رئاسة ترامب الثانية وتداعيات سوق النفط على دول الخليج
مع سعي ترامب لتحقيق زيادة هائلة في إنتاج النفط والغاز الأمريكي، وعرقلة صادرات النفط الإيرانية، فإنه لن يتردد في التدخل بقوة في سوق النفط.
تضيف إدارة ترامب بدل مخاطر سياسي جديد إلى أسواق النفط الدولية، في ظل انتخاب رئيس أمريكي من صنف الصقور يتميز بالتقلب والمزاجية، وحكومة تولي الأولوية إلى النفط بشكل غير مسبوق، وتفويض كونغرس يترأسه الحزب الجمهوري عازم على إعادة تشكيل جدول أعمال البلاد المتعلق بالسياسة الخارجية فضلا عن قطاع الطاقة المحلي.
ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرعتضيف إدارة ترامب بدل مخاطر سياسي جديد إلى أسواق النفط الدولية، في ظل انتخاب رئيس أمريكي من صنف الصقور يتميز بالتقلب والمزاجية، وحكومة تولي الأولوية إلى النفط بشكل غير مسبوق، وتفويض كونغرس يترأسه الحزب الجمهوري عازم على إعادة تشكيل جدول أعمال البلاد المتعلق بالسياسة الخارجية فضلا عن قطاع الطاقة المحلي. ومن المتوقع أن تترتب عن الوعود بإلغاء الاتفاق النووي الإيراني المثير للجدل، والجدل المتجدد حول القانون الذي يزعزع العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، والتمحور باتجاه روسيا التي تنتهج سياسات التدخل الخارجي بشكل متصاعد، والخطط الرامية إلى إلغاء القوانين التي تعيق زيادة الإنتاج المحلي من النفط، يترتب عن ذلك كله تداعيات تؤدي إلى زعزعة استقرار بشكل واسع النطاق لمنطقة الخليج المنتجة للنفط وعلى المستوى الجيوسياسي، بالإضافة إلى دفق مستمر من العناوين الإخبارية التي من شأنها أن تهزّ الأسواق النفطية وتزيد من تقلّب الأسعار.
وعلاوة على ذلك، وانحسر تأثير المخاطر السياسية التي برزت في السنوات العدّة الأخيرة بتوفر كمية غير مسبوقة من الإمدادات النفطية العالمية التي أرخت بظلالها على أسعار النفط إلى حد كبير. فستصبح الأسواق أكثر تصلبا في العام 2017 نتيجة لعملية إعادة توازن فائض الإمدادات التي تجري حاليًا بدعم وتحفيز من الاتفاق الذي أبرم لكبح جماح الإنتاج بين الدول من داخل منظمة الدول المنتجة للنفط (الأوبك) وخارجها. وبالتالي، سيكون اتجاه أسعار النفط معرّضًا، بشكل متزايد، إلى الاضطرابات الجيوسياسية، ولاسيما تلك المرتبطة بالمشهد السياسي الجديد الذي يتجلى في الولايات المتحدة.
إلا أن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حول السياسة الخارجية وقضايا الطاقة في خلال الانتخابات الأكثر إثارة في التاريخ الأمريكي، مليئة بالتناقضات. ولن نتمكن من التمييز بين ما كان مجرد خطاب ملائم لحملة انتخابية وبين المواقف السياسية الجدية إلا بعد تولي ترامب منصبه رسميًا في 20 كانون الثاني/يناير. وحتى عندئذ، سيكون من شبه المستحيل الحكم على كيفية إدارته للوضع الراهن ولسياسات الطاقة والشؤون الدولية المعقّدة، نظرًا إلى افتقاره للخبرة اللازمة كمسؤول منتخب بالاقتراع العام وكصانع سياسات. ورُفضت تعليقات ترامب المعادية للأوبك بشدّة، بما في ذلك مطالبته “بتثبيت الأسعار” وتهديداته بحظر الواردات من الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط التي يرى البعض أنها تعتمد سياسات غير وديّة تجاه الولايات المتحدة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، لاعتبار هذه التعليقات كلامًا منمقًا يخدم الدعاية الانتخابية. أما تصريحاته الاستفزازية الأخرى التي تناولت السياسة الخارجية، فيصعب فهم خباياها. وبالفعل، من المتوقع أن يكون للتناقضات الواضحة في تغيير ترامب جدول الأعمال الخاص بالسياسة الخارجية، تداعيات أكبر بكثير على أسواق النفط الدولية من تلك المترتبة عن سياساته الداخلية المؤيدة للنفط.
