواجز الحائلة دون دخول النساء إلى مؤسسات الدولة التي يسيطر عيها الذكور. وبصفتهن راعيات الإحسان والثقافة والأنشطة الإنسانية، تؤدي النساء الملكيات دور القيّمات الأرفع نفوذا على المواطنات المحرومات من المزايا. فقد فتحت الأميرة الراحلة صيتة بنت فهد الدامر بلاطها أمام المواطنات، تمامًا كزوجات حكام آخرين في المملكة العربية السعودية، وساعدت في حل قضايا عدة كقضايا النساء المطلقات والأرامل. وكانت الأميرة عادلة بنت عبد الله، ابنة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، راعية المبادرات لحماية النساء من العنف العائلي – وهي برامج كان من المستحيل إنشاؤها عبر القنوات الإدارية والقانونية العادية في الدولة.
سعت المواطنات المخذولات من نظام يشوبه التمييز بين الجنسين وتتفشى فيه القيم الذكورية الأبوية، إلى الحصول على حماية النساء الملكيات ودعمهن. لكن لمَ لم يسرّع هذا التفاعل المنتشر بين النساء الملكيات وصاحبات المظالم من المواطنات من بذل جهد أكثر منهجية لإحداث التغيير المنشود؟ لمَ لم يُطالَب النساء الملكيات بإجراء إصلاحات مؤسسية، بدلًا من علاج كل حالة بشكل فردي؟ فمثلًا، تشتهر الأميرة ريما بنت بندر آل سعود بمبادرةٍ تتمثّل في جمع آلاف النساء السعوديات سنويًا لنشر الوعي حول سرطان الثدي، متجاهلةً الحظر على التجمع العام. ومبادرة كهذه كان من الممكن أن تحظى بمصداقيةً أكبر وتغدو أكثر إنتاجية لو تم اتخاذ تدابير أكثر عملية، مثل فحص النساء بشكل منتظم لكشف سرطان الثدي في منشآت العناية الصحية السعودية. فمن خلال استخدام سلطاتهن الملكية الحصرية لتخفيف أثر القوانين والممارسات التمييزية ضد النساء، يتم تعزيز صورة الراعي والحامي للنساء الملكيات (والرجال الملكيين) في أذهان المواطنين. وعلاوةً على ذلك، يمكن تحميل المسؤولية السياسية عن الفشل في وضع سياسات وخدمات فعالة للنساء، على مصادر أخرى مثل الجامع أو التقاليد الاجتماعية التقليدية.
كذلك، يصبح دور النساء الملكيات كراعيات للثقافة مكملا لدورهنّ كراعيات. فمن خلال حل المظالم الاجتماعية وتعزيز الحفاظ على الثقافة، تصبح النساء الملكيات قادرات على تأدية دور البوابات، عبر اختيار من وما يجب تعزيزه ودعمه وفقًا لتبدل الهوية السياسية في الدولة. فقد نشرت الشيخة مي آل خليفة، وزيرة الثقافة البحرينية، لائحة مثيرة للاهتمام عن سير حياة رجال من أسرتها. وأوكلت إلى الشيخة المياسة آل ثاني، التي وُصفت على موقع قطري رسمي بأنها “تصنع مستقبل قطر الإبداعي”، مهمة حيازة ثروات عالمية لعرضها في متاحف حديثة، وهو بعض من محاولات تحويل قطر إلى محور ثقافي دولي. وعلى نحو مماثل، وُصفت الشيخة الزين الصباح، وكيلة وزارة الدولة لشؤون الشباب، بأنها تدفع بالحيوية في سعيها إلى إرساء نظام شامل يهدف إلى تطوير جيل من الشباب المستثمرين. كما ساعدت في إنتاج فلم وثائقي بالتعاون مع السلطات السعودية، تحت عنوان “رحلة إلى مكة“، وهو يعرض الطبيعة السلمية للإسلام من خلال تتبع خطى العالم المسلم إبن بطوطة في رحلته التاريخية من المغرب إلى مكة. ومن خلال هذه الجهود، يتم تغيير الشعار القبائلي الخاص بدول “مجلس التعاون الخليجي” شيئًا فشيئًا على يد شخصيات ملكية شابة ومثقفة، ليحل مكانه شعار أكثر تسامحا وعصرية.
