لقد اقتحمت العملات المشفرة وتقنية سلسلة الكُتل (البلوك تشين) العالم على حين غرّة، ولا سيما خلال جائحة فيروس كورونا. وفي حين أن هذه التقنيات كانت موجودة منذ عام 2008، بظهور البتكوين وإدخالها على نطاق ضيق لعشاق التشفير، إلا أن الجائحة قد حفزت الاهتمام المتزايد بسوق العملات المشفرة وإمكانيات تقنية البلوك تشين عبر الدوائر المالية وغير المالية وبشكل أكثر تحديدًا تُعد ( الـ إن إف تي) NFTs – الرموز غير القابلة للاستبدال – أصولاً رقمية فريدة، مثل الموسيقى والفن والمقتنيات، وتذاكر الفعاليات المحددة على سجل حسابات البلوك تشين، الذي يسمح للفنانين والمالكين بتتبع أصالة ومصدر الرموز الخاصة بهم. كانت هذه الأنواع من الأصول موجودة منذ عام 2014، ولكن بيع ملصقة بيبل (Beeple) الرقمية المسماة “Everydays: The First 5000 Days” في مزاد دار كريستيز بسعر 69 مليون دولار في عام 2021 تسبب في انطلاق الـ إن إف تي إلى الدوائر الفنية واسعة الانتشار.
لقد ازداد القيل والقال في السنوات الأخيرة حول العملات المشفرة في الخليج، وما تبعها من ظهور للمؤسسات الرسمية لتنظيم الأصول الرقمية. وقد ساعدت فعاليات مثل أسبوع البلوك تشين الخليجي، مع معرض الـ إن إف تي المصاحب له، “NFT BAZL“، في الظهور المتزايد لتقنية البلوك تشين والـ إن إف تي أمام مجتمعات الأعمال والتمويل والتكنولوجيا في المنطقة. كما لم تحجم المشاهد الفنية المحلية عن تجربة الـ إن إف تي لتعريف الجمهور المحلي بالأعمال الفنية الرقمية الجديدة. في أواخر عام 2020، قام بندر الوزان بتأسيس باوا ((BAWA، وهي منصة فنية رقمية مقرها الكويت، للترويج لفنون المنطقة ولتكون منصة محلية لشراء الـ إن إف تي. وعلى نحو مماثل، أصبح بنك دبي التجاري من أوائل البنوك في العالم التي تمتلك الـ إن إف تي خاص بها في ديسمبر/كانون الأول 2021 بعد تعاون مع الفنانة الرقمية الإماراتية أمريتا سيثي. وكذلك أطلقت دبي للثقافة مؤخرًا معرضها الأول لفنون الـ إن إف تي، بالتعاون مع مؤسسة مورو كولكتيف (Morrow Collective)، والذي يعرض أعمالًا لفنانين محليين.
التقى معهد دول الخليج العربية في واشنطن بالفنان وصانع الألعاب الرقمي البحريني والشريك المؤسس لـ شيبارد ستوديو (Shepherd Studio)، عبد الله بن هندي للاطلاع على المزيد من ممارساته الإبداعية وتقييمه لظهور فن الـ إن إف تي في المنطقة، وتوقعاته بشأن مستقبل الأصول الرقمية في الخليج.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: أخبرنا المزيد عن خلفيتك كفنان وصانع ألعاب.
عبدالله: حسنًا، حقيقةً أنا في الأساس مهندس معماري. هذا كان تخصصي في جامعة الفنون بلندن وبعد ذلك في جامعة وستمنستر في لندن. بالنسبة لخلفية عائلتي، فهي إلى حد كبير في الجانب التجاري، لكنني انحرفت عن هذا المسار، واخترت استكشاف المجال الإبداعي. لقد فكرت في الدخول إلى تصميم الألعاب، ولكنني بدلاً من ذلك اخترت الهندسة المعمارية كطريقة لتعلم العديد من المهارات التقنية نفسها، مع التركيز بشكل أكبر على السرد المكاني، وكيفية تفاعلنا كبشر مع الأشياء والمساحات. بعد التخرج، أصبحت شريكًا ومؤسسًا مشاركًا في شيبرد