في 19 أغسطس/آب، وافق مجلس الأمة الكويتي على تعديل قانون المطبوعات والنشر، والذي أنهى عقود من الرقابة الحكومية المسبقة والمشددة على النشر. حظرت الكويت ما يقارب الـ 5000 كتاب في السنوات السبع الماضية، مما وضع المعرض تحت مجهر العديد من المنظمات الأدبية الدولية والمحلية.
تنفق دول الخليج العربية مليارات الدولارات لتصبح منارات أدبية ومراكز ثقافية، حيث تستضيف أحد أكبر معارض الكتاب في المنطقة والعديد من الفعاليات الثقافية. ومع ذلك، فإن القوانين الصارمة، التي تنظم المشهد الثقافي، تتعارض مع مساعي الترويج الذاتي والتواصل العالمي الذي تقوم به دول الخليج أمام العالم، وتثير تساؤلات جوهرية حول مستوى الحرية الفكرية والثقافية في الخليج.
الكويت تنهي عقوداً من الرقابة المشددة
بالرغم من تصنيف الكويت – الأعلى بين دول الخليج – في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2020، إلا أن المطبوعات تخضع لرقابة صارمة من قبل اللجنة التابعة لوزارة الإعلام. يقول د. علي السند، مقدم برامج تلفزيونية وأستاذ التاريخ الإسلامي في الكويت، “إن تاريخ رقابة الكتب في الكويت مليء بالمفارقات المضحكة والتناقضات المبكية، مما جعل معرض الكتاب في الكويت في وضع بائس.”
تقول ليلى العمار، باحثة كويتية ومؤلفة كتاب “الميثاق الذي قطعناه، “وفقا للقوانين السابقة لعامي 1961 و2006، “كانت الكتب محظورة إلى أن يذهب مؤلفوها إلى المحكمة لإثبات عكس ذلك”، مضيفة، “أما الآن فالتعديل الحالي صحح هذه الخطوة غير المنطقية، حيث يقع العبء في القانون الحالي على عاتق الشخص الذي يدعي أنه تضرر من محتوى الكتاب بدلاً من المؤلف.”
تشير ليلى إلى أن هذه الرقابة المشددة قد تكون نتيجة لقوة مجلس الأمة في الكويت. “فقد كان مجلس الأمة الكويتي أكثر محافظة وتشدداً من أي مجالس أخرى رأيناها منذ وقت طويل. وأنا أشك بأن قانون المطبوعات والنشر الأصلي [في عام 2006] كان سيمر لو لم يكن لدينا برلمانا قوياً. ومع ذلك، يقول الشاعر الكويتي عبد الله الفيلكاوي بأن لجنة الرقابة طالت حتى الكتب الإسلامية التي أجمعت عليها كل الأطياف [السنية والشيعية].
يقول عبد الله الخنيني، ناشط وباحث كويتي، “لطالما كانت أصوات الكويتيون عالية وصريحة تجاه منع الكتب منذ سن قانون النشر في عام 2006، ولكن الناس كانوا يعتقدون أن تعديل هذه الأحكام المتجذرة أمراً مستحيلا.”
يشتد النشاط ضد الرقابة على الكتب مع اقتراب موعد معرض الكتاب السنوي، والذي يلفت الأنظار المحلية والدولية. في عام 2018، احتج مجموعة من النشطاء عند مدخل معرض الكتاب بعد حظر آلاف الكتب. كان هناك حراك مدني فعال من مجموعات مختلفة تقيم الندوات والأنشطة وتدعو إلى الاحتجاجات ، وتطلق حملات على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل حملة #منع_في_الكويت لتعزيز الوعي حول هذه القضية. وأوضح الخنيني قائلاً، “لقد كانت جهوداً جماعية غير منظمة، شملت منظمات المجتمع المدني الرسمية وغير الرسمية، والتي بدأت تحديداً على موقع تويتر في عام 2015. ولكننا بدأنا رسمياً ممارسة الضغط لإقناع النواب والجهات المسؤولة عام 2018.”
