ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة الرياض في ديسمبر/كانون الأول 2022 للمشاركة في القمة العربية-الصينية والقمة الخليجية-الصينية وزيارة رسمية للمملكة العربية السعودية. أظهرت الزيارة، رفيعة المستوى ومتعددة الجوانب، كيف تواصل حكومات الدول العربية والصين الاستفادة من علاقاتها بشكل واضح سعيًا لتحقيق أهداف استراتيجية متنوعة. ووفقًا لبعض الآراء، كانت زيارة الرئيس شي للمنطقة ناجحة وتجسيد لنهج “التعاون المثمر للجميع“، الذي أقره مسؤولو الحكومة الصينية. ومع ذلك، فإن تعميق العلاقات الصينية–الخليجية القائمة حاليًا بشكل جوهري، أو التوسع الحقيقي للعلاقات في مجالات جديدة سيواجه مجموعة معقدة من المخاطر قصيرة ومتوسطة وبعيدة الأمد.
ومما كتبه الرئيس شي عن زيارته قوله إنها، “تبشر بحقبة جديدة في علاقات الصين مع العالم العربي ومع دول الخليج العربية ومع السعودية”. بعد تعزيز سلطته في الداخل، حصل الرئيس الصيني على ترحيب رسمي في الرياض خلال زيارته التي استمرت لثلاثة أيام، التي تجنبت إلى حد كبير الحرج والتوترات المرتبطة بزيارة يوليو/تموز، التي قام بها الرئيس جوزيف بايدن للسعودية. وافق قادة الصين والخليج على خطة عمل مشتركة 2023–2027 للدفع بشراكتهم “نحو آفاق جديدة“. وفي هذه الأثناء، عمل المسؤولون السعوديون على إبراز دور السعودية كملتقى لأقوى قادة العالم، ووقع السعوديون ونظراؤهم الصينيون أكثر من 40 اتفاقية تتعلق بالقطاعات الرئيسية من الطاقة إلى التكنولوجيا الناشئة.
إن ترجمة الخطاب ومذكرات التفاهم إلى أفعال قد تواجه تحديات بالنظر إلى التقدم البطيء في جهود التعاون السابقة والحالية بين الصين ودول الخليج. فقد بدأت الصين ودول مجلس التعاون الخليجي المفاوضات المتعلقة باتفاقية التجارة الحرة في عام 2004. حتى بدايات عام 2023، لا يوجد جدول زمني واضح لإتمام ذلك، على الرغم من أن بيان القمة الخليجية-الصينية قد دعا إلى إكمال المفاوضات “في أسرع وقت ممكن”. خلال القمم التي عقدت في ديسمبر/كانون الأول ، ذكر الرئيس شي أن الصين تسعى لشراء المزيد من نفط وغاز الخليج بعملة اليوان من خلال منصات مثل بورصة شانغهاي للبترول والغاز الطبيعي. أثناء وجوده في دافوس، اقترح وزير المالية السعودي لاحقًا أن تكون بلاده منفتحة على “مناقشة” ما يتعلق بالتجارة بعملات غير الدولار الأمريكي، ولكن من غير المتوقع أن تنتهي هيمنة الدولار في أي زمن قريب.
يشكل التعاون الاقتصادي الأساس الراسخ في العلاقات الصينية-الخليجية، وسيبقى المجال الاقتصادي مجالاً له الأولوية في المشاركة على مدى السنوات القادمة. ومع ذلك، لن يكون السير في ذلك الاتجاه أمرًا يسيرًا، لا سيما بالنظر للظروف المعاكسة في الصين. إن تراجع الصين المفاجئ عن سياستها “صفر-كوفيد” الصارمة سيؤدي إلى تعطيل النشاط الاقتصادي، إضافة إلى التسبب في ضغط حاد على نظام الرعاية الصحية في البلاد، قبل حدوث التعافي المتوقع في وقت لاحق من العام. إن عودة السياح الصينيين المتوقعة إلى المحطات السياحية العالمية قد تسببت في إثارة مخاوف عالمية حول المتحورات الجديدة من فيروس كورونا التي قد تنتقل خارج حدود الصين. لقد سجلت الصين في عام 2022 نسبة نمو 3% فقط – وهذا ثاني أسوأ معدل نمو في البلاد منذ عام 1976. وفي هذه الأثناء، انخفض عدد السكان في البلاد في عام 2022 للمرة الأولى منذ عام 1961، حيث يُجري المحللون نقاشًا متزايدًا حول مفهوم “ذروة الصين“.
على المدى القصير، يوجد سبب للتشكيك في قوة الصين الجماعية كشريك اقتصادي لدول الخليج العربية. إن جاذبية بعض الأسواق والأصول الصينية للمستثمرين الخليجيين قد تتأثر سلبًا نتيجة للتضارب في صنع السياسات، وتباطؤ أرقام النمو، وتراجع أعداد السكان. عمليًا، تتضح بشكل متزايد حالات التصدع في نموذج التنمية الصيني- الذي كان قد تطور بموازاة فترة من النمو المستدام الذي كان مثيرًا للإعجاب، حيث بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 9% منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين. لقد أدى استعداد الصين للجوء إلى تدابير صارمة بحق الشركات المحلية إلى زيادة المخاطر السياسية المرتبطة بالاستثمارات الصينية، ومحو مليارات الدولارات من قيمة شركات التكنولوجيا، على الرغم من وجود إشارات على الحد من التضييق الجاري على شركات التكنولوجيا. وكذلك، يتعين على حكومة الصين أن تقوم بجهد كبير لدعم سوق العقارات الذي يعاني من مشاكل.
