جاء صناع الأفلام السعوديون متأخرين إلى عالم الأفلام، متعثرين بسبب عدم إيجاد الفرص المناسبة والعقبات التي يفرضها النظام الاجتماعي السياسي المحافظ في المملكة. يُنظر هذه الأيام إلى صانعي الأفلام على أنهم لاعبون أساسيون في التحول الاجتماعي -من الأعلى إلى الأسفل - في المجتمع السعودي.
شهدت الأعوام الماضية إنجازات بارزة للسينما السعودية حيث تم اختيار أفلام سعودية لمهرجانات عالمية مرموقة مثل صندانس، وبعضها تم شراؤه وعرضه على نيتفليكس، وأخيرا عرضها لأول مرة على الشاشات السعودية.
جاء صناع الأفلام السعوديون متأخرين إلى عالم الأفلام، متعثرين بسبب عدم إيجاد الفرص المناسبة، والعقبات التي يفرضها النظام الاجتماعي السياسي المحافظ في المملكة. مع عدم وجود مسارح مسموح بها في المملكة، استغل العديد من رواد الأفلام الذين ظهروا في العقد الماضي مواهبهم من خلال وسائل الإعلام الجديدة مثل يوتيوب. يُنظر هذه الأيام إلى صانعي الأفلام على أنهم لاعبون أساسيون في التحول الاجتماعي -من الأعلى إلى الأسفل – في المجتمع السعودي.
مع توفر الدعم الآن من مؤسسات الدولة، وجد منتجو الأفلام السعوديون نجاحًا على الصعيدين المحلي والعالمي، مما دفع بعض خبراء السينما إلى النظر إلى السعودية على أنها “مستقبل صناعة الأفلام في الخليج”. ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة ومن أبرزها أن الاعتماد على تمويل الدولة قد يشكل عائقا على مستقبل استقلالية صناعة الأفلام، التي من المفترض أن تعتمد على نفسها على المدى البعيد. بالإضافة إلى ذلك، فإن الخبرات السينمائية محدودة، وأعداد النساء اللائي وصلن إلى مجتمع الأفلام الصغير، ولكن المتنامي، قليل.
يعد علي الكلثمي من أوائل المبدعين في هذا المجال في المملكة العربية السعودية. تحدث معهد دول الخليج العربية في واشنطن مع الكلثمي، المخرج والمنتج وكاتب المحتوى والمؤسس المشارك لـ C3Films (شركة انتاج محتوى مرئي) وتلفاز11 (قناة على يوتيوب تابعة لشركة الانتاج) حول التحديات والإمكانات المستقبلية لصناعة الفيلم السعودي.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: لقد ساعدت في تأسيس تلفاز11، إحدى شركات الإنتاج الإعلامي الرائدة في المملكة. عندما بدأت في صنع أفلام كوميدية على يوتيوب مع تلفاز11، التي تضم الآن أكثر من 10 ملايين مشترك وستة أفلام قصيرة على نيتفليكس، لم تكن هناك نماذج لهذا النوع من الإنتاج الإبداعي في المملكة العربية السعودية. من أين تلقيت هذا الإرشاد والإلهام؟
علي: في مجتمعنا القصصي، يوجد رجل في كل ديوانية أو مجلس يروي قصصًا جميلة بطريقة ملهمة، ولا يشعر الناس بالملل أبدًا. كان هذا الشخص والدي. رأيت تأثير هذه القصص على الناس، الأمر الذي أعطاني الثقة وعلّمني فن رواية القصص الجميلة، إلا أن عمله كان عن طريق الديوانيات والمجالس بينما عملي كان مرئياً.
الحس الفني لطالما كان شغفي عندما كنت صغيراً، كنت أمتع عائلتي واخوتي بالفن، وكنا نعرض المسرحيات الصغيرة فيما بيننا، وكنت المخرج والممثل، وكنت أشاهد التلفاز كثيرا وأتعلم من أفلام الكرتون، وبالأخص تلك التي تمتاز بتلامس العقل والمشاعر، وهذه كانت محطة انطلاقتي. تعلمت العقلية المنتجة أثناء عملي في قناة العربية، وكنت اساعدهم في بعض الأحيان في الأعمال، وعندما رأيت الإخراج والإعداد أمام عيني أدركت بأني أستطيع ترجمة أفكاري إلى عمل حقيقي، هذا ولكني افتقدت التنفيذ حينها بحكم منصبي في العمل، مما اضطرني إلى ترك العمل والتوجه إلى عملي الخاص.