ولعلها مصادفة أكثر مما هي خطوة متعمدة أن تحتوي حكومة ترامب المرتقبة أربع شخصيات رائدة ومخضرمة في مجال النفط، وأبرزها ريكس تيلرسون، رئيس مجلس إدارة شركة ايكسون موبيل النفطية، الذي عيّنه ترامب وزيرًا للخارجية والذي تربطه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين علاقة عمل وطيدة جعلت من عملية الموافقة على تعيينه عملية شائكة. واختار ترامب ريك بيري، الحاكم السابق لولاية تكساس الغنية بالنفط، ليشغل منصب وزير الطاقة، علمًا أنه كان قد هدّد بإلغاء هذه الوزارة عندما كان يدير الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للعام 2012. وعيّن ترامب النائب العام لولاية أوكلاهوما سكوت برويت، مديرًا لوكالة حماية البيئة. ومن المتوقع أن برويت، المناهض للاحتباس الحراري، سيسعى إلى التخلص من العديد من السياسات والقوانين المتعلقة بالبيئة التي وضعتها إدارة أوباما. ووقع الاختيار على النائب الأمريكي ريان زينك من ولاية مونتانا، الرئيس التنفيذي السابق لشركة استشارية للنفط والغاز، ليترأس وزارة الداخلية التي تُشرف على موارد النفط والغاز في الأراضي الفيدرالية.
ويعتبر تعيين تيلرسون وزيرًا للخارجية التعيين الأهم بالنسبة إلى أسواق النفط الدولية نظرًا إلى العلاقات التي يتمتع بها على المستوى العالمي. وأثار هذا الترشيح انتقادات حادة، لأسباب ليس أقلها العلاقات التي تربطه بروسيا، وبخاصة وسط موجة الغضب التي نشبت عن تدخل موسكو في الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية للعام 2016. ومع ذلك، سيسخّر تيلرسون معرفته الواسعة في مجال الشؤون الدولية لخدمة منصبه كونه رئيسًا لأكبر شركة مساهمة للنفط في العالم ويتمتع بخبرة في التفاوض على عقود معقّدة في كافة الدول حول العالم المحفوفة بالمخاطر والتي تشكّل تحديًا سياسيًا. ولقد حظيت صفقاته التجارية مع روسيا بأكبر قدر ممكن من الاهتمام إلا أن الكثيرين في قطاع النفط يعتبرون أن خبرته “هي دبلوماسية وتنفيذية بالتساوي“. وبالنسبة إلى الأمين العام لمنظمة الأوبك، محمد السنوسي باركيندو، فإن هناك “ثمة خيط رفيع جدًا لا يكاد يُرى بين النفط والجيوسياسة والدبلوماسية.”
أما بالنسبة إلى دول الخليج العربية والأوبك، فإن خبرة تيلرسون الطويلة في الشرق الأوسط تعتبر مكسبًا. فلقد اضطلع تيلرسون بدور جوهري في توسيع نطاق نشاطات شركة ايكسون موبيل النفطية في المنطقة، بما فيها أعمالها التجارية الرفيعة المستوى المتعلقة بالغاز الطبيعي المسال في قطر وشراكتها في مشروع ضخم في حقل غرب القرنة العملاق للنفط في العراق. ولقد عملت إكسون موبيل طيلة ثمانية عقود مع المملكة العربية السعودية، انطوت مؤخّرًا على تحسين هام في مشروعها المشترك للتكرير. وفي ظل إشراف تيلرسون، جدّدت شركة ايكسون موبيل امتيازاتها في شركة تطوير حقل زاكوم العلوي الضخمة في أبوظبي إلا أن الشركة ما لبثت أن انسحبت من المناقصة نظرًا إلى العقود الداخلية الباهظة الثمن. وفي خطوة مثيرة أكثر للجدل، وقّعت ايكسون موبيل على عقد ينصّ على ستة امتيازات للتنقيب والإنتاج مع حكومة إقليم كردستان، مما أثار استياء بغداد وواشنطن كثيرًا، على الرغم من أن الشركة قد تخلّت عن نصف هذه الامتيازات في وقت مبكر من شهر كانون الأول/ديسمبر.
