تمثل محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، يوم الأحد الماضي، تصعيدًا نوعيًا وخطيرًا للغاية من قبل الميليشيات الموالية لإيران ضد الدولة العراقية واستقرارها، وتحديًا سافرًا لشرعيتها ومؤسساتها. ردود الفعل المستنكرة، والسريعة، “لهذا الهجوم الارهابي”، كما وصفه قادة العالم، ومن بينهم الرئيس جوزيف بايدن والبابا فرانسيس والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وقادة بريطانيا واليابان وفرنسا، إضافة إلى قادة الدول العربية، عكست قلق العالم لاحتمال انزلاق العراق، مرة أخرى، إلى فوضى الاقتتال الاهلي. رئيس الوزراء الكاظمي قال إن منزله في المنطقة الخضراء تعرض إلى “عدوان جبان”، وصفه مسؤولون عراقيون آخرون بأنه “محاولة اغتيال فاشلة”.
طالب الرئيس بايدن بمحاسبة المسؤولين عن الهجوم، وطلب من فريقه الأمني تقديم كل المساعدات المناسبة للسلطات العراقية خلال تحقيقاتها، وسارع وزير الخارجية أنتوني بلينكن للاتصال بالكاظمي، والقول بأن الهجوم استهدف أيضا سيادة واستقرار العراق، وجدد استعداد بلاده للمساهمة في التحقيقات.
وجاء الهجوم، الذي تم بطائرتين مسيرتين مزودتين بالصواريخ، تم اسقاط إحداها قبل قصفها لمنزل الكاظمي، على خلفية تفاقم التوتر السياسي والأمني بين القوى والميليشيات الموالية لإيران، وبين الحكومة العراقية، وتحديدًا الكاظمي، بعد الهزيمة الكبيرة التي منيت بها هذه القوى في الانتخابات البرلمانية في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وكانت هذه القوى المسلحة الموجودة في الدولة العراقية (تم ضم بعض ميليشيات “الحشد الشعبي” للقوات العسكرية العراقية، بعد انتهاء العمليات العسكرية ضد قوات تنظيم “الدولة الاسلامية” في 2017) قد رفضت نتائج هذه الانتخابات، وصعّدت من احتجاجاتها واعتصاماتها في الأسابيع الأخيرة أمام المنطقة الخضراء ضد ما تسميه “تزوير” الانتخابات التشريعية، والمطالبة بإعادة فرز جميع الأصوات، ودون تقديم أي أدلة حول تزوير انتخابات، قالت المنظمات الدولية أنها لم تتعرض للتزوير.
واعتبرت نتائج الانتخابات البرلمانية بمثابة رفض شعبي عراقي للقوى والميليشيات المسلحة الموالية لإيران، التي شكلت ائتلافًا أسمته “الفتح”، حيث انخفض تمثيل هذه القوى في البرلمان الجديد، بشكل كبير، عما كان عليه في البرلمان الذي انتخب في 2018، إلى 17 مقعدًا فقط من بين 329 مقعدًا، بينما فازت كتلة المرجع الديني مقتدى الصدر بـ 73 مقعدًا، ما يجعلها أهم كتلة في البرلمان الجديد. وعلى الرغم من أن مقتدى الصدر معروف بتقلب مواقفه، إلا أنه يعتبر سياسيًا عراقيا “وطنيًا”، ويدعو دائما إلى استقلال وسيادة العراق، ورفضه الدخول في أي فلك خارجي إيراني أو أميركي. ويرى العديد من العراقيين أن الميليشيات الموالية لإيران لعبت دورًا كبيرًا في القمع العنيف للانتفاضة الشعبية، التي بدأت في خريف 2019، وطالبت بإصلاحات سياسية واقتصادية شاملة. ويعتقد أن أكثرية ضحايا الانتفاضة الذين زاد عددهم عن 600 مدني سقطوا برصاص الميليشيات التي تدين بالولاء لإيران.
ومنذ تعيينه في شهر مايو/أيار 2020، والكاظمي، الذي تتهمه القوى الموالية لإيران بأنه حليف قوي للولايات المتحدة، والمقربين منه يعيشون في ظل التهديدات الآتية من إيران وعملائها في العراق، والتي تترجم عادة بتصعيد الهجمات الصاروخية أو عبر الطائرات المسيرة ضد المنطقة الخضراء. وفي شهر يوليو/تموز 2020، اغتالت هذه القوى هاشم الهاشمي، مستشار الكاظمي لشؤون مكافحة الإرهاب، الذي كان يحقق بمسؤولية القوى الموالية لإيران في زعزعة استقرار العراق.
وجاء الهجوم ضد منزل الكاظمي بعد حدوث اشتباكات بين القوى الأمنية والمتظاهرين الذين نظمتهم الميليشيات الموالية لإيران، وأدت إلى مقتل عضو بارز في ميليشيا عصائب أهل الحق خارج بوابات المنطقة الخضراء. وخلال جنازة القتيل قال قيس الخزعلي قائد عصائب أهل الحق أن رئيس الوزراء الكاظمي يجب أن “يدفع ثمن” قتل المتظاهر.
