ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
يبدو أن الوقت قد حان كي تقوم عواصم الدول العربية والمعنيون بشؤون سياسات الولايات المتحدة الأمريكية بإجراء مراجعات وتقييمات سياسية مستفيضة استعدادا لقدوم رئيس أمريكي من الحزب الجمهوري يُوصف بالتهور والغوغائية والعنصرية وكراهيته للمسلمين. انه الميلياردير دونالد ترامب.
مع ذلك فإن من الحكمة الإعتراف بصعوبة التكهن بما ستضفي اليه سخونة هذا الموسم وإلى أي درجة سيحتاج المرشحون إلى رفع سقف مواقفهم المتشنجة من الملفات الرئيسة من أجل كسب أكبر عدد من الأصوات للوصول إلى البيت الابيض. ولكن يمكن القول، وبالاستناد على دراسات وإستطلاعات رصينة قامت بها مؤسسات بحثية وإعلامية متخصصة، أن الرئيس الأمريكي المقبل هو أما دونالد ترامب أو هيلاري كلنتون. وقد يكون ترامب بالفعل هو الرئيس الامريكي المقبل إذا ما صدقنا تحليل يعتمد على حسابات وإستطلاعات، بعضها يعتمد على قراءات تأريخية. وخلاصة هذا المذهب أن التنافس الرئاسي عادة ما تحسمه سبع ولايات أمريكية هي فلوريدا وفرجينيا وأوهايو ونيفادا وأيوا وكولورادو ونيوهامشير. وعلى الرغم من أن التنافس سيكون متقاربا جدا بين ترامب وكلينتون إلا أن الإستطلاعات الأولية تشير إلى أن ترامب سيحصل على أربع من هذه السبع ليتمكن من إنتزاع البيت الأبيض من الحزب الديمقراطي الذي هزم صاحبه الحالي إثنين من المنافسين الجمهوريين السيناتور جون مكين عام 2008 والحاكم ميت رومني عام 2012. وأعلن بروفيسور أمريكي اسمه هيلموت نوربوث وهو يعتمد على نموذج إحصائي نجح حتى الآن بتوقع الفائز بإنتخابات الرئاسة الامريكية منذ عام 1912 بأن ترامب، إذا ما فاز بترشيح الحزب الجمهوري، سيتغلب على كلنتون.
ولكن هذه التوقعات تصطدم بجدار عال كالجدار العازل الذي يعد ترامب مريديه بتشييده مع المكسيك يتمثل بتعهدات كبار قادة الحزب الجمهوري بأنهم “أبداً لن يسمحوا لترامب بنيل الترشيح” فضلا عن انتقادات الاعلام الامريكي له وتسليطه الضوء على نزعاته الغوغائية والعنصرية والشوفينية وامتهانه للمرأة وفضاضته غير المسبوقة ومعاداته للاجانب والمسلمين فضلا عن ميله لتحديد حريات الصحافة والتعبير عن الرأي.
وتعمل لجان اعضاؤها كبار الجمهوريين والأغنياء على تنظيم إعلانات في عدد من الولايات الأمريكية بهدف أضعاف حظوظه بالفوز خصوصا ببعض الولايات الكبيرة.
ولكن بعد فوزه بـ 22 ولاية من أصل 38 حتى الآن فإن الكثيرين يتحدثون عن أن لا مفر من أن يذعن قادة الحزب الجمهوري لهذا المصير ويعلنوا قبولهم به. وقد يكون الضغط الذي يتعرض له ترامب هدفه جزئيا هو تقليص نفوذه وترويضه للعمل في إطار الحزب الجمهوري وتقديم التنازلات لاستيعاب إرادات الحزب المتعددة. سيستدير هؤلاء الرافضون وسيلتحقون حول مرشحهم في الوقت المناسب. الثقافة الامريكية مليئة بأمثلة السياسيين الذين يلجأون إلى العودة إلى الوراء بمواقفهم، كما يُصطلح عليها بسياسات استدارة حرف U اي تغيير المواقف بصورة كاملة وإعتماد عكسها. تذكر كتب التاريخ أن واشنطن إعتمدت سياسة استدارة حرف U إبّان إحتلالها لليابان بعد الحرب العالمية الثانية عندما أعادت قادة يابانيين عسكريين إلى السلطة بعد اجتثاثهم. وهكذا فلن يمنع قادة الحزب الجمهوري رفضهم الحالي لترامب من الوقوف خلفه في صيف هذا العام في حال حصده لـ1237 من أصوات ممثلي الولايات من الناخبين في الإنتخابات الرئاسية الأولية قبل موعد إنعقاد المؤتمر العام للحزب الجمهوري في يوليو/تموز، وهو أمر متوقع حدوثه.