وعلى الرغم من تاريخ تيلرسون الحافل بعلاقاته مع الشرق الأوسط، سيشكّل وضع استراتيجية جديدة للقضايا التنافسية المتعددة في المنطقة تحديًا، وستجعل المواقف العدوانية والمتناقضة التي اتخذها ترامب في خلال حملته الانتخابية هذا الأمر أكثر تعقيدًا. وسيركّز محلّلو النفط بشكل خاص على العلاقة الهشّة بين الرياض وواشنطن وسط التخوف من أن يؤدي انهيار هذه العلاقة أكثر فأكثر إلى زعزعة الأسواق. إن خيبة الأمل المتزايدة التي تشعر بها المملكة العربية السعودية إزاء إدارة أوباما موثّقة جيدًا إلا أن هذه العلاقة ستستمر في مواجهة التحديات في السنة الجديدة. ومن المرجح أن يكسب تيلرسون حليفًا جديدًا وهو المرشح لمنصب وزير الدفاع، الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس، الذي يعتبر من أشد مؤيدي وضع سياسة خارجية أمريكية بناءة أكثر وتقوم على تدخل أكبر في الشرق الأوسط، ولاسيما في الدول الخليجية. وفي الوقت عينه، يتّخذ ماتيس موقفًا أكثر عدوانية من خصوم الولايات المتحدة مثل إيران وروسيا التي لا يعتبرها ترامب خصمًا.
وفي ظل الغموض الذي يلتحف إدارة ترامب، تفيد التقارير أن المملكة العربية السعودية تعيد التفكير في ما إذا كانت ستمضي في تنفيذ الخطط التي وضعتها لإطلاق الاكتتاب العام الأولي الهائل لشركة أرامكو في نيويورك في العام 2018، الذي قد يدرّ على المملكة العربية السعودية مبلغًا قد يصل إلى مئة مليار دولار وعلى المصارف التي تدير هذه الصفقة كمًّا هائلًا من الرسوم يقدّر بمليار دولار أمريكي. وقد أتت عملية إعادة التقييم هذه على خلفية إقرار الكونغرس الأمريكي في شهر أيلول/سبتمبر للقانون الذي يسمح للمواطنين الأمريكيين بمقاضاة الحكومات أو المسؤولين الأجانب الضالعين في مقتل أمريكيين في أعمال إرهابية نُفّذت على الأراضي الأمريكية، والذي يسمح لعائلات الضحايا الذين سقطوا في أحداث 11 أيلول/سبتمبر بمقاضاة المملكة العربية السعودية. استخدم الرئيس باراك أوباما حقه في النقض (الفيتو) ضد هذا القانون، الذي سمّي بقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا)، إلا أن الكونغرس تجاوز هذا الفيتو. وكما كان متوقعًا، تفكّر المملكة العربية السعودية في تجريد نفسها من الأصول الأمريكية خشية أن تتعرض للتجميد لدفع التعويضات التي ستفرض عليها في حال فوز المدعي في أي قضية مرتبطة بقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب. وأُحبطت الآمال التي علّقت سابقًا حول إمكانية التخفيف من وطأة هذا القانون في خلال جلسة الكونغرس التي تعقب الانتخابات، أو ما يعرف بمرحلة البطة العرجاء، وقد يصبح قرار تعديل هذا القانون مستبعدًا أكثر في عهد ترامب الذي أعرب عن تأييده للقانون بقوة.
اللغز الإيراني
إلا أنه ما من قضية تهم أسواق النفط الدولية أكثر من مصير الاتفاق النووي الإيراني. فقد تعهّد ترامب مرارًا وتكرارًا في خلال حملته الانتخابية بإبطال الاتفاق النووي الإيراني، المعروف رسميًا بخطة العمل المشتركة الشاملة، فور توليه منصبه، وبإعادة فرض العقوبات على طهران. خفّف ترامب قليلًا بعد انتخابه من حدّة خطاباته الأكثر استهدافًا لإيران، ويعود ذلك جزئيًا إلى الضغط السياسي الملحوظ الذي يمارسه عليه كافة السياسيين المخضرمين من كافة الجهات. والجدير بالذكر أن أشدّ معارضي هذا الاتفاق أنفسهم قد حثّوا ترامب على التخفيف من حدّة أكثر خطاباته تحريضًا، مقرّين بأن الوضع الراهن يستدعي ردًّا مدروسًا أكثر لأن الاتفاق شائك ويحظى بدعم دولي. وقد أيّد ترامب، على حد سواء فكرة إعادة التفاوض التي تسمح للولايات المتحدة من الوصول بشكل أكبر للاقتصاد الإيراني وفكرة تشديد الرقابة الأمريكية على برنامج طهران النووي.
