ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
October 21, 2016
ناقش أربعة من المختصين في السياسات الأمريكية في شؤون الشرق الأوسط تداعيات قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب المعروف بـ “جاستا” وأبعاده السياسية والقانونية والاقتصادية على السعودية والولايات المتحدة الأمريكية نفسها. ويسمح هذا القانون الأمريكي الذي مرره الكونغرس مؤخرا لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 بملاحقة الحكومات والمسؤولين الأجانب المشتبه بدعمهم لتلك الهجمات قضائيا أمام المحاكم الأمريكية بهدف استحصال تعويضات مالية. وكان من بين المتحدثين في الندوة التي عقدها معهد دول الخليج العربية في واشنطن يوم الجمعة الأمير السعودي تركي الفيصل الذي أعرب عن غضبه من قانون “جاستا”، محذرا من مخاطره على العلاقات بين البلدين، خصوصا أنه يستهدف المملكة العربية السعودية التي حافظت على تحالفها مع واشنطن على مدى السبعين سنة الماضية، وهي مهد الدين الإسلامي والعرب. وأعرب الأمير الفيصل عن دهشته من نية الرئيس أوباما العمل على تعديل القانون بما يضمن سلامة المسؤولين الأمريكيين دوليا مع إغفال الضرر الذي سيلحق السعودية من جراء هذا القانون. وفي الوقت الذي دعا فيه الأمير الفيصل إلى إلغاء القانون، أشار إلى أنه لا يشعر بالتفاؤل من إمكانية تحقيق هذا المطلب. .
شاهد الفيديو video.
وقال بروفيسور برنارد هيكل، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط المعاصر وشمال أفريقيا، في جامعة برينستون إن قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب “جاستا” هو دليل على تدهور العلاقات الأمريكية مع السعودية في ظل إدارة الرئيس أوباما، مشيرا إلى أنه ذروة الخطوات التي اتخذتها هذه الإدارة في تخليها عن حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط، ومنها السعودية، لصالح خلق توازن إقليمي يصب في مصلحة إيران. وأضاف هيكل أن هذا القانون الذي يهدف إلى تحقيق “العدالة” يظلم السعودية ويحولها إلى ضحية لأنها عدو حقيقي للقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، وهو بذلك قد لبى رغبة أسامة بن لادن في تدمير العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن هيكل يعتقد أن السعودية لا ترى بإمكانية تطبيق قانون “جاستا” على أرض الواقع، وأنه لن يصل إلى المحاكم الأمريكية. وقال إن تركيز “جاستا” هو ضد السعودية تحديدا وليس أي دولة أخرى بسبب ربط الأمريكيين للإرهاب بالنشاط الديني الدعوي السعودي. وقال إن السعودية لم تقم بما يجب عليها دبلوماسيا في الولايات المتحدة الأمريكية والدليل على ذلك هو تمرير هذا قانون في الكونغرس. واستبعد هيكل أن تقوم السعودية بتقديم أية تعويضات مالية لعائلات الضحايا لتجنب أن ينظر لذلك على أنه اعتراف بالمسؤولية عن هجمات 11 سبتمبر 2001. ودعا هيكل إلى تسليط مزيد من الضوء على محاربة السعودية للتطرف الديني، ناصحا الحكومة السعودية بالسماح للمرأة بقيادة السيارة حال تسلم كلينتون الرئاسة، في حال فوزها، لتشجيعها على العمل ضد “جاستا”. وأشار هيكل إلى تقصير الحكومة السعودية في التواصل مع الشعب الأمريكي خصوصا في عدم استغلال وجود آلاف الطلاب السعوديين في الولايات المتحدة لغرض تحسين صورة المملكة.
