معهد دول الخليج العربية في واشنطن تحدث مع الشاعر والروائي الكويتي عبدالله البصيص حول ازدياد شعبية الرواية بين شباب الخليج، ومشاكل النشر والرقابة، ومعرض الكتاب الأخير في الكويت.
يظل موضوع الرقابة على النشر في منطقة الخليج ساخناً على الدوام. في الكويت تحديداً، يزداد الجدل حول الحرية الفكرية كل عام مع انطلاقة كل معرض كتاب وإصدار قوائم الكتب الممنوعة فيه. لكن وبالرغم من ازدياد رقابة الدولة على النشر، فإن شعبية الكتب الأدبية، والروائية تحديداً، في ازدياد واضح. بروز أسماء روائيين شباب من منطقة الخليج هو أحد مظاهر هذه النهضة. عبد الله البصيص، هو روائي وشاعر كويتي نمت سيرته الذاتية جنبا إلى جنب مع حصوله على جائزة في الكتابة الأدبية من معرض الشارقة للكتاب عام 2017. يجمع عبد الله في أعماله بين اهتماماته في مجال الفلسفة والأدب وبين الحكايا الشعبية التي نشأ على سماعها منذ طفولته. معهد دول الخليج العربية في واشنطن تحدث مع عبد الله حول ازدياد شعبية الرواية بين شباب الخليج، ومشاكل النشر والرقابة، ومعرض الكتاب الأخير في الكويت.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن (AGSIW): كيف بدأ اهتمامك بمجال الكتابة الأدبية؟ هل تخصصت في مجال الأدب في دراستك؟
عبد الله: أنا حاصل على دبلوم في العلوم التكنولوجية وهو تخصص لا علاقة له بالأدب. بدايتي مع الكتابة الأدبية كانت من خلال الشعر النبطي متأثراً بنشأتي في مجلس والدي حيث كان أصدقاؤه يرددون القصائد التي تحكي عن أحاديث البدو وقصص القدماء والأبطال وقصص العشق. حفظت هذه القصائد ونظمتها وألقيتها. ثم تطور اهتمامي بهذا الشعر وقرأت المزيد عنه حتى أصبحت شاعراً لي صوتي الخاص في الشعر الشعبي. ثم اشتركت في برنامج المسابقات التلفزيوني الشهير “شاعر المليون” في 2009 ولي ديوان شعر نبطي منشور اسمه “ديوان الأفكار”.
مع الوقت بدأت أميل لقراءة الأدب والفلسفة وحينها وجدت كتاباتي للشعر النبطي متأثرة بشكل كبير بقراءاتي الأدبية، الرواية تحديداً، حتى أنني كنت أجد نفسي حين أكتب القصائد أفكر باللغة الفصيحة ثم أكتب بالعامية. بمعنى أن الشعر لم يعد قادراً استيعاب أفكاري وخواطري. لذلك انتقلت إلى الكتابة القصصية وكتبت مجموعتين قصصيتين. إلا أنني لم أجد نفسي في القصة أيضاً، فأنا لدي نفَس طويل وأحتاج إلى حقل واسع لأبذر أفكاري فيه.
في هذه المرحلة قررت أن أتجه إلى كتابة الرواية. كتبت روايتي الأولى “ذكريات ضالة” في 2014 والتي اختارتها مجلة ڤايسالأمريكية كواحدة من” ست روايات ممنوعة في الوطن العربي تجب قراءتها”. وبعد كتابة روايتي الثانية “طعم الذئب” في 2016 قررت أن أتعمق في مجال الرواية وأن أتبحر في نظرياتها. وحالياً أنا أحضر لدرجة البكالوريوس في الأدب الإنگليزي. على كلٍ لا أعتقد أن الروائي والكاتب الأدبي بحاجة إلى للتخصص الأكاديمي ليكون قادراً على الكتابة. أعتقد أن موهبة الكتابة هي العامل الأهم. فبطبيعة الحال يستطيع الكاتب أن يتبع نظريات التأليف دون معرفة اسمها. كذلك كان الحال حين كنت أكتب الشعر النبطي. فقد كنت أعرف كيفية الكتابة وفق بحوره الشعرية دون أن أعرف اسمها.
AGSIW: كيف إذن تعلمت أساليب الكتابة الأدبية قبل أن تبدأ دراستك الحالية؟
عبد الله: من القراءة. أعتقد أن أفضل طريقة لتعلم الكتابة الأدبية هي قراءة الأدب. ولكن يجب أن تكون القراءة جادة وبحثية وليس لغرض المتعة. كنت اقرأ الرواية عدة مرات لاستيعاب تقنيات الكتابة فيها وأسلوب المؤلف لأفهم سبب نجاحها.