هذا ويلقى الاتفاق رفضا واسعا في صفوف الكونغرس وسيمارس هؤلاء القادة المنتخبون ضغوطات هائلة على ترامب لئلا يتخلى عن موقفه المتشدد من إيران، ولاسيما أن الجمهوريين باتوا يديرون مجلسي الشيوخ والنواب. ولم يكن هذا الاتفاق، الذي تم التفاوض عليه بين إيران والدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن – وهي الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا والصين – بالإضافة إلى ألمانيا، ليبصر النور لو لم يُسخّر أوباما صلاحياته التنفيذية للإيفاء بالالتزامات المترتبة على الولايات المتحدة بموجب هذا الاتفاق من خلال تطبيق التنازلات التي ألزمت الولايات المتحدة بموجب الاتفاق بإعفاء إيران من العقوبات التي كانت قد فرضتها عليها. ويستطيع ترامب نظريًا أن يستخدم الصلاحيات التنفيذية عينها لإلغاء الاتفاق، إلا أن مثل هذه الخطوة قد تلحق ضررًا جسيمًا بسمعة الولايات المتحدة. فحتى لو تبنّت واشنطن القرار الجذري القاضي بإلغاء الاتفاق بإعادة فرض العقوبات على إيران، من المستبعد جدًا أن يحذو الموقّعون الأوروبيون على هذا الاتفاق حذوها، مما سيكون بمثابة جحيم بالنسبة إلى الشركات النفطية التي تحاول جاهدة أن تتعامل مع مجموعة المتطلبات القانونية المعقدة.
ولقد فرض هذا الاتفاق، الذي تشوبه عيوب كثيرة ملموسة، قيودًا على البرنامج النووي المثير للقلق فيما سمح قرار رفع العقوبات الدولية بعودة إنتاج البلاد للنفط وصادراتها النفطية إلى سابق عهدها تقريبًا. ومنذ رفع العقوبات رسميًا في كانون الثاني/يناير، انتعش الإنتاج وارتفع من 800000 برميل يوميًا إلى أكثر من 3.7 مليون برميل يوميًا. وفي الوقت عينه، انتعشت الصادرات بعد أن هبطت من 2.4 م ب/ي في العام 2011 إلى مليون برميل يوميًا فحسب في العام 2013. وعلى الرغم من التصاريح التي أدلى بها ترامب في خلال حملته الانتخابية والمواقف المتشددة التي يتخذها العديد من أعضاء الكونغرس، يعتقد عدد متزايد من المراقبين السياسيين والماليين أن الإدارة الجديدة لن تمضي قدمًا في التهديدات لإبطال الاتفاق كليًا، بل ستخطو خطوات حذرة، في الأيام الأولى على الأقل.
بناء على ذلك، وإن بقيت خطة العمل المشتركة الشاملة على حالها، فيتمتع الكونغرس بصلاحية تعزيز العقوبات الأحادية الجانب، التي من شأنها أن تؤجج مزيد من التوترات مع إيران. وكان البيت الأبيض قد صادق في شهر تشرين الثاني/نوفمبر على تجديد العمل بمشروع قانون العقوبات على إيران الذي أُحيل إلى البيت الأبيض ليوافق عليه. ومن المتوقع أن يصادق أوباما على مشروع القانون هذا ليصبح قانونًا نافذًا على مدى السنوات العشرة القادمة. صدر هذا القانون عام 1995 وبات يشكّل القاعدة الرئيسية التي تقوم عليها أي عقوبة مصرفية ودفاعية أو متعلقة بالطاقة تفرض على أنشطة إيران النووية أو تلك المتعلقة بالصواريخ وقد كان من المقرر أن ينتهي أجل هذا القانون في نهاية العام 2016. لا يغيّر تجديد هذا القانون سياسة العقوبات الأمريكية إلا أنه يشكّل رسالة شديدة اللهجة لإيران مفادها أنها لن تستجيب إلى مطالب طهران بتخفيف العقوبات المفروضة عليها.
