في 24 أغسطس/آب، قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب بحجة “الأعمال المعادية“. اتهم وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة المغرب بالتجسس على قادة الجزائر من خلال برنامج التجسس بيغاسوس، ودعم الحركة الانفصالية لتقرير مصير منطقة القبائل، التي تدعم استقلال منطقة القبائل في الجزائر. تزعم الحكومة الجزائرية أن المغرب تدعم “الجماعات الإرهابية” التي أشعلت حرائق مميتة في غابات البلاد، دون تقديم أدلة. وتأتي هذه الاتهامات بعد عدد من المناكفات بين أعضاء السلك الدبلوماسي في كلا البلدين، حيث زعم كل من الطرفين أن الدولة الأخرى تدعم الانفصاليين والجماعات الإرهابية. في حين تشهد المنطقة بعض التحركات للقوات العسكرية على طول الحدود المغربية-الجزائرية، ومع ذلك فمن غير المرجح أن تخاطر هاتان القوتان الإقليميتان بمواجهة مباشرة. لكن قد يحدث أي شيء عندما تتصاعد التوترات.
تصاعدت التوترات بين المغرب والجزائر في عام 2020 عندما اندلع القتال من جديد في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، والتي تطالب المغرب بالسيادة عليها، بينما تدعم الجزائر حركة البوليساريو المستقلة. وتفاقم هذا الخلاف عندما أعلنت المغرب عن اتفاقية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وأعلن الرئيس السابق دونالد ترامب اعتراف الولايات المتحدة رسميًا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.
إن الانقسام المغربي-الجزائري يضر بالترابط بين أوروبا وأفريقيا والتعاون الاقتصادي الإقليمي في حوض المتوسط. ومن الممكن أن يفضي كذلك إلى مستويات أكبر من عدم الاستقرار في المنطقة. تتشكل المصالح الخليجية في المنطقة المغاربية في المقام الأول من الرغبة في تعزيز نفوذها السياسي والاستقرار والأمن والاستثمار، وتعزيز تواصلها مع الأسواق الأوروبية والأفريقية. وعلى نطاق أوسع، تعد دول شمال أفريقيا بوابة اقتصادية رئيسية للأسواق الاستراتيجية، بالإضافة إلى كونها مركزًا لتنافس القوى العظمى والإقليمية على النفوذ السياسي والاقتصادي.
التوترات المغربية-الجزائرية وضعف التعاون الإقليمي
يُعد ضعف العلاقات الثنائية وانعدام الثقة والتنافس الإقليمي هو المصدر الرئيسي للتوترات المغربية-الجزائرية، ولكن إمكانية تفاقم هذه التوترات واردة جدًا بسبب الصراع وديناميكيات المنافسة الأوسع في المنطقة. يتبنى البلدين سياسات خارجية متناقضة فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية. على سبيل المثال، نددت الجزائر بشدة بقرار المغرب باللحاق بالإمارات العربية المتحدة والبحرين في الموافقة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020، حيث إن الجزائر من مناصري القضية الفلسطينية منذ فترة طويلة. وهي من أشد المناهضين للتدخلات الخارجية، وهذا نتيجة تجربتها المأساوية مع الاستعمار الفرنسي وحرب الاستقلال، في حين تفتخر المغرب بمستويات أعلى من الاستثمار الأجنبي والسياحة والانفتاح على الغرب. وتمتلك الجزائر ثروة هائلة من النفط والغاز، بينما تحتاج المغرب لاتباع مبادرات التنويع الاقتصادي المكثفة للحفاظ على مستويات نمو معتدلة. يحتل البلدان مرتبة عالية في تصنيفات القوة العسكرية في أفريقيا، إلا أن ميزانية الدفاع الجزائرية تبلغ ضعف ميزانية المغرب، وتحتل المرتبة الثانية كأكبر قوة عسكرية في أفريقيا بعد مصر.