AGSIW: مؤخراً ظهرت أسماء العديد من الروائيين الشباب في الكويت والخليج. ما هو سبب انتشار الكتابة الروائية بين هذه الفئة دوناً عن غيرها من الكتابات الأدبية؟
عبد الله: معرفة الخليجيون بالرواية معرفة حديثة واكتشافنا لهذا الفن من الكتابة جاء متأخراً. المصريون واللبنانيون مثلا سبقونا في هذا المجال. حتى فترة التسعينيات كانت توجد بعض التجارب الخليجية ولكن لم تكن توجد مؤلفات مستوفية لشروط وأركان الرواية. مع نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثانية ظهرت أقلام خليجية جادة في كتابة الرواية. منذ ذلك الحين بدأ استحسان القارئ الخليجي للرواية كفن.
أيضاً الرقابة على الرواية كانت عاملاً لانتشارها. على سبيل المثال، الروائي السعودي الكبير عبد الرحمن منيف كانت كتبه ممنوعة في فترة التسعينات ثم عندما أعيد تداول رواياته مع بداية الألفية الجديدة بدأ القارئ الخليجي يستسيغ هذا النوع من الكتابة ويحبها. بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي حوالي عام 2010 اكتسحت الرواية بقية أنواع الكتب كون قراءة الرواية أسهل من قراءة بقية الكتابات الأدبية وصار القراء ينشرون مراجعاتهم وانتقاداتهم للروايات التي يقرؤونها ويرشحون عناويناً أكثر من أخرى. مع هذا الانتشار الكبير للرواية، بعض الشباب وجد نفسه مدفوعاً للتأليف في هذا المجال. هذا طبعاً بالإضافة إلى أن الكتابة الروائية تتناسب مع حداثية الفترة التي تعيشها وهي في رأيي قادرة على استيعاب أفكارها والتعبير عنها.
عبد الله: هذه الرواية عن شاعر بدوي يعيش في الصحراء، محب للحياة إلا أنه مضطهد من مجتمعه. حاولت في هذه الرواية تبيان طريقة شعور الإنسان ببيئته وحياته وتأثير التفكير العقلاني على هذا الشعور. بمعنى أن إدراكنا للكون من حولنا هو عبر حواسنا الخمس. مالذي سيحصل لو تعطلت هذه الحواس؟ ماذا لو لم تعد موجودة؟ هل سيظل محيطنا كما نراه الآن؟ في أحلامنا نستطيع أن نرى ونشعر ونحس بأحداث الحلم أيضاً إلا أنه يظل حلماً وليس واقعاً نعيشه. إذن كيف نعرف محيطنا وكيف ندركه؟ هذه هي الفكرة العامة للرواية.
في الرواية تنشأ علاقة بين هذا البدوي وبين ذئب ومن خلال هذه العلاقة أحاول مناقشة هذه الاسئلة الوجودية. اخترت حيوان الذئب في الرواية لمكانته في الموروث الشعبي العربي إذ يُضرب فيه المثل دائماً في عزة النفس والشجاعة. العديد من الروايات الشعبية التي نشأت عليها في صغري تحكي عن الذئاب وكذلك العديد من قصائد الشعر تمدح الذئب بل وتشبه الرجال بالذئاب.
AGSIW: أنت بدأت بالكتابة القصصية ونشرت مجموعتك القصصية الأولى “الديوانية” في دار نشر خليجية، بينما نشَرت روايتيك في دار نشر لبنانية. لماذا يفضل المؤلف الخليجي دور النشر العربية على الخليجية؟ مع العلم بأن عدد دور النشر الخليجية قد ازداد بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة.
عبد الله: حين كتبت “الديوانية” في 2009 لم أكن خبيراً بسوق النشر العربية. وآنذاك كان عدد دور النشر الخليجية محدوداً جداً وحين بحثت عثرت مصادفةً على دار الدوسري للثقافة والابداع واخترتها لنشر كتابي الأول. أما حين كتبت رواية “ذكريات ضالة” في ٢٠١٤ كان عدد دور النشر الخليجية قد ازداد أكبر ولكن مع الأسف كانت تنشر الغث والسمين ولم تكن انتقائية. أنا فضلت نشر روايتي في دارٍ أكثر احترافية وذات معايير عالية لذلك اخترت المركز الثقافي العربي في بيروت.