ستوديو، وهو مساحة لممارسة التصميمات متعددة التخصصات مع التركيز على الهندسة المعمارية. لكننا نستكشف كذلك طرقًا أخرى، مثل تصميم المنتجات والتجارب وأجنحة المعارض الوطنية، هدفنا الأساسي هو إضافة قيمة للتجربة البشرية من خلال التصميم. نحن موجودون في البحرين، ولكننا نضطلع أيضًا بمشاريع في جميع أنحاء الخليج بالإضافة إلى لندن. هذا هو الجانب المعماري. ورغم ذلك، فأنا شخصيًا صانع ألعاب وفنان. لقد تأثرت كثيرًا بكاوز وتماثيله في دورة فنية درستها في المدرسة الثانوية، واستمتعت بجمع ألعاب الفيديو وألعاب ثقافة البوب، مثل تماثيل “حرب النجوم” والليجو. وبالتالي، وبينما كنت لا أزال أدرس الهندسة المعمارية، بدأت بتجربة الأشكال والتصاميم في أوقات فراغي، وبعد عودتي إلى البحرين، خطرت لي فكرة شخصية لعبة كرك.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ماذا تمثل لعبة كرك، وما هي الفكرة الكامنة وراءها؟
عبد الله: شخصية كرك هي مزيج من الحنين للماضي والثقافة وحب شعبنا للكرك، وهو شاي محلى بالبهارات مشهور في الخليج، ممزوجة بأفكار فكاهية صغيرة تحصل عليها عندما تكون مرهقًا حقًا وعلى شفا الهلوسة. تخرجت ما تخرجت وبدأت شيبرد ستوديو مع شركائي المؤسسين، أمضينا أيامًا طويلة وكثيرة في محاولة لتشغيل أعمالنا والنهوض بها، لم يكن لدينا وقت سوى لتناول فنجان من القهوة سريعًا في أواخر الليل قبل أن نقوم بالعمل نفسه مرة أخرى في اليوم التالي. في أحد الأيام، على وجه الخصوص، كنا نجلس في المقهى، أخذت أنظر إلى كوبي وأنا نصف نائم، وفجأة فرقع الكوب. كنت أحمل دفتر ملاحظاتي وبدأت الرسم، مع إيلاء اهتمام وثيق للقهوة الجافة مع الحليب داخل الكوب الذي كان تقريبًا يبدو عدوانيًا كلما نظرت إليه أكثر. بعدما أنشأت نموذجًا رقميًا للعبة، واختبار نماذج ومواد مختلفة، ومن ثم إنتاجها كعنصر مادي في نهاية المطاف، تحولت الرسومات إلى لعبة كرك التي نراها اليوم. وفيما بعد، أدخلت بعض الألعاب والشخصيات الأخرى في المجموعة الرقمية، مثل نسخة الوحل ونسخة مصاص الدماء ونسخة الشوكولاتة.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: كيف ظهر اهتمامك بـ الـ إن إف تي؟
عبد الله: منذ سنوات وأنا أتابع الفنان بيبل، وبما أنني كنت أنتج نسخًا رقمية من الألعاب أثناء عملية التصميم قبل تحويلها إلى أشياء مادية، فقد قررت استخدام هذا المسلك لاستكشاف الـ إن إف تي. عندما لقي عمله، فجأة، نجاحًا كبيرًا، كان ذلك حافزًا لي. بدا الأمر وكأنه طريقة تضيف قيمة لأعمالي الرقمية، لأن معظم القطع التي صنعتها كانت تضاف إلى صفحتي على انستجرام وتُدفن هناك. كان نشرها على منصات التواصل الاجتماعي يفي بالغرض بمعنى أو بآخر، ولكن لم يكن يبدو أنه يوجد قيمة حقيقية لهذا الفن. هذا ما قادني إلى طريق الـ إن إف تي، وفيما بعد، لبناء جسر بين الأصول الرقمية والألعاب المادية. سمعت مصطلحًا منذ فترة أذهلني حقًا؛ يطلق عليه “فيجيتال” أو “phygital” وهو مزيج من المادية والرقمية. تولدت لدي الرغبة في دمج هذا المفهوم في عملي من خلال بيع الـ إن إف تي التي تأتي مع المقتنيات المادية أو مع لعبة قد تمنح المالك الـ إن إف تي.
