في الثاني فبراير/شباط، تحدث الرئيس جوزيف بايدن عبر الهاتف مع رئيس الوزراء العراقي الجديد، محمد السوداني، لمناقشة العلاقات الأمريكية-العراقية، بالإضافة إلى الانخفاض الأخير في قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي. في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022، فرض بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك قيودًا أكثر صرامة على التحويلات الدولارية من الاحتياطي العراقي من العملات الأجنبية بسبب مخاوف بشأن غسل الأموال وتهريب الدولارات إلى الدول المجاورة للعراق، خاصة إيران. وقد أدت العملية إلى تقليص التحويلات وإبطاء وتيرتها، ما ترتب عليه انخفاض في قيمة الدينار العراقي، الأمر الذي أثار احتجاجات مناهضة للحكومة في بغداد.
مع زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لواشنطن في ذلك الوقت، استغل بايدن الفرصة لإشراكه في المكالمة مع السوداني. أكد الملك عبد الله على دعم الأردن للعراق، بما في ذلك مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية المشتركة. وكان خط أنابيب نفط البصرة-العقبة الذي توقف منذ ما يقارب العشر سنوات أحد هذه المشاريع التي تتمتع بأهمية خاصة بالنسبة للأردن، لأنه سيوفر للمملكة مصدر دخل يمكن الاعتماد عليه، واستقرارًا في الأسعار، وأمنًا في الطاقة في مواجهة ارتفاع تكاليف الطاقة التي ساهمت في الاضطرابات المدنية.
تعود فكرة خط الأنابيب إلى عام 1983، عندما كان نظام صدام حسين يأمل في تنويع قنوات تصدير النفط بعد أن حولت الحرب العراقية-الإيرانية الخليج إلى بؤرة صراع. ومع ذلك، ونظرًا لانشغاله بالحرب واستهلاك الإيرادات الحكومية في المجهود الحربي، لم يتمكن النظام من إطلاق المشروع على أرض الواقع. تم إحياء المشروع في عام 2013، واتفقت بغداد وعمان على بناء خط أنابيب بطول 1040 ميلاً وبتكلفة 18 مليار دولار، على أن تبدأ دراسات الجدوى في عام 2014. ومع ذلك، فقد تعرض المشروع، الذي تضمن أيضًا خط أنابيب غاز موازٍ، لعراقيل ناجمة عن التحديات السياسية والأمنية والمالية، لا سيما استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على جزء كبير من محافظة الأنبار في عام 2014.
قام العراق والأردن بإعادة النظر في المشروع في عام 2017، واتفقا على تخفيض مستوى المشروع الطموح وعدم تنفيذ خط أنابيب الغاز، وبناء خط أنابيب النفط على مرحلتين مع وجود منافذ بحرية ومحطات للضخ وخزانات التخزين. وضعت مخططات المرحلة الأولى لتمتد 435 ميلاً من حقل نفط الرميلة إلى منطقة الحديثة في غرب محافظة الأنبار، وتبلغ قدرتها 2.25 مليون برميل يوميًا. المرحلة الثانية، التي كان من المقرر أن تمتد لمسافة 560 ميلاً من الحديثة إلى العقبة ستكون قادرة على نقل مليون برميل من النفط يوميًا، حيث يمكن إرسال 150 ألفًا منها إلى مصفاة الزرقاء الأردنية. تم التخطيط لاستخدام نموذج الهندسة والمشتريات والإنشاءات والتمويل لبناء الخط الأول مع نموذج البناء والتملك والتشغيل والنقل للخط الثاني. بموجب هاتين الطريقتين، ليس من المتوقع أن يتحمل العراق ولا الأردن العبء المالي للمشروع؛ ولن تتمكن الشركات التي ستقوم بتنفيذ المشروع من استرداد تكاليفها إلا بعد أن يتم تشغيل خط الأنابيب. لكن السؤال هو هل هذه الشركات مستعدة للمخاطرة بمليارات الدولارات في مثل هذه الحالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي في العراق.
تتراوح تقديرات تكلفة المشروع بين 3-18 مليار دولار. لا شك أن التخلي عن خط أنابيب الغاز سيؤدي إلى تخفيض التكلفة، ولكن لن يكون من الممكن تقدير حساب التكلفة، ولو تقريبيًا، إلا بعد الانتهاء من دراسة الجدوى والتحليل المالي. علاوة على ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت وزارة النفط العراقية قد نظرت في العطاءات التي قدمتها شركتان عراقيتان والشراكة المشتركة بين شركة هندسة أنابيب البترول الصينية وشركة ماس جروب القابضة، وهي شركة أردنية، تقدمت ببناء المشروع في عام 2017. واجهت مثل هذه الجهود للتقدم في المشروع مقاومة مستمرة من الميليشيات الموالية لإيران، التي تعارض بناء خط الأنابيب، وهو ما تسبب في التأخير المتواصل للمشروع. نظرًا لمثل هذه التحديات السياسية والأمنية – وتقديرات تكلفة المشروع المرتفعة والمتفاوتة على نطاق واسع – سيكون هناك أيضًا تحدٍّ كبير أمام أي شركة ترغب في تمويل هذا المشروع وتحمل مخاطر هذا التمويل. إن الشركة التي تبحث في بناء نموذج من هذا النوع وتشغيله وتملّكه وتحويله ستعتمد بشكل كبير على دراسة جدوى لطمأنتها بأن الاستثمار مجدٍّ نظرًا للمخاطر والتكاليف المرتفعة المحتملة. وعلى الرغم من الحاجة الجادة للمشروع ورغبة البلدين في تحقيقه، إلا أن الجدوى تظل تحديًا كبيرًا، وربما مدمرًا.