لم يشكل هذا الانقطاع في العلاقات مفاجأة قوية نظرًا للتاريخ الطويل من التوتر بين المغرب والجزائر، لكنه يمثل انخفاضًا جديدًا في العلاقات الثنائية المحدودة أصلاً. فلدى الجارتين تاريخ طويل من التنافس في شمال أفريقيا يعود إلى عقود من الزمن بسبب النزاعات الحدودية، والاختلافات حول السياسات الخارجية، والأولويات والمعارك على السيادة الإقليمية. بعد استقلال البلدين عن الفرنسيين، خاض البلدان حربًا نتيجة نزاعات على الأرض عام 1963، عُرفت باسم حرب الرمال، ودخلا في صراع على منطقة الصحراء الغربية إلى أن بدأ الرئيس الجزائري الجديد الشاذلي بن جديد عملية المصالحة مع المغرب التي أدت لإعادة العلاقات الدبلوماسية في عام 1988. في عام 1989، تم تشكيل اتحاد المغرب العربي بين المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا، بهدف تعزيز التعاون الإقليمي. توسطت الأمم المتحدة رسميًا لتحقيق وقف إطلاق النار، الذي أنهى القتال على الصحراء الغربية في عام 1991. كان من المفترض أن يتبع ذلك استفتاء حول تقرير المصير في المنطقة المتنازع عليها وهو ما لم يحدث بعد. وهكذا، استمرت المحادثات السياسية والتوترات على نارٍ هادئة. ومع أن نقاط الخلاف وانعدام الثقة ظلت راسخة، إلا أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم تتأثر منذ إعادة تأسيسها في عام 1988. وتم إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر منذ عام 1994 بعد أن قام بعض الجزائريين المولودين في فرنسا بتنفيذ هجمات إرهابية في المغرب. وانخرطت الجزائر في حرب بين المتمردين الإسلاميين المتطرفين والجيش الجزائري طوال التسعينيات، الأمر الذي أثار قلق المغرب بشأن الآثار غير المباشرة لهذا العنف.
لا شك أن للانقسام المغربي الجزائري في أغسطس/آب تبعات عديدة من أهمها تأثيره على التعاون فيما بين الدول المغاربية، والعلاقات الأوروبية الأفريقية، والتعاون الاقتصادي في حوض البحر الأبيض المتوسط. تتسم منطقة المغرب العربي بالانخفاض الكبير في مستويات التكامل الاقتصادي والتجارة الإقليمية، فمعظم الشركاء الاقتصاديين للمغرب والجزائر وتونس هم من الدول الأوروبية والولايات المتحدة والصين، بدلاً من أن يشاركا بعضهما البعض. ومع ذلك، هناك بالكاد أمثلة على التعاون الإقليمي المعرض للخطر. على سبيل المثال، تعد الجزائر من عمالقة إنتاج النفط والغاز، وتزود الكثير من الغاز الطبيعي لأوروبا عبر خط الأنابيب المغاربي الأوروبي الذي يربط الجزائر وإسبانيا ويمر عبر المغرب، الذي يتلقى أيضًا جزءًا من صادرات الغاز. وأشار وزير الطاقة الجزائري إلى أن الجزائر قد تقطع إمدادات الغاز عن المغرب. وتجادل المحللة المغربية انتصار فقير بأن اتفاقية خط الأنابيب المغاربي الأوروبي قد “صمدت في وجه الأزمات الدبلوماسية السابقة. ومع ذلك، فإن مستقبلها ليس مضمونًا هذه المرة”. ويشير هذا إلى مزيد من عدم الاستقرار في السوق في المستقبل، الأمر الذي قد يُثني المستثمرين الأجانب في المنطقة الذين يتطلعون إلى الربح من زيادة التكامل الاقتصادي الإقليمي والتواصل مع أوروبا وأفريقيا.
العلاقات المغربية-الخليجية
تتمتع المغرب بعلاقات مع دول الخليج العربية أقوى بكثير من الجزائر. يُذكر أنه في عام 2011، وجه مجلس التعاون لدول الخليج العربية دعوة للمغرب والأردن لتقديم طلب للعضوية، في محاولة لدعم الملوك السُّنة في جميع أنحاء المنطقة لمواجهة الاحتجاجات الشعبية الحاشدة. لقد تطورت العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية المغربية مع الإمارات، بشكل خاص، منذ عام 2011. وتعد الإمارات المستثمر الخليجي الرائد في المغرب، وثاني أكبر مَصْدر للاستثمار الأجنبي المباشر بعد فرنسا. من المرجح أن تكون العلاقات العميقة بين المغرب والإمارات قد ساهمت في إقناع ملك المغرب باتباع القيادة الإماراتية والانضمام إلى اتفاقية تطبيع العلاقات مع إسرائيل في أواخر عام 2020. وقبل ذلك، أظهرت المغرب التزامها تجاه شركائها الخليجيين في لحظات حرجة مختلفة. حيث شاركت المملكة في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن (رغم أنها انسحبت في نهاية المطاف)، وقطعت علاقاتها مع إيران في عام 2018 لتعزز من تحالفاتها مع إدارة ترامب وحلفاء الخليج الرئيسيين.