أما ما يخص القلق الحالي الذي تثيره شخصية ترامب “المتهورة” فإنه سيتضاعف اذا ما أدركنا أنه سيتحكم بأقوى جيش في العالم وأكبر ترسانة نووية قال عنها إنها من ضمن خيارته في حروب أوربا المقبلة. ترامب يهدد بالسماح بتعذيب المعتقلين ومنع المسلمين “مؤقتا” من دخول الولايات المتحدة الأمريكية فضلا عن تصريحات نارية أخرى تتسم بالعنصرية خصوصا بعد أن رفض أوليا التبرأ من دعم رئيس منظمة kkk العنصرية له الشهر الماضي. العديد من المشاهير بدأوا بتشبيهه بهتلر، والكثيرون قالوا إنهم سيهاجرون إلى كندا إذا ما اصبح رئيسا. وذهبت كلنتون إلى حد وصفه بأنه خطر يهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية والسلام العالمي في حال وصوله إلى البيت الأبيض.
ولكن قد تكون هذه المواقف المتطرفة غايتها الوصول إلى الهدف على أساس القاعدة الميكافيلية أن “الغاية تبررها الوسيلة.” فليس من المستغرب إذاً أن تسخن حدة المواقف ويُصار إلى التصعيد خصوصا في مرحلة التنافس على الفوز بالترشح عن الحزب لكسب أكبر عدد ممكن من أصوات اليمينيين الذين يميلون إلى التصويت في الإنتخابات بشكل أكبر من الليبراليين الشباب.
مع ذلك فلا بأس من الإستعداد عربيا لمرحلة قد تكون أكثر تحديا من رئاستي الرئيس بوش ومن بعده اوباما. إلا أن ترامب قد أكد أنه سيميل إلى تغيير وتعديل بعض من سياسته المعلنه كلما دعا الأمر إلى ذلك. وكانت قد رشحت تسريبات لتصريحات غير معلنه في حوار أجراه مع كبار المحررين في صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا إشترط فيه عدم الكشف عنه، قال فيه أنه ليس جادا بتهديداته بتهجير ملايين المهاجرين غير الشرعيين وأنه سيعدل عن بناء جدار عازل مع المكسيك. وفي سياساته تجاه الشرق الاوسط فهو يرفض التقارب مع إيران، وهنا يقترب من سياسات دول الخليج العربي تحديدا، ولكنه يعود ليبتعد عنها عندما يدعو المملكة السعودية العربية إلى تحمل المزيد من التباعات المالية لسياسات الدفاع العسكرية التي تعتمدها واشنطن في الخليج العربي (وهذا يصح أيضا مع اليايان والمانيا وكوريا الجنوبية) مشيرا إلى أن واشنطن “لم يعد باستطاعتها الدفاع عن هذه الدول.” وهنا فهو يقع بنفس معضلة سياسات الرئيس اوباما التي لا تتعامل مع دول الخليج كشريك أمني تجاه التهديدات الإيرانية بل زبونا أمنيا قادر على صرف مليارات الدولارات لشراء السلاح الأمريكي المتطور وبذلك إخلال للمعادلة الأمنية الحاكمة في المنطقة. ولكن ترامب على الجهة الثانية يبدو أكثر حزما تجاه إسرائيل مشككا بنيتها المعلنة لإنهاء الصراع مع الفلسطينيين وتقاسم الارض، ويقول إن إنهاء النزاع هو بيد إسرائيل إذا شاءت ذلك.
سياسيات ترامب المعلنة تجاه الشرق الاوسط وحتى تلك التي قد تطال المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية لم يكتبها على الصخر، وهي قد تتغير إذا ما وصل صاحبها إلى البيت الابيض، والكثير منها قد يبقى على حاله، وقد تطالها ثقافة استدارة حرف U أيضا، ولكن لا بد من الإستعداد لمرحلة جديدة سيكون فيها الغموض والارتجال الامريكي هو سيد الموقف.
عادل عوض باحث متخصص بالسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط مقيم في واشنطن.