إن التباين الإقليمي بشأن أهمية الصين في ملفات الشؤون الخارجية يشكل عقبة أخرى أمام تعميق العلاقات الصينية-الخليجية، خاصة على المدى المتوسط. إن التأثير الصيني ليس حاضرًا أو قويًا أو مرغوبًا بشكل متساوٍ في أنحاء المنطقة. بينما تُعتبر الصين قوة لا جدال حول قدراتها فيما يتعلق بالتدفقات التجارية الإجمالية، فإن هذه القوة الآسيوية العظمى ليست بأي حال من الأحوال شريك الطاقة الأكثر أهمية لكل منتجي النفط والغاز في المنطقة، كما أنها ليست بالضرورة أكبر شريك استثماري أجنبي للدول الإقليمية. يمكن أيضًا اكتشاف هذه الأهمية المتفاوتة في علاقات الصين الثنائية في المنطقة من خلال مزيج من الشراكات الاستراتيجية الشاملة (السعودية والإمارات العربية المتحدة)، والشراكات الاستراتيجية (قطر وعُمان والكويت)، والمزيد من الشراكات المحدودة غير المذكورة رسميًا مثل (البحرين). أما إيران التي تتمتع بشراكة استراتيجية شاملة مع الصين، فقد صدر عنها توبيخ دبلوماسي نادر بعد أن اشتمل بيان بيكين المشترك مع دول مجلس التعاون الخليجي على تصريحات بشأن الجزر المتنازع عليها في مضيق هرمز، ما أدى ببعض المحللين للتلميح بأن مشاركة الصين مع العالم العربي تشكل ضغطًا على إيران.
لقد برزت الولايات المتحدة ومصالحها بشكل واسع في التغطية الإعلامية للقمم التي تمحورت حول الصين في ديسمبر/كانون الأول. وكما يشير جوناثان فولتون (Jonathan Fulton)، فإن المنافسة الجيوسياسية بين واشنطن وبكين لا تشكل الإطار الأكثر إقناعًا لفهم زيارة الرئيس شي إلى الرياض. ومع ذلك، تستمر مخاوف الحكومة الأمريكية بشأن العلاقات الصينية-الخليجية في التأثير على اعتبارات السياسة الخارجية لدول الخليج على المدى البعيد. لقد حذر المسؤولون الأمريكيون نظراءهم الخليجيين مرارًا من مخاطر التعاون الوثيق مع الصين في القضايا الأمنية. تحدث وكيل وزارة الدفاع كولن كال (Colin Kahl) في حوار المنامة 2022 في البحرين قائلا، “إن رفع السقف أكثر من اللازم مع بكين سيؤدي إلى تخفيض السقف مع الولايات المتحدة – ولا يعود ذلك لأسباب عقابية ولكن بسبب مصالحنا”. يتكرر تردد صدى هذه الرسالة بشكل مختلف في عواصم الخليج، ولكن المسؤولين في المنطقة يدركون المخاطر المرتبطة بكسر هذا السقف، سواء كان ذلك بإرادتهم أم من دونها، والآثار المترتبة على ذلك.
يستجيب المسؤولون الخليجيون غالبًا للمخاوف الأمريكية المتعلقة بالجوانب الجدلية للتعاون الصيني-الخليجي- خصوصًا ما له علاقة بالأمن – بطريقتين: إن الولايات المتحدة إما أنها غير متأكدة أو غير واضحة بشأن ما يشكل الخطوط الحمراء، وأن الولايات المتحدة ليست دائمًا مستعدة أو قادرة على توفير بدائل مناسبة، مثل المعدات والتكنولوجيا لشبكات الاتصال من الجيل القادم. ومع ذلك، يقوم المحللون المقيمون في الولايات المتحدة، بشكل متزايد، برسم هذه الخطوط الحمراء والمبادئ التوجيهية لمجموعة من مجالات التعاون. وقد يفكر المسؤولون الأمريكيون مرتين في المطالب العامة القوية بشأن استبعاد الشركات الصينية، مثل هواوي، من شبكات الجيل الخامس المتنامية، نظرًا لأن الجهود السابقة في هذا الاتجاه قد فشلت بشكل كبير، لكن من المتوقع أن يقدموا حججًا قوية في المناقشات خلف الأبواب المغلقة ومن خلال مسارات الدبلوماسية الخاصة.
إن تحليل العلاقات الصينية-الخليجية على المستوى الإقليمي لن يكون كافيًا لتوضيح مسار هذه العلاقات. سيكون هناك قدر كبير من التأثير الصيني في المنطقة على المستوى الوطني ودون الوطني، حيث من المحتمل جدًا أن يواصل النمو تقدمه بشكل غير متساوٍ في مختلف الدول وداخل الصناعات المختلفة. في الواقع تفضل بكين، في غالب الأحوال، نهج العلاقات الثنائية لأنه عادة ما يمكن الصين من أن تكون اللاعب الأكبر. تبدو حكومة السعودية متحمسة للدفع قُدمًا بعلاقاتها مع الصين بسرعة، ولكن العديد من دول الخليج الأصغر تسير بحذر أكبر. ومع ذلك، فإن الجهات الفاعلة المشاركة في تشكيل العلاقات الصينية-الخليجية تشمل أيضًا الإمارات وصناديق الثروة السيادية والكيانات المرتبطة بالحكومات وشركات القطاع الخاص. وهكذا، حتى بعد هذا العرض الناجح الذي تقوده الجهات الحكومية الفاعلة، فإن التدابير التالية المطلوبة لتعميق العلاقات الصينية-الخليجية ستواجه ظروف السوق الغامضة ومجموعة أكبر من المصالح المحتمل أن تكون ذات طابع تنافسي.