يخدم دمج نساء ملكيات نشيطات درسن في الغرب في مراكز القيادة الهدف المهم الذي يتمثل في تطوير الأنظمة الملكية التي يبلغ عمرها قرنًا من الزمن لتصبح تقدمية ومتفقة مع القيم العالمية. وهذا أمر مهم بشكل خاص بسبب الحاجة المتزايدة إلى جذب الاستثمارات من أجل تنويع اقتصادات الخليج القائمة على النفط، بالإضافة إلى الحاجة إلى الرد على الاتهامات التي تعتبر أن دول مجلس التعاون الخليجي تصدّر إيديولوجيا دينية متطرفة. ويُعتبر توقيت الظهور الإعلامي للنساء الملكيات، بعد وقت قصير من بروز حملات الناشطات على وسائل التواصل الاجتماعي، معبّرًا.
أظهرت وسائل الإعلام المعروفة هؤلاء النساء الملكيات على أنهن رائدات في تمكين النساء داخل بلدانهن. فمثلًا، أشادت كريستيان آمانبور التي تعمل في “سي إن إن” بالأميرة أميرة الطويل، زوجة الأمير السعودي والملياردير الأمير بن طلال، لدعمها حقوق النساء في المملكة العربية السعودية، على الرغم من أن الأميرة لم تدافع، أقلّه علنًا، عن هذه الحقوق في المملكة. بالأحرى، تركّز حسابات هذه الأميرة على وسائل التواصل الاجتماعي على أنشطتها الدولية المتعددة ورحلاتها الإنسانية. كذلك، تلقّت الأميرة ريما الإطراء بسبب “فتح الأبواب أمام النساء في المملكة العربية السعودية”، بعد توظيفهنّ في شركتها الراقية في الرياض، استجابةً لمرسوم ملكي يقضي بتأنيث قطاع البيع بالتجزئة الخاص بالنساء. وأنكرت الأميرة في مقابلاتها وجود قيود على حقوق النساء في المملكة. كما ذهبت بعيدا إلى حد مقارنة وضعها الاجتماعي والاقتصادي بوضع عموم السعوديات، مؤكدةً أنها قادرة على أن توظف العاملين لديها، وأن تحصل على الأنشطة الترفيهية، وتعيش حياة مفعمة بالحيوية. كما أنكرت الأميرة أيضًا أن قيادة السيارات هي مشكلة للنساء في السعودية، في الوقت الذي تعمل فيه الأميرة عضوة في المجلس الإستشاري لشركة “أوبر” للنقل عبر مشاركة المركبات، حيث ساعدت في تقديم الإرشاد في استثمار الـ 3.5 مليار دولار الأخير في الشركة بواسطة “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي”. فالشركة، وبالتالي “صندوق الاستثمارات العامة”، يستفيدان من الحظر على قيادة السيارات لأن نسبة 80% من زبائن الشركة في السعودية تتألف من النساء. كذلك، أعلنت الأميرة لولوة الفيصل أنه إذا كان بإمكانها تغيير أمر واحد في بلدها، فسيكون السماح للنساء بالقيادة. غير أنها لم تدافع عن حملات النساء في السعودية أو تدعمها. لذلك، في الوقت الذي تشعر فيه النساء الملكيات براحة أكبر في بقاء الوضع الداخلي كما هو عليه، تقوم وسائل الإعلام بإظهارهنّ على أنهنّ قوى للتغيير الإيجابي يقاومن ثقافة معادية للنساء، ويتحول اللوم من جديد في انعدام التقدم على عوام أخرى خارج سيطرتهن.