قبل الاتفاقية المغربية-الإسرائيلية، أعلنت الإمارات والبحرين عن عزمهما فتح قنصليات لهما في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، في عرض دبلوماسي لدعم السيادة المغربية على المنطقة. مع ذلك، ومن الطريف أن المغرب، بالإضافة إلى الجزائر وتونس، ظلت محايدة رسميًا ولم تحذُ حذو السعودية والإمارات والبحرين ومصر في مقاطعة قطر في عام 2017. أرسلت المغرب، إلى جانب إيران وتركيا، شحنات من الطعام إلى قطر للمساعدة في التخفيف من نقص الغذاء الفوري الناجم عن الحصار. ومع ذلك، فإن تحرك المغرب لتطبيع العلاقات مع إسرائيل ساعد في ترسيخ علاقاتها مع دول الخليج، وتحديدًا الإمارات والبحرين.
العلاقات الجزائرية-الخليجية
في حين أن الجزائر أكثر انعزاليةً من جارتها الغربية، إلا أن هذا لا يعني أن الجزائر ليست لاعبًا إقليميًا هامًا. الجزائر، كما تمت الاشارة، غنية جدًا بالنفط والغاز وعضو في منظمة أوبك. تمتلك الجزائر تاريخ طويل في دعم جهود الوساطة الإقليمية، وآخرها في ليبيا، وتلعب أدوارًا قيادية في المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي. ترفض الجزائر بقوة النفوذ الأجنبي في سياساتها الداخلية وفي شؤون الدول الأخرى أيضًا. وهذا ما يضع الجزائر، في معظم الأحيان، على طرفي نقيض مع الجهات الخليجية الفاعلة. على سبيل المثال، قاومت الجزائر دعم الخليج للعمليات العسكرية في منطقة الساحل، ولا سيما فرقة قوات الساحل المشتركة G-5 بقيادة فرنسا. كما رفضت الجزائر المسعى السعودي-القطري لإخراج سوريا من جامعة الدول العربية، وحافظت على علاقاتها مع دمشق طوال الصراع في سوريا. كما مارست الجزائر ضغوطًا قوية ضد التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن. وتعتبر الجزائر إحدى الدول القلائل التي تعترف رسميًا بالحوثيين. ولطالما دعمت الجزائر حق إيران في تطوير التكنولوجيا النووية. إن العلاقات الجزائرية-الإيرانية في تطور مستمر، وقد أعرب مسؤولون من كلا الجانبين عن رغبتهم في إقامة علاقات ثنائية أعمق بعد تاريخ متقلب. كانت الجزائر قد قطعت علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية عام 1993 متهمة إياها بدعم جبهة الإنقاذ الإسلامية في الصراع الجزائري الأهلي. أعاد البلدان العلاقات في عام 2000، وتحسن التعاون الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري والدفاعي، بشكل خاص، منذ ذلك الحين.
تنتقد الجزائر، بشكل خاص، التدخل الخليجي في ليبيا، بما في ذلك دعم بعض الدول الخليجية لحملة حلف الناتو عام 2011، والإطاحة لاحقًا بالديكتاتور الليبي معمر القذافي الذي حكم فترة طويلة، وما تبع ذلك من دعم مالي وعسكري مباشر، في كثير من الأحيان، لمختلف الفصائل في الصراع الليبي. يقول حاييم مالك، الخبير في الشؤون المغاربية، إن الجزائر كانت تكن العداء بشكل خاص للدعم القطري المبكر للمتمردين المناهضين للقذافي ولبعض الأطراف السياسية الفاعلة والمرتبطين بالإسلاميين فيما بعد، فضلاً عن دعم الإمارات للجنرال خليفة حفتر الذي يتمركز في المنطقة الشرقية، والذي قاد حملة على طرابلس للإطاحة بحكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في أبريل/نيسان 2019. أثار المستوى العالي من التدخل الأجنبي والخليجي في شؤون الدول المجاورة للجزائر مخاوف القيادة الجزائرية من تفاقم حالة عدم الاستقرار الإقليمي. إن التحذيرات الجزائرية المبكرة، والتي لم تلقَ آذانًا صاغية في حينها، بشأن خطورة الفراغ السياسي الذي سينشأ في ليبيا إذا تمت الإطاحة بالقذافي قسريًا، أثبتت حُسن بصيرة الجزائر.