إضافة إلى ذلك، لقد عشت واقعا ميزني عن الآخرين في حي الوزارات (حي تعيش فيه مختلف الثقافات والجنسيات في الرياض)، فالقيم الإنسانية هي أساس العلاقة بيننا بغض النظر عن الجنسية والثقافة. هذا الخليط أسس شخصية “علي الكلثمي”، وساعدني في ملامسة واقع مختلف الناس، فأردت التواصل مع الناس بطريقة أخرى وهي عن طريق الخيال. أثناء عملي في قناة العربية، كنت أساعدهم في أفلامهم الوثائقية. بعد تعلم عقلية الإنتاج وتجربة الإخراج، أدركت أنه يمكنني القيام بذلك. كانت لدي الأفكار ولكن لم تسنح لي الفرصة لتطبيقها مع العربية. أجبرني ذلك على ترك العمل وتأسيس عملي لتفعيل عقلي المبدع وتطبيق أفكاري.
لقد فشلت في أول عمل لي، “تقريبا“، وهو برنامج تلفزيوني كوميدي لم يجد دعماً. شارك في إخراجه مخرج أجنبي وروى قصة مراهقين أرادوا إنشاء فرقة موسيقية في الرياض، ولكن العمل كان ذو طابع غربي ولم يلامس الواقع المحلي. تعلمت من أخطائي وقررت الدفع إلى العكس تمامًا، وهو تصوير واقع السعوديين في الأحياء والقرى المحلية.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: جاء تلفاز11 لتمثيل تطلعات وصوت الجيل السعودي الجديد من مختلف النواحي. هل شعرت بهذه المسؤولية؟ وكيف تفهم دورك في هذا التحول الاجتماعي الثقافي الكبير؟
علي: يهدف تلفاز11 إلى تنشيط العقل الإبداعي لدى السعوديين، الذين هم مثلنا. هناك الكثير من الشباب الذين يعيشون في أحياءً مماثلة، ويفكرون نفس تفكيرنا، ويشعرون بنفس شعورنا وأحاسيسنا، ويعيشون مثل تجربتنا، فيتعطشون لرؤية شيء يصور واقعهم. وبما أننا نمثل هذا الواقع، بمجرد نشر أعمالنا على الإنترنت، فإننا قادرون على التواصل مباشرة مع عقولهم وأفكارهم، وإننا نسعى الى خلق بيئة فنية. أردنا توثيق العمل الإبداعي لهذا الجيل الشاب، وخاصة أولئك الذين لم يتمكنوا من العثور على منصة لتقديم أعمالهم. كانت هذه هي الفكرة الأساسية لـ تلفاز11، قبل الانتقال إلى الأعمال الكوميدية على اليوتيوب.
انتقلنا إلى العروض الكوميدية بعد أن أدركنا أننا قادرون على إنتاج المحتوى الإبداعي والقصص المميزة الخاصة بنا. أردنا تصوير الواقع السعودي، حيث شعرنا أننا أُسيء فهمنا، حتى من قبل أشقاؤنا الخليجيين. فالبعض لديه صورا نمطية عن مجتمعنا، وهي أننا إما بدو قبليون أو أبناء مدللون. بدأنا في سرد مختلف القصص لإظهار التعددية في مجتمعنا بشتى ثقافاته واهتماماته. وبالتالي، احتجنا إلى صوت جديد، وأدركنا أنه حان وقتنا لتمثيل تطلعات هذا الجيل، واستغلينا منصات وسائل التواصل الاجتماعي الناشئة حديثًا آنذاك، وتفاعل الناس معنا.
تعبيري عن “الشعور بالمسؤولية” هو تمهيد الطريق للأجيال القادمة المهتمة بالفن، ونقل المعرفة إليهم، وتشجيعهم على سرد قصصهم، من خلال منصاتهم وإعطائهم الفرصة على أمل إنتاج المزيد من الأعمال الفنية في المنطقة.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: كيف تحاول تصوير المجتمع السعودي للعالم في أعمالك؟
علي: في هذا المجال الصعب، إذا لعب الراوي دور سفير الثقافة، فإنه مكبل بالفشل. أنا لا أؤمن بارتداء قبعة السفير، بل قبعة الفنان الذي يريد أن يروي قصصًا جميلة تمثل هذه المنطقة من العالم. سرد القصص ليس مثل الأفلام الوثائقية. طالما أننا نروي قصة مميزة، لاشعورياً سيرتبط الناس بالتفاصيل الثقافية البسيطة مثل الطريقة التي نتحدث بها، لباسنا، حسنا الفني والموسيقي، والمزيد.