التحول من الداخل
شكّلت عملية التحول إلى دولة عصرية سعيًا ناجحًا بالنسبة إلى بعض النساء الملكيات. فكانت الشيخة موزة بنت ناصر في مقدّمة التطور المدني في قطر في خلال العقدين الأخيرين. وكانت رئيسة عدة مؤسسات ومنظمات دولية تُعنى بالتعليم والتوظيف والحوكمة الجيدة. إلا أن ما يجعلها فريدة هو صورتها غير المسبوقة بين النساء الأوائل في الأسر الحاكمة في دول الخليج العربية. فقد ظهرت إلى جانب زوجها في زيارات الدولة الرسمية وقادت بنفسها مبادرات رسمية بين الدول. وتمّ تصويرها مع الملك عبد الله في سنة 2010 وهي تناقش قضايا سياسية في ظهور استثنائي داخل الميدان السياسي الذي يتألف بأكمله من الرجال، حيث عملت على تخفيف حدة الاضطرابات المتزايدة بين المملكة العربية السعودية وقطر. ووصل ابنها الثاني، الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى العرش بعد أن تنحى والده عن سدة الحكم، متجاوزًا إخوانه الكثيرين الذين يكبرونه سنًّا. فمن الممكن أن خلفيتها كإبنة منشقٍّ سياسي، هو ناصر بن عبد الله المسند، أهلتها لاتخاذ دور قيادي غير مسبوق. واعتُبر زواجها من ولي العهد جزءًا من تسوية للصلح مقابل عودة الأسرة إلى قطر ومنح والدها امتيازات خاصة. في الأغلب تستطيع نساء مثل الشيخة موزة، تربّيْن على الطرف الآخر لحياة الامتياز الملكي، أن يبرعن في التسويات والتعبئة والمفاوضات السياسية الضرورية لتليين الوضع الراهن الصلب.
يتوقّف تعيين امرأة ملكية في منصب سلطة جديد وغير مسبوق أولًا على تقبل البيئة السياسية، بغضّ النظر عن قدرتها الخاصة أو عن مدى الحاجة الملحة إلى التغيير. وأقرّت الشيخة مها ناصر آل ثاني، القاضية الأولى التي تم تعيينها في قطر، أن الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وزوجته الشيخة موزة، وابنهما الأمير الحالي الشيخ تميم هم رعاة دمج النساء، بما فيه دمجها هي شخصيا، في كافة المجالات. ونجحت الشيخة لبنى القاسمي في استخدام تعيينها السياسي في “تجاري“، وهي شركة مقرّها في الإمارات العربية المتحدة تسهّل عملية الشراء الإلكتروني، وفي مراكز متنوعة داخل الحكومة الإماراتية لتشجيع النساء في الاستثمار والتجارة.
إلا أن تعيين نساء ملكيات لمختلف المناصب لم يقلل بشكل واضح من إقصاء النساء المنهجي من المشاركة السياسية والاقتصادية في بلدان الخليج العربي. فقد احتلّت الكويت والإمارات وقطر والبحرين والسعودية وعمان على التوالي المراتب 117 و119 و122 و123 و134 و135 من أصل 145 بلدًا في تقرير الفجوة بين الجنسين العالمي. وبقيت مشاركة النساء السياسية والاقتصادية وحقوقهن الشخصية والعائلية بعيدة للغاية عن مستوى مشاركة الرجال وحقوقهم، ما أدى إلى تدنٍ مستمر في المؤشرات العالمية للفجوة بين الجنسين منذ عام 2006. وباختصار، ما يزال دور النساء الملكيات والتوقعات الخاصة بهنّ يعتمد على النظام السياسي بغضّ النظر عن مواقع نفوذهنّ. ومع القليل من الاستثناءات، كالتي أشرت إليها، يُعتبر النساء الملكيات أكثر تأثيرًا في تعزيز صورة تقدمية عن البلد في الخارج، بينما يسعين للحفاظ على الوضع الراهن الذكوري – والامتيازات الملكية التي ترافقه – في الوطن.