إذا قورنت بعلاقات المغرب وتونس، فإن العلاقات الجزائرية-الخليجية الاقتصادية تُعد في حدها الأدنى، ولكون الجزائر تصبو للشروع في جهود التنويع الاقتصادي وتطوير الأسواق غير الهيدروكربونية، فإنها تسعى لجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي. أكبر المستثمرين في الجزائر هم الصين وسنغافورة وإسبانيا وتركيا. ومع ذلك، لا تزال دول الخليج تناور من أجل النفوذ في الجزائر بسبب ثروتها الهائلة من الموارد، وموقعها الاستراتيجي جنوب البحر الأبيض المتوسط، وسهولة الوصول إلى الأسواق الأفريقية والأوروبية. بعد انتخاب عبد المجيد تبون في ديسمبر/كانون الأول 2019، استضاف الرئيس الجديد مباشرةً وزيري خارجية السعودية والإمارات. وبعد ذلك بفترة وجيزة، زار أمير قطر الجزائر العاصمة في فبراير/شباط 2020، وسرعان ما أُتبع ذلك بدعوات للرئيس الجزائري لزيارة الرياض وأبو ظبي.
علاوة على ذلك، فإن شركة موانئ دبي العالمية الإماراتية تدير بعض الموانئ في الجزائر، بينما تمتلك قطر مشروعين استثماريين رئيسيين في البلاد- شركة الاتصالات القطرية أوريدو تعمل هناك، كما تمول قطر مجمعًا للصلب بقدرة إنتاجية قدرها 4.2 مليون طن سنويًا في منطقة جيجل الشرقية. في عام 2016، وعدت السعودية باستثمارات جديدة بقيمة 10 مليارات دولار في الجزائر. خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للجزائر عام 2018، اتفق البلدان على مجموعة من المشاريع الاستثمارية، على أن تبدأ في عام 2019، ويشمل ذلك مشروعًا لصناعة الأدوية بقيمة 10 ملايين دولار، ومصنعًا للورق بقيمة 20 مليون دولار، ومشروعًا لإنتاج العصير، لكن يبدو أن كل هذه المشاريع قد توقفت عندما عصفت بالجزائر حركة احتجاجية جماهيرية في أوائل عام 2019، واضطر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الاستقالة. تسبب الشلل السياسي والاقتصادي في الجزائر في الحد من القدرة على إنجاز مشاريع استثمارية كبرى. وما تزال الجزائر تحتفظ بمجالس أعمال مع دول الخليج، بما في ذلك السعودية وقطر والإمارات، من أجل تعزيز التجارة والاستثمارات الثنائية. قدمت بعض المجموعات مثل الشركة الجزائرية السعودية للاستثمار حوالي 22 مليون دولار لتمويل بناء مراكز تسوق وفنادق ومحلات سوبر ماركت، ومراكز تصنيع ما بين عامي 2008 و2017.
لكن مناخ الاستثمار في الجزائر لا يزال محدودًا للغاية من حيث قدرته على جذب المشاريع الاستثمارية وتنفيذها بنجاح، بالرغم من أن البلاد قد حاولت تسهيل مناخ الاستثمار من خلال إلغاء القوانين التي تتطلب امتلاك الجزائر للنسبة الأكبر من المشاريع التجارية الجديدة. إن بعض القضايا، مثل الإجراءات الجمركية المعقدة واللوائح التنظيمية والبيروقراطية المشددة والقوانين غير الواضحة، تخيف العديد من المستثمرين أو تؤخر انطلاقة المشاريع الكبرى. في عام 2020، صنف تقرير ممارسة الأعمال التجارية الصادر عن البنك الدولي الجزائر في المرتبة 157 من أصل 190، من حيث سهولة ممارسة الأعمال التجارية، مقارنة بالمغرب التي احتلت المركز 53.
