منذ أن أقسم السلطان هيثم بن طارق آل سعيد اليمين الدستورية خلفًا للراحل السلطان قابوس بن سعيد، تحولت أنظار الجمهور العُماني إلى القرارات الأولى التي سيتخذها عند توليه السلطة. في خطابه يوم 23 فبراير/شباط، أوجز السلطان الجديد بوضوح أهم المبادئ والخطوات التي ستوجه حكمه للبلاد. وقد استدنت القرارات التي اتخذها هيثم خلال أول مئة يوم له كسلطان على هذه المبادئ.
دورٌ بارزٌ للأسرة المالكة
كان القرار الأبرز الذي اتخذه السلطان هيثم خلال أيامه الأولى في السلطة هو تعيين شقيقه شهاب بن طارق نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع. وكان هذا المنصب، الذي تم استبداله فعلياً بمنصب الوزير المسؤول عن شؤون الدفاع، قد بقي شاغراً لسنوات. ومع ذلك، فقد أعاد هيثم هذا المنصب وعين شقيقه فيه بموجب المرسوم السلطاني رقم 14/2020، وهو ما منحه سلطات تنفيذية على جميع الكيانات العسكرية في البلاد.
خلال حكم السلطان قابوس، شغل شهاب منصب قائد البحرية السلطانية في عُمان لمدة 14 عاماً، وهو ما منحه معرفة مباشرة وواسعة بوزارة الدفاع. بالإضافة إلى ذلك، يشغل شقيق هيثم، أسعد بن طارق، منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي. ويشير تعيين شهاب، إلى جانب احتفاظ أسعد بمنصبه، إلى الدور البارز الذي ستلعبه الأسرة المالكة بشكل عام، وأشقاء السلطان بشكل خاص، في المشهد السياسي المستقبلي في عُمان.
تحديث التشريع
لم يكن هيثم أبداً بعيداً عن المناخ السياسي والاقتصادي العام في عُمان على مدار العقدين الماضيين. فقد تولى السلطان الجديد مناصب تنفيذية مهمة، كان أبرزها الأمين العام لوزارة الخارجية قبل أن يصبح وزيراً للتراث والثقافة لما يقارب العقدين. كما شغل منصب رئيس اللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية عُمان 2040، التي، كما أشار في خطابه، يعتبرها خارطة طريق مهمة توفر إطاراً للحوكمة والتنمية في العقود المقبلة.
يبدو أن الأهداف المرجوة من “عُمان 2040” تتطلب تحديثاً جوهرياً للقوانين والعملية التشريعية، إلى جانب المزيد من الالتزامات الدولية السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى الالتزامات بالقوانين الدولية. في خطاب ألقاه في يناير/كانون الثاني 2019 قال هيثم إن “تحقيق أهداف الرؤية 2040 تستند إلى فهم واستيعاب ترابط المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في عُمان مع محركات التغيير العالمية.” لذلك، فإن أحد أهداف الرؤية هو العمل نحو الالتزام بالمعايير والاتفاقيات الدولية في هذه المجالات.
وقد شجع الإعلان عن المرسوم السلطاني العديد من الباحثين وأصحاب الشأن فيما يتعلق بانضمام عُمان إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. اعتبر البعض هذا المرسوم مؤشراً نحو المزيد من الإصلاحات التشريعية والقانونية في المستقبل. كما رحبت العديد من منظمات المجتمع المدني الإقليمية والدولية بانضمام عُمان إلى هذه الاتفاقيات، واعتبرتها خطوة نحو المزيد من الالتزام بحقوق الإنسان.
وأعقب ذلك خطوة مهمة تتعلق بحقوق العمال، وهي إلغاء المادة 11 من قانون إقامة الأجانب. وقد ألزمت هذه المادة القانونية العمال بالحصول على شهادة عدم ممانعة من صاحب العمل للانتقال من وظيفة إلى أخرى داخل القطاع الخاص، وهو ما تعتبره العديد من المنظمات الدولية شكلاً من أشكال الاتجار بالبشر. وأعلن مركز الاتصالات الحكومية التابع لمجلس الوزراء العُماني أن هذه الخطوة جاءت بعد انضمام عُمان للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
إن إعلان عُمان عن انضمامها إلى هذه المواثيق قد يُنبئ بتعديلات تشريعية على قانون العمل والقوانين الأخرى ذات الصلة. وفي السياق ذاته، فقد أشار العديد من أعضاء مجلس الشورى أنهم يعتقدون بأنهم لا يلعبون دوراً كبيرًا بما فيه الكفاية في عملية صنع القرار الوطني. إضافة إلى رغبتهم في إجراء تعديلات على اللوائح الداخلية لمجلس الشورى، فهم يرغبون في إجراء تغييرات يمكن أن تؤدي إلى إنشاء محكمة دستورية، تكون بمثابة ملاذ يمكن اللجوء إليه للفصل في النزاعات والتناقضات بين مجلس عُمان ومجلس الوزراء حول تفسير القانون. وقد يستدعي ذلك تعديل القانون الأساسي للدولة، وهو ما تضمنه خطاب السلطان بخصوص التغييرات في صنع القرار والمشاركة العامة.