ولكن في الوقت نفسه – كسعوديين – نشعر دائما بالتهجم، حتى صار اسم السعودية مقترن بأمور سلبية، والبعض يشعر بالأسى حيال ذلك. رغم ذلك، اعتقد أنه لصالحنا، لأننا كفنانين جاهزون ولدينا جمهور بتابعنا ويتطلع الى معرفة المزيد عنا وعن المنطقة، وهم على علم بأن الكثير مما يقال في الاعلام قد لا يكون صادقا لأغراض مادية. لذا، يمكننا التغلب على هذا الوصف المضلل وإصلاح الصور النمطية من خلال عملنا الإبداعي.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: في عمل تلفاز11، تلعب الإناث أدوارًا ثانوية فقط. ألا تعتقد أنك تقدم واقعًا اجتماعيًا ينطبق فقط على الذكور في المملكة؟ هل هناك مبادرات جديدة تهدف إلى تعزيز الدور النسائي؟
علي: بداية، يجب أن نفهم النسيج الاجتماعي في المملكة العربية السعودية ووضع المرأة على مدى الثمانين سنة الماضية، فهي في موقع لا تحسد عليه. المشكلة هي أن تلفاز11 يميل أكثر إلى الطابع النجدي (ينظر إلى نجد على أنها منطقة ذات طبيعة محافظة في المملكة)، ولا يزال تمثيل الإناث موصومًا في مجتمعنا. وهذه بيئة محبطة للنساء الراغبات في التمثيل.
ولا ننسى ثقافة الفصل بين الجنسين التي مررنا بها، فنحن لا نلتقي بالنساء عادةً، والقصص التي نخرجها هي انعكاس لهذا الواقع. ولكن هذا “التابو” يتغير تدريجيا مع نشوء عمل سينمائي مؤسسي، ومع تزايد قبول الجمهور للفن والمسرح. ومع كل هذه العقبات، لدينا العديد من التجارب الناجحة مع العنصر النسائي، وقد نجحت، خصوصا على قناة فُليم، إحدى قنوات تلفاز11 العشر على اليوتيوب. ولا يخفى على أحد أن هناك مخرجات مبدعات حالياً يعملن بصمت مع تلفاز11، فرغم كبر الشبكة العنكبوتية إلا أننا لا نجد توثيقا لأعمال النساء، لأنه قد يعرضهن للتنمر والتشويه مع الأسف. وبالمناسبة، أنا أعمل مع المخرجة الرائعة هند الفهد لمسلسلي القادم، وأتطلع إلى ذلك.
أخيراً، مع التحول الحاصل الذي أعطى النساء دوراً أكبر في مجتمعنا، سينعكس هذا الواقع في قصصنا.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: في عام 2006، اقتحم بعض المتطرفين المسرح في جامعة اليمامة خلال عرض مباشر لمسرحية اعتقدوا أنها تتعارض مع مفاهيمهم الشرعية، وتم إيقاف المسرحية إثر ذلك. هزت هذه الحادثة المجتمع، وأثارت جدلاً بين السعوديين. لماذا اخترت التركيز على هذه الحادثة المؤسفة في فيلم وسطي على نيتفليكس؟
علي: كنت أرغب في توثيق مرحلة من الحياة في السعودية أسميها مرحلة “العداء للفن والمسرح”. على الرغم من أنها حادثة مخجلة، تعاملنا معها بشكل إيجابي في الفيلم، من خلال تقديمها بطريقة تظهر أننا تعافينا من ماضينا. أضفنا عنصرًا إنسانياً، على شكل قصة شخص أعمى كان ضحية لهذه المرحلة العدائية، لخلق شيء من العاطفة عند المشاهد، واختتامها بنهاية سعيدة لخلق شعور بالسخرية، والذي أمتاز به.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ازداد دعم مؤسسات الدولة في مجال صناعة الأفلام، وآخرها من خلال وزارة الثقافة. كيف تقيم الدعم المؤسسي بشكل عام لمبادرات الأفلام السعودية، وكيف يؤثر ذلك على عملك؟
لم أكن لأصدق ذلك لو قيل لي أن هذا سيحدث قبل عدة أعوام. كانت الإصلاحات المؤسسية في صناعة الأفلام سريعة جدًا. كان من الممكن أن يؤدي هذا الشعور الغامر إلى إرباك بعض الأشخاص من شدة سرعة التغييرات، ولكنه في الوقت نفسه دفع الآخرين إلى أخذ الأمر بجدية أكثر. انتظرت أن يحدث هذا لمدة 10 سنوات. لقد كنا أول من استفاد من هذا الدعم من خلال مشروع إثراء، الذي ترعاه شركة أرامكو، والذي ساهم في نجاح أعمالنا التي وصلت الى نيتفليكس.