الميليشيات الموالية لإيران قللت من أهمية الهجوم الذي استهدف منزل الكاظمي، وحاولت توجيه أصبع الاتهام إلى الولايات المتحدة أو إسرائيل، وحتى ضد الكاظمي نفسه. ونفى أبو علي العسكري قائد ميليشيا كتائب حزب الله تورط قواته في محاولة اغتيال الكاظمي، واتهم رئيس الوزراء بأنه “يلعب لعبة الضحية”، مشيرًا إلى وجود وسائل مضمونة أكثر وأقل كلفة لاغتيال رئيس الوزراء. ولم يخف العسكري مشاعره الحقيقية تجاه الكاظمي حين خاطب الكاظمي قائلا “لعنة الله عليك وعلى من يساعدك”.
وزارة الخارجية الإيرانية أدانت الهجوم ضد منزل الكاظمي، وألمح الناطق باسمها إلى أن الولايات المتحدة قد تكون مسؤولة عنه. وسارعت إيران بإرسال الجنرال اسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس، إلى بغداد “للتوسط” بين الحكومة العراقية والميليشيات الموالية لها، في مؤشر واضح حول نفوذها العميق في العراق.
بعض المعلقين العرب قارنوا بين محاولة اغتيال رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، لأنه كان يسعى لاستعادة السيطرة على مقومات الدولة اللبنانية، واضعاف هيمنة حزب الله عليها. وفور الكشف عن محاولة اغتيال الكاظمي، برز رأي سائد في أوساط المحللين يقول أن الهجوم كان بالفعل يستهدف اغتيال الكاظمي، بينما رأى البعض أن الهجوم كان بمثابة تحذير قوي ودموي للكاظمي لكي لا يواصل محاولاته لتحجيم القوى الموالية لإيران.
تقول رندة سليم، مديرة قسم حل النزاعات والباحثة البارزة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن في حوار خاص، “استهداف منزل (الكاظمي) بمسيرات مفخخة ليس رسالة أو تحذير. هذا هجوم بقصد القتل، وخاصة عندما ننظر إلى الهجوم من منظور التهديدات المتلفزة الصادرة عن قيس الخزعلي ضد الكاظمي قبل يومين من محاولة الاغتيال”. وأشارت سليم إلى محاولتين سابقتين لاغتيال الكاظمي. وتضيف أنه منذ اغتيال قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني وحليفه العراقي أبو علي المهندس في بداية 2020، “أظهرت الميليشيات العراقية المدعومة من إيران نواياها وإرادتها لاستهداف الكاظمي لأنهم يعتقدون أنه ساعد الأميركيين في عملية قتل سليماني والمهندس”.
حتى الآن، أظهرت التحقيقات الأولية أن المسيرتين هما من صنع إيراني، ومن النوع الذي استخدم في الهجمات التي استهدفت في السنتين الماضيتين مراكز تواجد القوات الأميركية في العراق وسوريا، إضافة إلى المنطقة الخضراء في بغداد.
محاولة اغتيال مصطفى الكاظمي، أبرزت من جديد طبيعة ومستقبل الدور الأميركي السياسي والعسكري في العراق، بعد الانسحاب الأميركي العسكري من أفغانستان، وفي سياق رغبة الرئيس بايدن بتخفيض حجم القوات الأميركية المنتشرة في الشرق الاوسط. وكان الرئيس بايدن خلال محادثاته مع رئيس الوزراء الكاظمي، في شهر يوليو/تموز الماضي في البيت الأبيض، قد أعلن أن المهام القتالية للقوات الأميركية المنتشرة في العراق سوف تنتهي بنهاية السنة الحالية. وقال بايدن إن مهامها الجديدة سوف تتمحور حول تدريب ومساعدة القوات العراقية في التصدي لخطر تنظيم داعش. ولم يتطرق بايدن إلى عديد القوات التي ستبقى في العراق بعد نهاية السنة الحالية، حيث يقدر عددها الحالي بحوالي 2500 عسكري.
وترى سليم، إنه يجب على الولايات المتحدة أن تعتمد سياسة شاملة تجاه العراق تضعها في موقع يسمح لها “بلعب دور على المدى البعيد في العراق. وهذا لا يعني بالضرورة وجودًا عسكريًا بعيد المدى. المطلوب هو الاستثمار في علاقات ثنائية متشعبة الجوانب، تدعم السياسيين والناشطين في المجتمع المدني، والذين يعملون على ضمان سلطة القانون في العراق”. وترى سليم، إن إدارة الرئيس بايدن مثلها مثل الإدارات الأميركية السابقة، “لا تزال تنظر إلى العراق من منظور استخدام قدراتها للتصدي إلى الوجود الإيراني في البلاد”.
خلال الاسابيع المقبلة، التي ستحفل بتوترات سياسية ومفاوضات ومقايضات وضغوط سياسية وأمنية في عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وحسم نتائج الانتخابات البرلمانية بشكل نهائي، سوف تراقب مختلف القوى السياسية العراقية ما الذي ستفعله إدارة الرئيس بايدن في سياق صياغة علاقات مختلفة مع العراق لا يكون الوجود العسكري الأميركي لأول مرة منذ الاطاحة بنظام صدام حسين في 2003، في جوهرها.