إعادة هيكلة الدولة وعملية صنع القرار
اتسمت القرارات الحكومية منذ فترة طويلة بالبطء في وتيرة اتخاذها وعدم تجانسها. كانت عملية صنع القرار تعتمد على العديد من اللجان الحكومية البطيئة الحركة، والتي تركزت في أيدي أفراد محددين، ولم تترك سوى دور محدود لمجلس الشورى المنتخب. وتعهد السلطان هيثم في خطابه بمراجعة آليات اتخاذ القرار. وقد أدت هذه المراجعة إلى تقاعد العديد من الأفراد والمستشارين، ودمج الحقائب التي كانوا يشغلونها في الوحدات الحكومية القائمة. بالإضافة إلى ذلك، أنشأ السلطان المكتب الخاص، الذي يتبع للسلطان مباشرة. وهو المسؤول عن إعداد برنامج عمل السلطان اليومي، وهو حلقة الوصل الرئيسية بين مجلس الوزراء والوزارات الحكومية المختلفة. وإلى جانب ذلك، يتولى المكتب الخاص دور توثيق القضايا المعروضة على السلطان، أو تلك التي يأمر بنشر المعلومات عنها، وخاصة برامج التوظيف المنبثقة عن رؤية عُمان 2040.
بعد أن تم دفع العديد من الأفراد البارزين الذين شغلوا مناصب برتبة وزير إلى التقاعد، إلى جانب وكلاء الوزارات والمستشارين الذين كانوا يتمتعون بمزايا واسعة، وكانت لديهم مسؤوليات غير واضحة وأحياناً غير موجودة، أصدر هيثم أمراً إلى جميع المؤسسات الحكومية بالتقاعد القسري لأكثر من 70٪ من الموظفين الحكوميين، الذين أكملوا 30 عاماً من الخدمة. ولم تستثنِ من ذلك الشركات المملوكة للدولة، ولكنها خضعت لشروط مختلفة. وتم تكليف جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بالإشراف على تنفيذ هذه التوجيهات.
لم تكن هذه الخطوات الأولية متوقعة، وأثار العديد منها جدالاً مطولاً على وسائل التواصل الاجتماعي، سواء من حيث التوقيت أم التنفيذ. ومع ذلك، وصف العديد من المسؤولين الحكوميين البارزين هذه القرارات بأنها جريئة وغير مسبوقة. يمكن لهذه التحركات أن تمثل وسيلة لتوفير فرص عمل إضافية بسرعة للشباب الباحثين عن عمل، حيث تعتبر البطالة أحد التحديات الرئيسية التي واجهتها عُمان على مدى العقدين الماضيين. وفقًا للإحصاءات الرسمية، في عام 2018، كان أكثر من 50.000 شخص يبحثون عن عمل في عُمان، 63٪ منهم يحملون شهادات جامعية، وذلك وفقًا للإحصاءات المنشورة في عدد من المواقع الإلكترونية.
يُنظر إلى قرار دمج صناديق الثروة السيادية للبلاد (صندوق الاحتياطي العام للدولة وصندوق الاستثمار العُماني)، إضافة إلى نقل ملكية معظم الشركات المملوكة للدولة إلى جهاز الاستثمار العُماني على أنها خطوات نحو مركزية سياسة الاستثمار، وضوابط أفضل في الحوكمة، وإعادة العمل بمبدأ تقييم الأداء، التي كان مغيباً منذ عدة سنوات، وخاصة في المؤسسات المملوكة للدولة. زد على ذلك، أنه قد يتم دمج صناديق التقاعد في القريب العاجل- يوجد حاليًّا أكثر من 11 صندوقاً.
قد يتم سن المزيد من القرارات المهمة
في حين أن أسلوب حكم السلطان هيثم هادئ ومدروس، إلا أن الخطوات التي اتخذها خلال الأيام المئة الأولى من توليه السلطنة جاءت سريعة من وجهة نظر مواطنين عُمانيين. وقد وصفت العديد من الهيئات في البلاد هذه الخطوات بأنها صادمة وجريئة، حيث أدخلت نهجاً مختلفًا لم يتم اعتماده أبداً في أداء الحكومة. وقد تمثل هذا النهج في اللجان العليا التي تم تشكيلها للتعامل مع جائحة فيروس كورونا، والتي هي في حالة انعقاد دائم، وعلى تواصل مستمر مع وسائل الإعلام، وهو أمر غاب عن الإجراءات الحكومية لسنوات. على مدى أكثر من شهرين بعد انتشار فيروس كورونا في عُمان، كانت هناك مؤتمرات صحفية أسبوعية طرح خلالها الصحافيون أسئلتهم على المسؤولين مباشرة.
ومع ذلك فإن اعتماد هذه السياسات الجديدة لا يعني أنها ستكون آخر القرارات التي سيتم اتخاذها. فهناك المزيد من التغييرات المهمة التي ينتظرها الكثير من العُمانيين، والتي لم تتخذ بعد.