تنافس القوى العظمى والإقليمية في شمال أفريقيا
تعد دول شمال أفريقيا بوابة رئيسية للتجارة والتواصل بين أوروبا وأفريقيا، بالإضافة إلى كونها ساحة لتنافس القوى العظمى والقوى الإقليمية. كُتب الكثير عن موقع ليبيا باعتبارها معركة بالوكالة بين القوى الإقليمية وموقعًا استراتيجيًا للمنافسات في شرق البحر الأبيض المتوسط، كما تتجلى المنافسة الإقليمية أيضًا، وإن كانت بدرجة أقل بكثير، في المغرب والجزائر وتونس. إلى جانب المعارك السياسية على النفوذ، تحاول العديد من البلدان الاستفادة من جنوب حوض المتوسط كبوابة للدخول إلى الأسواق الأوروبية والأفريقية. أكد ميشيل تانتشوم (Michel Tanchum) أن “التزاحم على إنشاء ممرات تجارية من أفريقيا إلى أوروبا أدى إلى تجدد انخراط القوى العالمية في شمال أفريقيا، ما تسبب في إعادة تشكيل البنية الاقتصادية الأساسية والجغرافيا السياسية في المنطقة. مع قيام الصين وروسيا وتركيا ودول الخليج العربية بأدوار على قدر كبير من الأهمية في تطوير هذه الممرات في جنوب حوض المتوسط، فإن الاتحاد الأوروبي يواجه تحديًا استراتيجيًا ملحًا لوضع سياسة متماسكة وفعالة في شمال أفريقيا”.
كما يشدد تانتشوم على أن عددًا كبيرًا من الجهات الفاعلة على المستويين العالمي والإقليمي تستهدف هذه المنطقة وتسعى لتحدي الهيمنة الأوروبية التقليدية فيها. وتعد المغرب والجزائر شريكين ذو أهمية متزايدة بالنسبة للصين، وتحتلان مواقع استراتيجية في مبادرة الحزام والطريق، وذلك بفضل البنية التحتية الحيوية لموانئهما واتصالهما بالأسواق الأوروبية والأفريقية. تعد الجزائر من أكبر مستوردي الأسلحة الروسية وتتمتع بشراكة تاريخية مع الاتحاد السوفييتي سابقًا. وتتطلع دول الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر إلى الاستفادة من البنية التحتية الحيوية، وإقامة نفوذ اقتصادي أكبر في البحر الأبيض المتوسط من خلال الاستثمارات والموانئ. كما تعمل تركيا أيضًا على إقامة علاقات اقتصادية وأمنية أفضل في وسط وشمال أفريقيا – لا سيما مع الجزائر وتونس – ربما لاستكمال موطئ قدمها الأمنية في ليبيا وتوسيعه.
تحظى منطقة شمال أفريقيا، كذلك، بأهمية خاصة نظرًا لتاريخها في الاحتجاج، الذي غالبًا ما يُنظر إليه على أنه تهديد للجهات الخليجية الفاعلة التي تعطي الأولوية للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. استخدمت دول الخليج مجموعة متنوعة من أدوات القوة الناعمة والخشنة لمحاولة ممارسة نفوذها عبر شمال أفريقيا في أعقاب احتجاجات الربيع العربي عام 2011، لا سيما في ليبيا وتونس وبدرجة أقل في المغرب. ربما كانت الجزائر الأقل تأثرًا بمعارك الوكالة هذه نظرًا لرفضها الشديد للتدخل الأجنبي وثروة النفط والغاز. وتحظى الاستثمارات الخليجية بأهمية كبيرة في المغرب وتونس، ولكنها في الجزائر لا تحظى بهذا القدر من الأهمية. ومع ذلك، فقد بدأ هذا الأمر يتغير، حيث تسعى الجزائر إلى زيادة الاستثمار خارج قطاع الهيدروكربونات.
خطر عدم الاستقرار في جنوب البحر الأبيض المتوسط
أعربت كل من السعودية والإمارات وقطر عن أسفها لقطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، معربة عن دعمها للحوار والتعاون الإقليميين. ونظرًا لأن قرار الانفصال كان جزائريًا، وهي الدولة المعادية تاريخيًا للتدخل الأجنبي، وحيث يعتبر نفوذ الخليج عليها في أدنى مستوى له من بين دول شمال أفريقيا، فإن ذلك يشير إلى أن دول الخليج لن تكون قادرة على لعب دور كبير في التأثير على هذه الديناميكيات. ومع ذلك، فإن الجهات الخليجية الفاعلة سوف تولي مزيدًا من الاهتمام لهذا النزاع لضمان عدم تحوله لصراع مباشر. لأن ذلك قد يؤدي إلى تعريض الاستقرار الإقليمي للخطر ويهدد بشكل متزايد الروابط التجارية الاستراتيجية بين أوروبا وحوض المتوسط وأفريقيا لما لها من أهمية للقوى العالمية مثل أوروبا والصين بالإضافة إلى الجهات الفاعلة في المنطقة مثل دول الخليج وتركيا.