ملخص تنفيذي
شهد آذار/مارس الذكرى السنوية الثانية لتدخّل المملكة العربية السعودية على رأس تحالف من القوات العسكرية العربية في حرب اليمن الأهلية. وهدف دخول التحالف في البداية إلى إنهاء الحرب في غضون أسابيع أو أشهر، بيد أنّه ورّط الرياض وأبوظبي، شريكة المملكة الرئيسية في التحالف، في نزاع معقّد ومتعدّد الأوجه.
وقد أولي اهتمام كبير لأثر الحرب المباشر على المدنيين من خلال معارك الشوارع والقصف المدفعي العشوائي للمناطق الحضرية والضربات الجوية إلى جانب استخدام الألغام الأرضية والذخائر العنقودية. لكنّ هذه الحرب – وهي الأخيرة في سلسلة من النزاعات في اليمن – خلّفت أيضًا أثرًا مدمرًا على اقتصاد البلد الأفقر في العالم العربي، إذ ستتحوّل قريبًا الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الملايين من اليمنيين إلى مجاعة مطلقة تحذّر منها وكالات الإغاثة.
وتأتي الأزمة الاقتصادية في وقت تكافح فيه وكالات الإغاثة والتجار والمؤسسات الحكومية لأسباب مختلفة لتوفير السلع الأساسية الضرورية وفي وقت ترتفع فيه الأسعار لدرجة تعجز فيها شريحة كبيرة من السكان عن تحمّل كلفة الطعام، ويعود جزء كبير من السبب إلى توقّف الاقتصاد بشكل عام. وما يثير القلق أكثر هو أن هذه الأزمة من صنع الإنسان. ولا يأتي عدد كبير من العوامل الاقتصادية واللوجستية المقيّدة نتيجة طبيعة الحرب العنيفة، وإنما نتيجة القرارات السياسية التي تتخذها أطراف النزاع.
أُجري البحث الضروري وكُتبت هذه الدراسة في أواخر عام 2016 وبداية عام 2017. وبالاستناد إلى سلسلة من المقابلات والأبحاث على الأرض والأرقام وتقارير أخرى من منظمات دولية ومحلية رئيسية، تبني هذه الدراسة تسلسلًا للجذور التاريخية للأزمة الاقتصادية والإنسانية التي سبقت الحرب الأهلية في اليمن وتطوّرِها. ثم تناقش الدراسة السياق الحالي وتقدّم توصيات لصانعي السياسات الدوليين من أجل معالجة الأزمة الإنسانية والاقتصادية في اليمن.
النتائج الرئيسية:
- يعاني اليمن من أزمة إنسانية واقتصادية شديدة التعقيد لن تُحَل بنهاية رسمية للأعمال القتالية وتهدّد حياة الملايين من اليمنيين للعقود القادمة.
- تشمل العوامل البنيوية للأزمة اعتماد السكان على الوقود المدعوم والاستيراد بكميات ضخمة للسلع الأساسية ولا سيما الأرز والقمح، واقتصادًا يعيل 26 مليون شخص ويعتمد إلى حدّ كبير على قطاع الهيدروكربون المتعثّر، وأزمة العملات الأجنبية ودينًا محليًا لا يمكن تحمّله وتخلّفًا إنمائيًا واسع الإنتشار. وتفاقمت هذه المشاكل جرّاء القرارات المتخذة التي أعطت الأولوية بانتظام للمكاسب السياسية على حساب أرواح المواطنين.
- تعرقل تسليم المساعدات الإنسانية والوصول إليها جرّاء حصار بحري فعلي وإغلاق مطار صنعاء وتسييس الميليشيات المحلية وجهات فاعلة أخرى وطنية وإقليمية للمساعدات وانهيار في الاقتصاد الأوسع نطاقًا فضلًا عن القتال على الجبهات ولا سيّما في مدينة تعز.
- عرقل منع سفن الشحن من دخول البلاد والبنى التحتية المتضرّرة والمشاكل في القطاع المصرفي المحلّي والدولي قدرة التجار وغيرهم من رجال الأعمال على إدخال السلع الأساسية كالأغذية والوقود إلى اليمن. وساعدت هذه القيود على نمو أسواق سوداء ورمادية تستفيد منها مباشرةً المجموعات المسلحة الرئيسية المقاتلة في الحرب.