إذا تمكن العراق والأردن أخيرًا من إطلاق المشروع على أرض الواقع، فقد يواجه خط الأنابيب تهديدات أمنية خطيرة من الميليشيات الموالية لإيران وفلول تنظيم داعش. لدى الميليشيات الشيعية وجود كبير في محافظة الأنبار وعلى طول الحدود العراقية-الأردنية والسورية. وعلى الرغم من أن التقنيات مثل الطائرات دون طيار يمكن أن توفر مراقبة على مدار 24 ساعة لخط الأنابيب، إلا أنه يجب تأمينه من الجماعات المسلحة لكي يصبح مجديًا. ونظرًا للتحدي المتمثل في حماية خط أنابيب بهذا الطول، فمن المرجح أن يواجه تهديدات أمنية وسرقة النفط حتى ولو تم إنشاؤه.
ومع ذلك، سوف يستفيد العراق والأردن بشكل كبير من خط الأنابيب. سيوفر للأردن إمدادات نفطية يمكن الاعتماد عليها، ما من شأنه أن يقلل من مخاطر انقطاع الإمدادات بسبب عدم الاستقرار السياسي. بالإضافة إلى ذلك، سيقلل خط الأنابيب من التكلفة البيئية لنقل النفط العراقي، والذي يتم جلبه حاليًا إلى الأردن بواسطة الشاحنات. مع وضع هذا في الاعتبار، قرر الأردن مؤخرًا أن يوسع من طاقة التكرير في منشأة الزرقاء من 60 ألف برميل يوميًا إلى 150 ألف برميل يوميًا بحلول يونيو/حزيران 2025. وبما أن الأردن يستورد حاليًا فقط 10 آلاف برميل يوميًا من النفط العراقي، فمن الممكن لخط الأنابيب وحده أن يزود المصفاة بكامل حاجتها لتلبية الطلب المحلي، وتمكين المملكة من إنتاج مشتقات البترول المكررة وتصديرها إلى أي مكان آخر، بما في ذلك العراق. علاوة على ذلك، ووفقًا لبعض التقديرات، يمكن لخط الأنابيب أن يجلب للأردن من 500 مليون دولار إلى 3 مليارات دولار من عائدات رسوم العبور كل عام؛ وسيشكل هذا مبلغًا ضخمًا لدولة تبلغ ميزانيتها السنوية 15 مليار دولار. ونظرًا لأن الارتفاع الصاروخي في أسعار الطاقة والغذاء أصبح المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار الاجتماعي في الأردن، فإن المملكة تنظر إلى خط الأنابيب – وما سيوفره من طاقة معقولة التكلفة – على أنه أمر أساسي للاستقرار المحلي، وحثت على “الإسراع” في إنشائه.
بالنسبة للعراق، في حين أن خط الأنابيب سيربط اقتصاده باقتصادات الدول العربية المجاورة، فإنه سيشكل أيضًا تنويعًا في طرق التصدير، الأمر الذي سيخفف من المخاطر المرتبطة بالجغرافيا السياسية المعقدة في الخليج. لذلك، يعد خط الأنابيب مشروعًا استراتيجيًا، له مزايا جيوسياسية محتملة بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية. علاوة على ذلك، يمكن لخط الأنابيب أن يلعب دورًا في تعزيز الاستقرار في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة، ومن الممكن أن يساعد في استقرار أسعار النفط العالمية في حال الصراعات الخليجية.