بعد أن صدر القانون الأخير من اللجنة البرلمانية وتمت مناقشته في جلسة علنية، صوت أغلب أعضاء البرلمان لصالحه. “التعديل الجديد على القانون ينقل سلطة الرقابة من اللجنة الوزارية إلى القضاء. يضيف الخنيني، “ومن ثم، لا بد من إصدار حكماً قضائياً بمنع الكتاب، ولكننا نأمل أن يؤدي ذلك إلى تخفيف القيود على المساحات الثقافية والفكرية في الكويت”.
يعتقد بعض النشطاء أنه لم يتم إنجاز كل ما طالبوا به في التعديل النهائي. لا تزال المطبوعات خاضعة لقوانين أخرى مقيدة للحريات، مثل قانون الجزاء، بما في ذلك قانون الإعلام وقانون الجرائم الإلكترونية وقانون الوحدة الوطنية، وغيرها من القوانين، رغم مطالبة بعض النواب بإلغاء هذه العقوبات من قانون المطبوعات والنشر، لكن المجلس رفض المقترح. واختتم الخنيني قائلا، “مع اقتراب موعد الانتخابات، نحتاج إلى إصلاح شامل من أجل الوصول إلى مستوى عملي مقبول من حرية التعبير.”
وتقول العمار، “في حين أن التغيير في القانون يعد خطوة إيجابية ومهمة فيما لا يزال كفاحاً من أجل حرية أكبر للتعبير، ما يزال يراودني الفضول بشأن منع أكثر من 4500 كتاب أثناء سريان القانون السابق. هل سيتم رفع المنع عنهم تلقائيا؟ لا تزال هناك أموراً بحاجة إلى توضيح.”
ومع ذلك، لا يزال هناك دعم شعبي وبرلماني كبير للرقابة على المطبوعات. يرى بعض الكويتيين أنه من واجب الدولة الحفاظ على “الأمن الفكري” لاستقرار الدولة. يقول د. بسام الشطي، أستاذ الشريعة بجامعة الكويت، “إن الحرية لها ضوابطها وليست عباءة يختبئ فيها الفوضويون.”
لا تقتصر قوانين الرقابة الشديدة على النشر – سواء المطبوع أو الالكتروني – على الكويت. رغم أن معظم قوانين تنظيم النشر في دول الخليج تقر بأهمية حرية الصحافة والتعبير، فإن بعض مواد هذه القوانين تقيد بشدة مجموعة واسعة من الأنشطة التي تعتبرها السلطات غير أخلاقية، أو تضر بالوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي، أو تتعارض مع مصالح الدولة، وكلها تخضع لتفسيرات مختلفة. إن هذا الغموض يعطي الجهات المسؤولة عن تنفيذ هذه الأحكام مساحات كبيرة للتفسير، ومن ثم تقييد المحتوى. في بعض الدول، تسعى هذه القوانين إلى دعم الحكومات في بناء هوية وطنية وفقا لتصورها لضمان التزام المواطنين بما تعتبره الدولة مقبولاً.
قوانين الرقابة في دول الخليج
يعتبر معرض كتاب الشارقة السنوي من أكبر الفعاليات الثقافية في المنطقة، حيث يستقطب أكثر من مليوني زائر سنوياً. تعهد مسؤولون من المجلس الوطني للإعلام، الجهة الإماراتية المسؤولة عن تنظيم الصحافة والنشر، بعدم رقابة الكتب في معارض الكتاب السنوية. ومع ذلك، فقد أصدر مجلس الوزراء مؤخراً قانوناً يقيد بشدة المحتوى الإعلامي – المرئي والمسموع والمطبوع والرقمي، بالإضافة إلى قانون الصحافة والنشر السابق لعام 1980. على سبيل المثال، يحظر القانون “الإساءة” إلى النظام الاقتصادي للبلاد، وضرورة احترام توجيهات وسياسات الدولة، ويوسع نطاق الرقابة ليشمل المحتوى الالكتروني من خلال إنشاء “لجنة رقابة المواقع الالكترونية”، التي حظرت قائمة طويلة من الأنشطة، التي اعتبرتها مجرمة قانونياً، مثل “عدم احترام سياسة الدولة وقراراتها وثقافتها والإضرار بالهوية الوطنية”.