شعرت وكأن القفزة من القطع الرقمية إلى الـ إن إف تي، على وجه التحديد، تتماشى مع ما كنت أعمل عليه، ومع الضجة التي أثارتها هذه التقنية. من هناك، قفزت إلى وكر الأرانب في أبحاث العملات المشفرة والبلوك تشين. لم يكن لدي خلفية مالية، لكني كنت أبحث وأستثمر في سوق الأسهم قبل فيروس كورونا مباشرة. مع بداية الجائحة وعمليات الإغلاق، كان لدي الكثير من وقت الفراغ للتعمق في هذا البحث، وهو ما دفعني إلى التفكير في كيفية دمج تقنية الـ إن إف تي في عملي المادي والرقمي.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: كيف هو مشهد استحداث الـ إن إف تي وبيعها في الخليج؟
عبد الله: من المؤكد أن هنالك مجتمعات محلية داخل الـ إن إف تي ومجال التشفير، لكنها صغيرة جدًا. لقد قابلت الكثير من الأشخاص في جميع أنحاء الخليج من المهتمين بـالـ إن إف تي أو التشفير، ولكن حتى ذلك الحين، كان اعتماد تقنية البلوك تشين بطيئًا بعض الشيء. رغم أنني أرى في ذلك ميزة أكبر لي ولغيري في المنطقة ممن يرغبون في استكشاف الـ إن إف تي بشكل أعمق. من ناحية أخرى، أعتقد أن الكثير من الضجة الإعلانية حول الـ إن إف تي حاليًا يأتي من حقيقة أن صناعة فن الـ إن إف تي وشراءه أصبح توجهًا عامًا. في الوقت نفسه، يمكن الولوج إلى التقنية الأساسية الكامنة وراء الـ إن إف تي بطرق أخرى غير الفن. على سبيل المثال، يمكن بيع تذاكر الحفل على أنها إن إف تي، وهكذا يمكنك التحقق من الشخص الذي تشتري تذكرتك منه. في الوقت الحالي، أشعر أن الكثير من الناس يرغبون في الاستفادة من التوجه العام لفن الـ إن إف تي، وهذا يحدث تاريخيًا عندما تصبح الأشياء شائعة على المستوى الشعبي.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: حسب اعتقادك، ما الذي سيساعد في دعم الاهتمام المتزايد بالـ إن إف تي محليًا؟
عبد الله: أعتقد أن وجود مؤسسات راسخة معينة، مثل دور المزادات، تتبنى الترويج لهذا النوع من الأعمال الفنية والتقنية وتشارك فيها من شأنه بالتأكيد أن يساعد في إيصال الـ إن إف تي لجمهور أوسع انتشارًا. كما أعتقد أيضًا أن ظهور منصات خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سوف يساعد في دعم الفنانين الرقميين المحليين. يوجد هناك بعض المنصات القائمة بالفعل، مثل معرض باوا، والبعض الآخر سيتم افتتاحه قريبًا، وسيعمل كمعارض وأسواق الـ إن إف تي عبر الإنترنت. هذه الأنواع من المساحات المفتوحة لاستكشاف عالم الفنون الجميلة واستكماله بعالم الفن الرقمي، هي التي ستجذب المزيد من الاهتمام والصدارة لفنون الـ إن إف تي في المنطقة.
وأخيرًا، يمكننا كذلك الاستفادة حقًا من المزيد من الدعم والحيوية المجتمعية، حيث يدعم الفنانون بعضهم بعضًا. لقد رأيت الكثير من الفنانين الإيرانيين، على سبيل المثال، ينجحون في غضون أشهر بسبب الترابط الوثيق داخل مجتمعهم الفني، ومدى دعم هؤلاء الفنانين لبعضهم بعضًا. أعتقد أنه يمكننا الاستفادة من هذا الشيء بشكل كبير. وما هي إلا مسألة التواصل من عدمه بين الفنانين هنا. ونظرًا لقلة التواصل، لا يمكننا أن نعرف عن الفنانين الآخرين الموجودين حولنا. تكتشف تدريجيًا أن هناك من يعمل على الأشياء نفسها التي تعمل عليها، وشيئًا فشيئًا، ينمو المجتمع. لا ريب أن المعرفة ستنتشر، وسيتزايد عدد الأشخاص الذين يستكشفون الـ إن إف تي عن طريق شرائها – إن لم يبتكروها.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما هي توقعاتك لمستقبل الـ إن إف تي في الخليج؟
عبد الله: أود أن أقول إنه من المؤكد أن المستقبل يبدو مشرقًا للتشفير في المنطقة. إذا تمكن أخي الأصغر من إقناع والدي بالبدء في الاستثمار في العملات المشفرة والـ إن إف تي، فإنني أعتقد أن الأمور ستسير على ما يرام. فالأشخاص الذين كانوا يقاومون العملات المشفرة والـ إن إف تي يغمسون الآن أصابع أقدامهم ببطء لاستكشافها أكثر فأكثر. يعد التواجد في البحرين على وجه التحديد ميزة كبيرة بسبب اللوائح القانونية والمالية المعمول بها، واستعداد الحكومة للتعامل مع العملات المشفرة. على سبيل المثال، لدينا منذ سنوات منصة رين (Rain) لتبادل العملات المشفرة ومقرها البحرين، وهي منظمة ومرخصة بالكامل من قبل مصرف البحرين المركزي. كانت هذه خطوة كبيرة نحو قبول التشفير في الثقافة السائدة وفي التمويل على نطاق أوسع. والآن فإن الموافقة على إعلان بينانس الأخير في البحرين ستعزز مكانة التشفير هنا أيضًا. وبمجرد انضمام معظم هذه المؤسسات الحكومية، فإنني أعتقد أنه سيتم التسريع في اعتماد هذه التقنية.
بصفتي فنانًا، أخطط للتركيز على توسيع مجموعة ألعاب كرك، من كلا الجانبين المادي والرقمي، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من إمكانية الاعتراف بالشخصية على المستوى الدولي، واستكشاف طرق لدمج المقتنيات المادية القابلة للتجميع مع الـ إن إف تي على نطاق أوسع.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.