- أُنهك القطاع العام اليمني الذي كان مرهقًا في بداية الحرب حتى نقطة الانهيار، ولا سيما وزارة الصحة، وأضرّ تسييس مؤسسات الدولة بفعاليتها على نحو إضافي.
- ازداد الفساد منذ بداية النزاع وأصبحت الحرب استثمارًا مربحًا لعدد كبير من المجموعات المسلحة وإطارًا جديدًا للجهات الفاعلة الاقتصادية. وأدى ذلك إلى إنشاء نظام حوافز لعدد كبير من الأشخاص المشاركين في الحرب لمواصلة القتال.
- سهّل الاعتماد المتزايد على الطرق التجارية وآليات التسليم غير الرسمية تدفّق الأسلحة وغيرها من المواد غير المشروعة إلى البلاد، ما أدّى إلى تعميق النزاع.
- منذ بداية الحرب، أُرغم المجتمع الدولي على تكريس قدرًا كبيرًا من الوقت والطاقة للتخفيف من تداعيات قرارات الحكومة الشرعية في اليمن والتحالف الذي تقوده السعودية وحلف الحوثي – صالح.
- في حالة عدد من هذه القرارات، حذّرت القوى الأجنبية مرارًا وتكرارًا من الإجراءات المتخذة ولكن تمّ تجاهلها تمامًا كما حصل في الحصار البحري لليمن في أيام الحرب الأولى ونقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن من دون التخطيط الكافي.
- تتفاوت سيطرة الدولة على المؤسسات المحلية بنسبة كبيرة مع اختلاف المناطق، إذ يدير المؤسسات الحكومية في بعض أجزاء البلاد القادة المحليون من دون مساهمة تُذكر لا من الإدارة التي يترأسها المتمردون في صنعاء ولا من الحكومة الشرعية التي تدير أعمالها بين الرياض وعدن.
- ولا شك في أنّ الهجوم على مرفأ الحديدة الواقع على البحر الأحمر الذي خطط له التحالف بقيادة السعودية منذ زمن سيؤدّي إلى نقص في السلع وارتفاع سريع في أسعار السوق، في حين لن يضعف من عزيمة تحالف الحوثي – صالح على مواصلة الحرب – وقد يعزّز في الواقع سيطرت هذا التحالف على الطرقات التجارية المدرّة للأرباح.
توصيات لصانعي السياسات الدوليين:
- إدراك أن التخفيف من حدّة الأزمة الاقتصادية والإنسانية في اليمن لا يقلّ أهميةً عن إنهاء الصراع الذي سيستمرّ على الأرجح لأشهر إن لم يكن لسنوات. وفي حال استمرّت الحرب، قد يفوق قريبًا عدد الوفيات الناجمة عن المجاعة والأمراض التي يمكن الوقاية منها عدد ضحايا القتال.
- إدراك أن التخطيط لمرحلة ما بعد الصراع هام ولكن لا ينبغي أن يعطى الأولوية القصوى. ولا بدّ من الالتزام بنهج البنك الدولي في إيجاد طرق للعمل على الأرض عن طريق شركاء محليين.
- في مجال المساعدات وتحقيق الاستقرار، ينبغي توقع استمرار الأعمال القتالية ووضع الخطط وتحديد الميزانية على هذا الأساس حتى في حال التوصل إلى اتفاق سلام أو ترتيب لوقف إطلاق النار.
- العمل مع الحكومة اليمنية ودول الخليج لضمان تمويل البنك المركزي اليمني بالريال والعملات الأجنبية. وفي حال العجز عن إيجاد تمويل في الخليج ينبغي البحث عن مصادر أخرى للعملة الصعبة.
- العمل على تعزيز التواصل بين موظفي البنك المركزي في صنعاء والمقرّ الجديد في عدن، ربما من خلال إنشاء هيئة تنسيق في بلد ثالث.
- الحرص على تسديد مدفوعات الخدمة المدنية، ربما عن طريق إنشاء صندوق وآلية لتوزيع الأموال تحت إشراف الأمم المتحدة.
- تجنّب هجوم عسكري على مرفأ الحديدة وضمان استمراره بتأمين إمكانية التجارة لمعظم سكان اليمن.
- تقديم دعم المجتمع الدولي الكامل لبرنامج البنك الدولي التجريبي. وينبغي مراقبته بانتظام كما ينبغي النظر في تأمين مستوى تمويل أكبر بكثير في المستقبل.
اقرأ البحث كاملًا