وعلاوًة على ذلك، قد يفرض الكونغرس عقوبات جديدة على إيران، عند تولي إدارة ترامب الحكم، ردًا على رعاية البلاد للنشاطات الإرهابية وعلى انتهاكاتها للقيود المتفق عليها المفروضة على برنامج صواريخها البالستية وعلى سجلها الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان. وينظر الكونغرس في ما إذا كان سيفرض عقوبات إضافية على الكثير من القضايا بما فيها التجسس الإلكتروني والسرقة وفيلق الحرس الثوري الإسلامي. وإن فُرضت مثل هذه العقوبات على إيران، ستزيد ادعاءات القيادة في طهران القائلة إن الولايات المتحدة تقوّض خطة العمل المشتركة الشاملة، شكلًا ومضمونًا.
ومن المؤكد أن إيران سترفض بشدّة أي عقوبة جديدة ستفرضها عليها إدارة ترامب، مما سيؤدي إلى تفاقم التوترات التي ستزيد بدورها من وتيرة الضغوطات على أسعار النفط. وبما أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية ستجري في شهر أيار/مايو 2017، سيحتاج الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى إدارة الخطاب العلني حول التغيرات في السياسة الأمريكية بطريقة حذرة. قد تثني إدارة ترامب الأكثر تشددًا الشركات النفطية الأجنبية المترددة أصلًا عن الاستثمار في مشاريع نفطية مشتركة، أو قد تقلّص وتيرة هذه الاستثمارات على الأقل، علمًا أن هذه الاستثمارات تعتبر ضرورية لتحقيق خطط روحاني الرامية إلى تنشيط الحركة الاقتصادية. إلا أن شركة رويال داتش شل منحت روحاني نجاحًا علنيًا كان بأمس الحاجة إليه عندما وقّعت في السابع من كانون الأول/ديسمبر على مذكرة تفاهم مع الشركة الوطنية الإيرانية للنفط لاستكشاف المزيد من فرص التعاون لإقامة مشاريع النفط والغاز. وعلى الرغم من أن الاتفاق غير ملزم، فإنه دلالة على أن تهديد ترامب بفسخ الاتفاق لن يردع الشركات الأوروبية.
وفي تناقض صارخ مع إدارة أوباما، التي تعتبر الاتفاق النووي الإيراني إنجازًا دبلوماسيًا باهرًا، يعتزم ترامب استهلال فترة حكمه بمستوى غير مسبوق من التشكيك في الاتفاق وبزيادة احتمالية إلغائه، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة تقلّبات الأسعار في الأسواق النفطية.
سياسات ترامب الداخلية المتعلّقة بالطاقة
قد تكون شعارات حملة ترامب الانتخابية بما فيها “الطاقة الأمريكية أولًا” و”استقلال الطاقة” قد استمالت عطف الناخبين إلا أنه من المرجح أن يكون لمجمل التعديلات التي اقترحها على السياسة أثرًا هامشيًا على الصناعة النفطية الداخلية على المديين القصير والمتوسط، وأثرًا محدودًا أكثر على أسواق النفط الدولية. وفيما يُعتبر الصخر الزيتي الأمريكي بالغ الأهمية بالنسبة إلى أسواق النفط العالمية، ولاسيما بعد رفع حظر تصدير النفط، الذي دام أربعين عامًا، عام 2015، فستظلّ قوى السوق، كمستويات أسعار النفط الدولية وتكاليف التنمية وأسس العرض والطلب، أكثر من قرارات السياسات، تتحكّم إلى حد كبير بتوقعات الإنتاج المستقبلية للبلاد.
وبشكل عام، من المتوقع أن تميل سياسات ترامب المتعلقة بالطاقة إلى زيادة استخدام النفط والغاز وإلى تقليص القوانين المفروضة على الصناعة، ومن المرجح أن تعارض بعض مبادرات أوباما السياسية التي تحفز الطاقة النظيفة. إلا أنه قد يكون لاقتراح سياسات ضريبية جديدة تعود بالفائدة على منتجي النفط والغاز، والتخفيف من وطأة القوانين، وتمكين التداول في عقود البيع التأجيرية الفيدرالية للنفط والغاز الطبيعي الأمريكيين في الحقول البحرية، أثرًا محدودًا على خطط الشركات واستراتيجياتها الاستثمارية من المدى القصير إلى المتوسط، نظرًا إلى أن التوقعات تنذر بانخفاض هامش أسعار النفط إلى 50 إلى 60 دولارًا بالبرميل. وبالإضافة إلى ذلك، يصعب إبطال السياسات والقواعد الأمريكية التي ترعى الطاقة إذ إنها مرسّخة إلى حد كبير في القانون وسيستغرق تطبيقها بشكل نهائي سنوات عديدة.