أعتقد بأن هذا الدعم مهم لأننا لو نظرنا إلى خارطة صناعة الأفلام في العالم سنجد أنها دخلت إلى مرحلة قطبية: إما عالية الميزانية blockbusters أو مشاريع مستقلة محدودة الدخل. أيضًا، دخلنا عالمًا سينمائيًا عمره 100 عام، ونحن مازلنا مبتدئين في هذه التجربة. لا ننسى التحول الملحوظ في عالم السينما، خاصة مع دخول شبكات البث مثل تيتفليكس، وهذا قد يشكل تحديا بالنسبة إلينا.
ومع ذلك، فإن الاعتماد على الدعم المؤسسي لن يصب في مصلحة الفنانين، بل يجب أن نطمح إلى العمل وفق منهجية مستدامة ومستقلة، وأن نصنع نموذجاً تجارياً نستثمر فيه، لتكون لدينا صناعة سينمائية حقيقية لخلق حركة اقتصادية سينمائية تحرك السوق السعودي. فإذا لم يكن هذا هدفنا، فإننا نضيع وقتنا ونهدر أموالنا.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: أخبرنا عن مشاريعك السينمائية القادمة. هل ستنتج أفلامًا سينمائية طويلة؟ من هو الجمهور الذي تستهدفه؟
علي: بعد تجربتنا مع وسطي، أدركنا أن عملنا يمكن أن يتطور بسهولة إلى أفلام سينمائية. أنا حاليا في مرحلة كتابة فيلم وسلسلة كاملة. نأمل في إخراج العديد من الأعمال الجديدة في السينما وعلى نيتفليكس قريبًا.
أنا متأكد من أنه يمكننا استهداف جمهور أوسع. أعتقد أن الجيل الحالي في هذا العالم لديه الكثير من القواسم المشتركة، قد تكون الذائقة الفنية أو الموسيقى أو الحس الفكاهي. لقد أصبح العالم مثل القرية الصغيرة بفضل العولمة. كان هذا واضحًا في سلسلتنا على نيتفليكس، “ستة شبابيك في الصحراء”. للعلم نيتفليكس هم من طلبوا عرض هذه السلسلة، وقارنوا أعمالنا بأعمال عالمية عظيمة أخرى، فالمشاهدات حول العالم كانت مبهرة. لذلك أنا مؤمن بأن هناك فرصة ذهبية للسعوديين لدخول هذا العالم.
العمل الفني في المملكة لديه القدرة على الدخول إلى عالم السينما وإحياء صناعة الأفلام الجيدة. يبدو هذا مبالغًا فيه، لكن العالم ينتظر التجربة السعودية. قد تكون تجربتنا مثل الموجة الفرنسية الجديدة في منتصف الخمسينيات أو الواقعية الإيطالية في منتصف الأربعينيات. فهذه كلها تجارب سينمائية أدت إلى نضوج العمل السينمائي بدلاً من الأفلام التجارية البحتة. أعتقد أننا نستطيع القيام بذلك.
لمعرفة المزيد عن علي الكلثمي، يمنكم متابعته على تويتر وإنستجرام.
ينذر تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله بحرب شاملة في لبنان، مع خسائر كبيرة في صفوف الحزب. وبينما تواصل إسرائيل ضرباتها الجوية، يواجه حزب الله وإيران تحديات صعبة بشأن التصعيد العسكري.
بينما تُسرع الحكومات الخليجية في تنفيذ أجندات التنمية المحلية، فإن إيجاد الوظائف المحلية وعائدات الضرائب تعد مؤشرات لقياس مدى النجاح في صنع السياسات الاقتصادية.
إن وقف إطلاق النار بعيد المنال في غزة، والانهيار المحتمل لإمكانية تحقيق حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، وتزايد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، كلها عقبات رئيسية أمام استئناف التقدم في مسار عملية التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.