يُعد مجمع أبو ظبي الثقافي، الذي تم افتتاحه في موقع طالما كان قلب المدينة الاجتماعي والثقافي، فريدًا من نوعه من حيث التكامل بين الثقافة والمكان، ويمكن أن يكون نموذجًا للانبعاث الحضري.
في السابع من كانون الأول، تم أخيرًا فتح أبواب المجمع الثقافي في أبوظبي للجمهور عامةً ختامًا لعشر سنوات من الانتظار. ويشمل ترميمًا كاملاً لحصن من القرن الثامن عشر (المقر الأصلي لحكومة أبوظبي حتى ستينيات القرن الماضي)، ومؤسسة ثقافية يرجع تاريخها إلى عام 1981، وبيت الحرفيين. وقد تمت إعادة تجهيز الساحة التي تتوسط هذه الأبنية لفتحها أمام الجمهور. إن عملية التطوير برمتها، بالإضافة إلى إضافة الأماكن الثقافية التي تعدّ المدينة في أمَس الحاجة إليها، هي أمر بالغ الأهمية لعدة عوامل. لقد أتى المشروع بثماره بعد فترة طويلة اعتراها تغيير في التوجهات، مستلهمة إلى حد كبير من تحرك جماهيري محلي سعى للحفاظ على تراث المدينة الحديث واحترام ذاكرتها الحضرية. علاوة على ذلك، وعلى النقيض من العديد من المبادرات الأخرى في أبوظبي ومنطقة الخليج العربية على نطاق أوسع، لا يمكن تصور هذا المجمع على أنه كيان منعزل قائم بذاته، بل يتكامل مع المدينة التي لديها إمكانات عظيمة فيما يخص الانبعاث الحضري.
بدأت اللوحات الإعلانية في الظهور فجأة حوالي عام 2008 لتعرض مظاهر من تاريخ أبوظبي، لكنها حجبت بشكل فعال الوصول إلى الموقع الذي سيصبح المجمع الثقافي. في الحقيقة، كان ذلك المجمع حتى ذلك الحين هو القلب الاجتماعي والثقافي لأبوظبي. فكانت المؤسسة الثقافية مركزًا لنشر الثقافة عدا عن كونها مركزًا اجتماعيًا لسكان المدينة. كان يُحتفظ في القلعة، قصر الحصن، بالمحفوظات الوطنية لبعض الوقت، لكن تم إغلاقها أخيرًا من أجل الترميم. ومع ذلك فقد بقيت حقًا رمزًا للأصناف التي تشير إلى أصول أبوظبي القديمة. كانت المؤسسة الثقافية مهمة من الناحية المعمارية كونها من تصميم شركة الحداثة المعمارية “شركة المهندسين المعماريين التعاونية” التي تأسست في الولايات المتحدة من قبل والتر غروبيوس، الذي ترأس مدرسة باوهاوس في ألمانيا في الأربعينيات. كان هشام أشكوري، وهو معماري عراقي، هو المهندس الرئيسي للمشروع. من خلال عرض تأثيرات الحداثة القوية بالإضافة إلى عناصر من التراث المحلي قدمت مثالاً جديرًا بالاهتمام على التناغم بين الحداثة والظروف المحلية من خلال العناصر الزخرفية، واستخدام الأقواس، وسلاسل طويلة من الأعمدة لتوفير الظل. بالإضافة إلى ذلك، فقد دمجت الإيماءات الحضرية مع المدينة المحيطة بها من خلال ممر يقسم المبنى إلى شطرين ويحيط بالحصن. في عام 2006، قررت السلطات إعادة تطوير الموقع، مدفوعةً بجهود ترميم الحصن. وقد طرحت الخطة الرئيسية المختارة، من قبل شركة استشارية في لندن، هدم المؤسسة الثقافية، والحفاظ على الحصن، ووضع النشاطات الثقافية تحت الأرض. حيث يمكن الوصول إليها من خلال سلسلة من المنحدرات المؤدية إلى الساحات الغائرة تحت الأرض. وكان المبرر لمثل هذا النهج هو السماح بالوصول البصري إلى الحصن دون معيقات. ويتم استخدام المنطقة فوق الأرض كساحة كبيرة للاحتفالات.
ومع تسرب الحديث عن هذه التطورات، أعربت مجموعة مكونة من مواطنين محليين وسكان منذ فترة طويلة عن اعتراضاتهم، معتبرين أن المؤسسة الثقافية تمثل جزءًا كبيرًا من تراث المدينة ويجب الحفاظ عليها. في الحقيقة، تم تشكيل مجموعة على فيسبوك “أنقذوا المؤسسة الثقافية”، ما سمح لأنصار المبنى بمشاركة ذكرياتهم. بالنسبة للكثيرين، كانت المؤسسة جزءًا من تربيتهم في المدينة، كمكان لمطالعة الكتب، ومشاهدة العروض، ومقابلة الأصدقاء. في البداية تم تجاهل هذه الأصوات، وعندما كانوا على وشك وضع حجر الأساس للمشروع (أنشأ مكتب لندن فرعًا في أبو ظبي في عام 2011 للمباشرة بعملية البناء)، أُمِر كل من هيئة أبوظبي للثقافة والتراث والعميل الرسمي، بوقف التطوير ومراجعة الخطة الرئيسية. وفيما بعد، جرت منافسة جديدة بهدف الحفاظ على المبنى سليمًا ووضع الموقع برمته ضمن سياق التطورات من خلال تضمين مسارات للمشاة، على سبيل المثال. كان الهدف العام هو إنشاء مركز ثقافي يجمع ما بين سكان المدينة والزوار. وبينما كانت هذه العملية تجري على قدم وساق، قررت السلطات عقد مهرجان تراثي سنوي بالتزامن مع اليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة. في عام 2013، افتتحت المؤسسة الثقافية للمرة الأولى، وظهرت إمكانية إعادة توظيفها كمركز ثقافي جديد. في عام 2015، أصبح بالإمكان الوصول إلى الجزء الخلفي من المبنى، المواجه مباشرة للمناطق الشاهقة المحيطة، من الشارع طيلة أيام المهرجان. وحال اختتام الفعاليات، تم إغلاق الموقع مرة أخرى، وعادت لوحات الإعلانات على الفور، وبدأ العمل في تنفيذ خطة رئيسية جديدة. وقد تم الآن استعادة الحصن والمؤسسة الثقافية بالكامل، وتحولت المساحات بينهما إلى ساحة مفتوحة بالكامل ويسهل الوصول إليها.