صادق رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي على الاتفاقية الإطارية لخط الأنابيب في يناير/كانون الثاني 2022 كجزء من إعادة ضبط واسعة لاستراتيجية بغداد الإقليمية. ومع ذلك، بعد ثلاثة أشهر، وتحت ضغط من الجماعات السياسية والميليشيات الموالية لإيران، توقفت مرة أخرى دراسات الجدوى والدراسات التقنية لخط الأنابيب المقترح. أكد ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي أن حكومة تصريف الأعمال بزعامة الكاظمي كانت تفتقر للسلطة الدستورية لاتخاذ قرار بشأن المشروع، وعليها أن تترك القرار للإدارة المقبلة. يعتقد بعض النقاد أيضًا أن الوجهة النهائية لخط الأنابيب المقترح هي إسرائيل. قال قيس الخزعلي، زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق القوية، في عام 2022 إنه رفض “تمديد خط الأنابيب لتغذية إسرائيل”. لكن إسرائيل ليست القضية الوحيدة المطروحة. تعتبر الجماعات المنحازة لإيران الأردن صديقًا مقربًا للولايات المتحدة، وترى فيها مأوى للبعثيين الذين دعموا نظام صدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية عندما كان العراق يخضع لعقوبات الأمم المتحدة في التسعينيات. ونتيجة لذلك، أصبح المشروع من أكثر القضايا السياسية إثارة للجدل في العراق. بالنسبة لإيران، يمكن لخط الأنابيب المقترح أن يقلل أيضًا من نفوذ طهران على الممرات المائية الاستراتيجية في الخليج. كان التهديد بتعطيل أحد أهم ممرات شحن النفط الملاحية عبر مضيق هرمز أداة قسرية قوية لإيران ضد الدول الغربية. إذا تمكن العراق من تصدير النفط عبر الأردن، فإن ذلك سيقلل من نفوذ طهران على مضيق هرمز الاستراتيجي.
ليس هناك شك في أن الإطار التنسيقي، وهو كتلة من الأحزاب الشيعية التي تضم ميليشيات وسياسيين موالين لإيران، بصفته المستفيد الرئيسي من حكومة السوداني، لديه ما يكفي من القوة السياسية والعسكرية لتخريب المشروع. لكن الإطار التنسيقي يدرك أيضًا أن المخاطر كبيرة جدًا. وبالتالي، فإنه يتحفظ بشأن الحديث علنًا ضد المبادرات التي من شأنها تعزيز الاقتصاد العراقي المتعثر، لا سيما أن الخسائر المالية الناجمة عن انخفاض قيمة الدينار مؤخرًا قد وضعت مصداقية الحكومة الموالية لإيران كقوة حاكمة على المحك.
أدى الاستياء الاجتماعي والاقتصادي العميق الناجم عن السقوط الحر للدينار إلى احتجاجات في بغداد ومدن أخرى. قد يلجأ رجل الدين الشيعي الشعبوي مقتدى الصدر، المعارض للإطار التنسيقي، والذي يتمتع برأس مال سياسي واجتماعي كبير، إلى استغلال هذا الاستياء. إذا استمرت المصاعب المالية في العراق إلى جانب السخط الاجتماعي العام في جميع أنحاء البلاد، فإنه من الممكن لأنصار الصدر أن يخربوا مبادرات الحكومة ويطيحوا بحكومة السوداني عن طريق فرض انتخابات مبكرة. الجماعات العراقية الموالية لإيران لا ترغب في مثل هذه النتيجة. وإدراكًا منها لهذا الخطر، ألقى الإطار التنسيقي بثقله خلف خطة السوداني في دعم الانتعاش الاقتصادي للعراق وحماية استقراره المالي.
إن الوقت مناسب لبغداد وعمان للنظر بجدية في اتخاذ إجراءات ملموسة لتحويل خط الأنابيب، الذي طال تأجيله، إلى حقيقة واقعة. إذا كان انخفاض قيمة الدينار العراقي قد ساعد الجماعات الموالية لإيران على فهم التكاليف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأفعالهم، فإن واشنطن الآن في وضع جيد يمكنها من المضي قدمًا إلى أبعد من ذلك باستخدام نفوذها الاقتصادي للضغط على الحكومة العراقية لاستكمال خط أنابيب البصرة-العقبة. ومع ذلك، على الرغم من دعمه لخط الأنابيب، فإن السوداني يدرك ضرورة التغلب على معارضة المجموعات التي أوصلته للسلطة. ومع القواعد الجديدة لبنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن تحويلات الدولار إلى العراق، أصبح لدى واشنطن أداة نفوذ قوية يمكن أن تستخدمها في محاولة تحييد مقاومة بعض الفصائل للبدء في المشروع. كان لتراجع قيمة الدينار دور في دفع الفصائل الرئيسية، بما في ذلك الجماعات القوية المناهضة للولايات المتحدة، للموافقة على مبادرة السوداني في إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة من أجل استقرار العملة ووقف النزيف المالي للعراق. يمكن لدعم الولايات المتحدة المتواصل للأردن والعراق واستعدادها لاستخدام نفوذها المالي لتذليل العقبات التي تقف في طريق السوداني أن تساعد في إعطاء هذا المشروع الطموح دفعة للانطلاق. وبالرغم من ذلك ستبقى، في نهاية المطاف، التحديات السياسية والأمنية وتحديات تمويل المشروع شاقة، حتى لو اختارت الولايات المتحدة – من بين العديد من أولويات العراق – استخدام نفوذها الجديد للضغط من أجل المضي قدمًا في هذا المشروع.