وجدت أن اختيار هذه الدار الشهيرة أفضل لروايتي من الناحية التسويقية. اليوم دور النشر الخليجية صححت نفسها وأصبحت أكثر انتقائية للمحتوى الذي تنشره حتى أن الكثير منها تفوق على دور النشر اللبنانبة. حين نشرت روايتي الثانية “طعم الذئب” في 2016 اخترت ذات الدار اللبنانية ليس لأنني أفضلها على الخليجية ولكن لأنني ككاتب يهمني أن يعرف القارئ أين يجد رواياتي. لو كانت جودة دور النشر الخليجية حين ابتدأت الكتابة بجودتها الحالية لكنت نشرت مؤلفاتي لديهم.
AGSIW: الرقابة على النشر في الكويت موضوعٌ شائكٌ دائماً. روايتاك الاثنتان ممنوعتان في الكويت منذ تاريخ اصدارهما. هل بإمكانك أن تخبرنا المزيد حول هذا الموضوع؟
عبد الله: نعم الروايتان منعتا أيضاً في معرض الكتاب الأخير وهما ممنوعتان في الكويت فقط. قوانين الكويت متطورة جداً ولكن المشكلة في آليات تطبيقها. موظف الرقابة الذي يطبق القانون هو الذي يمنع الكتاب من باب درء الشبهات حين يقرأ نصا ويشك في احتمالية أن يحمل معنى فاحشاً أو مخلاً. لأنه لو سمح بتمرير النص واعترض عليه أحد أعضاء مجلس الأمة الكويتي قد يتعرض هذا الموظف للمساءلة وقد يتم استجواب وزير الإعلام أيضاً. هذا حصل عدة مرات في الكويت وكثيراً ما يستعمل أعضاء مجلس الأمة هذه الطريقة لابتزاز الوزير. لذلك فمن الأسهل أن يُمنع الكتاب من النشر في الكويت.
في كل عام قبل افتتاح معرض الكتاب في الكويت تعلن وزارة الإعلام عن قائمة بعناوين الكتب الممنوعة في معرض الكتاب وعادة ما تكون هذه القائمة طويلة وهذا العام تجاوزت العناوين الممنوعة أربعة آلاف عنوان. لذلك قرر مجموعة من الكُتاب الكويتيين تصعيد الأمر بعد اطلاعهم على تقارير مسربة من الرقابة بعناوين الكتب الممنوعة وأسباب المنع. ذهلنا جميعاً من الأسباب المكتوبة. مثلاً كانت ملاحظة الرقابة على الرواية الشهيرة “فرانكشتاين” للكاتبة ماري شيلي هو أنها تحوي مشاهد رعب، مع العلم أن الرواية مصنفة ضمن روايات الرعب. ولذلك رأينا أنه من واجبنا ككُتاب الوقوف وقفة جادة للمطالبة بإيقاف المنع، واعتصمنا في ساحة الإرادة الواقعة أمام مجلس الأمة. وكان التصعيد على مستوى الصحافة العالمية جزءاً من إعلان اعتراضنا.
AGSIW: الكتابة الأدبية ظلت محصورة لسنوات طويلة على دوائر نخبوية مثقفة. هل كان من السهل عليك كروائي شاب الدخول في هذه الدوائر والحصول على دعمها واعترافها بأعمالك؟
عبد الله: أعتقد أن مجال الكتابة والأدب في الوقت الحالي لم يعد نخبوياً كما كان بفضل وسائل التواصل الاجتماعي التي هزمت النخبوية. أصبح الآن بإمكان الروائي الشاب أن يكتب رواية تحصد انتشاراً كبيراً متفوقاً على روائيين مخضرمين. على سبيل المثال الكاتب سعود السنعوسي والكاتبة بثينة العيسى، وكلاهما من الكويت، دخلوا مجال الرواية قبل حوالي تسع سنواتٍ واليوم هم نجوم الرواية في الوطن العربي. جزء من نجاحهم مرتبط بشبكات التواصل الاجتماعي وتواصلهم مع قرائهم من خلالها، جزء من نجاحهم. في المقابل لدينا في الكويت كُتاب “نخبويون” يكتبون الرواية منذ حوالي أربعين سنة ويكاد لا أحد يعرف بمؤلفاتهم. ولذلك أعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي قد بنت أدواتٍ ومعايير جديدة للكتابة والقراءة والتواصل.
لمعرفة المزيد عن أعمال عبد الله البصيص بإمكانكم متابعته عبر حسابه على انستگرام، وتويتر، وگودريدز.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.