ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
هذا المقال جزء من سلسلة من المقالات صادرة عن معهد دول الخليج العربية عن “رؤية السعودية 2030″، والتي هي مجموعة واسعة من البرامج والإصلاحات التي اعتمدتها الحكومة السعودية بهدف تنفيذها بحلول عام 2030.
يشكّل الحصول على مصادر تمويل متنوعة أولوية بالنسبة إلى خطة إصلاح السياسات الجديدة التي اتبعتها المملكة العربية السعودية، والتي دفعت المملكة إلى الإعلان عن إصدار أول سندات دولية لها بقيمة 17.5 مليار دولار في 19 تشرين الأول/أكتوبر. على الرغم من أن هذا الإصدار قد تجاوز حد الاكتتاب، وخلّف موجة من الحماسة غمرت السوق، من غير المرجح أن يلبّي الطلب المتزايد على الاستثمارات في قطاع البنى التحتية السعودية. نظرًا إلى أن أسعار النفط دائمة الانخفاض وإلى سياسات الإدارة المالية الأكثر صرامة التي دعا ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى انتهاجها كجزء من رؤية السعودية 2030، يسعى الأمير إلى زيادة مشاركة القطاع الخاص. إن الدور الذي تؤديه عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، باعتبارها نموذجًا لتقديم مشاريع تتعلق بالبنى التحتية، قد لفت انتباه صنّاع السياسات والممولين وأصحاب المصلحة على نطاق واسع.
إن تطوير مشاريع البنى التحتية العامة الضخمة المنفّذة بدعم من القطاع الخاص ليست بنزعة جديدة في المملكة العربية السعودية. ففي العام 2002، أصدر المجلس الاقتصادي الأعلى القرار رقم (5/23) الذي يسمح للقطاع الخاص أن يشارك في المشاريع المستقلة لإنتاج الطاقة والمياه على قاعدة البناء والتملّك والتشغيل. وكان الغرض من ذلك الاستفادة من سيولة القطاع الخاص وخبرته. بدايًة، تم تأسيس شركة خاصة بالمشروع ليمتلك الطرف الخاص نسبة 60 بالمئة منها في حين تنقسم النسبة المتبقية بين الشركة السعودية للكهرباء شبه الحكومية وصندوق الاستثمارات العامة التابع للحكومة السعودية. كانت المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في المملكة العربية السعودية مسؤولة عن بناء أنظمة لنقل المياه في حين ترتّب على الشركة السعودية للكهرباء أن تتكفّل بتوفير الطاقة الكهربائية. وحصلت كل من هاتين المؤسستين على سلفة حكومية لتمويل هذه المشاريع. خصّصت الحكومة بعض الأراضي وأخضعتها لرسوم إيجار اسمية تبقى صالحة طوال مدة اتفاقية شراء المياه والكهرباء. ولقد كانت شركة المياه والكهرباء، التي تأسست بموجب هذا القرار، المتعهدة الوحيدة لهذه المشاريع المستقلة لإنتاج الطاقة والمياه والتي تبيع نسبة مئة بالمئة من المياه والكهرباء اللتين تنتجهما إلى المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة وللشركة السعودية للكهرباء على التوالي. تتضمن اتفاقيات شراء الإنتاج اتفاقيات بين مُنتج المورد (البائع) ومشتري المورد، حيث يوافق المشتري على شراء أجزاء من الإنتاج المستقبلي للمورد. ونذكر على سبيل المثال، محطتين مماثلتين تعملان تحت جناح شركة المياه والكهرباء وهما الشعيبة والشقيق.
في العام 2007، أطلقت الشركة السعودية للكهرباء برنامج منتجي الطاقة المستقلين الخاص بها لجذب الاستثمار الخاص (الوطني والأجنبي) لتمويل منتجي الطاقة المستقلين والرائدين الثلاثة على قاعدة البناء والتملك والتشغيل (مشروع رابغ المستقل لإنتاج الكهرباء، مشروع محطة الرياض 11 لإنتاج الطاقة المستقل، مشروع محطة القرية المستقل لإنتاج الطاقة) وفاق مجموع الاستثمارات الرأسمالية 7 مليار دولار. ولقد سهّلت الضمانات الحكومية والمتعهدون التابعون للدولة تنفيذ مشاريع منتجي الطاقة المستقلين، مما قضى على مخاطر السوق والنفط التي كانت لتواجه مطوري مشاريع منتجي الطاقة المستقلين. وإذ بات المطورون يشعرون بارتياح أكبر إزاء هذه العملية، تم إلغاء هذه الضمانات الحكومية بشكل تدريجي. ارتفع إقبال المستثمر على هذا البرنامج من مناقصتين مقدمتين من اتحاد شركات في المشروع الأول المستقل لإنتاج الطاقة إلى ستّ مناقصات في المشروع الثالث المستقل لإنتاج الطاقة في اذار/مارس 2011. إلا أنه وفي ظل المعايير الجديدة المتمثلة بانخفاض أسعار النفط وبالتضييق المالي، لا بد من التساؤل حول كيفية تنظيم عقود الشراكة هذه بين القطاعين العام والخاص في الأيام المقبلة.