وعلاوة على ذلك، تقاس معظم استثمارات شركات النفط في مشاريع التنقيب عن النفط والغاز، وخطوط الأنابيب وغيرها من البنى التحتية بمقياس عقود من الزمن وليس بمقياس ولاية رئاسية واحدة. وسيتصدّر اقتراح ترامب لاستخراج “مخزون الصخر الزيتي الذي لم يتم استغلاله بعد والذي يقدّر بخمسين تريليون دولار” وتوسيع نطاق التنقيب عن الفحم والنفط والغاز في الأراضي الاتحادية الصحف بعناوين مدويّة. إلا أن هذه الخطط تقوم على أسعار نفط أكثر استقرارًا من تلك المتوقعة حاليًا. وستظل التوقعات التي تنذر بأن البيئة ستكون مواتية لانخفاض أسعار النفط، وبتكاليف التطور الباهظة، والفترات الطويلة من التخطيط والتطوير التي تتطلبها المشاريع النفطية، تقلّص الاستثمارات على المدى القريب.
الأثر الاقتصادي على نمو الطلب العالمي على النفط
قد تهدّد سياسات ترامب الاقتصادية، التي تسعى إلى مقاومة احتمالية ارتفاع الأسعار على خلفية تفاقم القضايا الجيوسياسية، نمو الطلب العالمي على النفط، مما قد يزيد من الضغوطات على الأسواق النفطية. ومنذ انتخاب ترامب، عمّ شعور بالقلق حول توقعات الاقتصاد العالمي مصحوب بتخوفات متزايدة من ضعف النمو الاقتصادي في سياق اقتصاد عالمي هشّ بالفعل. يركّز محلّلو النفط على برنامج حملة ترامب الانتخابية الداعي إلى الحمائية وعلى سياساته التجارية غير الودية وخطورتها الكامنة في تقويض النشاط الاقتصادي وتداعياتها السلبية على محرّكات نمو الطلب العالمي على النفط. وأثارت تهديدات ترامب بإعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية مخاوف التوقعات الاقتصادية في المنطقة بشكل خاص. وكان ترامب قد ذكر في 27 أيلول/سبتمبر أن “اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية تكاد تكون أسوأ اتفاقية تبرم على الإطلاق ولا شك في أنها الأسوأ في بلادنا” ولكنه قد يكون مضطرًا إلى التخفيف من حدة مواقفه المتشددة، على غرار معظم التصاريح التي أدلى بها قبل الانتخابات، ولاسيما أن الكونغرس سيعارض حتمًا مثل هذه المواقف.
وفيما خفف ترامب من حدّة لهجته الخطابية النارية، لا يزال قدر كبير من الشك والغموض يلتحف توجهات سياسة الإدارة الجديدة. وتتخوف أسواق النفط العالمية، بما في ذلك منظمة الأوبك والدول العربية الخليجية المنتجة للنفط، بشكلٍ خاص من مواقف ترامب العدوانية من بعض قضايا السياسة الخارجية، التي تتراوح بين تهديده بإلغاء الاتفاق النووي الإيراني المثير للجدل واحتضانه لروسيا. ومن غير المتوقع أن يتّضح أثر تولي ترامب رئاسة البلاد على الأسواق النفطية لستة أشهر على الأقل، إن لم نقل أكثر، حتى ينهي تشكيل فريقه الجديد وتطوير سياسات جديدة أكثر تماسكًا. ولعلنا لا نعلم، وسط كل هذا الغموض، سوى أنه يتعين على الأسواق النفطية أن تستعدّ لجولة شاقة في السنوات الأربعة المقبلة.
زميلة غير مقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن حيث تتخصّص بأسواق النفط العالمية والقضايا الجغرافية السياسية التي تحرّك سياسات الطاقة لدى منظمة الأوبك ومجلس التعاون الخليجي.
مع سعي ترامب لتحقيق زيادة هائلة في إنتاج النفط والغاز الأمريكي، وعرقلة صادرات النفط الإيرانية، فإنه لن يتردد في التدخل بقوة في سوق النفط.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.
تعرف على المزيد