واستبعد فهد ناظر، زميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن ومحلل سياسي لدى شركة الاستشارات الاستخباراتية “جاي تي جي”، قيام السعودية بفتح أو دعم أي تحقيق جديد بهجمات 11 سبتمبر للرد على الشبهات التي أطلقها قانون “جاستا”، متسائلا كيف يمكن أن يثق الرأي العام الأمريكي بأي تحقيق سعودي في الوقت الذي يشكك فيه بنتائج التحقيقات التي أجرتها عدة مؤسسات أمنية متخصصة أمريكية نفت أي صلة للسعودية بتلك الهجمات الإرهابية. ونفى ناظر صحة التقارير الصحافية التي أشارت إلى تهديد سعودي بسحب أصول مالية من الولايات المتحدة الأمريكية ردا على “جاستا”، نافيا أن يكون تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد أشار إلى هذا المعنى. وأضاف أنه ليس من الصعب الربط بين مواطنين سعوديين وحكومتهم بسبب طبيعة الأوضاع في السعودية ولكن هذا لا يعني وجود علاقة تنسيق مع إرهابيي هجمات 11 سبتمبر. وأعرب ناظر عن تفاؤله ببقاء التحالف الاستراتيجي مع واشنطن على المدى البعيد، بحسب وزير الخارجية السعودي الجبير، مضيفا أن وزير الخارجية جون كيري يزور الرياض بكثرة إلى درجة أن يصوره البعض مُزاحا على أنه مقيم في السعودية. وأشار ناظر أن السعوديين يعتقدون أن أية إدارة أمريكية قادمة، برئاسة كلينتون أو ترامب، ستكون أفضل من الإدارة الحالية.
من جهته، قال ديفيد فروم محرر أول في مجلة أتلانتك الأمريكية، إن أسبابا عديدة قادت إلى تبلور قانون “جاستا” أولها أن الثقافة السياسية الأمريكية لا تولي مبدأ الحصانة السيادية للدول اهتماما كافيا، مستشهدا بدليل تمرير قوانين فيدرالية خاصة بحركة الحقوق المدنية في عقد الستينات نالت من مبدأ الحصانة السيادية التي تتمتع بها الولايات الأمريكية ضمن النظام الفيدرالي، ومنها الجنوبية، كانت تهدف إلى الحد من عمليات الإعدام خارج نطاق القانون للمواطنين السود في الجنوب. ثانيا، ساعد الميل الدولي إلى إنشاء محاكم دولية لحل النزاعات السياسية بينها بخلق مناخ مناسب لتمرير قانون “جاستا” في الولايات المتحدة الأمريكية. ثالثا، منذ بداية حكم الرئيس أوباما لم يكن للبيت الأبيض أي دور بارز في التنسيق مع الكونغرس في عملية إصدار القوانين وتعديلها، وخصوصا في السنوات الأخيرة لحكمه، وتُوج ذلك بقيام الكونغرس بإلغاء فيتو أوباما الذي استخدمه ضد “جاستا”. وأضاف فروم أن الرئيس الأمريكي المقبل، كلينتون على الأغلب، سيكون مشغولا بقضايا داخلية صعبة ولن تكون “جاستا” من ضمن اولوياته، محذرا من أن هذا القانون يقدم الفرصة للأجانب بمقاضاة الحكومة الأمريكية، ومنها في أوروبا لأنه يتعارض مع مبدأ الحصانة السيادية. وقال إن هدف قانون “جاستا” مالي أيضا، وأن محامين أمريكيين قد يصبحون مليارديرات إذا ما فازوا ضد السعودية أمام المحاكم الأمريكية. إلا أنه أكد أن المحاكم، ومنها الأمريكية، ليست المكان الصحيح لحل الخلافات بين الدول.
وعلّق منسق الندوة حسين إبيش، باحث مقيم أول في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أن إدارة الرئيس أوباما لم تقم بما فيه الكفاية لحث أعضاء الكونغرس المقربين منها للحيلولة دون تمرير القانون وتثبيته. وقد يقوم الكونغرس بإضافة فقرة على “جاستا” تسمح للحكومة بإصدار إعفاء تنفيذي يلغي أي تطبيق للقانون، إلا أنه استبعد حصول هذا الأمر.