وقد رحب بعض الإماراتيين بهذه القوانين، معتقدين بأن “تنظيم المحتوى ضمان بأن ما يتم نشره يتم بطريقة تحمي المجتمع”.
في السعودية، تُلزِم القوانين، التي تنظم الصحافة، المطبوعات بقوانين “الشريعة الإسلامية”، وأن تحافظ الأعمال النقدية على أن يكون نقدها “موضوعي وبناء”، وألا يؤدي إلى إثارة الفتن أو الإساءة إلى السياسة العامة للدولة أو خدمة المصالح الأجنبية، التي تتعارض مع المصلحة الوطنية. ولكن تحديد ما قد يكون “بناءً” أو “مضر للمصلحة العامة” يشكل تحدياً، لا سيما وأن المملكة ليس لديها قانون جنائي مكتوب، بل يعتمد تطبيق القانون على “تشريعات وأنظمة مطاطة تخضع لتفسيرات مختلفة.
قبل بضع سنوات، صادرت وزارة الثقافة والإعلام مئات الكتب المعروضة في مقهى الراوي في الرياض. بعد أن أثار الحادث جدلاً عاماً على وسائل التواصل الاجتماعي، زعم المسؤولون أن الكتب لم يتم فسحها من قبل الوزارة.
أما عُمان، فهي تعمل بموجب قانون الصحافة والنشر لعام 1984، والذي يحمل في طياته العديد من القيود، بما في ذلك ما تراه الدولة بمثابة تشهير أو انتهاك للخصوصية أو الإضرار بالمصلحة العامة. كما يحظر أي منشور أو تقرير “من شأنه الإضرار باقتصاد الدولة”. تم حظر ما لا يقل عن 30 كتاباً من معرض الكتاب في مسقط عام 2019. يقول سليمان المعمري، كاتب وإعلامي عماني، “اعتادت الرقابة على حظر الكتب حتى أثناء المعرض، فتطلب من دور النشر والمكاتب حذف بعض الكتب، التي تراها مشبوهة، من على الأرفف.”
ورداً على منتقدي تلك اللوائح، أوضح وزير الإعلام السابق أنه يجب الحفاظ على بعض الجوانب الاجتماعية والسياسية والدينية، فعُمان دولة معروفة بأنها دولة سلام وتسامح، ويجب أن ينعكس هذا النهج في تعاملها مع الكتب.
علاوة على ذلك، تم تقييد العديد من الصالونات الثقافية، التي تقيمها نواد وجمعيات مدنية، لمناقشة المواضيع الفكرية والكتب في عُمان. يقول المعمري، “الصالونات الوحيدة المسموح بها الآن هي تلك التي تقيمها الجهات التي تدعمها الحكومة”، مضيفاً، “كان لدينا حراك مدني ثقافي نشط قبل عام 2012، والذي نظم الاحتجاجات، وقدم عريضة إلى مجلس الشورى لتعديل قوانين الرقابة، بالإضافة إلى قيامه بأنشطة توعوية أخرى. أما الآن فلم يعد هناك أي بوادر لحراك مدني فعال”. واختتم المعمري قائلا، “بسبب تقييد المساحات الثقافية العامة في السنوات القليلة الماضية، لجأ النشطاء إلى وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات الإلكترونية للتعبير عن آرائهم بشأن الرقابة.”