تسلّط رؤية السعودية 2030 الضوء على نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص كطريقة لتطوير قطاعي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في المملكة العربية السعودية، ولكن لم تتضح بعد كيفية تمويل هذه الاستثمارات وغيرها التي ستوظّف في البنى التحتية. تتمتع عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص القابلة للخصم القدرة على جذب الاستثمار الأجنبي، إلا أن هذا الأمر يعتمد بشكل كبير على تهيئة بيئة مؤاتية تدور حول إطار قانوني ملائم وشفاف وتنظيمي. وحتى هذه الساعة، ما من قانون في البلاد يرعى الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وعلى خلفية هذه العقبة القانونية، يظهر تحديان إضافيان: المبالغ الباهظة ونوع التمويل الذي تتطلّبه هذه المشاريع. سيرغب القطاع الخاص في الاطلاع على المبادئ التوجيهية لبرنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وكما هو الوضع عليه الآن، فمن المرجح أن يبقى الإقبال على مشروع التمويل النقدي المحدود كثيفًا. ومع ذلك، لا تزال الجدارة الائتمانية للحكومة السعودية مهمة إذ تمتلك الحكومة سلطة الشراء وهي تحدد مقدار قوة الميزانية العمومية للمتعهدين، بالإضافة إلى أي من الضمانات السيادية التي قد تمنح بدلًا عنها. والجدير بالذكر أن وكالة “ستاندرد آند بورز” قد خفّضت في شهر شباط/فبراير التصنيف الائتماني للمملكة العربية السعودية إلى A-، وفي شهر أيار/مايو، حذت وكالة “موديز” حذوها وخفّضت تصنيفها إلى A1.
وعلى الرغم من هذا التراجع في التصنيف الائتماني، لم تتوان المؤسسات الدولية عن التعبير عن اهتمامها بالمملكة، مع ارتفاع بعض مطوري البرامج المحلية. وفي آب/أغسطس 2014، استثمرت مؤسسة التمويل الدولية بقيمة 100 مليون دولار بالإنصاف في مطور مشروع للطاقة والمياه تابع للمملكة العربية السعودية وفي الشركة العربية لتنمية المياه والطاقة. إن هذه المشاركة المتعددة الأطراف، التي تهدف إلى الارتكاز على المعرفة المحلية للمطور وترجمتها بقيمة قابلة للتحسين في باقي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (في دول كالمغرب والأردن)، وتعزز مشاركة الأطراف المتعددة من ثقة المستثمرين بالمملكة وتستقطب المزيد من المستثمرين من القطاع الخاص.
وإذ يطّلع المقرضون على أنواع التمويل المختلفة، يتمثّل التحدي بالخضوع لقانون الشريعة النافذ في المملكة. إلا أن التمويل الإسلامي قد برز مؤخرًا ليملأ هذه الفجوة. فعلى الصعيد العالمي، استُخدمت أداتان من أدوات التمويل الإسلامي الرئيسية لتمويل مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص: الإجارة (هي صيغة تمويلية تقوم على عقد الإجارة ) والاستصناع (وهو عقد تبادل ينص على تأجيل التسليم). وفي المملكة العربية السعودية، تم تمويل مشروع محطة القرية جزئيًا عبر تسهيلات المرابحة (تمويل تجاري يرتكز على الأوراق المالية) عبر مبدأ توزيع الحصص بشكل منصف. إن التمويل الإسلامي ملائم جدًا لعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص إذ أنها تستحوذ على أصول محل التعاقد وهي استثمارات طويلة الأمد وتتميز بطابع مشاطرة الخطر.
ستؤدي زيادة التعاون مع القطاع الخاص وإمكانية الوصول إليه إلى تقليص العجز في القطاع العام. وإذ يجول المتمولون في سوق الشراكة بين القطاعين العام والخاص الناشئة هذه، فإن شراء الشراكة بين القطاعين العام والخاص سيكشف النقاب عن هياكل تمويلية هجينة من مقرضين محليين ودوليين. مما يعني أنه سيتوفر مزيج من مصادر التمويل. وبالإضافة إلى القروض التجارية التقليدية وأدوات التمويل الإسلامي، قد تتضمن مصادر التمويل تسهيلات ائتمانية من وكالات ائتمان الصادرات كبنك التصدير والاستيراد الأمريكي وبنك التصدير والاستيراد الكوري. ولتمويل وكالات ائتمان الصادرات نوعان: التمويل المغطّى والمباشر (غير المغطى بالضمانات). فإن كان مغطى بالضمانات، تقدم وكالة ائتمان الصادرات ضمانة فيما يتكفّل بالتمويل. أما النوع الآخر فينطوي على إقراض الشركات بشكل مباشر.
إن توظيف الاستثمار الخاص في تطوير البنى التحتية من خلال نماذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص سيساهم في التخفيف من وطأة الأعباء الملقاة على كاهل المملكة العربية السعودية وفي دعم تنفيذ المشاريع الاجتماعية والحيوية المتعلقة بالبنى التحتية. إلا أن بعض التحديات التي يواجهها المستثمرون والمقرضون تبقى قائمة، كغياب قانون يرعى الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ومتطلبات التمويل الكبرى، والخضوع لقانون الشريعة. ومع ذلك، لم يتبق أمام قيادة المملكة العربية السعودية، التي تتمتع بتاريخ حافل بنجاحاتها في إنهاء مشاريع تساوي مليارات الدولارات، إلا أن تترجم رؤية السعودية 2030 بخطوات قابلة للتنفيذ من شأنها أن تُشرك القطاع الخاص بشكل فعال.
لمى كياسة تعمل حاليًا في صندوق النقد الدولي في حين كانت تعمل في مجال صياغة عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص وهندسة البنى التحتية في البنك الدولي.