هذا الانفتاح وإمكانية الوصول مهمان لدولة الإمارات العربية المتحدة. إن العديد من المؤسسات الثقافية التي افتتحت مؤخرًا كانت خارج مراكز المدن في الإمارات العربية المتحدة، وهذا ما عزلها من عدة جوانب. وفي حين أنها قد تكون ناجحة من حيث المقاييس، مثل عدد الزوار، إلا أنها لا تتفاعل بشكل فعال مع المدينة من حيث تطوير نسيجها الحضري، ما يحفز المزيد من التنمية الحضرية، وما شابه ذلك. اللوفر أبوظبي، على سبيل المثال، يقع في جزيرة السعديات على أرض معزولة نسبيًا. وبالمثل، يقع مركز جميل للفنون الذي افتتح مؤخرًا في دبي في حي الجداف في المدينة، وتحيط به المنشآت الصناعية والفنادق الفاخرة والمساكن الراقية، ومع أنه ليس بعيدًا عن مركز المدينة، إلا أنه لا يمكن الوصول إليه وخاصة سيرًا على الأقدام، على سبيل المثال. وهكذا، فإن هذه المشاريع، رغم أنها مثيرة للإعجاب في حد ذاتها من حيث العمارة ومحتوى برامجها، إلا أنها ليست جزءًا من التناغم اليومي لكل مدينة والذي يعد مكونًا هامًا لأي تنمية ثقافية حضرية ناجحة. يوجد في جميع أنحاء العالم أمثلة على نهج بديل يؤكد على التآلف مع المدينة، بما في ذلك مركز بومبيدو في باريس، وتيت مودرن في ساوث بانك في لندن، وغوغنهايم بلباو، ومقاطعة غرب كولون الثقافية المستقبلية في هونغ كونغ.
لدى مشروع تطوير المجمع الثقافي في أبوظبي إمكانية كبيرة لتغيير مركز المدينة، وذلك بسبب الطريقة التي اعتمدتها الخطة الرئيسية بأخذها المدينة المحيطة بعين الاعتبار، فالساحة مفتوحة بالكامل على الشوارع المحيطة وتسمح للزوار والمقيمين بالسير على الأقدام والاستمتاع بالظل تحت أشجار النخيل والجلوس على المقاعد مع الأصدقاء دون الحاجة للدخول إلى أي من المباني. كما يمكن للجمهور الوصول إلى المؤسسة الثقافية وبيت الحرفيين مجانًا، بالرغم من أن الحصن يتطلب رسوم دخول. إن المساحة هي امتداد للمدينة، وهي ممر طبيعي يمكن أن يعبره الناس إجلالاً لتراث أبو ظبي وأصولها.
وفي الوقت نفسه، فإن حقيقة كون المجمع الثقافي يقع ضمن وسط المدينة ومحاطًا بأحياء عالية الكثافة السكانية تسهل إمكانية الوصول بشكل متساوٍ لمجموعات متنوعة من الناس وتوفر فرص الالتقاء بين الطبقات الاجتماعية المختلفة في أبوظبي. إن هذا المكون الحاسم لمدينة صحية يسهل الوصول إليها يحقق جانبًا هامًا من جوانب الاستدامة الاجتماعية، وهو أحد المكونات الرئيسية لأجندة الأمم المتحدة الحضرية الجديدة. علاوة على ذلك، فإن السوق المركزي قريب وسيسمح باستمرارية التنوع والترابط، ما سيزيد من دفع عجلة التطور وحركة السير على الأقدام في هذه المنطقة. في الواقع، أعرب أصحاب المتاجر عن آمال كبيرة في أن يؤدي افتتاح المجمع الثقافي إلى زيادة تدفق الناس. كل ذلك مكونات حيوية لانتشار الحضارة التي تجري في الشوارع العامة في المدينة أكثر منها في الأماكن الخاصة المغلقة.
يتم تحديد المراكز الحضرية الكبرى من خلال إعداداتها العامة ومدى توفيرها مساحة متاحة لجميع مواطنيها. تمتلك أبوظبي الإمكانية لتكون نموذجًا لبقية المنطقة يظهر كيف يمكن تحقيق الثقافة، والانبعاث الحضري، والحضارة النشطة النابضة بالحيوية -والمستدامة- في مدينة عربية خليجية.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.