عدلت البحرين قانون المطبوعات والنشر لعام 1979 في عام 2002 بموجب الدستور الجديد. ومع ذلك، تقول سلمى وحيدي، محامية بحرينية في الولايات المتحدة والمديرة المساعدة لـ برنامج القانون والمجتمع في العالم الإسلامي بجامعة هارفارد،
“لا يزال القانون منظماً لكل ما يتعلق بالنشر، ويظل أحد أكثر القوانين تقييداً في المنطقة، ويتضمن عقوبات جنائية للجرائم المتعلقة بالنشر.” مضيفة، “يتم تحديد المحتوى المحظور وفقا لمفاهيم وتفاسير تمت صياغتها بلغة غامضة، وتتضمن أي مادة تسيء إلى الدين أو الوحدة الوطنية أو أي مؤسسة حكومية، وتطول القائمة لتشمل مجموعة واسعة من الكتابات.”
تمت صياغة مشروع قانون جديد في 2019 يخفف بعض العقوبات في القانون الحالي، بما في ذلك عقوبة السجن والغرامة وفصل الصحفيين. تقول سلمى، “يشمل القانون المقدم تخفيف الرقابة – ما قبل النشر وما بعده، ولكنه يتضمن أيضاً لوائح لتنظيم المحتوى الإلكتروني، حيث لا تزال القيود سارية، بحجة الحفاظ على الأمن والتماسك الاجتماعي والأخلاق”.
بسبب صعوبة قيام الرقابة بتفقد آلاف الكتب القادمة إلى معرض الكتاب، ينتظر الكثير من البحرينيين المعرض للحصول على كتب قد يتم حظرها في أماكن أخرى. وأضافت سلمى أنه بالرغم من ذلك، فإن بعض دور النشر [المثيرة للجدل]، والتي غالباً ما يكون لديها منشورات ذات طبيعة سياسية، يتم منع كتبها.
وأخيرا، تستند قطر إلى قانون المطبوعات والنشر لعام 1979 وتشريعات عامة لمكافحة الإرهاب، تستخدم لتقييد مجموعة من الأنشطة الثقافية. تراقب وزارة الثقافة أمور النشر، ويمكنها حظر أي مادة – وفقا لما تراه الوزارة – تضر “بالمصلحة الوطنية” ولا تحافظ على “قيم ومبادئ المجتمع“. كما صدر مؤخراً قانوناً “يجرم مجموعة واسعة من الأنشطة ويقيد حرية التعبير والنشر”، ويسمح بسجن المخالفين.
في يونيو/حزيران، صاغ مجلس الشورى القطري مشروع قانون جديد، ينظم الصحافة والمطبوعات، ويلغي عقوبات السجن على المخالفين. ومع ذلك، ينص المشروع على أن المحتوى المنشور يجب ألا يخالف “قوانين الدولة”. ولكن تفاصيل هذا القانون لم يتم الكشف عنها بعد.
مستقبل الرقابة
بسبب القيود الموضوعة في دساتير وقوانين دول الخليج من خلال مجموعة واسعة من الأحكام السياسية والاجتماعية، يلجأ بعض الكتاب إلى الرقابة الذاتية على منشوراتهم، وغالباً ما يعملون وفقاً لتلك المساحات المقيدة المسموح بها لهم، ويفكرون في “العواقب المقصودة وغير المقصودة لأعمالهم”. ترتبط هذه الرقابة الشديدة بالأفكار والقيم التي تحاول الحكومات تقديمها وفقا لما تراه مقبولاً. لا تزال الآثار المترتبة على مثل هذه النظم على الأجيال القادمة غير واضحة، حيث أن ما يتم قراءته عادة ما يخضع للرقابة ويتم “فلترته”.
ومع ذلك، فإن كثرة استخدام الوسائل الالكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي في المنطقة يشكل تحدياً للرقابة الحكومية. تعمل دول الخليج على تكييف اللوائح ومراجعة السياسات في عصر المعلومات الجديد، ولكن فعالية هذه السياسات لا تزال تحت الإختبار.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.